قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأحد, 01 كانون2/يناير 2023 19:08

قبل فوات الأوان: نحو انتقال بيئي عادل يكسر منطق الهيمنة

كتبه  الأساتذة : حمزة حموشان وكايتي ساندويل
قيم الموضوع
(0 أصوات)

«اللحظة المناسبة هي الآن و إلا فلا، إذا كنا نريد حصر الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية». هذا هو التحذير الذي أطلقه جيم سكيا، الأستاذ في كلية لندن الملكية و الرئيس المُشارك في فريق العمل المسؤول عن أحدث استعراض شامل لعلوم المناخ، نفّذته الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ. يحذر التقرير من أن العالم على شفا الوصول إلى احترار بواقع 1.5 درجة مئوية خلال العقدين المقبلين، و يذكر أن الاقتطاعات الهائلة من الانبعاثات الكربونية –بدءًا من اليوم– هي وحدها القادرة على تجنّب كارثة بيئية و مناخية. بما أن هذه الاستعراضات و التقارير لا تُعد إلا كل ست إلى سبع سنوات، فربما يكون هذا هو التحذير الأخير من هيئة المناخ قبل أن يمضي العالم إلى مسار لا رجعة عنه من الانهيار المناخي، ستكون عواقبه وخيمة.

بدأت أعراض الانهيار المناخي تظهر في المنطقة العربية،[1] في صورة تقويض الأسس البيئية و الاجتماعية-الاقتصادية للحياة. تعاني دول مثل الجزائر و تونس و المغرب و مصر من موجات حر متكررة و حادة، و فترات جفاف مطوّلة، و هي الظواهر التي لها آثار كارثية على الزراعة و صغار المزارعين. في صيف 2021، واجهت الجزائر حرائق غابات غير مسبوقة و مدمرة، و تعرضت تونس لموجة حر خانقة، حيث اقتربت درجات الحرارة من 50 درجة مئوية، و عانى جنوب المغرب من جفاف مروع للموسم الثالث على التوالي، و في جنوب مصر، فقد 1100 شخص بيوتهم في فيضانات و أصيب المئات بسبب لدغات العقارب التي خرجت من الأرض بسبب الظروف المناخية المتطرفة. و في السنوات المقبلة، تُقدّر هيئة المناخ أن منطقة حوض المتوسط ستتعرض لاشتداد للأحداث المناخية المتطرفة، مثل حرائق الغابات و الفيضانات، مع زيادة في معدلات القُحولة و الجفاف.[2]

تقع آثار هذه التغيرات بقدر غير متناسب على المهمشين في المجتمع، لا سيما صغار المزارعين و المشتغلين بالرعي و العمال الزراعيين و الصيادين. بدأ الناس بالفعل يشعرون بالاضطرار إلى ترك أراضيهم بسبب موجات الجفاف و العواصف الشتوية الأقوى و الأكثر تواترًا، و توغّل الأراضي الصحراوية و ارتفاع مستوى سطح البحر.[3] تعاني المحاصيل من الفشل في مواسم الحصاد، و تقلّ مصادر المياه تدريجيًا، فيشتدّ تأثيرها على الإنتاج الغذائي في منطقة تعتمد بشكل مزمن على الواردات الغذائية.[4] سوف تطرأ ضغوط هائلة على إمدادات المياه القليلة بالفعل بسبب التغيرات في أنساق تساقط الأمطار و توغل مياه البحر في خزانات المياه الجوفية، فضلًا عن الإفراط القائم في استخدام تلك المياه. بحسب مقال نُشر في دورية «لانسيت»، فسوف يعرّض هذا أغلب الدول العربية لمستوى فقر مائي مُطلق بواقع 500 متر مكعب للفرد سنويًا بحلول عام 2050.[5]

يتنبأ علماء المناخ بأن المناخ في قطاعات واسعة من الشرق الأوسط و شمال إفريقيا قد يتغير بشكل يهدّد قدرة بقاء السكان على قيد الحياة.[6] في شمال إفريقيا على سبيل المثال، ستشمل الفئات التي ستتغير حياتها بأكبر قدر صغار المزارعين في دلتا النيل و المناطق الريفية في كل من المغرب و تونس، و الصيادين في جربا و قرقنة في تونس، و سكان عين صالح في الجزائر، و اللاجئين الصحراويين في مخيمات تندوف في الجزائر، و الملايين ممن يعيشون في عشوائيات القاهرة و الخرطوم و تونس العاصمة و الدار البيضاء.

في كل عام، يجتمع قادة العالم السياسيين مع المستشارين و الإعلام و لوبيات الشركات في مؤتمرات الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «كوب» (COP). لكن رغم التهديد الذي يواجه الكوكب، تستمر الحكومات في السماح بتصاعد الانبعاثات الكربونية و تفاقم الأزمة. و أصبح من الواضح أن المحادثات المناخية مفلسة و فاشلة، اختطفتها الشركات و المصالح الخاصة التي تروج لحلول كاذبة هدفها جني الأرباح، مثل أفكار تجارة الكربون و ما يُسمى بـ«الصفر الصافي» و«الحلول المستندة إلى الطبيعة»، بدلًا من إجبار الأمم الصناعية و الشركات متعددة الجنسيات على تقليل الانبعاثات الكربونية.[7]

جذب مؤتمر كوب 26، الذي انعقد في غلاسكو في عام 2021، اهتمامًا إعلاميًا هائلًا لكنّه لم يحقق أيّ عوائد كبرى. و يُرجح أنّ محادثات 2022 و2023 التي ستنعقد في المنطقة العربية (كوب 27في مصر وكوب 28 في الإمارات) لن تؤدي إلى إنجاز يُذكر، لا سيما في ضوء اشتداد التنافس الجيوسياسي العالمي على خلفية الحرب في أوكرانيا، و هو سياق لا يسمح بالتعاون بين القوى الكبرى، و يمثل ذريعة إضافية لاستمرار الإدمان العالمي على الوقود الأحفوري. سيكون هذا هو المسمار الأخير في نعش محادثات التغير المناخي.

إن بقاء الجنس البشري يعتمد على ترك الوقود الأحفوري في باطن الأرض، و على التكيف مع المناخ المتغير مع الانتقال إلى طاقات متجددة و معدلات مستدامة من استخدام الطاقة و تحولات اجتماعية أخرى. سوف تُنفق المليارات على محاولة التكيف، من البحث عن مصادر مائية جديدة و إعادة هيكلة الزراعة و تغيير المحاصيل و بناء حواجز بحرية (مصدات أمواج) لإبقاء الماء المالح بعيدًا عن اليابسة، و تغيير شكل و طبيعة المدن، و محاولة الانتقال إلى مصادر خضراء للطاقة من خلال بناء البنية التحتية المنشودة و الاستثمار في الوظائف و التكنولوجيا الخضراء. لكن مصالح مَن ستخدم هذه التحولات و الانتقال الطاقي؟ و من هم المتوقع أن يدفعوا أغلى أثمان الأزمة المناخية و التعاملات معها؟

من يقود الاستجابة لتغير المناخ؟

حاليًا، تصوغ نفس القوى و بنى السلطة الشرهة التي أسهمت في حدوث تغير المناخ الردَّ عليه، و هدفها الأساسي هو حماية المصالح الخاصة و جني أرباح أكبر. في حين أن المؤسسات المالية العالمية، مثل البنك الدولي و صندوق النقد الدولي، تعكف على وضع تصورات عن الحاجة إلى الانتقال المناخي، فإن تصوراتها هي تصورات لانتقال رأسمالي بقيادة الشركات في أغلب الأحيان، و ليست تصورات تقودها المجتمعات المحليّة و في خدمة مصالحها. لا تجد أصوات منظمات المجتمع المدني و الحركات الاجتماعية عادةً آذانًا صاغية عندما يتعلق الأمر بعواقب هذا الانتقال و الحاجة إلى بدائل عادلة و ديمقراطية. على النقيض من ذلك، فإن المؤسسات المالية العالمية و معها مختلف هيئات الاتحاد الأوروبي تتحدث بوضوح و بصوت مسموع، و تنظم الفعاليات و تنشر التقارير في دول المنطقة العربية. لكن تحليلاتها للتغير المناخي و الانتقال المنشود ضيّقة و محدودة و هي في واقع الأمر خطرة، إذ تهدد بإعادة إنتاج نفس أنماط الاستلاب و نهب الموارد التي وسمت حقبة الوقود الأحفوري الحالية.

تدفع أطرافٌ مثل البنك الدولي و وكالة التنمية الألمانية و الهيئة الأمريكية للتنمية الدولية و وكالة التنمية الفرنسية و الكثير من هيئات الاتحاد الأوروبي رؤيةً للمستقبل يكون الاقتصاد فيها خاضعًا لمنطق الربح الخاص، بما يشمل الدفع بالمزيد من الخصخصة للمياه و الأرض و الموارد و الطاقة، بل و حتى الغلاف الجوي. و تشمل المرحلة الأخيرة في هذا التّوجه الشراكات بين القطاعين العام و الخاص التي يتم تنفيذها في كل قطاع في المنطقة، و تشمل كذلك قطاع الطاقات المتجددة.

الدفع نحو خصخصة الطاقة و هيمنة الشركات في مجال الانتقال الطاقي ظاهرة عالمية لا تقتصر على المنطقة العربية، لكن آليات هذه العملية في المنطقة العربية أكثر تقدمًا، و لم تصادف إلى الآن مقاومة كبيرة. المغرب ماضٍ بقوة في هذا المسار، و كذلك تونس. و هناك دفع قوي بالخصخصة و توسيعها في قطاع الطاقة المتجددة في تونس، مع تقديم محفزات هائلة للمستثمرين الأجانب لإنتاج الطاقة الخضراء في البلاد، بما يشمل إنتاجها لأغراض التصدير. و تسمح القوانين التونسية باستخدام الأراضي الزراعية في تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة في بلد يعاني بالفعل من تبعية غذائية حادة[8] (كما تبين أثناء انتشار جائحة كوفيد ثم مع حرب أوكرانيا).

تستعرض المؤسسات المالية الدولية و الشركات و الحكومات «الاقتصاد الأخضر» أو ما تسمّيه بـ«التنمية المستدامة» بصفتها منظورًا جديدًا. لكنها في واقع الأمر امتداد لنفس منطق التراكم الرأسمالي و التسليع و التعامل بمنطق مالي بحت، بما يشمل تطبيق كل هذا على الطبيعة ذاتها.

إن الواقع التاريخي و السياسي و الجيوفيزيائي للمنطقة العربية، و لشمال إفريقيا الذي نخصه هنا بالتفحص، يعني أن كلًّا من الآثار و الحلول الخاصة بالأزمة المناخية ستكون مختلفة في المنطقة عن وضعها في أية سياقات أخرى. تنخرط شمال إفريقيا في الاقتصاد الرأسمالي العالمي من موقع تابِعٍ؛ فقد أثّرت القوى الاستعمارية على دول شمال إفريقيا أو أجبرتها على القبول ببناء اقتصاداتها بالأساس حول استخراج و تصدير الموارد –التي عادةً ما تُقدم رخيصة في صورة خام–مقابل استيراد السلع الصناعية عالية القيمة. النتيجة هي نقل واسع النطاق للثروة إلى المراكز الإمبريالية على حساب التنمية المحلية.[9] يؤكد استمرار هذه العلاقات غير المتكافئة أو المتعادلة حتى اليوم على دور دول شمال إفريقيا بصفتها جهات مُصدِّرة للموارد الطبيعية، مثل النفط و الغاز، و السلع الأساسية المعتمدة بشكل مكثف على المياه و الأرض، مثل المحاصيل الزراعية النقدية. يفاقم هذا التجذّر للنمط الاقتصادي الاستخراجي التصديري من التبعية الغذائية و الأزمة البيئية مع تكريس علاقات هيمنة إمبريالية و تراتبيّات استعمارية جديدة.[10]

من ثم، هناك أسئلة مهمة يجب طرحُها عند الحديث عن التصدي لتغير المناخ و التحول نحو الطاقات المتجددة في المنطقة: كيف سيكون التعامل العادل مع التغير المناخي هنا؟ هل يعني حرية الانتقال إلى أوروبا و فتح الحدود معها؟ هل يعني تسديد الدين المناخي و الإنصاف و التعويض من قبل الحكومات الغربية و الشركات متعددة الجنسيات و النخب المحلية الثرية؟ هل يعني الانتقال بعيدًا عن النظام الرأسمالي؟ ما الذي يجب أن يحدث لموارد الوقود الأحفوري في المنطقة و الجاري استخراجها حاليًا من قبل شركات غربية؟ من الذي يجب أن يسيطر على الطاقة المتجددة في المنطقة؟ ما معنى التكيّف مع المناخ المتغير و من سيشكل هذه الآليات و من سيستفيد منها؟ و من هي الأطراف التي ستكافح من أجل تغيير حقيقي و تحوّلات جذريّة؟

بينما بدأت بعض الحكومات عبر العالم التعامل مع تغير المناخ بجدية، فهي كثيرًا ما تفعل هذا انطلاقًا من منظور «الأمن المناخي»،[11] من تدعيم للدفاعات ضد ارتفاع مستوى سطح البحر، إلى مواجهة الحوادث المناخية المتطرفة، و لكنها كثيرًا ما تُفعّل إجراءاتها أيضًا ضد «تهديد» اللاجئين المناخيين، و ضد إعادة التفاوض على توزيع السلطة عالميًا. لكن تشكيل المستقبل حول منظور «الأمن» سيُخضع نضالاتنا لأطر مفاهيمية و تخيّلية تعيد في نهاية المطاف تمكين قوى الدولة القمعية، مع فرض المنطق الأمني و العسكري على الاستجابة لتغير المناخ. فهذه الإجراءات لن تحل الأزمة المناخية، بل ستسمح للأغنياء بالبقاء في أوضاع مريحة مع دفع باقي العالم ثمن الجمود في التعامل مع التغير المناخي.

الاستشراق البيئي

كما قوّض الإخضاع الاقتصادي و الهيمنة الإمبريالية من الاستقلالية السياسية و الاقتصادية للمنطقة العربية، فإن إنتاج المعرفة عن الشعوب العربية و تمثيلهم هم و بيئتهم يُستخدم بالمثل من قبل القوى الاستعمارية لشرعنة مشاريعها و أهدافها. تستمر استراتيجيات الهيمنة تلك حاليًا في دول المنطقة و يجري إعادة تشكيل التصورات عنها (مرة أخرى) بصفتها أشياء يجدُر تنميتها، بما يدعم مرة أخرى أفكار «رسالة التحضر الأوروبية» من العهود الاستعمارية.

تحاجج ديانا كيه ديفيز بأن التصوّرات البيئية الأنغلو-أوروبية في القرن التاسع عشر مثّلت البيئة بالعالم العربي بصفتها «غريبة و مختلفة و فانتازية و غير طبيعية، و متدهورة كثيرًا بشكل من الأشكال». و استخدمت بدقة و مهارة مفهوم «الاستشراق» الذي صكه إدوارد سعيد،[12] كإطار مفاهيمي لتفسير التمثيلات الغربية المبكرة للبيئة في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا، كشكل من أشكال «الاستشراق البيئي».تُسرد قصة هذه البيئة على ألسنة من أصبحوا أصحاب سلطة إمبريالية -بالأساس من بريطانيا و فرنسا- بصفتها «غريبة و ناقصة»، مقارنة بالبيئة الأوروبية «الطبيعية و المثمرة»، كتبرير للتدخلات التي هدفت إلى «تحسين و ترميم و تطبيع و إصلاح» هذه البيئة.[13]

استخدمت السلطات الاستعمارية هذا التصوير المخادع للتدهور البيئي و الكارثة البيئية المفترضين في تبرير جميع أشكال الاستلاب التي أقدمت عليها، فضلًا عن السياسات التي صممتها للسيطرة على السكان في المنطقة و على بيئتهم الطبيعية. في شمال إفريقيا، شيد الاستعمار الفرنسي سردية بيئية انطوت على مقولات التحلل و التفسخ و التدهور من أجل تنفيذ «تغييرات دراماتيكية، اقتصادية و اجتماعية و سياسية و بيئية».[14] انطلاقًا من هذا المنظور، فإن السكان المحليين و بيئاتهم احتاجوا معًا إلى مباركة «رسالة التحضر الأوروبية» و عناية الرجل الأبيض.

ثمة مثال معاصر واضح، هو التمثيل الحالي لصحراء شمال إفريقيا، التي عادة ما توصف بأنها أرض فسيحة و خالية و ميتة فيها قلة من السكان، و كأنها الجنة الموعودة للطاقة المتجددة. بناءً على هذا التصور، فهي تمثّل فرصة ذهبية لتقديم الطاقة الرخيصة لأوروبا حتى تستمر في نمط حياتها الاستهلاكي الباذخ و في استهلاك الطاقة المفرط. تتجاهل هذه السردية الكاذبة أسئلة الملكية و السيادة وتخفي وراءها علاقات الهيمنة و السيطرة العالمية التي تيسّر نهب الموارد و خصخصة المشاع و سلب المجتمعات، من ثم تدعم سبل الإدارة غير الديمقراطية و الإقصائية للانتقال الطاقي. كما هو الحال في مناطق عديدة حيث حياة الناس و سبل معاشهم خفية أو «مخفية» في عين الدول المستعمرة، «لا توجد أراضٍ خالية» في شمال إفريقيا.[15] حتى عندما تكون الأراضي قليلة السكان، فلا تزال البيئات التقليدية و الأراضي مغروسة في قلب الثقافات و المجتمعات القائمة، و لا بد من احترام حقوق الناس و سيادتهم في سياق أي تحول اجتماعي-بيئي.

من الضروري تحليل الآليات التي يتم بموجبها نزع إنسانية الآخر، و كيف تُستخدم سلطة التمثيل و بناء التخيلات حوله (و حول بيئته) في تعميق بنى السلطة و الهيمنة و الاستلاب. في هذا الصدد، فإن ما وصفه إدوارد سعيد في «الاستشراق» بأنه «احتقار و اختزال و نزع الطابع الإنساني» عن الثقافات أو الشعوب أو المناطق الجغرافية الأخرى، مستمر حاليًا في تبرير العنف الموجه ضد الآخر و ضد طبيعته. يتخذ هذا العنف قالب تهجير السكان و السيطرة على أراضيهم و مواردهم، و جعلهم يدفعون الثمن الاجتماعي و البيئي للمشروعات الاستخراجية و مشروعات الطاقة المتجددة، مع قصف و تقتيل الشعوب المظلومة و ترك المهاجرين يغرقون في المتوسط، و تدمير الأرض تحت لواء التقدم.

بالتالي، فإن مقاومة و تفكيك الاستشراق و السردية البيئية الاستعمارية الجديدة ستتطلب بناء رؤى نحو حراك جماعي ضد التغير المناخي، و من أجل العدالة البيئية و التحول الاجتماعي-البيئي، تضرب جذورها في تجارب و تحليلات و أفكار تحرّرية من مناطق إفريقيا و العالم العربي و غيرها من المناطق.

ما هو «الانتقال العادل»؟

تهيمن المؤسسات النيوليبرالية الدولية على أغلب الكتابات عن التغير المناخي و الأزمة البيئية و الانتقال الطاقي في المنطقة العربية. و تحليلات هذه المؤسسات متحيزة و لا تتعاطى مع أسئلة الطبقة و العرق و الجندر و العدل و السلطة و التاريخ الاستعماري. و حلولها المقترحة و وصفاتها للمشاكل تستند إلى السوق، و تأتي من أعلى لأسفل، و لا تتصدى للأسباب الجذرية لأزمات المناخ و البيئة و الغذاء و الطاقة. تؤدي المعرفة التي تنتجها هذه المؤسسات -بشكل عميق- إلى عدم التمكين، و تتجاهل أسئلة القمع و المقاومة، و تركز بقوة على نصائح «الخبراء»، مع إقصاء الأصوات «القادمة من أسفل».

على هذه الخلفية من المقترحات، التي في أفضل الأحوال تتجاهل إلى حد بعيد أسئلة السلطة و العدالة، ظهر مفهوم «الانتقال العادل» بصفته إطار عمل يضع العدالة في قلب النقاش. يقرّ هذا النهج -على حد قول إدواردو غاليانو- بأنّ: «حقوق البشر و حقوق الطبيعة هما مسميان لنفس الكرامة».[16] من أين جاءت فكرة الانتقال العادل؟ و ما الذي يمكن أن تقدمه لمشروع إعداد رؤى تعمل من أسفل لأعلى و تقاوم الإمبريالية من أجل الخلاص البشري و التحرك على ملف المناخ في سياق المنطقة العربية؟

يمكن تتبع جذور مفهوم الانتقال العادل إلى الولايات المتحدة في السبعينيات من القرن العشرين، عندما ظهرت تحالفات جديدة غير مسبوقة بين النقابات العمالية و الحركات البيئية و الشعوب الأصلية، للنضال من أجل العدالة البيئية في سياق مواجهة الصناعات الملوِّثة للبيئة. في مواجهة القوانين البيئية التي كانت تُنفّذ حينئذ للمرة الأولى أو شُدِّدت نصوصها خلال ذلك العقد، ادّعت الشركات أن السياسات الحامية للبيئة تطالبها بفصل الكثير من العمال. التفتت النقابات و الجماعات المحليّة ضد محاولة «فرق تسد» تلك، و قالت إن بين العمال و الجماعات المهمشة –لا سيما السود و غير البيض الآخرين و مجتمعات الشعوب الأصلية الذين عانوا أكثر من غيرهم من الصناعات الملوّثة للبيئة– مصلحة مشتركة في توفير بيئة مناسبة للحياة و عمل لائق و آمن بأجور معقولة.

على مدار العقود التالية، تبنّت مجموعات مختلفة مفهوم الانتقال العادل و استكشفته و شرحته و فسّرته. في البداية، تركزت المجموعات هذه في الولايات المتحدة و كندا، ثم انتقل النقاش إلى مجموعات في جميع أنحاء العالم، لا سيما في أمريكا الجنوبية و جنوب إفريقيا. تعاونت الحركات العمالية و حركات العدالة البيئية –مع الشعوب الأصلية و الحركات النسوية و الشباب و الطلاب و مجموعات أخرى– على بناء تحالفات و رؤى مشتركة لتقديم حلول قادرة على إحداث تحولات جذرية في ملف الأزمة المناخية، بما يشمل التصدي للأسباب الجذرية، مع وضع حقوق الإنسان و سيادة الشعوب و مواجهة التدهور البيئي في الصدارة.

و مع اكتساب إطار العمل هذا الشعبية و الانتشار، زادت الشركات و الحكومات من محاولاتها لتقديم رؤاها الخاصة للانتقال العادل، و جاءت تلك المحاولات مفتقرة للتحليل الطبقي، مع إنكار الحاجة إلى تحولات جذرية. مع ذكر مفهوم «الانتقال العادل» في ديباجة اتفاق باريس –و هو انتصار اكتُسِب بشق الأنفس من طرف الحركات العمالية و حركات العدالة المناخية العالمية– اشتدت وتيرة هذا «الالتفاف» على المفهوم و تخفيف مغزاه السياسي القوي. اليوم، لم يعد «الانتقال العادل» مفهومًا واحدًا، حيث أصبح واقعًا في حقل من الخلاف حوله، في مساحة تشهد نضالات حول الحلول المطلوبة و الممكنة للأزمة المناخية. لا يعني المصطلح بالضرورة سياسات تقدمية مُخلصة للبشر، إذ تستخدمه الكثير من الأطراف لوصف مقترحات لا تعدو كونها استمرار الحال على ما هو عليه والدفاع عنه، أو استمرار الحال على مسار تكثيف النمط الاستخراجي «الأخضر».لكن بخلاف الحديث عن «التنمية المستدامة» أو «الاقتصاد الأخضر»، يقدّم مفهوم الانتقال العادل مساحة يمكن للحركات استغلالها للإصرار على سموّ العدالة في جميع الحلول المناخية المقترحة. فرغم محاولات «الالتفاف» على المفهوم ونزع حدته السياسية، تُعدّ مركزية «العدالة» في المصطلح في حد ذاتها نقطة قوة تحافظ على سلامة المفهوم.

مقترحات الانتقال العادل التي تقدمها الحركات الاجتماعية التقدمية مدفوعة بقناعة أنّ الناس الذين يتحملون أعلى كلفة للنظام الحالي، يجب ألا يصبحوا هم من سيدفع ثمن الانتقال إلى مجتمع مستدام، بل يجب أن يكونوا في صدارة الأطراف التي ستشكل مسار هذا الانتقال. استكشفت ديناميّات عديدة جوانب مختلفة من هذه المسألة، سعيًا لتحسين فهم تكاليف النظام القائم و إمكانات الانتقال، و النفقات المحتملة للبدائل المقترحة. من المنظورات النسوية و تلك الخاصة بالشعوب الأصلية، إلى البرامج الإقليمية و القُطرية، فإن الحركات المختلفة تدفع بتعريفاتها الخاصة بها لكل من «العدالة» و«الانتقال» في سياقاتها المتعددة.[17]

يعتمد المفهوم الذي نتبناه على رؤى صادرة عن اجتماع لحركات العدالة البيئية و الحقوق العمالية من ثلاث قارات، و قد انعقد في أمستردام في 2019. توصل المشاركون في الاجتماع إلى ستة مبادئ أولية للانتقال العادل: الانتقال العادل مختلف في مختلف الأماكن؛ الانتقال العادل مسألة طبقية؛ الانتقال العادل مسألة جندرية؛ الانتقال العادل إطار عمل معادٍ للعنصرية؛ الانتقال العادل لا يخصّ فقط مسألة المناخ بل يتعدّاها؛ الانتقال العادل مرتبط بالديمقراطية.[18]

مع عدم الادعاء بأنه تعريف جامع مانع أو مجموعة نهائية و مستقرة من المبادئ الدائمة، فإن هذا التحليل يوضح الأسس العامة لموقف يقرّ بأنه على المناقشات حول الانتقال العادل أن تستجيب لواقع التنمية غير المتكافئة الذي تسببت فيه الإمبريالية و الاستعمار، و أن على الانتقال العادل أن يشمل تحولات جذرية تزيد من سلطة «الناس العاملين»[19] على تنوّعهم، و تقلل من سلطة النخب الرأسمالية و السياسية، مع الاعتراف بأنه لا يمكن التصدي للمشكلات البيئية دون التصدي للبنى العنصرية و المتعصبة جندريًا، و غيرها من البنى القمعية للاقتصاد الرأسمالي. هذا الموقف يُقرّ كذلك أن الأزمة البيئية أكبر من كونها أزمة مناخية، إذ تشمل فقدان المواطن البيئية و التنوع الحيوي، و الانهيار الشّديد للعلاقات البشرية مع «العالم الطبيعي»، و يعترف أنّ الانتقال العادل لا يمكن أن يتحقق دون تحولات في السلطة السياسية و الاقتصادية نحو مزيدٍ من الديمقراطية.

الوجه الثاني لمتانة مفهوم الانتقال العادل هو تاريخه كأداة أو إطار موحّد للحركات المختلفة عبر خطوط الانقسام الكثيرة القائمة و المحتملة. كما أوضحنا أعلاه، فقد خرج المفهوم في الأصل للتعامل مع تكتيكات «فرّق تسد» التي تسلّحت بها الشركات المقاومة لتشديد القوانين البيئية. هذه الأساليب حية و تُمارس إلى الآن، حيث تدفع الشركات بسياسات تحمي أرباحها بغض النظر عن التكاليف التي تتحمّلها المجتمعات و العمال و الكوكب، مع تحريضها مختلف المناطق و فئات البشر العاملين ضد بعضهم البعض. تقرّ الحركات الدولية المعنية بالعدالة المناخية، و الائتلافات القُطرية والإقليمية و التحالفات المحلية في شتى أنحاء العالم، بأننا جميعًا تقريبًا مستفيدون من وجود بيئة مزدهرة و حية، و أننا نعاني عندما تتركز الثروة و السلطة في يد نخب ضئيلة تستفيد من حماية نفسها فقط من أسوأ آثار الأزمة المناخية. لكن بناء حملات و رؤى و مقترحات مشتركة و الكفاح من أجلها، هي عمليات بطيئة و مليئة بالتحديات سياسيًا و لكنها تبقى ضرورية. و يمكن أن يساعد مفهوم الانتقال العادل، و ما يتصل به من تجارب متنامية من العمل و الحملات حول العالم، في توفير بعض الإرشاد و التوجيه على هذا الطريق الصعب.

لقد تشكّل مفهوم الانتقال العادل جزئيًا على يد الحركات العمالية، لذا تبقى مسألة العمل اللائق في قلب عدّة مقترحات مقدَّمة في إطار هذا المفهوم. في هذا السياق، ما الذي نقصده حين نتكلم عن العمل اللائق؟ و كيف يمكن أن نفهم مختلف فئات العمال/العاملين؟

بإلهام من المؤرخ والناشط السياسي الغوياني والتر رودني واستعماله السياسي لمفهوم «الناس العاملين»، حاجج الباحث التنزاني عيسى شيفجي بأنه «في ظل النيوليبرالية، يتخذ التراكم البدائي أشكالًاجديدة ويصبح أكثر عمومية في مختلف القطاعات الاقتصادية، بما يشمل ما يُسمى بالاقتصاد غير الرسمي. يستغل المنتِج نفسه/ نفسها حتى يبقى على قيد الحياة، مع دعمه في الوقت نفسه لرأس المال». ثم يقول شيفجي بأننا بحاجة إلى فهم جديد للعمال، يقرّ بالاستغلال الشائع الذي يواجه العمال الصناعيين المنظَّمين وكذلك العَمالة الهشّة وغير الرّسمية، والمؤقتة والمهاجرة، بالإضافة لغير مدفوعي الأجر وذوي الأجور المتدنّية (عادة النساء) الذين يقومون بأعمال منزلية وأعمال رعاية وأعمال إعادة إنتاج للمجتمع، والموظفين ذاتيًاأو صغار المزارعين، والرعاة والصيادين الذين يعملون بشكل مباشر للبقاء على قيد الحياة.[20]

ليست صدفة أن هذه الأغلبية المُستَغَلة والمعرَّضة للعمل غير المستقر هي أيضًا المجموعة الأكثرعرضة لمخاطر التغير المناخي، والفئة الأقل قدرة على حماية نفسها من آثاره.إذن، بالاقتران مع مفهوم الانتقال العادل، يمكن أن نستخدم هذا التعريف لـ«البشر العاملين» أثناء إعداد رؤيتنا عمّن يجب أن تكون لهم الكلمة فيما يخص الانتقال الطاقي، والتعامل مع الأزمة المناخية بشكل عام. إذ يمثّل المفهومان معًا المهاد والمبدأ لما يمكن أن تكونه العدالة في العمل المناخي.

تختلف الديناميات القائمة من دولة لأخرى وهي معقّدة، لكن هناك أيضًا تحديات وأسئلة مشتركة كثيرة. فمن الواضح –وبشكل متزايد– أن الانتقال العادل سيتطلب الإقرار بالمسؤولية التاريخية للغرب المتقدم صناعيًا، فيما يخصّ التسبّب في الاحترار العالمي. ثمّة حاجة إلى الإقرار بدور السلطة/ القوة في صياغة مسار تشكل التغير المناخي ومسبّباته، ومن يتحملون عبء آثاره و«الحلول» المقدمة للأزمة. في هذا الإطار، فإن العدالة المناخية والانتقال العادل مفاهيم يمكن أن تحدث قطيعة مع «استمرار الوضع الرّاهن» الذي يحمي النخب السياسية العالمية والشركات متعددة الجنسيات والنظم غير الديمقراطية.

الرابط : https://www.7iber.com/environment-urban/%d8%a7%d9%86%d8%aa%d9%82%d8%a7%d9%84-%d8%a8%d9%8a%d8%a6%d9%8a-%d8%b9%d8%a7%d8%af%d9%84

قراءة 430 مرات آخر تعديل على السبت, 07 كانون2/يناير 2023 09:41

أضف تعليق


كود امني
تحديث