قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
السبت, 25 آذار/مارس 2023 07:42

التربية و الصوم..وقفات و معالم

كتبه  الأستاذ حسان عبد
قيم الموضوع
(0 أصوات)

تمثل العبادات والواجبات الدينية ساحة واسعة و مهمة لعمل التربية، بما يساهم في بناء شخصية إسلامية متوازنة و إيجابية، تؤدي نشاطها الاجتماعي و الحضاري في توازن نفسي و اجتماعي في آن واحد. و من ناحية أخرى فإن العبادات لم تفرض لذاتها و إن كان جوهرها “الامتثال” لحكم الله و طاعته، إلا أن الشارع جل و علا أردف حكمه بالغاية من أداء العبادات و هي تحقيق “التقوى“، و التقوى فعل باطني و ظاهري في الإنسان يشمل الاعتقاد الوجداني و السلوك الاجتماعي معًا.

فهي مظهر و جوهر لحركة الإنسان و علاقاته العليا (مع الله) و علاقاته الأفقية (مع الناس). نتناول في هذه المقالة أحد العبادات المفروضة و هي “الصوم” في تأمل لأهم أبعاد  تلك العبادة و ظلالها التربوية، و أثرها في واقع الفرد و المجتمع.

ماهية الصوم

الصوم: ترك الشيء و الإمساك عنه.. فالامتناع عن الكلام يسمى صومًا )إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا([1] و الإمساك: تعريف عام للصوم يشمل الإمساك عن الفعل مطعمًا كان أو كلامًا، أو مشيًا. و الصوم في الشرع إمساك المكلف بالنية من الخيط الأبيض إلى الخيط الأسود عن تناول الأطيبين، و الاستمناء، و الاستقاء[2]. و عن كل ما يفسد الصوم. فالصوم في هذا الفضاء اللغوي يعني تحقيق الامتثال بالامتناع عن القيام بالفعل من خلال الجوارح في وقت محدد و معلوم يسمى بوقت “الصوم”، و الصوم في القرآن جاء على نوعين: صوم عن الكلام، و صوم عن الطعام و الشراب، كما جاء الصوم فريضة و تطوعًا و كفارةً عن ارتكاب بعض الذنوب و المعاصي.

و أشهر أنواع الصيام صوم رمضان الذي هو ركن من أركانه الإسلام “بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدًا عبده و رسوله، و إقام الصلاة،  و إيتاء الزكاة، و صوم رمضان، و حج البيت، “[3]. فهذه دعائم خمس للإسلام يمثل “الصوم” أحد أركانها. تزكية النفس الصوم عبادة خفية لا يعلم حقيقتها و مصداقية العبد في أدائها إلا الله تعالى، و لا يطَّلع فيها البشر على تلك الحقيقة، قال الله عز و جل “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي و أنا أجزي به”[4] ، و الصوم –أيضًا- عبادة ترتبط بتفعيل فعل “المراقبة” الذاتية من الصائم لله تعالى، و تحري الالتزام الباطني بأوامر “الغيب”، و من ثم يتحقق فيها تجديد الإيمان بالغيب، و تجديد عمل الوجدان بالارتباط بهذا الغيب و إمعان التأمل فيه من خلال الاعتقاد التام – للصائم – بمراقبة الله تعالى له، و إثابته على تلك العبادة التي يرتبط أداؤها بالإخلاص و الصدق و الأمانة كشروط أساسية لهذه العبادة التي هي بالأساس “سر” بين العبد و ربه.

إن تنشيط حالة “مراقبة الله”، و الاعتقاد الوجداني الجازم بإطلاع “الله” على فعل “الصوم” للعبد، يرقى النفس الإنسانية بما تحمله من انفعالات و أحاسيس نحو “خلوص” العبادات لله تعالى، “و خلوص” العمل في الظاهر – كما في الباطن – لله تعالى و تصويب نية الإنسان و عزمه و مقصده بأن يكون نحو الله كاملاً في كل الأفعال و الأقوال و الأحوال. و من ناحية أخرى يحقق “الصوم” فضيلة “العفة” فشطر الحديث ” .. يدع شهوته و طعامه من أجلي”. فالله تعالى يباهي بالصائم  الذي يترك الحلال، و يمتثل للغيب في هذا الترك، فالأولى بالإنسان الذي ترك الحلال في الصوم أن يترك الحرام في الصوم و غيره، إن الامتناع في “السر” عن الحلال من منطلق الإيمان بالغيب، و استحضار الله تعالى، يكون تربية و بناء دافعية الامتناع عن الحرام “في السر و العلن”. و عند الحديث عن علاقة التربية و الصوم، نجد أن الصوم يأتي مهذبًا لنشاط الجسد و نشاط غرائزه الجنسية فهذا نداء النبوة للشباب “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج، و من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء”، أي وقاية.

إن الانحرافات التي يمكن أن تحدث بسبب نشاط الغرائز عند الشباب و مقابلتها عدم القدرة على الزواج يمكن أن تواجه بالصوم الذي يرتبط بتحقيق غاية “التقوى” و التي يقوم فيها الإنسان باستحضار معية الله في نظراته و سكناته و حركاته فتقل الإثارة، و يوجه نشاط الإنسان الصائم إلى غير معصية الله في ساعات الصوم التي ترتبط بتوهج يقظة حواس الإنسان و حركته. إن الصوم يوفر للإنسان مقومان لفعل التزكية (التطهير) و هما– المراقبة بالغيب لله تعالى، و استحضار الله في جملة النشاط و الحركة الظاهرة. فتظل نفس الإنسان متعلقة بطلب الكمال في القرب من الله تعالى على هذا النحو، و تسعى إلى التطهر الذي يمكِّنها من تحقيق غاية القرب في أكمل صورها.

التربية الفقهية

يتضمن الصوم جملة كبيرة من التعاليم الفقهية التي ينبغي للمسلم أن يكون على إلمام و معرفة و علم بها، حيث أنها – تلك التعاليم الفقهية- تمثل أحكام أحد أركان الإسلام الخمسة. و العلم في هذا الباب فرض على كل مسلم بالغ عاقل، و يفضل التنشئة على تلك التعاليم لمن يتهيئون لدخول مرحلة البلوغ أيضًا، أي الذين يدخلون مرحلة وجوب الصوم، صوم الفريضة. و قدمت كتب الفقه أبوابًا متنوعة في الصوم، تتضمن عددًا من التعاليم الفقهية المستمدة من القرآن والسنة النبوية، و من أهم هذه الأبواب:

1 – أنواع الصيام: الفرض، التطوع، الكفارات، النذور.

2 – أحكام الصيام .

3 – مفطرات الصيام.

4 – مبيحات الصيام.

5 – مستحبات الصيام و مكروهاته.

6 – قضاء الصيام، ما يستحب منه و ما يكره.

7 – ما يكره و يحرم من الصيام.

و من أكثر أنوع الصيام التي أشار إليها الوحي عند التعرض لآيات الصيام هو ما يتعلق بصيام الكفارات كما في الآيات الآتية:

1 – ما يتعلق بالإخلال بإحدى شعائر الحج (البقرة 196، المائدة 95).

2 – ما يتعلق بكفارة الظهار (المجادلة 4) .

3 – ما يتعلق بالقتل الخطأ (النساء : 92) .

تعد هذه التعاليم الفقهية ضرورية لبناء ذاكرة إسلامية أصيلة تنمي وعي المسلم و تساهم في تكوين ثقافة إسلامية راشدة تحفظ للمسلم وعيه “الفقهي”، الذي ينعكس بالضرورة على سلوكه و نشاطه الحضاري بصفة عامة، و سلوكه الاجتماعي اليومي.

التربية الاجتماعية و الأخلاقية في علاقة التربية و الصوم، يعيد هذا الأخير ترتيب العلاقات الاجتماعية، و تجديد الإطار الأخلاقي للمجتمع المسلم، قال صلى الله عليه و سلم“… فإن كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث، و لا يصخب، و لا يجهل، فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم”.[5] فالمجتمع الصائم: مجتمع يخلو من فحش القول، و ينقي نفسه من الجهالة و التسفيه و التنابز بالألقاب، و يهيمن التسامح و اللين و البشر على خُلق أفراده الصائمين، و دفع السيئة بالحسنة، بما يعضد من لحمة علاقاته الاجتماعية و يجدد تشييدها. إن المجتمع الصائم الذي يتوجه بكل خلجاته و انفعالاته نحو الله تعالى مجتمع أبعد من أن يُفسد هذا التوبة و هذا التوجه الروحي بالتشاحن و القتال، فهو أقرب في سلوكه إلى التغافر منه إلى المنابزة، و أقرب إلى التواد منه إلى البغضاء، و أقرب إلى البنيان المرصوص (الصف الواحد) منه إلى التشرذم و العنصرية و الطبقية فوحدة التوجه الداخلي (للصائمين) يوجب بالضرورة وحدة التوجه الخارجي لهم ) يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ( [الصف/4].

كما أكدت النبوة أن الغرض من الصوم ليس هو الجوع و العطش، أو الصبر عليهما، أو اختبار قدرة الجسد على التحمل، و لكن قصد الصوم كما تبيّنه النبوة الراشدة هو تطهير المجتمع من سوء الأخلاق و فحشها،  قال صلى الله عليه و سلم ” ليس الصيام من الأكل و الشرب، و إنما الصيام من اللغو، و الرفث، فإن سابك أحد، أو جهل عليك فقل إني صائم إني صائم”. بل إن فعل التزوير و المساعدة عليه و الوقوع فيه ينقض الصيام من أساسه قال –صلى الله عليه و سلم-“من لم يدع قول الزور و العمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه و شرابه”. و ينعي – صلى الله عليه و سلم- على أولئك الذين لم يحصِّلوا من صومهم إلا مشقة الجوع و العطش و فقط و تركوا لجوارحهم العبث في المجتمع، بالتنابز و القتل و شهادة الزور و سوء الخلق على الجملة  “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع .[6] و من أخلاق الصائم الاجتماعية – أيضا – الجود، أي البذل و العطاء الغزيرين و كان رسول الله –  صلى الله عليه و سلم – أجود الناس، و كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، و كان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة في صومه.

التربية الزمنية الـ(زمن) – كما عرفه ابن منظور – هو اسم لقليل الوقت و كثيره، و يجمع على أزمان و أزمنة و أزْمُنٌ. و ترتبط عبادة (الصوم) بالمواقيت و الوقت و الزمن بدءًا من معرفة شروع الصوم حتى الإفطار، و معرفة بدايات الشهور، و نهايتها التي يتحدد في ضوئها صيام الفروض و النوافل و السنن. و فيما يتعلق بصيام الفريضة – شهر رمضان- فإنه يتصل الأمر بمعرفة بدء الشهر –أي دخوله- و كذلك نهايته أي خروجه، يقول صلى الله عليه و سلم  “صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته”[7]، و الرؤية هي ميقات تعرف به بداية الشهر و نهايته – و الصوم نفسه في اليوم يتطلب معرفة (الخيط الأبيض من الأسود من طلوع الفجر) ليشرع الصائم في صومه، أو غروب الشمس و زوالها ليفطر. إن عبادة “الصوم” ترسم خارطة زمنية لتوقيتات المسلم تتضمن حدود الصوم: بدايته و نهايته، و هذه التوقيتات و إن كانت مسئولية عامة للمجتمع، فإنها مسؤولية أفراده أيضًا.

قال الترمذي في قوله -صلى الله عليه و سلم- ” صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته”: تُقبل شهادة رجل واحد في الصيام –أي دخول الشهر- و زاد الشوكاني في الصيام و الإفطار، أي دخول الشهر و خروجه. و مع تقدم الأجهزة الفلكية فإن المسلم عليه أن يكون عالمًا بكيفية إدراك دخول الشهر و الخروج منه لاسيما و أن الأمة كلها ملتزمة بهذه الرؤية. و كذلك في بدء الصيام لليوم الواحد(الخيط الأبيض من الخيط الأسود) و الإفطار (تحقق غروب الشمس). تربية حدود العلاقة بين الزوجين يقدم الصوم نوعًا آخر من التربية للصائم يتعلق بالعلاقات الزوجية -حال الصيام- بما يتوافق مع مبدئية الشريعة في مراعاتها للفطرة الإنسانية، و حتى لا تتضارب غايات الشريعة و تسير في تكامل و توازن لتحقيق بناء الشخصية المسلمة صوب غاية التقوى – كما ذكرنا في مقالة سابقة )فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (اليسر العملي في الشريعة الإسلامية –    هذا النوع من التربية الذي يوضح حدود العلاقات بين الزوجين في وقت الصوم و الذي أباح الشارع فيها قيام العلاقة الزوجية كاملة- أثناء الإفطار و التوقف عنها أو الامتناع أثناء الصوم – لعلمه تعالى بطبيعة النفس و قدرتها على التحمل، )عَلِمَ  اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفَا عَنكُمْ( [البقرة/187] و جعل من هذه العلاقة مباحًا و حلالًا بعد أن كانت محرمة ) أحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ( [البقرة / 187] و ذلك من أجل رفع الحرج و تجنب المشقة.

هكذا ترسم عبادة الصوم خارطة للتربية الإسلامية تتضمن التزكية الوجدانية (باستحضار النية و المراقبة لله تعالى و التعلق بالغيب) و الجانب المعرفي ( بالتعرف على الأحكام الفقهية الواجبة للصائم) و الجانب الاجتماعي (و يتضمن السلوك الاجتماعي للصائم و ما ينبغي أن يكون عليه سواء في علاقاته الزوجية الخاصة، أو علاقاته بالآخرين في المجتمع بصفة عامة) و كذلك التربية على تقدير الوقت و العناية بالزمن باعتباره محورًا رئيسًا في أداء هذه العبادة التي تقوم مثل كل العبادات على التوقيت و الزمن.

 

[1] أحمد عبد الفتاح: القاموس القويم للقرآن الكريم، ص386. [2] الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص500 . [3] رواه البخاري و مسلم. [4] رواه البخاري و مسلم. [5] رواه البخاري و مسلم. [6] مسند عبدالله بن المبارك. [7] رواه البخاري.

الرابط : https://islamonline.net/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%85-%D9%88%D9%82%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/

قراءة 515 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 29 آذار/مارس 2023 07:04

أضف تعليق


كود امني
تحديث