" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
- المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله -
لنكتب أحرفا من النور، لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار
يمر علينا شهر رمضان و قلما نقف علي معانيه السامية بالصدق المطلوب، كثيرا ما نصطدم بسلوكات غريبة تماما عن روح هذا الشهر العظيم، و الصوم مدرسة في تهذيب الأخلاق، فجأة نلاحظ علي الناس تغيرات، منها إيجابي و منها سلبي، يخفت الصخب، التركيز علي العمل يكون أكبر عند البعض و عند البعض الآخر، تكون الأعصاب مشدودة و شرارة الغضب تشتعل لأتفه الأسباب.
كيف نفسر هذه الظواهر ؟ هل تعني أن هناك فئات حريصة علي التليين من طباعها الخشنة ؟ و فئات أخري لا تنظر إلي رمضان إلا من زاوية الإنقطاع عن الشرب و الأكل ؟ نعم لنقل ذلك.
ماذا تكسب الفئة الثانية من تغليظ طباعها في شهر الرحمة و المغفرة ؟
لماذا لا تسعي جاهدة و صادقة لتغيير ما في نفسها من سوء الخلق إلي حسن خلق ؟ هل التغيير في الإتجاه الصحيح و الذي يرضي الله عز و جل و رسوله صلي الله عليه و سلم هو بهذه الصعوبة و التعقيد لنستثقله، فتفتر همتنا و نتراجع خطوات إلي الخلف ؟
تجديد الإيمان مع كل صباح يهدينا إياه الله جل و علا، هذا هو المحبذ و المرغوب فيه و التجديد في ذاته غدي أمرا ملحا بالنظر إلي طغيان مظاهر التغريب و الإنسلاخ الحيوانية علي مجتمع كان أكثر مناعة أخلاقية في عهد الإستدمار الفرنسي منه في عهد الإستقلال.
فأن نعيد معرفتنا بديننا في أصوله و أخلاقه، يمكننا من رؤية عيوبنا و خطايانا و مساوءنا بدون نظارات تجميلية، و هذا ما علينا السعي إليه حثيثا، فالجنة لا نفوز بها هكذا بمجرد ما نقيم العبادات الكبري ، فترانا لا نأبه إن صدق قولنا و فعلنا في يومنا و لا نبتعد عن اللغو و عن كل مظاهر الفراغ الروحي و التسطح الفكري. فالصوم يتيح لنا إصلاح ما هو فاسد، إكمال ما بدأناه و تقوية عزيمتنا بحيث يصير همنا الوحيد : إرضاء الخالق، هذا الخالق تعالي الذي وهبنا كل شيء و أنعم علينا بكل شيء و كرمنا بالإسلام دينا و العربية لغة، كيف لا نفكر جديا في إرضاءه و التقرب منه و حبه الحب المطلق الذي يعلو علي كل حب و محبة ؟
فهل لنا أن نتمعن مليا في معاني رمضان ؟ هل لنا أن نتخذ من التقوي فلسفة حياة كاملة و شاملة ؟ فنغدو إلي عملنا و أهلنا و مجتمعنا و نحن عاقدين العزم علي ألا نعود إلي المعصية و الكبيرة و الإنصراف علي الله و دينه ؟
هذا ما نرجوه صدقا و ينبغي علينا العمل له بدون كلل أو ملل و التوفيق من الله تعالي.