قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأحد, 03 نيسان/أبريل 2022 08:59

البعد الاستلابي للثورة الرقميَّة في الحقل التربوي

كتبه  أ.د.علي أسعد وطفة
قيم الموضوع
(0 أصوات)

     “بعد أن كافح الإنسان في الماضي كي لا يتحوَّل إلى عبد، عليه أن يناضل كي لا يتحوَّل إلى آلة…”

إيريك فروم

يواجه الإنسان المعاصر اليوم إيقاعات فائقة التسارع لصدمة معرفيَّة تهزّ كيان الوجود الإنساني برمته. و تأخذ هذه الصدمة المعرفيَّة طابع الاستمراريَّة و الديمومة تحت تأثير أمواج متدفِّقة من الاندفاعات المعلوماتيَّة التي تهاجم العقل الإنساني و تقهره. و في وصف هذه الثورة المعلوماتيَّة يقول الاقتصادي الكبير كينيث بولدنج: ” لقد ولدت في منتصف التاريخ البشري لأن ما حدث مذ ولدت حتى الآن يعادل تقريبا كل ما حدث قبل أن أولد([1]). و على هذا المنوال يقول البيولوجي الشهير جوليان هكسلي بأن ” إيقاع التطوُّر المعرفي و التكنولوجي أسرع اليوم 100.000 مرَّة مما كان عليه في العصور السابقة”([2]).

 أما توفلر فيذهب في كتابه صدمة المستقبل إلى وصف هذه الثورة قائلا بأن ” أن 90% ممَّن أنجبت البشريَّة من العلماء يعيشون الآن في المرحلة الراهنة ” ([3])و إذا كان قد وقع في يد ماركس يوما بأن العمل يطوّر الإنسان و ينمّيه، فإنه كان قد أيقن أيضا بأن إبداعات العمل الإنساني قوَّة يمكنها أن تستلب البشر و تدفع بهم إلى دائرة القهر و زنزانات و الاغتراب ([4]). و على أساس هذه الصورة تنتصب اليوم إبداعات الإنسان المعرفيَّة و التكنولوجيَّة في صورة تدفّق معلوماتي يبدِّد إمكانيَّة العقل و يتداعى له الوجدان. و مثل هذه الحالة ليست غريبة بالنسبة لهيغل الذي قضى، منذ أمدٍ بعيد، بأنَّ الاغتراب هو الحالة التي تتحوَّل فيها إبداعات الإنسان إلى أشياء تتحدّاه و تهدِّد وجوده مع أنها تجليات حقيقة للجوهر الإنساني أي عقل الإنسان و ضميره [5].

فمع تطور الثورات المعلوماتيَّة و التكنولوجيَّة المتدفِّقة، من ثورة الفاكس، و الشيفرات الوراثيَّة، إلى ثورة المنيتيل و الحاسوب و الأنترنيت، و ثورة الفضاء و الجينات، و أخيرا ثورة المعلومات نفسها في مجال الشبكات و الأقراص و الصور، يجد إنسان اليوم نفسه في حصار وجودي لا حدود له. و يتمثَّل هذا الحصار في تداعي مقدرة الإنسان المبدع نفسه عن اللحاق بتدفق إنتاجه المعرفي و العلمي، و عن تنامي إحساسه الشامل بأسطورة ضعفه الشامل أمام هذا الإخطبوط المعرفي الذي لا تعرف له حدود أو قرار([6]).

و قد يقول قائل في معرض الاستغراب كيف يمكن للمدّ المعلوماتي أن يضع الإنسان في دائرة الاغتراب؟ ما للإنسان و ثورة المعلومات؟ ألا يستطيع الإنسان أن ينفلت من عقال هذه الثورة و يمضي في حياته بعيدا حياته عن دوائر الاغتراب و الاستلاب؟ و في هذا السياق يتوجَّب علينا أن نقول بأن الإنسان مكره اليوم على أن يخوض في هذا العالم لأن حاجات الوجود أصبحت اليوم حاجات معرفيَّة و بالتالي فإنَّ هذه الحاجات تتنامى مع تنامي و تعاظم هذه الثورات المعرفيَّة المتقادمة.

و هذا يعني أيضا أن التكيّف مع هذه الثورة المعلوماتيَّة أصبح اليوم شرطا ضروريا للوجود. و هذا يعني أيضا بأن من لا يستطيع أن يتكيَّف تغمره أمواج هذه الثورات و يعيش في ظلمات الاغتراب. إذ لا يمكن لإنسان اليوم أن يعيش من غير ثقافة تكنولوجيَّة متطورة في أدنى صور الحياة اليوميَّة و متطلّباتها، فهو يحتاج إلى استخدام التكنولوجيا المتطورة و لا سيما الحاسوب اليوم في كل حركة من حركاته و في كل سكنة من سكنات وجوده: في البنك و الشارع و السينما و المنازل و في داخل السيارات و في أروقة الأحياء و مفازات الصحراء، و من لا يتقن هذه التكنولوجيا بما تنطوي عليه من معلوماتيَّة يعيش في هذا العالم غريبا عن معطياته و عن سمات عصره، و هنا تكمن صورة من صور أزمة الاغتراب.

و إذا كان الاغتراب في عرف إريك فروم هو الحالة التي تتحوَّل فيها عطاءات الإنسان إلى أصنام للعبادة و إلى أوثان يسجد لها حيث تشكِّل الوثنيَّة هنا جوهر كل اغتراب([7]). فإن واحدا من وجه الاغتراب المعلوماتيَّة تكمن في استغراق الإنسان الشامل و ذوبانه المستمرّ في بوتقة النزعة المعلوماتيَّة، فهناك أجيال من الشباب و العلماء الذين يعيشون بصورة شموليَّة في أعماق هذه الثورة في حالة استغراق كاملة بعيدا عن كل مظاهر الحياة الإنسانيَّة الطبيعيَّة.

و يكمن أحد وجوه الاغتراب المعلومات اليوم في عدم قدرة الإنسان على متابعة التغيرات التي تحدث في أي جانب، أو أي ميدان من ميادين المعرفة، و لا سيما هذه التي تتعلَّق بمجال المعلومات و الأنفورماتيك. فهناك دفق ثورة علميَّة صامتة تتحرَّك في العمق و تجتاح كل إمكانيات و حدود التصوّر.

و تتبدَّى للعيان ظاهرة التسارع و التقادم و الزوال بوصفها المفاهيم الأساسيَّة لحالة اغتراب الإنسان في عالم تفوق فيه سرعة التغيّر و وتائره بحيث تصبح كل الأشياء في هذا العالم قديمة متقادمة متسارعة و كل شيء يختفي في رمال متحركة، و من يتابع ما يحدث في عالم الحاسوب اليوم هو برهان قطعي على سمات التقادم و الزوال في هذا العالم الذي يومض تغيرا و يتوهج تبدلا. و كان الأحداث المعرفيَّة تتجاوز حدود و سرعة شريط سينمائي متعجِّل يسابق ومضه ومض العيون الناظرة. و الإنسان في كل يوم يفتح عينيه يجد نفسه في الماضي و هو يلهث من أجل أن يحافظ على علّة وجوده في ظلّ استمراريَّة الزمن.

إنَّ إنسان اليوم يعش في زمن واحد متجانس هو الماضي لأن الأحداث العلميَّة و المعرفيَّة تتجدَّد في كل يوم و لحظة و ثانية على نحوٍ يؤدّي فيه هذا الجديد إلى إزالة ما هو قائم بسرعة غريبة ([8]). و هذا يعني بأن الإنسان يعيش حالة غربة و ينهض في زمن غير الزمن الذي وجد فيه و تلك هي خاصَّة الاغتراب المعرفي و المعلوماتي في عالم اليوم. و يضاف إلى ذلك أن الإنسان لا يستطيع حتى أن يدرك حدود الزمن بمعنى أنه لا يستطيع أن يعرف جملة العطاءات العلميَّة المتوافرة في مجال علمي واحد محدود([9])و هنا يترتَّب على المرء الباحث أن يقف ليبحث في مسألة العلاقة بين التعليم و المعلوماتيَّة و الاغتراب و في مسألة تغاير النظام الإدراكي تحت تأثير موجة المعلوماتيَّة المتجدِّدة.

في إطار أسلوب يغلب عليه طابع الإثارة يعلن الكاتب الكنـدي ماك لوهان الحرب على نظام التعليم القائم، الذي أصبـح برأيـه، من مخلفات عصر وسائل الإعلام المرئيَّة و الموسوعة. و أطروحات الكاتب لا تخفي على العارفين في مجال أشكال المعرفـة الإلكترونيَّة و التلفزيونيَّة و الحاسوبيَّة التـي تتميز بالغنى فيما يتعلَّق بفعالية المشاركة على حدِّ تعبيره.

إنَّ معرفة العالم و إدراكه بصورة كليَّة و شموليَّة كمـا يـرى فـي واقع الحال يؤدِّي إلى صراع بيـن الأجيال الشـابة و بين ذويهـم الـذين يعيشون في سجن حضارة الكتابة ذات المنظور الخطّي التحليلي، و يضاف إلى ذلك كله أن التخصّص المنمط الذي تعزِّزه المدرسـة و المعرفة الجزئيَّة التي تنشرها هذه المدرسة، التي تبعد من حلقاتها عليا ثلاثة أرباع الشريحة الطلابيَّة، كل ذلك يـبرِّر اليـوم وجـود نظام التعليم القائم على حدّ ما يذهب إليه ماك لوهان.[10] و لكن ألا يجب أن نقبل اليوم بفكرة قوامها أن الأطفال يتعلّمون ركاما من الأشياء بشكلٍ عفـوي دون جـهد يذكـر و المطلوب منهم بكل بساطة أن يفتحوا أجفانهم فقط. و من خلال دمج هذه المعرفة عن طريق التغذية الراجعـة، يمكـن للأطفال اختبـار معارفهم بالتجربة و البحث.  و يستطيع الكبار اليوم الاستفادة مـن طاقـة مبدعـة رائعـة و ذلـك عندمـا يحـقِّقون التـوافق بيـن عالم أطفال التكنولوجيا مع عالم رجال تعلَّموا الكتابة فقط اسـتنادا إلى اخـتراع غوتنبرغ المسمَّى كونيَّة غوتنبرغ([11]). و يبين لنا ماك لوهان في أعماله الأصليَّة أنَّ أزمـة المدرسـة و الشباب تعود إلى عـدم تكـيُّف نمـط الإدراك التقليدي مـع وسـائل الإعـلام المتاحة.

 و لكنه يذكر في موضع آخر أن هذه الأزمة أزمـة طبيعيَّة بوصفهـا وليدة نمط جديد من الوعي الشمولي الكوني [12]. و هو وعي سيحتوي عـلى تكنولوجيا الاتّصال الجديدة.. لقد تعرَّضت هذه الجوانب النظريَّة فـي فكر ماك لوهان لجملة من الاختبارات لنقديَّة، و مع ذلك فإنّ أطروحات ماك لوهان كان لها الفضـل الكبـير فـي إيقاظ اطروحات جديدة و فـي تشـكيل منطـق جـديد للتفكـير العلمـي المبدع.

يلاحظ اليوم أنَّ تطوّر التعليـم خـلال الخمسـين عامـا الماضية يميل إلى مركزيَّة التخصُّص حيث يتَّجه كل من الخـبراء للعمل في مجالٍ خاصّ مـن المجـالات العمليَّة المتعـدِّدة أما اليوم و على خلاف المرحلة الماضية يبدو الأمر اليوم مختلفا جدا.

 إذ لم تعد مشكلة التخصّص تطرح نفسها كأداة وحيدة و جوهريَّة بالنسبة للعمليَّة المعرفيَّة. إذ يبدو اليوم أن الوسيلة الأفضل لمعرفة عميقة و أصيلة تكون في عمليَّة الرؤيَّة الشموليَّة لنتائج مختلف العلوم سواء كان ذلك فـي علـم الفيزيـاء أو فـي الأنتروبولوجيا أو في أي مجال علمي آخر([13]). و عندمـا يحـاول المـرء اليوم أن يدرس شيئا ما فإنه معني منذ البداية بتجاوز المجال الخاصّ بالشيء موضوع الدراسة. فعلى سبيل المثال يمكن القـول إنّ كثـيرا من الاكتشافات الجديدة في مجال الفيزيـاء قـد تحـقَّقت بفضـل نتائج أخرى تعود إلى مجالات أخرى غير علم الفيزياء.

 يلاحظ اليوم في إطار الشروط الحاليَّة لتطوّر الإلكترونيّات أن البيئة الإنسانيَّة قد بدأت تتحوّل بشكل تدريجي متزايد إلى طبيعـة صناعيَّة و ذلك من خلال المعلوماتيَّة. فوجود القنبلـة النوويَّة يعـود اليوم، على سبيل المثال، إلى التفكير المعلومـاتي الخـالص، و هـي على المستوى المادّي لا تـزن إلا بضـع غرامـات، و لكـن قـدرة هـذه القنبلة و علاقاتها بالإنسانيَّة تكمن في الـدورة الإعلاميَّة و المعلوماتيَّة لقدرة هذه المادة التدميريَّة. و هنا يمثِّل الجانب المعلوماتي جوهر القدرة و القوَّة الحقيقيَّة للعصـر الـذي نعيش فيه ([14]). لقد أصبح تحويل المعلومـات المهمَّـة الأساسيَّة التـي تشغل الإنسانيَّة اليوم فيما كان أسلافنا، قبل ما يزيد عن خمسـين عامـا، يبذلون جهودهم بصعوبة كبـير لنقـل نتـائجهم الصناعيَّة و أدويتهم الماديَّة خارج الحدود.

لقـد أحدثت الثورة التكنولوجيَّة الجديدة ثورة كوبرنيكيَّة في مجال القيـم و المفـاهيم و العقـائد و أنماط السلوك عند البشر. و إزاء هذا الاندفـاع الحضـاري المـذهل جـنّد العلماء و المفكرون طاقاتهم العلميَّة و الفكريَّة، منذ ثمانينات هذا القرن، لدراسة أثر و وظيفة الإخطبوط التكنولوجـي الـذي يهدِّد القيم الإنسانيَّة في جوانبها الخلاقة و لا سيما فـي مجال العلاقات الإنسانيَّة. و يتمثل الإخطبوط الإعلامي في منظومة من المخترعـات دائمـة التطـور و التـي تتجسَّـد فـي الحاسوب، و التلكس، و الفيديـو، و الكـوابل الأرضيَّة و الفضائيَّة، و الأقمار الاصطناعيَّة، و الهاتف “المنتيل” Minitel و التليتكس، و الفيديوتكس، و الفاكس.. و تكـمن السـمة العبقريَّة لهـذه التكنولوجيا الاتِّصاليَّة الجديدة في جوانبهـا الاتصاليَّة التفاعليَّة و هي بذلك بمثابة ثورة متقدِّمة بالقياس إلى الاتّصـال وحـيد الاتّجـاه الـذي يتمثَّـل في وسائل الإعلام التقليديَّة كالتلفزيون أو الراديو أو الصحافة [15].

 و في الوقت نفسه يلاحظ اليوم أن مسـتوى هـذه المعلومـات يتنامى باستمرار و بوتيرة عالية، و أن نسـبة المعرفـة الضروريَّة لممارســة النشاطات العاديَّة قد شهد تطورا مذهلا و بطريقة مخيفة، و تأسيسا على ذلك بدأ الطلب على التعليم ينطوي على قيمة بالغة الأهميَّة و الخطورة و غـدت ميادينه مترامية الأطراف. و يعبِّر عن هذه الأهميَّة الكبيرة للتعليم و المعلوماتيَّة اليوم ما يشهده البحث و التعليم العالي من نمو و تطوّر ذا طابع أسطوري، و هذا التطوّر يؤخذ على أنه أمر طبيعي في عـالم رجـال الأعمال و الإدارة و التكنولوجيا فـي العصر الراهن.

 و يلاحظ اليوم أنَّ نفقات التعليـم العالي في مجال إدارة الأعمال و الجيش تفوق عشرة أضعاف ما ينفق في مجال الحياة الاجتماعيَّة بكاملها. و لا يوجد وراء ذلـك أيَّة اعتبـارات مثاليَّة أو هدف ثقافي و كل ما هنالك هو الاحتياجات اليوميَّة الضاغطة.

تجدر الإشارة إلى جملـة مـن الصعوبـات التي تواجه الحياة الاجتماعيَّة المعاصرة برمتها، و تتبدَّى إحدى كبريات هـذه الصعوبات في أهميَّة تثوير التعليم الابتدائي و ما قبل الجامعي ليواكب القدرة الهائلة للتعليم العالي و ليعبِّر عن احتياجاته، و بعبـارة أخـرى، سـيتوجَّب علينـا أن نبرمج الأنظمة التعليميَّة الأساسيَّة و نوجّهها نحو تفجير الطاقـات الإبداعيَّة و الاكتشـاف حيث يجب أن تكون هذه المعرفة تحصيلا عفويا في إطار شروط المعلوماتيَّة الجديدة التي تأخذ طابعا إلكترونيا.

 و يتوجَّب علينا أن ندرك اليوم أنّ التعليـم يتـمّ خـارج جـدران الصفوف المدرسيَّة و أن الطفل يكسب في كل دقيقة عشرة أضعاف ما يمكن له أن يتعلّمه داخل المدرسة. فالمعرفـة التـي يكتسـبها الطفـل خـارج قاعات الصفوف المدرسيَّة يتجاوز إلى حدّ كبير قيمـة المعرفـة التـي يكتسبها داخل جدران المدرسة. و أن الفارق بين المعرفة خارج إطار المدرسة و داخلها يميل إلى الاتِّساع بشكل متصاعد. و في المسـتقبل لـن تستطيع المدرسة أن تقوم بتعليم الأطفال المـواد التطبيقيَّة التـي يمكـن أن يتعلَّمها الأطفال من خلال الأقراص و الشـرائط المغناطيسـيَّة أو مـن خلال الفيديو و آلات العرض المتنوّعة. و عندما تسـتطيع العـائلات المتوسطة و الفقيرة أن تمتلك جهاز فيديو و كمبيوتر و فاكس – و هذا ما سيحدث في القريب العـاجل- فإن ثورة متعاظمة ستحدث في مجال التعليم و ستكون هذه الثورة أشـبه بـالثورة التي أحدثها الكتاب المطبوع. ففي الوقت الذي كانت فيه المعرفة مرهونة بمدى الوصول إلى المخطوطـات كان اكتسـابها يتمـيَّز بالصعوبة. و لكن عمليّات اكتساب هذه المعرفة تحوّلت جذريا، و ذلـك بعد ظهور الكتاب المطبـوع و أصبحـت تتمـيَّز بالسـرعة حيث هي في متنـاول الجميع أيضا. و هذا ما سيحدث مع انتشار الفيديو و الفاكس و الأنترنيت و الكمبيوتر و القنوات الفضائيَّة و الشفرة المعلوماتيَّة، حيث سيكون في قدرة كل فرد من أفراد المجتمع أن يعيش مــع الجراحــين و الفلاســفة و البيولوجــيين و الفيزيائيين و الشعراء الكبار و مع أهمّ مصادر المعلومات.

و في مواجهة هذه الصورة الجديدة للحضارة الإنسانيَّة ظهرت مقولات نظريَّة تطالب المدرسة بتوظيف أدوات الثورة العلميَّة المتاحة من أنترنيت و فاكس و كمبيوتر و فيديو و تلفزيون تعليمي و قنوات مشفرة من أجل مواكبة التحوّلات العميقة و الشاملة التي تهاجم العقل الإنساني المعاصر.

و على الرغم من أهميَّة هذه المقولات و مشروعيتها فإنّه توظيف هذه الإمكانيات محكوم عليه منذ البداية، و ذلك لأن إمكانيَّة استخدام التكنولوجيا المعرفيَّة و توظيفها فـي المدرسة مرهونة بإعادة بناء النظام التعليمـي بشـكل كـلّي و على نحو شمولي، ذلـك لأن إدخال الإلكترونيّات في التعليم أمر غير ممكـن فـي إطار الشـروط الحاليَّة التي تتَّصف بخاصة التجرؤ وعدم قدرة المدرسة على التكيُّف مع معطيات التكامل المعرفي لتكنولوجيا المعرفة و الاتّصال.

 إنّ التدفُّق الهائل في للمعلومات  و نموّها الشامل في إطار المجـتمع يمكنه أن يمكن العدد الأكبر من الأطفال من الوصول إلى أعلى مستوى من الثقافة و المعرفة و المعلوماتيَّة. فالبيئة التي تحيط بوجود الإنسان المعاصر تتطلَّب وصول الأجيال إلى تمثّل ذروة المعرفة و تقتضي أيضا و بحكم الضرورة أن يصل عدد كبير من الأطفال إلى إمكانيَّة إجـراء البحوث في مستوياتها العليا و أن يكون لديهم منهج العمل الجمـاعي المشترك.

و لقد أعلن روبرت اوبنهـاير منـذ سـنوات أنَّ هـؤلاء الأطفال الذين يلعبون في الشارع قادرون على حلِّ المسـائل الفيزيائيَّة الأكثر تعقيدا و ذلك لأنهم يملكون نموذجا رفيعا للإدراك فقده الراشدون منذ من طويل. و أن هذه القدرة الإدراكيَّة عند الطفل و التي تتيح لهم القدرة على المشاركة في أعلى مسـتويات البحث، تبدأ بالظهور فقط دون أن توظف فعليا. و قد اعترف أدموند بيكون على سبيل المثال، و هو رئيس لجنة التمـوين فـي فيلادلفيـا علنا بأنه قد طلب مساعدة أطفال المدارس الابتدائيَّة فـي إيجاد الحلول لمسائل التموين الكبرى التي واجهته، حيث كلف يعض الباحثين بتدريس الأطفال المخطّطات الموضوعيَّة من أجل المدينة و طلـب إليهم مناقشة هذه المخطّطات فيما بينهم و مـع آبـائهم و جـيرانهم، و من أجل ذلـك وضعهـم فـي صـورة الجـوانب الفيزيائيَّة الجغرافيَّة للمدينة. و في النهاية عـاد الأطفال و هـم يحـملون بعـض الحـلول المتميِّزة حول جملة المسائل المطروحة.

لقد بدأ الاعتراف اليوم بأن الأطفال يمتلكون قدرات خفيَّة هائلة و يجسِّدون قـدرة نامية يجب أن تحظى بالعناية و أن تخضع لمبدأ الاستثمار. و بطريقة أخرى يمكـن القـول، و ذلـك على المستوى التربوي أن نظام التخصّص و التصنيف الدقيق ليس له غاية واقعيـا إذا كانت الحياة في المجـتمع المعاصر تتمـيَّز بتطوّر و غزارة التدفّق الثقافي و لا سيما أهميَّة المعلومـات التكامليَّة التي يقدّمها الراديـو و التليفزيـون و السينما و الحاسوب و الأنترنيت و نظام الشبكات. و الإصرار على أهميَّة التعليم المدرسي بوضعه الحالي يعدّ بمثابة فكرة ساذجة و غريبة تسـعى إلى تـوظيف المدرسـة كأداة لحرمان نصف أو ثلاثة أرباع أبناء المجـتمع مـن الثقافـة العليا.

تكمن المهمة الأساسيَّة للتعليم في مجـتمع مـا في رفـع مسـتوى أعضائه إلى مستوى القدرة على استخدام التكنولوجيا المتوافرة فيه و توظيفها، و إذا لم النظام التعليمي أداء مهمته هذه فإن المجتمع يتعرض للسقوط و الانهيار.

 إن إحدى العوامل الأساسيَّة لوجود التعليم العام تاريخيا يعود ببساطة إلى أن رجال الصناعة الكبار جعلوا من سوق العمـل مكانـا يفيـض بالنـاس الذين يعرفون القراءة و الكتابة. و هذا ينسحب على ما يتعلّق بحاجات الجـيش الـذي يتطلَّـب أناسـا غـير أميّين قادرين على تقديم الفائدة فـي مجـال الخدمـة العسـكريَّة. فالتخلّف يشير بصورة أساسيَّة إلى المجتمعات التي يكون فيها الجانب الأكبر من السكّان غير متعلّم و الذي لا يستطيع أن يمتص الإنتاج الصنـاعي و لا يمكن أن يخـضع لإرادة رجال الصناعة و المال في البلدان المنتجة.

 و منذ اللحظة التي يتمكّن فيها السكّان من القـراءة و الكتابـة يصبح في متناول أيدي رجال الصناعة و المال التعويل على تعليم السكان الذي يتيح لهم أن يفعلوا ما يريدون. فالشعب المتعلّم لا يستطيع أن يهـرب مـن سـيطرة القنبلة النوويَّة التي تكون نتاجـا للمعلوماتيَّة الخالصـة التـي أصبحت بمثابة البيئة التي تحيط بنـا و التـي يمكـن لهـا أن تشـمل بآثارها كافة البلدان و الحضارات على وجـه الشـمول. و فـي إطار عالمنا الذي تشكِّل المعرفة فيه البيئة النموذجيَّة التي تحـيط بنـا كما هو حال التعليم الابتدائي لن يكون كافيا على وجـه الإطلاق، حيث يتوجَّب علينا أن نبني معرفة عليا على كافة المستويات و فـي كـل المجـالات. و هـذا يتطلَّـب منـا أن نعلــم و ننشــر المعرفــة الإلكترونيَّة و السمعيَّة – البصريَّة لكي يستطيع الناس الحياة و العمـل. و من هذا المنطلق فإنَّ الأتمتة ستعمل على قهر التخصُّص المحدود([16]). فالآلة أقدر اليوم على تخزين المعطيات و أجراء العمليات الحسابيَّة بالانطلاق من هذه المعلومات و كل ذلك سـيكون لـه أثـر كبـير و عميق على النظام التعليمي.

خاتمة

يحكم اليوم على مجتمع ما بأنه ما زال يعيـش في القرن التاسع عشر و يفقد روابطه الحيويَّة مع القرن العشرين إذا كان نظامه التعليمـي لـم يتطوّر مع إيقاعات الزمن، حيث يخضع فيه الطلاب و الناشئة متخصّص مجزأ.

فالشباب الذين يأتون من وسط تسود فيه الإلكترونيات و وسائل التكنولوجيا المعقَّدة يواجهون في إطار المدرسة بيئة التخصُّص الجزئي التي تركِّز على أسـاس الحـصص و الساعات و البرامج المدرسيَّةو بالتالي فإن هذا الشكل من التعليم لا يتوافق أبدا مع معطيات الوسـط الإلكتروني الـذين يعيشون فيه. إنَّ اسـتحالة تحقيق التوازن بين الحاجات و البني الحقيقيَّة لوسط تربوي ما شيء لا يمكن أن يظهر إلا في مراحل التغيّرات السريعة. و نحن اليوم نعيش في عصر التغيرات العاصفة حيث يشكِّل التغـيّر نفسه الشكل الوحيد للثبات الذي نعرفـه ([17]). فإننـا نقيـم علاقاتنـا وفقـا لمحاور محدودة في إطار هذا التغيّر المتسارع.

يجب علينـا ن نـأخذ بعيـن الاعتبـار أن آثـار التكنولوجيـا الإلكترونيَّة تدفعنا إلى تجاوز المناهج القديمة للتنظيـم الاجتماعي الذي يقوم عـلى عمليَّة الفصـل و التجزئة، فنحـن ننتقـل إلى عصـر العجلات و نغادر عصر الدائرة. فالعجلة تنقل بكل بسـاطة الأشياء و المعطيات و لكن الدائرة تقيم علاقات بين المعطيات فحسب. و هذا يعنـي أننا ننتقل من عصر التحويل البسيط إلى عصر ردود الأفعال و الذي يمثِّل عصر المشاركة نفسه.

يجب على التعليم أن ينتقل مـن مسـتوى الـتراكم إلى مسـتوى التجربة أي من التحويل البسيط للمعلومات إلى المعرفة التجريبيَّة ذات الطابع الإبداعي و ذات الأبعاد الجديدة للتجربة المعاشة. و يجب على البحث أن يتوجـَّه نحـو أشكال جـديدة مـن التجربـة و الكشف عن مبادئ التنظيم الشمولي القابل للتطبيق و ليس مـن أجـل الظواهر كغاية في ذاتها. و لنأخذ مثالا عـلى ذلـك إذا شـئت و ذلـك فيما يتعلق بعلم نفس الحياة اليوميَّة حيث يلاحظ أن جميع الأطفال يدركون بعض جوانب نظريَّة فرويد بشكل عفوي و طبيعي، و مثـل ذلـك يتعلَّق بمعرفة تجريبيَّة و ليس بمعرفة تحويليَّة[18]. و يطلـق عـلى بعـض دوائر هذه المعرفة اليوم معرفة الاكتشـاف و ليس بمعرفـة التجـميع الميكانيكي و لا علاقة هناك بيـن هـذا التحـصيل و مسـتوى العمـر، و لا يوجد ما يمنع الأطفال الصغار من أن يكونـوا تجـريبيين منـدفعين و متحمّسين أو مكتشفين و روّاد في مجـال العلـم و المعرفـة، و تلـك هـي توجيهات المجتمع المعنـي و العـالم الـذي يتجـاوز واقـع الأشكال العتيقة و الميكانيكيَّة إلى بني جديدة من التفـاعل الإلكتروني عـن التراكم البسيط للمعطيات إلى مستوى التجريبيَّة البنيويَّة[19].

مراجع المقالة وهوامشها :


[1] آلفين توفلر : صدمة المستقبل : المتغيرات في عالم الغد ، ترجمة محمد علي ناصيف ،ط2 ، الجمعيَّة المصريَّة لنشر المعرفة والثقافة العالميَّة ، القاهرة، 1990. ص 13.

[2] آلفبن توفلر : المرجع السابق ، ص 22.

[3] آلفين توفلر : المرجع السابق ص 27.

[4] السيد علي شتا : نظريَّة الاغتراب من منظور علم الاجتماع ، مؤسسة شباب الجامعة ، الإسكندريَّة ،1993. ص 123- 140.

[5] مجاهد عبد المنعم : الاغتراب في الفلسفة المعاصرة ، سعد الدين للطباعة والنشر ، ط1 ، بيروت ، 1984.

[6] انظر : جوديت لازار : سوسيولوجيا الاتصال الجمـاهيري، ترجمة علي وطفة وهيثم سطايحي ، دار الينـابيع  ، دمشق ، 1995.

[7] نبيل رمزي اسكندر الاغتراب وأزمة الإنسان المعاصر، المعرفة الجامعيَّة، 1988.

[8] لقد تلاشت أجيال من البرامج العلميَّة في مجال الأنفورماتيك بسرعة لا تصدق ومن ينظر اليوم إلى عالم الحاسوب يلاحظ بأن الأجهزة التي تباع تصبح قديمة بمعيار الغد.

[9] منذ أكثر من خمسة عشر عاما وأنا استخدم الحاسب الآلي في الطباعة والعمل يوميا ، وحتى الآن لم أستطع أن أبدا ، مع بذل أقصى الجهد،  أن أتابع التطورات التي تحدث في منسق الكلمات Win-Word  فهناك عدد كبير من الوظائف الجديدة التي تظهر في هذا البرنامج بين عشيَّة وضحاها.

[10] Le Than Khoi : L’éducation et societé , Sorbonne Paris.1991.

[11] آلفين توفلر : صدمة المستقبل ، مرجع سابق ص 31.

[12] Jean- Marie dominique : Enquete sur les Idées contemporaines , Point , Paris, 1981. PP.89-99.

[13] غـي افـانزيني، الجمود والتجديد في التربيَّة المدرسيَّة، ترجمة عبد الله عبد الدائم ، دار العلم للملايين ،بيروت ، 1981.

[14] Judith Lazar  : Sociologie de la communication de mass , P.U.F., paris, 1991.

[15] Même source.

[16] Gilbert Durand : Les  Grands textes de  la sociologie Moderne, 2ED,, Dallos, Paris, 1983.

[17] انظر آلفين توفلر : صدمة المستقبل ، مرجع سابق.

[18]Frank R. Donovan : Education stricte ou éducation liberale “, Ribert laffont , Paris , 1986.

[19] علي وطفة ، تربيه متغيرة لزمن متغير  مجلة العربي  عدد 433 ، كانون الأول ،ديسـمبر 1994.

الرابط : https://daleil.net/%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%84%d8%a7%d8%a8%d9%8a-%d9%84%d9%84%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%82%d9%85%d9%8a%d9%91%d9%8e%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7/12322/

قراءة 769 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 06 نيسان/أبريل 2022 08:31

أضف تعليق


كود امني
تحديث