قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأحد, 19 شباط/فبراير 2023 11:42

مناقشة حرية التعبير والتسامح والعلمانية في أجواء غوغائية

كتبه  الدكتور عزمي بشارة
قيم الموضوع
(0 أصوات)

صعب إجراء حوار مفيد حول مفاهيم معينة في ظلِّ استخدام السياسيين الديماغوجي لها بوصفها مجرد شعارات أو "كليشيهات" في خطاباتهم، و في أجواءٍ من شحن العواطف و توتير الفضاء العام على نحوٍ يفسح المجال لانتشار الغوغائيات على أنواعها؛ سواء أكان بسبب التنافس الانتخابي بين اليمين و اليمن المتطرّف في فرنسا، أم بسبب بعض الصراعات و التوترات على المستوى الدولي، في غير موقعٍ في محيط البحر المتوسط الذي يصل المسلمين بأوروبا، و يفصلهم عنها في الوقت ذاته. هذا هو حال مناقشة مفاهيم مثل حرية التعبير و التعددية و العلمانية و المسّ بالمقدسات في هذه الفترة.

و ليست جريمة قتل المدرّس الفرنسي صمويل باتي، في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، على يد مهاجرٍ شيشاني، هو عبد الله أنزوروف، المناسبة الوحيدة التي أُثير فيها هذا النقاش في أجواء مشحونة تمنع إجراء الحوار على نحو مفيد، و لكنّه اتخذ أبعادًا جديدةً هذه المرة بسبب تورط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مباشرة في الأمر، و ذلك منذ خطابه في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، أي قبل وقوع الجريمة بأسبوعين؛ إذ أشار فيه إلى أزمة في الإسلام في كل مكان، مسيئًا استخدام المصطلحات. و قد أساء مثل هذا الاستخدام عدة مرات؛ لأنه يحاول الظهور في خطاباته بمظهر المثقف المتفلسف، كأنّ ذلك من متممات الزعامة المطلوبة في فرنسا. و في الحقيقة، إنه سياسي مثل غالبية السياسيين، يحاول أن يتقن لعبة القوة و اغتنام الفرص، و يخاطب الفرنسيين كي لا يخسر أصواتًا انتخابية محسوبة على اليمين المتطرّف. لكنّ ماكرون لا ينتقي الكلمات بعناية حين يخاطبهم؛ إذ يخلط بين نقد التطرّف و نقد الإسلام، و بين أزمة بعض المسلمين و أزمة الإسلام. إنه يخاطب الفرنسيين، لكنّ المسلمين يسمعونه في الوقت ذاته، فلا يعجبهم هذا الخلط، و لا الوعظ الاستعلائي، و لا المقام برمته؛ فالرجل رئيس دولة، و ليست وظيفته تقييم الإسلام و لا المسيحية أو إبداء الرأي في أي دين.

تخلّلت حالات معدودات العلاقات المعقدة بين شمال البحر المتوسط و جنوبه و شرقه في العقود الأخيرة، ظهر فيها أشخاص (مهووسون في رأيي) يتملّكهم شغفٌ ما باستعراض علمانية من نوعٍ مشوهٍ، أو إظهار حرية التعبير عبر الإساءة لنبي الإسلام، أو الاستعراض من أجل الظهور و نيل الشهرة عبر استفزاز الآخرين. و للممارسة المنشغلة بشخصية النبي العربي و الافتراء عليها و رواية "أخبار" عنه خارج سياقها الحضاري و التاريخي، تراثٌ هامشيٌ في الثقافة الأوروبية؛ و هو ليس تراثًا علمانيًّا تحديدًا، كما أنه، في غالبيته، تراكمٌ عبر مراحل صراعٍ و حروب. و لكن في ظروف الفضاء العام المفتوح حاليًا، و ثورة وسائل الاتصال و التواصل، و نشوء الثقافة الجماهيرية في المجتمعات الأوروبية و المسلمة، فإن هذه الممارسة تتخذ أبعادًا مختلفة، تميزها نوعيًا عن نشر الأضاليل في كتب يقرؤها عدد محدود من الناس.

لا شك في أنّ حرية التعبير من أركان الديمقراطية الليبرالية التي تقوم على القبول بالتعددية، و التي يؤرّخ لها بعض منظري الليبرالية (مثل جون رولز وغيره) خطأً، في رأيي، كأن جذورها تعود إلى التسامح الديني و دروس الحروب الدينية، فهناك تكمن جذور الدول الحديثة و قبول درجة من التعددية الدينية فيها، و ليس التعددية الديمقراطية. و حتى لو صح تأسيسها على ذلك من ناحية المنشأ التاريخي، فهي لا تقوم عليه في منطق الديمقراطية الحاضر (أي منطق تبريرها لذاتها و إعادة إنتاجها لذاتها)، بل تقوم على الأسس نفسها التي تقوم عليها الديمقراطية الليبرالية المعاصرة، و هي: أولًا، المساواة الأخلاقية بين المواطنين بوصفهم ذوات قادرة على تشكيل أحكام بشأن الخير و الشر، و بشأن مصلحتهم. ثانيًا، الحق في المشاركة في تقرير مصيرهم (بالانتخاب مثلًا و ما بين الانتخابات)، و الذي لا يمكن ممارسته من دون ضمان حرية التعبير. ثالثًا، وضع حدود لعسف السلطة، و هذا أيضًا غير ممكن من دون حرية التعبير و النقد، هذا فضلًا عن دور الأداة الرئيسة و هي الرقابة المتبادلة ما بين السلطات. على كل حال، مهما تعددت الآراء في هذا الشأن، ثمة فرقٌ بين التعددية الديمقراطية، في صورتها الناجزة، و بين التسامح المستمد من تراث ديني بعينه. و هذا موضوع لا مجال للخوض فيه من دون استرسال طويل. و لكن سوف نرى لاحقًا جانبًا من هذا التمييز، و أن التعددية الديمقراطية لا تُغني عن التسامح الديني و غير الديني، و الذي قد يتمثل ليس فقط في احترام الرأي الآخر، بل أيضًا في احترام كرامة الآخر من دون أن يفرض فعل التسامح المطلوب، أو يمنعه قانون الدولة.

تحتمل التعددية الديمقراطية ليس فقط تعددية الآراء و الأذواق و التيارات الفكرية و الديانات و الأحزاب، بل تحمي حقها في أن تُعبّر عن نفسها في المجال العام، كما تعد نفسها محايدة في ما بينها أيضًا. و لكن الديمقراطية ليست محايدة بشأن مبادئ الديمقراطية ذاتها. و ليس هذا فحسب، بل تضع الديمقراطيات الليبرالية عمومًا حدودًا لحرية التعبير أيضًا، على الرغم من هذا الحياد. فهي تُحاسِب غالبًا على ما يُسمى التشهير؛ إذ يُلحق الكلام الكاذب إساءةً و ضررًا ملموسين بشخص أو أكثر بغير حق. و لن أدخل في تعريف التشهير هنا، فهو متباين بين النظم القانونية. كما تضع الديمقراطيات حدودًا بين المسموح و الممنوع عندما يتعلق الأمر بالتحريض على العنف أو الحضّ على القتل. و لا تتسامح بعض الدول التي مرت بتاريخ من التمييز العنصري مع التحريض العنصري؛ أي إطلاق تعميمات سلبية سيئة على شعبٍ كامل أو حضارةٍ كاملة أو غيرهما (و لكن غالبًا لا يشمل ذلك التعميمات تجاه الإسلام و المسلمين).

و في فرنسا، يُمنع التعبير عن إنكار الهولوكوست بقوة القانون؛ إذ عوقب مثقفون، و حتى باحثون، ليس لأنهم أنكروا هذه الجريمة الكبرى التي وقعت وتعد بحق جريمة ضد الإنسانية، بل لأنهم تجرؤوا على مناقشة الأمر فقط. و مؤخرًا، حاول ماكرون في خطابٍ له، في 19 شباط/ فبراير 2020 (في مقبرة كاتسنايم في شرق فرنسا)، أن يساوي بين العداء للصهيونية و العداء للسامية كمقدمة لنزع شرعية التعبير عن موقفٍ شرعي يتفق معه كثيرٌ من اليهود ضد حركة قومية كولونياليّة تقوم بممارسات عنصرية، و استعمرت وطنًا مأهولًا، و طردت سكانه.

إن دفاع ماكرون عن حرية التعبير انتقائي، و ليته توقّف عند حدّ الدفاع عنها، فهذا دفاع عن الديمقراطية. و لكنه لا يدافع عن الديمقراطية، بل يخوض معركته السياسية. و يظهر ذلك خارجيًا على نحو جلي، فقد أدى الرئيس الفرنسي دور المحلل للدكتاتور عبد الفتاح السيسي، و جسرًا له إلى أوروبا. يمكن لماكرون أن يدّعي أن مهمته الدفاع عن الديمقراطية في فرنسا و ليس في مصر، و لكن حماسته لإضفاء الشرعية الدولية على دكتاتور يقمع أي صوت معارض لا تدل على حرصٍ شديدٍ على حرية التعبير في المجتمعات المسلمة.

ثمّة حدودٌ لحرية التعبير تُحدّدها الديمقراطية الفرنسية. و تختلفُ القوى و التيارات الفكرية المختلفة حول هذه الحدود. إن المسّ بمقدسات الآخرين الدينية متاحٌ غالبًا في الديمقراطيات الليبرالية التي لا تعترف بحدود المسّ بالمشاعر؛ لأنّه من الصعب تعريفه، و قد يُستخدم مصطلح المسّ بالمشاعر الدينية على نحوٍ تعسفيٍ لمنع أفكارٍ مشروعة بحجة المسّ بالمشاعر الدينية. و على كل حال، حتى لو لم تحظر الديمقراطية المسّ بشخص نبيٍّ مؤسس لديانة يؤمن بها أكثر من مليار و نصف إنسان، يُجلّونه و يقدّرونه، و يعتبرونه رمزًا للسيرة الحسنة التي يُقتدى بها، فإن هذا المسّ ليس نموذجًا عاديًا لحرية التعبير. قد تتيحه حرية التعبير في الديمقراطية الليبرالية مع أنّه يمسّ بمشاعر ملايين من مواطنيها، و كثيرين من غير مواطنيها، فقط بوصفه ممارسة هامشية مدانة و مرفوضة. و لا تعني إتاحة المجال لمثل هذا المسّ، و التعبير عنه في المجال العام، تقبّله و التسامح معه؛ بمعنى اعتباره أمرًا عاديًا. فهو ليس أمرًا عاديًا، إنه أمرٌ استثنائي و حالة متطرفة، و هكذا يفترض أن يُعامَل. صحيح أن الديمقراطية الفرنسية لا تمنعه، و لكن هذا لا يعفيها من التثقيف ضده، و مكافحته تربويًا و إعلاميًا بوصفه ظاهرة سلبية، بموازاة تبريرها لعدم منعه بحجة تجنّب حصول سوابق من قمع حرية التعبير يمكن توسيعها في المستقبل. و لكن، بالتأكيد، لا يجوز أن تكون راضية عنه أو أن تعتبره مفخرةً.

ليس هذا من العلمانية و لا من التنوير في شيء. التنوير الفرنسي، الذي تتلمذ بعضنا على الأقل في فترةٍ من حياته على أفكاره، لم يكن معاديًا للدين غالبًا، بل كان معاديًا للمؤسّسة الدينية و لتدخّلها في السياسة و تداخلها مع الملكيّة، و مناهضًا لرجال الدين الذين ينشرون الخرافات للسيطرة على عقول الفلاحين و البسطاء، كما كان يردد تنويريو القرن الثامن عشر الذين سموا "الفلاسفة". لكنّ التيار المعادي للدين مباشرة كان هامشيًا في حركة التنوير، و لم يعتمد السخرية من السيد المسيح أو من النبي محمد. تعد مناقشة الدين و العقائد و المتدينين و رجال الدين من أسس حركة التنوير و مقاربتها النقدية العقلانية. أما السخرية من الأنبياء في الفضاء العام، فهو استفزاز لا غير. يضاف إلى ذلك أن الاستفزاز المقصود قد يعتبر أمرًا مقبولًا في الفن و الأدب في ثقافة بلد بعينه، و لكن في هذه الحالة غالبًا ما تسخر الأعمال الأدبية و الفنية من مقدسات ثقافتها، أما السخرية من مقدسات الآخرين، و فرض مقاييس المتاح و غير المتاح من ثقافةٍ ما على ثقافةٍ أخرى، فيثيران الحساسيات لأنهما يصطدمان بمسألة الهوية و الكرامة و غيرها، و لا سيما حين تكون العلاقة التاريخية بين المنتمين إلى ثقافتين مختلفتين مركبة تتضمن ماضيًا من تحويل الفرق إلى سيطرة و استعلاء.

و من حق من أطالبه هنا بإبداء التفهّم لهذه الأمور، أن يتوقع من أتباع الثقافة التي ينبغي له احترامها أن يحترموا هم أيضًا الديانات الأخرى، و أن لا يكون شتمها على المنابر أمرًا مقبولًا. هذا أحد أشكال التسامح (الذي يتخذ أشكالًا أخرى عديدة)؛ و هو، في رأيي، أمر مختلف عن التعددية و احترام حرية التعبير. و يتطلب التسامح أحيانًا من الشخص ألا يعبّر، بل أن يمسك عن التعبير من دون إجبار من أحد، حتى لو أتاح مبدأ حرية التعبير الكلام.

و العلمانية، وإن اتخذت أشكالًا متشددة، غير مرنة، في فرنسا بعد الجمهورية الثالثة لناحية الموقف من ظهور الدين و دوره في الفضاء العام، فإنها تشترك مع بقية العلمانيات في أمر جوهري؛ و هو رفض استخدام الدولة و مؤسساتها في فرض دين بعينه، أو الإلزام بمعتقدٍ معيّن أو بفرائضه، و كذلك رفض تدخّل الدولة في قضايا العقيدة، و كل ما يتعلق بالضمير. و جوهر علمانية الدولة هو تحييدها في الشأن الديني. و ثمة نقاش في فرنسا حول إتاحة المجال للدين و مظاهره في الفضاء العام في الدول الديمقراطية العلمانية. و هو محسوم عندي لصالح إتاحته؛ لأنه، على الأقل، شكلٌ من أشكال حرية التعبير، و لأن منعه يناقض مبدأ العلمانية، إلا إذا تحولت إلى أيديولوجية مفروضة من أعلى، أو إلى دين بديل من الدولة. لا يمكن حظر الدين في المجال العام، و ليس من العدل منعه. و غالبية الدول الديمقراطية لا تفعل ذلك. و في الوقت نفسه، فإن الدول الديمقراطية تمنع استخدام الدين من أطرافٍ منظمةٍ سياسيًا في ترهيب المخالفين لها و تكفيرهم، أو فرض نمط حياة معين عليهم. و لا بد من تحصين الدولة و تحييدها من أي محاولة لاستخدامها في فرض تعاليم دينية معينة أو في محاربة ديانات و عقائد أخرى دينية و غير دينية. إن الحركات و الفرق الدينية التي تختلف مع هذا الموقف هي حركات معارضة للديمقراطية أصلًا، و هي تطالب الديمقراطية بما لا تقبل هي ذاتها به. و هذا موضوع آخر. و لكنّ غالبية المسلمين مندمجون في حياة الدول الديمقراطية التي هاجروا إليها، و المتدينون منهم يمارسون دينهم، و يعملون و ينتجون و يسهمون في بناء المجتمعات التي يحيون في كنفها، و يعيشون حياتهم الدنيوية مثل غيرهم.

من حقِ الديمقراطية الفرنسية و غيرها من الديمقراطيات، بل من واجب أي دولة أن تدافع عن المجتمع و تحميه ممن يرتكبون أعمالًا إجرامية باسم الدين أو أي أيديولوجيا علمانية أو دينية. و يمكن أن يرى باحثون أنّ الجماعات المتطرفة التي ترتكب جرائم ضد المدنيين باسم الدين مأزومة، أو أنّ مجتمعاتها تعيش في أزمة. و لكن ليس من وظيفة رئيس دولة أن يحدّد إن كان الإسلام أو اليهودية أو المسيحية في أزمة. و لا أذكر أنّ رئيس دولة مسلمًا، بغض النظر عن طبيعة نظامه، خرج في خطابٍ قال فيه إنّ الكونفوشية في أزمة بسبب ما يُرتكب في الصين في حق الإيغور، أو أنّ البوذية في أزمة بعد ثبوت سياسة التطهير الإثني المشوب بجرائم ضد الإنسانية ضد الروهينغا، أو أنه اعتبر اليهودية في أزمة نتيجة لممارساتٍ في فلسطين تقوم بها جماعات باسم الدين اليهودي مباشرة و بشرعية الوعود التوراتية. ماذا كان سيقال لو هاجم الفلسطينيون و العرب، وتحديدًا المسؤولون الحكوميون منهم، اليهودية أو التوراة التي تُستخدم نصوص منها لتبرير قمع الفلسطينيين؟ لم يكن منطق سلوك الرئيس الفرنسي حين تحدث عن أزمة في الإسلام منطقًا علمانيًّا. قد تعيش المجتمعات المسلمة أزمة، بل أزمات، مثل مجتمعات أخرى، و لكن هذا ليس مبررًا لرئيس دولة أن يشخّص حالة الإسلام.

الإسلام ديانة عظيمة يتبعها أكثر من مليار و نصف المليار إنسان، كما أسلفنا، و توسم به حضارة شديدة التنوع، و لا يصح أن يزج به، بهذه الخفة و التعميم، في خطاب سياسي لرئيس دولة في سياق مكافحة التطرف و الإرهاب، أو في سياق التنافس داخل اليمين الفرنسي المتطرف على الأصوات الانتخابية.

لا شك في أن مقتل المعلم صمويل باتي كان جريمةً شنيعةً. و الحقيقة أنّنا لا نعرف الكثير عن أفكاره، و لا أدري لماذا أراد أن يطرح هذا "النموذج" عن حرية التعبير أمام تلاميذه. لكن يبقى قتله جريمة و يجب أن تُدان ليس على استحياء، و من دون "و لكن". فـاستدراك "و لكن" غالبًا ما يليه تبريرات للجريمة. فليست أحوال المسلمين في أي مكانٍ في العالم و ما يمرون به مسؤولة عن سلوك الشاب الذي قرر قتل المعلم. و لا يجوز تبرير القتل بما يتعرّض له مسلمون في أماكن أخرى في العالم. يمكن دراسة خلفية الشاب و ظروفه الاجتماعية و أفكاره، و لكنه مسؤولٌ عن جريمته ما دام واعيًا فعلته، و ليس غائبًا عن الوعي. و هو لم يشاور "المسلمين" بما فعل، و ليس "الإسلام" مسؤولًا عنها. الإسلام بريء منها بالتأكيد.

الرد على الكلام يكون بالكلام، و على السخرية بالسخرية، حتى لو كان ذلك في المجال العام و ليس في صفٍ مدرسي. و قد يترفّع بعض الواثقين من أنفسهم حتى عن الرد على الكلام بالكلام. فليس كل كلام يستحق الرد. و كان رأيي دائمًا أنه حتى الرسوم الكاريكاتورية التي نشرت للمسّ بنبي الإسلام في صحيفة دنماركية يومًا ما لا تستحق أن تشغل المجتمعات؛ فالنبي يستحق الدفاع عنه، و لكن الرسام لا يستحق أن تخرج له مظاهرات. و ثمّة أسباب كثيرة للخروج من أجل التظاهر في العالم الإسلامي غير صور رسمها رسامٌ مجهول (لن أذكر اسمه)، و لولا هذه المظاهرات لما عرفه أحد، و لا سمع عنه أحد غير قراء صحيفته. بمعنى أنّ من يقوم بفعلةٍ كهذه؛ المس بمقدسات الآخرين، لا يستحق الحشود و التظاهر، بل إهماله. هكذا يتصرّف أبناء حضارة راسخة إذا كانوا واثقين من هويتهم. و ليس كلما قرر مهووس استفزاز المسلمين يخرج الآلاف منهم في مظاهرات و يحولونه إلى "نجم". و نذكر جيدًا حالة القس الأميركي المهووس الذي هدد بحرق القرآن علنًا (لن أذكر اسمه أيضًا)، فاصطفت وسائل الإعلام أمام بيته أيامًا عديدة في انتظار أن يقوم بفعلته هذه. في المقابل، من واجب حكومة الدولة التي يقيم فيها هؤلاء التثقيف ضد هذه الأعمال و استنكارها، مثلما أن واجبها التثقيف ضد العنصرية و إدانتها، لا الاكتفاء بالقول إنها حرية تعبير. ليس صحيحًا أن الدولة الديمقراطية محايدة في كل ما يتعلق بحرية التعبير، حتى لو كان متاحًا.

لكن ما حصل في فرنسا بعد فعلة القتل الشنعاء تلك هو تجاوز الحياد. لقد استخدم التضامن مع الضحية عبر تقديم الصور المسيئة كنموذج لحرية التعبير و التمسك بها. و في نوع من المكايدة، انتقلت الصور من غرفة صف مغلق إلى جدران المباني الحكومية. و بغض النظر عن النوايا، فإن النتيجة هي التشجيع على المسّ بالمقدسات و تحويلها من أمر شاذٍ إلى نموذج؛ ما استفز كثيرين في العالم الإسلامي.

حتى العلماني الفرنسي يمكنه أن يفهم أنّ الدين و رموزه الأساسية تشكّل أحد مكونات الهوية الحضارية للمتدينين و غير المتدينين عند كثير من شعوب العالم، و أن هؤلاء في غالبيتهم الساحقة يعارضون التطرف الديني، و القتل بسبب الكلام، و تكفير الآخرين، و حتى العنف السياسي عمومًا. و لكنهم لا يتفهمون إهانة رموزهم الدينية عن سبق إصرار، و يعتبرونها مسًا مقصودًا بالكرامة. حتى متوسط الذكاء يجب أن يُدرك أنّ إشهار هذا النوع من "التعبير" على مبانٍ حكومية يُطلق سلسلةً من الأفعال و ردود الأفعال لا يمكن أن ينجم عنها أي خير. يجب الخروج من دائرة الشر هذه في أسرع وقت ممكن.

الرابط : https://www.azmibishara.com/ar/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%82%D8%B4%D8%A9-%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A8%D9%8A%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%AD-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D8%AC%D9%88%D8%A7%D8%A1-%D8%BA%D9%88%D8%BA%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9

قراءة 410 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 22 شباط/فبراير 2023 07:20

أضف تعليق


كود امني
تحديث