أخاطب الذين ينشدون التغيير نحو الأحسن في مجتمعهم و أمّتهم .. هناك تصوّرٌ آخر للتغيير يجب أن تعمل النخبة الملتزمة على بلورته عبر الطرح الفكري و التواصل المجتمعي، لكن البداية – في تقديري – و بالنسبة لكلّ من ينشد الاصلاح تكمن في القراءة، و ماذا عسانا أن نصّور أو ننظّر أو نؤصّل دون قراءة؟
ارجعْ إلى الكتاب بقوة و اقرأ. اقرأ دائما، في البيت، في الحافلة، في المقهى، في قاعة الانتظار، على شاطئ البحر، أينما كنت. اقرأ في جميع المجالات و الفنون. اقرأ باللغة العربية و بجميع اللغات التي تحسنها. اقرأ لجميع المدارس الفكرية و لجميع الكُتاب. اقرأ لمن تتفق معه و لمن تختلف معه. اقرأ الكتب الدينية و الأدبية و السياسية و غيرها في الفضاء العربي الاسلامي و العالمي.
اقرأ لمن تعرف و لمن لا تعرف. اقرأ لتستفيد و ليس لتتصيّد الأخطاء و العثرات كما يفعل من في قلوبهم مرض. تريد التغيير و تنشد الاصلاح ؟ لا تنتظر أن يحدث ذلك، اخرج من قاعة الانتظار و شارك في إحداثه، تقول كيف ؟ ابدأ فاقرأ لأن ما نصبو إليه من حال أفضل يحتاج إلى العلم الغزير و المعرفة الواسعة و هذا لا يكون إلا بالتعلّم و مفتاحُه المطالعة، و من العيب أن تطالب بالتغيير و أنت متفرّج … و هل جنى علينا سوى الجهل، و يا مصيبتنا من كسور المتعلمين fractions ، فنصف متعلم و ربع متعلم أخطر من جاهل لأنه صاحب جهل معقد، يطالع على عجل رسالة صغيرة في مسألة معينة فيحسب نفسه وصل إلى القمة و ينتصب مثقفا و مفتيا و شيخا، فلا تكن من هؤلاء ” و قل رب زدني علما ”. لن تخذلك الكتب أبدا، و المكتبات تطفح بها، أوَ ليس من العيب أن نتلاوم كلّنا بهجر المطالعة و لا نفعل شيئا لتدارك ذلك ؟ التغيير يبدأ بتغيير عاداتنا و أولها العزوف عن القراءة، و هل يعود الوضع المزري الذي نعيشه و نشتكيه إلا للجهل التي طفح كيلُه ؟ لو تبوأ العلم مكان الصدارة ما انحرفنا إلى هذه الدرجة المزرية، و البداية إذًا من هنا.
حرام بالمنطق الديني، و عيب بالمنطق الانساني أن تدع أيامك تنقضي و لا تزداد علما رغم توفّر وسائله، لماذا تنتظر أن يُغيّر الآخرون ؟ اخطُ الخطوة الأولى، تصالحْ مع الكتاب، تحرّر من العبودية لفيسبوك و التلفزيون و الجريدة، ارجع إلى تصحيح اوّل منزل … تعلّم، أمسك المفتاح السحري، اقرأ. أنت تردّد من غير شكّ أن أول ما نزل من الوحي على رسول الله صلى الله عليه و سلم هو ” اقرأ ”، فهل تقرأ أنت ؟ أليست الآية تخاطبك ؟ لماذا لا تعمل بها ؟ عودًا على بدء أقول لمن يثق بي و أنا ناصح أمين صقلتني التجارب : كن إيجابيا، ازددْ علما، لكن إياك أن تحبس نفسك في زاوية ضيقة مثل أولئك الغافلين الذين لا يطالعون إلا كتبا معينة لمؤلفين بذاتهم فينشئون على الرأي الواحد، لا، ادخل جميع البساتين و اقطف من كل أنواع الأزهار و جرّب كل الروائح و الألوان و ستصل إلى ما هو نافع، و استعن بخبرة أصحاب الأفق الواسع و الصدر الرحب و الثقافة المتنوّعة ليدلّوك على كنوز المعرفة من الكتب القديمة و الحديثة، و لا تغلق على نفسك باب زنزانة صنعتها لنفسك من الأوهام، فالقراءة لا تأتي إلا بخير لمن استعان بالله و طلب المعالي. اجعل قراءتك ” باسم ربك الذي خلق ” أي قراءة تستصحب الأخلاق و تقودك إلى الله تعالى، و صدق ابن عطاء في حكمته ” خير العلم ما كانت الخشية معه “.