" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
- المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله -
لنكتب أحرفا من النور، لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار
تحدثنا - أيها الأفاضل - في الحلقة السابقة عن ظاهرة التصنيف و تعريفها و ضرورة الابتعاد عنها و مقاومتها في واقع الناس و سلوكهم.
و أود أن أذكّر هنا بأن خطورة هذا الفعل و شناعته على النسيج الفكري و العلاقاتي بين أفراد الأمّة ومكوّناتها لا تحصى ، كيف لا وهو يضرب شرائح المجتمع ببعضها، و يزرع بينها سموم التفرّق و بذور التشرذم، و يقوّض الحصن من داخله.
و هذا و الله من أكثر أدوائنا التي ابتلينا بها بتأصيل من بعض أفراد المسلمين، ممّن لم تصل أهليتهم بعد إلى سنّ الرشد الفكري و لم تُرفع عنهم الطفولة العقلية، و إن كانوا يتشدقون بالكلام ألوانا و بالتفاصح أوزانا، و ما ينطبق عليهم إلا ما قال العربيّ قديما " إني أسمع جعجعة و لا أرى طحنا"، و الذي أصبح شغلهم الشاغل العمل على التمييز بين الناس، و التفريق بالمظنّة و سوء الطويّة و تحكم الغلوّ و انعدام الإنصاف و غلبة الهوى، فخالفوا الهدي و تنكبوا الصراط و أصبحوا دعاة وصم و تصنيف لا دعاة تبيين و تعريف، و دعاة إخراج بالهوى لا دعاة إدخال للناس في دين و حمى الله تعالى .
و لعمر الله تعالى ما هذا بسلوك أئمتنا و أخلاق علمائنا التي ارتكزت على تجميع الصفوف و رفع الهمم لمواجهة الأعداء الحقيقيين، و اسمعوا معي قول الإمام مالك - رحمه الله - حين يقول : " لو احتمل المرء الكفرَ من تسعة و تسعين وجها و احتمل الإيمانَ من وجه، لوجب حمله على الإيمان ".
و لنا في قصة اختلاف الصحابة في صلاة العصر أكبر درس و توجيه، فقد كانوا في الطريق إلى يهود بني قريظة و قد سمعوا أمر رسول الله صلى الله عليه سلم " لا يصلينّ أحدكم العصر إلا في بني قريظة " فلما حان وقت العصر و هم في الطريق اختلفوا، فصلّى شطر منهم العصر في وقته في الطريق، و صلّى الشطر الآخر العصرَ في بني قريظة بعد فوات الوقت، سبحان الله ، قصّوا الأمر لرسول الله صلى الله عليه سلم فلم يوبّخ أحدا أو ينهره، بل أقرّ كل واحد على فهمه و اجتهاده، ثم رصّ الصفوف كلّها، و شحذ الهمم جميعها، و قاتل بهم اليهود، " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ".
و يحكي إمام الدعاة الشيخ الشعراوي - رحمه الله - قصة فيقول: ( كنت أناقش أحد الشباب المتشددين فسألته: هل تفجير ملهى ليلي في إحدى الدول المسلمة حلال أم حرام ؟ فقال لي : طبعا حلال وقتلهم جائز .
فقلت له: لو أنك قتلتهم وهم يعصون الله ما هو مصيرهم ؟ قال : النار طبعاً..
فقلت له: الشيطان أين يريد أن يأخذهم ؟ فقال: إلى النّار طبعاً
فقلت له : إذن تشتركون أنتم والشيطان في نفس الهدف وهو إدخال النّاس إلى النار !
وذكرت له حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا مرّت جنازة يهودي أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يبكي فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله ؟؟ قال : نفس أفلتت منّي إلى النار
فقلت : لاحظ الفرق بينكم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى يسعى لهداية الناس وإنقاذهم من النار أنتم في واد والحبيب محمد صلى الله عليه وسلم في واد )
إنّ في هاتين القصتين لمحة سلوكية و عبرة تربوية " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد "
تكفي اللبيبَ إشارةٌ مرموزة و سواه يدعى بالنداء العالي
إن في الدنيا كلها نظريتان لا ثالث لهما، نظرية أصّلها رسول الله صلى الله عليه سلم و عمل بها و غرسها في نفوس أتباعه إذ قال " و كونوا عباد الله إخوانا " و نظريّة حكاها الله عن عمل الشيطان و هدفه و مهمّته في حياته، فقال جلّ و علا " إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة و البغضاء.. " و إنّ لكل نظرية أتباع و لكل صنف أبناء، فلينظر كل واحد منا سبيله و بغيته " إنا هديناه السبيل إما شاكرا و إما كفورا "
و ليكن في الحسبان، توجيه ربنا الرحيم الرحمان، حيث قال في محكم القرآن " و لكلّ وجهة هو مولّيها فاستبقوا الخيرات..." .
و ليعلم كل واحد منا أنه معروض أمام ربّ عظيم لا تخفى عليه خافية " و قالوا مالِ هذا الكتاب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها و وجدوا ما عموا حاضرا و لا يظلم ربك أحدا"
فليضع كل واحد هذا الكلام نصب عينيه و لا يتلفظ بكلمة إلا إذا علم أنها له في القيامة فرح و استبشار.
و ما من كـاتب إلا ستـبقى كتــابته و لو فنــيـت يــداه
فلا تكتب بكفّك غـير شـيء يسـرّك في القيامة أن تراه
This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.">This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.">sbartaimohamed@yahoo.fr