(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Friday, 01 September 2023 03:56

"الحرف يخلد الذكرى"

Written by  الأستاذ ماهر باكير دلاش من الأردن الشقيق
Rate this item
(0 votes)

لا تتساءلوا لماذا نكتب و كل شيء محفوظ في الذاكرة؟

لا ريب أن الذاكرة مهما كانت قوية فهي قصيرة، فما خبئ في الذاكرة قد يظهر على السطح في لحظة شجن، لكن

القشور ليست كذلك.

لا حتميةٌ في لقاء قادم، و لا حتمية في احتفاظ الذاكرة بتفاصيل لقاء ماض و لا حتمية في لقاء عابر لكننا بالتأكيد

خضنا بشجاعةٍ تعرجات الطريق.

على أن للقاء هزّة في النفس الطروب، لكن للحرف المكتوب الذي يؤرخ لذلك اللقاء سطوة تعلو رتبة الطرب في

الذاكرة.

من كبل عقله في استحضار النقاط المعتمة في ذاكرته أصبح عبدا لتلك الذاكرة ذات السعة المحدودة، ومن تحرر منها

يكون قد كُبِّل بما لا سعة فيه.

في البدءكانالحرف،الحرف الذي بمقدوره أنيحوّل نقطة العدم إلى كرة العالم، الحرف الذي تحول إلى كلمات فأتت بي

إلى هنا، في مكاني هذا، إلى كتابة هذا!

حروفنا تشكل الكلمات التي نحبّها ويجب أن تبقى دائماً في أفواهنا وصدورنا وعلى صفحات دفاتر أيامنا، بل أن نعيد

كتابتها مراراً على الورق. علينا أن نردّدها دائماً لأنّها تمنحنا شعوراً بأنَّ الحياة لا تزال فيها كلمات نقية، و بأنّنا لا

نزال نستطيع قول شيء نحبُّه.

على يقين أنه ما من أًحد يستطيع تجاوزَ الأشياء التي آذته بسهولة؛ لا بُدّ و أن يأكل الحُزن قلبه أولًا، و لكن إلى متى؟

فمعهود في أغلب سواد الناس و أشدّهم إخلاصًا، أن يكون الجفاء بديلًا للمواجهة.

 

حب التّفاصيل، و العيش فيها و من أجلها، و التغذي عليها،و الاعتراف أنّك كائن حزين لو أنتهى بك يومك دون أن

تحصل على تفصيلة صغيرة رائعة، أو فريدة من نوعها لهو درب من التقوقع في نطاق ضيق من الحياة الزائلة!

 

في فترة معتبرة، في مرحلة عمرية ما ستكتشف أن المحاولات التي خاب مسعَاها في مكان لائقٍ على الورق، أصرت

للأمانة على اللحاق بك ؛ فصُنع الفن نفسه الذي تحاول أن تلعب بملامحه سيضعك في زاوية أكثر ضيقا من الرؤية

الفسيحة التي تحاول خلقها لنفسك، و للصدق أكثر، فراعي الحرفة وحده، من لا تخفى عليهِ أسرارها.

الاكتئاب في الرابعة عصرًا ليس كالرابعة فجرًا، فرقٌ شاسع بين أن ينحشر الحزن وسط إنشغالك و رغم تعبك تجد

الكلمات تتحشرج في صدرك و بين أن يجدك وحيدًا في فراشك تفكر.. الأمر مختلف، و لا بد من تحرير عقلك بتحرير

نفسك من اللهو و الشهوات التي هي الخطوة الأولى نحو تحرير العقل و الخطوة التي تسبق تحريره و أن تصل 

مُتأخرًا نعمة، و أعرف الآن أن الأمر برّمته أكبر من حنجرة أقوى، و ترددات عالية، إذا كانت الأيام نفسها تُفضل أن

تنتظر، مُجددًا، لبعض الوقت.

جرب أن تكون ثرثارًا،أن تكون -كما يقولون - عصريًا، أن تكون مندفعًا متحمسًا و طفوليًا ساطعًا، لكنك بعد كل هذا

ستعود مرهقا للانزواء، و تكتشف أن السكون يناسبك أكثر، و الاختباء يضيع بهجتك و هدوء أيامك، و ستحتاج فكرة

أن ترع نفسك أكثر من فكرة أن تغيرها.

"لا زلت يا صديقي في وضع جلوس دائمٍ، في انتظار النهار الذي يرسم خريطة العمر من جديد".

 

مقولة أن ‏"الإنسان يصدأ "محض هراء، فمفاصل الأبواب تصدأ حين تتعرض للمطر بشكل متواصل، لكن الإنسان

يزداد اخضرارا و رونقا إن تعرض لمطر الأزمات؛ فالشجرة الجافة الأصلب تنكسر بسهولة، بينما ينجو الصفصاف

بمرونته و انحناءه مع الريح، أليس كذلك؟

إن قصة حياة الانسان تبدأ عند اللحظات الأولى لولادته، لكنها تبلغ عمقها عندما يحصل وقت ذروتها بمجرد أن يدرك

بأنه يستحق الأفضل، و لن تؤثر عليه خسارة أي شيء!!

 

التعلّق المرضي بتفاصيل ذاكرة مهترئة، تسيطر عليها فكرة مضلّلة بأن الأيام العجاف هي الإمكانية الوحيدة لتهدئة

الألم، ذلك الألم الذي يشبه الاختناق تحت الماء محفّزًا إياك للبحث عن أقرب <وليس أفضل> وسيلة للإنقاذ، و على

المرء أن يضع جدرانًا و أسوارًا قوية حول ذلك الجزء فيه الذي ما زال يحلم حتى لو كان الشعور الذي يبدو كالمحيط

موجةٌ عابرة، و ليس عليه كمن يهرع للبحر خوفًا من الغرق.

إننا نندفع جدًا، ثم نصل للحظة نكتشف فيها مدى اندفاعنا ثم نبدأ برسم خط العودة ثم لا نعود.. لا نعود أبدًا كما كنّا،

و يوما في نهاية رحلة الانسان الغريبة جدًا، سنخرج ببعض الدّروس، و بعض الجروح، والكثير الكثير الكثير من

الجلد السّميك.

Read 344 times Last modified on Friday, 01 September 2023 05:20