قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
السبت, 16 نيسان/أبريل 2022 08:38

المسلم كالنحلة

كتبه  العلامة الدكتور يوسف القرضاوي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

إن المسلم الحق ليس ذنبًا أو إمعة، يسير وراء الناس حيث ساروا، و يأخذ منهم ما خبث و ما طاب، و لكنه يتطلع و يتوق و يرنو دائمًا إلى الأحسن من كل شيء، و قد أثنى الله تعالى على المهديين العقلاء المبشرين من عباده، فقال: {فَبَشِّرۡ عِبَادِ * ٱلَّذِينَ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ وَ أُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (الزمر: 17، 18) .

و هذا شأن المسلم مع الثقافات و الحضارات، إنه يأخذ أحسن ما فيها، و يضمه إلى ما عنده، و يضفي عليه من روحه، ما يفقده جنسيته الأولى، و يغدو جزءًا من منظومة المسلم الثقافية.

إنه أشبه في صلته بالثقافات المتنوعة، بالنحلة، التي تعمل بهُدى وحي ربها إليها، و إلهامه إياها، تنتقل بين الأشجار و الأزهار، تأكل من كل الثمرات الطيبة، سالكة سبل ربها ذللًا، ثم تمتص ما تأكله و تهضمه و تتمثله، ثم تحوله إلى شراب يخرج من بطونها مختلفًا ألوانه، فيه شفاء للناس.

و في الحديث النبوي: «مثل المؤمن مثل النحلة، لا تأكل إلا طيبًا، و لا تضع إلا طيبًا»(1).

و هكذا يستطيع المسلم الناضج الراسخ في إيمانه و علمه: أن يقرأ ما شاء من الفلسفات، و يطلع على ما شاء من الثقافات، و منها الثقافة الغربية الحديثة، ثم يقتبس منها ما يلائم عقيدته و مفاهيمه عن الوجود و عن المعرفة و عن القيم، و ما يتفق مع نظرته إلى الألوهية و إلى الكون و الإنسان و الحياة و التاريخ.

فهو يأخذ ما يأخذ عن بينة ... و يدع ما يدع على بصيرة.

يستطيع المسلم الحق أن يقتبس ما يراه حقًّا من المنهج الشكي لديكارت، و من مثالية هيجل، و من مادية ماركس، و من وضعية كونت، و من نشوئية دارون، و من تحليل فرويد، و من مجتمعية دوركايم، و من واجبية كانت، و من تطورية سبنسر، و من حدسية برغسون، و من براغماتية جيمس، و من عقلانية راسل، و من تشاؤمية شبنجلر، و من تفاؤلية توينبي، و من وجودية سارتر.

يأخذ من هؤلاء و من غيرهم ما يلائمه، و يدع ما لا يلائمه، يُدخِل هذا كله في مصفاة عنده للتنقية و التمييز، فيأخذ ما صفا من كل شوب، و يدع الشوائب و الرواسب و الكدورات، فموقفه موقف المتخير المميز بين ما يقبله و يعرفه منطق العقل، و منطق الدين، و منطق العلم، و ما لا يقبله و لا يعرفه، فهو يرحب بالمعروف، و يعرض عن المنكر.

إن رفضنا للنظرية الكلية لبعض هؤلاء، مثل دارون أو كونت أو ماركس أو فرويد أو دوركايم، لا يعني أن يكون كل ما قالوه باطلًا، فليس هذا من طبيعة الأشياء، و لا من سنن الله في البشر؛ و لهذا لا مانع أن يجد المسلم في هذه النظريات بعض ما يفيده في تفسير بعض القضايا أو حل بعض المشكلات النظرية أو العملية.

إن المسلم إذا بلغ درجة من النضج و الرسوخ لا يخشى عليه من أية مذاهب أو فلسفات يطلع عليها، كما لا يخشى على السباح الماهر، و الغواص المتمرس، من نزول البحر أو السباحة فيه. إنما يخشى فقط على من لا يحسن السباحة، أو قليل الخبرة إذا خاض اللجج و هو غير متهيئ لملاقاتها.

كما أن السباح البصير ينأى بنفسه عن مواقع الخطر، و الدوامات البحرية التي تبتلع من يقترب منها، مهما تكن مهارته، فهي كالوحش الفاغر فاه، أشبه بالحيتان الكبيرة و أسماك القرش و نحوها مما لا طاقة للإنسان به.

و من هنا يستطيع المسلم المتمكن و المؤمن القوي أن يقرأ فلسفات الغرب، و يطلع على آراء فلاسفته، رغم اختلاف مدارسهم، و تباين توجهاتهم، و يأخذ منها و يدع، وفقًا لمسلماته الدينية و العقلية، دون أن يحكم في ذلك هوى متبعًا، أو تقليدًا سائدًا، أو ظنًّا لا يقوم على يقين، و لا يغني من الحق شيئًا.

ليس من الحكمة و لا من الصواب إذن أن نرفض - باسم الإسلام و بمنطق شريعته - الحقيقة؛ لأنها وجدت بين ثنايا الأباطيل، كالذي يرفض كل حكمة أو موعظة وجدت في كتب اليهود أو النصارى، أو وجدت في كتب الفلاسفة الماديين المنكرين للألوهية أو للنبوة أو للبعث، أو غيرهم من الفلاسفة و العلماء أصحاب النظريات المختلفة في تفسير نشأة الكون أو في تفسير السلوك أو في تفسير التاريخ، أو غير ذلك مما يتنافى مع وجهة الدين و فلسفته، أو مع شريعته و أحكامه.

و قد شكا الإمام الغزالي قديمًا من هذه الآفة: آفة رد الحق إذا وجد في كتب أهل الباطل و اعتبرها آفة عظيمة «إذ ظنت طائفة من الضعفاء أن ذلك الكلام إذا كان مدونًا في كتبهم، و ممزوجًا بباطلهم، ينبغي أن يهجر و لا يذكر، إذ لم يسمعوه أولًا إلا منهم، فسبق إلى عقولهم الضعيفة أنه باطل؛ لأن قائله مبطل، كالذي يسمع من النصراني قول: «لا إله إلا الله، عيسى رسول الله» فينكره و يقول: «هذا كلام نصراني» و لا يتوقف ريثما يتأمل أن النصراني: كافر، باعتبار هذا القول، أو اعتبار إنكاره نبوة محمد صلي الله عليه و سلم فإن لم يكن كافرًا إلا باعتبار إنكاره، فلا ينبغي أن يخالف في غير ما هو به كافر، مما هو حق في نفسه، و إن كان أيضًا حقًّا عنده.

و العاقل يقتدي بقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حيث قال: «لا تعرف الحق بالرجال، بل اعرف الحق، تعرف أهله».

و العاقل يعرف الحق، ثم ينظر في نفس القول، فإن كان حقًّا قبله سواء كان قائله مبطلًا، أو محقًّا، بل ربما يحرص على انتزاع الحق من أقاويل أهل الضلال، عالمًا بأن معدن الذهب: الرغام(2). و لا بأس على الصراف إن أدخل يده في كيس القلاب، و انتزع الإبريز الخالص، من الزيف و البهرج، مهما كان واثقًا ببصيرته، و إنما يزجر عن معاملة القلَّاب القروي، دون الصيرفي البصير، و يمنع من ساحل البحر الأخرق دون السباح الحاذق، و يصد عن مس الحية الصبي، دون المعزَّم البارع.

و لعمري، لما غلب على أكثر الخلق ظنهم بأنفسهم الحذاقة و البراعة، و كمال العقل، في تمييز الحق عن الباطل، و الهدى عن الضلالة، وجب حسم الباب في زجر الكافة عن مطالعة كتب أهل الضلالة ما أمكن؛ إذ لا يسلمون من الآفة الثانية التي سنذكرها، و إن سلموا عن الآفة التي ذكرناها.

و لقد اعترض على بعض الكلمات المبثوثة في تصانيفنا، في أسرار علوم الدين، طائفة من الذين لم تستحكم في العلوم سرائرهم، و لم تتفتح إلى أقصى غايات المذاهب بصائرهم.

و زعمت:  أن تلك الكلمات من كلام «الأوائل»(3)، مع أن بعضها من مُولِّدات الخواطر، و لا يبعد أن يقع الحافر على الحافر.

و بعضها يوجد في الكتب الشرعية.

و أكثرها موجود معناه في كتب الصوفية.

و هب أنها لم توجد إلا في كتبهم، فإذا كان ذلك الكلام معقولًا في نفسه مؤيدًا بالبرهان؛ و لم يكن على مخالفة الكتاب و السنة، فلِمَ ينبغي أن يهجر، أو ينكر؟

فلو فتحنا هذا الباب، و تطرقنا إلى أن نهجر كل حق سبق إليه خاطر مبطل لزمنا أن نهجر كثيرًا من الحق، و لزمنا أن نهجر جملة آيات من القرآن، و أخبار الرسول، و حكايات السلف، و كلمات الحكماء، و الصوفية؛ لأن صاحب كتاب «إخوان الصفا»أوردها في كتابه، مستشهدًا بها و مستدرجًا قلوب الحمقى بواسطتها إلى باطله، و يتداعى ذلك إلى أن يستخرج المبطلون الحق من أيدينا، بإيداعهم إياه في كتبهم.

و أقل درجات العالم: أن يتميز عن العامي الغمر(4)، فلا يعاف العسل و إن وجده في محجمة الحجام، و يتحقق بأن المحجمة لا تغير ذات العسل، فإن نفرة الطبع منه، مبنية على جهل عامي، منشؤه أن المحجمة إنما صنعت للدم المستقذر، فيظن أن الدم مستقذر لكونه في المحجمة، و لا يدري أنه مستقذر لصفة في ذاته، فإذا عدمت هذه الصفة في العسل فكونه في ظرفه، لا يكسبه تلك الصفة، فلا ينبغي أن يوجب له الاستقذار.

و هذا وهم باطل، و هو غالب على أكثر الخلق، فمهما نسبت الكلام، و أسندته إلى قائل حسن فيه اعتقادهم، قبلوه، و إن كان باطلًا. و إن أسندته إلى من ساء فيه اعتقادهم؛ ردَّوه، و إن كان حقًّا.

فأبدًا يعرفون الحق بالرجال، و لا يعرفون الرجال بالحق، و هو غاية الضلال!!».

انتهى من «المنقذ من الضلال».

........

- من كتاب "ثقافتنا بين الانفتاح و الانغلاق" لفضيلة الشيخ.

(1) رواه الطبراني وابن حبان في «صحيحه» عن أبي رزين. ذكره في «صحيح الجامع الصغير» (5847)، و له شاهد من حديث عبد الله بن عمرو، رواه أحمد و الحاكم (1/75، 76) و صححه و وافقه الذهبي. و انظر: «الإحسان»الحديث (247) و تعليق المحقق عليه.

(2) الرغام: التراب.

(3) يقصد بـ «الأوائل»: الفلاسفة القدماء.

(4) رجل غمر: لم يجرب الأمور.

الرابط :https://www.al-qaradawi.net/content/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85-%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AD%D9%84%D8%A9

قراءة 580 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 20 نيسان/أبريل 2022 08:45

أضف تعليق


كود امني
تحديث