لا يخفى على أحد من الناس، أن ما اشتعل في البلاد العربية من حروب، و انفجر فيها من فتن، و دب فيها من مشاكل في السر و العلن، ترجع في معظمها إلى الفساد السياسي أكثر من أي عامل آخر، فذالك الفساد حال دون ظهور نظام حكم راشد يعمل لصالح الوطن و المواطنين، و إنما هيأ الظروف لقيام أنظمة مستبدة استغلت البلاد و العباد لخدمة مصالحها الخاصة، و ضمان رفاهها هي و من يدور في فلكها، على حساب الرعية البائسة، و لم تفعل شيئا يذكر، لإنعاش الاقتصاد، و تطوير المجتمع، و النهوض بالبلاد، فأثمر ذلك المسلك المنتهج ثمارا ملعونة، ظهرت في شكل أزمات اقتصادية و اجتماعية و صراعات ثقافية ساهمت بصورة مباشرة في جعل البلاد بفعل هذا الاستبداد تفقد استقلاليتها و تقع فريسة لهيمنة القوى الأجنبية، التي كانت أصلا تتحين الفرص للانقضاض عليها، و أحيانا كانت هي بذاتها تصنع تلك الفرص، حتى تضطر بعض تلك البلدان للجوء إليها و الارتماء في حضنها راضية أو مكرهة، كما جرى مع سوريا التي اضطر حاكمها للاستعانة بالفرس و الروس ليحمي نفسه من غضب شعبه، أو كما هو الحال مع المملكة العربية السعودية التي ضغط عليها ترامب و ابتزها بطريقة مهينة، فلما لم ترضخ له خلى بين الحوثيين و بينها، الذين وجهوا ضربة قاصمة لاقتصادها، بحيث جعلت إنتاجها النفطي يهوي بنسبة خمسين بالمائة، بعد القصف الصاروخي الذي طال منشآت أرامكو بقرتها الحلوب، فاضطرت هي و الإمارات لطلب حماية أمريكا لمنشآتها القاعدية.
إن الأنظمة الاستبدادية سواء كانت في شكل ملكيات أو جمهوريات، هي التي دفعت و تدفع شعوبنا العربية للانفجار، بفعل الأساليب التي اعتمدتها في إدارة الشأن العام، تلك الأساليب التي لم تتفق مع العقل، و لم تراع الواقع، مما فرض عليها حالة من التردي و التخلف و حمل شبابها على أن يولي وجهه شطر الخارج طلبا للحياة الكريمة، غير أن هذا الخارج الذي كان إلى وقت قريب يرحب به و بما يقدمه له من خدمات، بات يضيق بالمهاجرين الوافدين الذين باتت أعدادهم تعد بالملاين، بعد أن كانت لا تتجاوز المئات و في أسوء الأحوال بآلاف فقط، بفعل الحروب التي فرضت على بلدانهم و أتت فيها على الأخضر و اليابس، و بسبب صعود الأحزاب اليمينية الشوفينية التي أشاعت ثقافة كراهية الآخر، و هذا غيض من فيض، و قليل من كثير.
و هكذا بعد أن ضاقت على شعوبنا سبل الحياة في الداخل، و سدت في وجوهها أبواب الهجرة إلى الخارج، لم يعد أمامها من حل سوى الثورة على أنظمتها الاستبدادية، و العمل على فتح المجال لقيام نظام حكم راشد يكون في خدمة الشعوب، لا نظاما يسخر الشعوب لخدمته، هذا هو ما قامت به الشعوب، في تونس أولا، فليبيا فمصر، فسوريا و العراق، سابقا فيما سمي بالربيع العربي، و هذا ما تقوم به الجزائر و السودان و مصر، في هذه الموجة الثانية منه، التي نرجو من الله العلي القدير أن يكتب فيها لشعوبنا النصر على الثورة المضادة، التي ستبذل يقينا كل ما في وسعها، لتمنع الشعوب من إدراك المراد، و تحرير البلاد، لكن مما لاشك فيه أن الشعوب قد أدركت أنه آن الأوان لتدفع عن نفسها ما سلط عليها من هوان، و هذا ما سيحملها على الإصرار، حتى يتحقق الانتصار…
الرابط : https://elbassair.org/6140/