قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الخميس, 04 كانون1/ديسمبر 2014 06:44

أدوات الاستئصال الفكري الممهد للاستعمار: كيف يؤدي الاستشراق وظيفته التحريفية؟ 2/4

كتبه  الأستاذ محمد شعبان صوان من فلسطين الشقيقة
قيم الموضوع
(0 أصوات)

7- إسقاط المفاهيم السلبية للواقع الغربي على الآخرين: من الوسائل التي لجأ إليها العقل الغربي في إساءة تفسير الحياة في المجتمع الإسلامي عند الجهل بها محاولة التوحيد بين عناوين مشتركة تدل على واقع متباين في كل من المجتمع الإسلامي و مجتمعات الحضارة الغربية، و في هذا يقول الباحث إيهود توليدانو إنه في القرن التاسع عشر كان الأوروبيون و الأمريكيون يحملون مفاهيم متشابهة عن الرق تنزع لتعميم ظروف العمل في مزارع العبيد في الجنوب الأمريكي و لا تترك فسحة لخيار مختلف، و إن الأبحاث الغربية لم تلتفت جيداً لمشكلة الاسم، فكان الرق خارج المجتمعات الغربية يعرض بصفات مفعمة بالمعاني السلبية المشتقة من الممارسات الغربية لا سيما في الجنوب الأمريكي[40]، و في الوقت الذي كان الرق في الأمريكتين منزلة شديدة الانحطاط، كان ما يوصف بالرق أيضاً في المجتمع العثماني سُلّماً للوصول إلى أعلى المناصب التي تلي منصب السلطان نفسه مباشرة، و رغم كون الانكشارية عبيداً للسلطان، يلاحظ كارابل أنهم "على نقيض الأرقاء الأفارقة في الأمريكيتين، (كانوا) طبقة حاكمة لدولة امبراطورية، و كانوا يتمتعون بالمزايا الناجمة عن ذلك"[41].

•من هو آكل لحوم البشر: و من أمثلة إسقاط الصفات المعيبة للغرب على ضحاياه ما فصله الباحث منير العكش عن إلصاق تهمة أكل لحوم البشر بسكان أمريكا الأصليين و الذي كان على العكس من التهمة متوافراً في المجتمع الإنجليزي الذي أسقط التهمة على ضحاياه[42]، و من الطريف أن الطرف الذي ارتكب الإبادة اتهم الضحية بالعنف و التوحش و الدموية في الوقت الذي سجل المراقبون المباشرون أن الحرب بين الهنود أنفسهم قبل تدخل الرجل الأبيض كانت أقل عنفاً و شراسة من حروب الأوروبيين بل كانت شبيهة بالتسلية التي قد تستمر سبع سنوات دون أن يُقتل فيها سبعة رجال[43]، و هو أمر مشابه اليوم لقيام الامبراطوريات الغربية الكبرى و المدججة بالأسلحة المدمرة التي تخوض بها حروباً عظمى بقذف غيرها من الضعفاء بتهم العنف و الإرهاب و الخطر على العالم كله، و قد قالت العرب قديماً مثلاً طريفاً عن ذلك و هو: رمتني بدائها و انسلت.

●مجمل الصورة الاستشراقية التقليدية

أما الصورة التي نتجت عن كل هذا الجهل و الخيال و تلك الانتقائية والعلمنة وذلك الإسقاط فقد ازدهرت وظلت مدة طويلة في خيال الجمهور:"صخب في الألوان، ترف و ضراوة وحشية، حريم و سراي السلطان، رءوس مقطوعة و نساء توضع في أكياس و ترمى في البوسفور، مراكب و سفن شراعية يرفرف عليها علم الهلال، استدارة القبب اللازوردية و المآذن البيضاء المحلقة، وزراء و محظيات و خصيان، ينابيع باردة قرب أشجار النخيل، كفار شقت حناجرهم، نساء أسيرات يخضعن لشهوة المنتصر النهم"، و هي صور جمعتها مجموعة فكتور هوغو الشعرية الغنائية المسماة "الشرقيات" (1825)، و قدمت في رأي رودنسون "إشباعاً رخيصاً للغرائز المتأصلة و الشهوات الخفية و الماسوشية و السادية اللاشعورية للبورجوازية المسالمة" وفقاً للشاعر هاينه[44]، و هو ما يؤكد أن الاستشراق لبى حاجة غربية داخلية قبل أن تكون عملية بحث علمي محايدة.

و قد وصف كارابل هذه الصورة بالقول إنها كانت "صورة للسلطان تخدمه نساء لديهن الرغبة في خدمته و يحرسه خصيان من جنوب صحراء أفريقيا، و يدافع عنه جيش من العبيد أُسروا حينما كانوا لا يزالون أولاداً صغاراً، و تم تدريبهم على حياة خشنة كمحاربين قد يموتون حالما ينبس السلطان بأوامره. و في قاعة العرش، يجلس السلطان العثماني يلفه الغموض، و محاطاً بالوزراء الذين يخططون للحملة المقبلة ضد الغرب. و تقليداً لملوك الشرق نادراً ما كان يسمح لزواره بالنظر إليه؛ مما عزز هالة الغموض تلك. و قد ملأ الغربيون الثغرات التي تتخلل ما يعرفونه عن السلطان بالرهبة، و حولوه إلى محارب مقدس يعمل على إهلاك المسيحية، بغية إنجاز ما بدأ به النبي محمد و انتقاماً للعالم الإسلامي لخسارته إسبانيا"[45].

8- الجهل ينتج استشراقاً ماركسياً: و لم تسلم المدرسة الماركسية التي ظهرت لتصحح أمراض الرأسمالية من الوباء الاستشراقي الذي أصاب مجمل الباحثين الغربيين، فقد اتهمت كتابات ماركس و إنجلز"نمط الإنتاج الآسيوي" الذي أدرجت تحته دول متباينة و مساحات واسعة، بالركود و عدم التطور لمدة آلاف السنين، فحياة الفلاح في القرن التاسع عشر هي نفسها حياة أسلافه منذ عشرات القرون بسبب غياب الملكية الخاصة للأرض، و لهذا نفى ماركس أن يكون للمجتمع الهندي مثلاً تاريخ حيث لا تغير و لا تجدد، و هو ما ينطبق على المجتمعات الإسلامية و العثمانية منها، مما جعل الباحث الاجتماعي البريطاني بريان تيرنر يؤكد أن نهاية الاستشراق تتطلب نهاية أشكال من الفكر الماركسي  و إيجاد نوع جديد من التحليل[46].

و قد أثبتت الدراسات الحديثة، و حتى اليسارية منها، محدودية معلومات مؤسسيْ المذهب الماركسي و عدم إلمامهما بطبيعة المجتمعات غير الأوروبية التي أطلقا أحكامهما عليها، و في ذلك يقول المؤرخ البريطاني إريك هوبزباوم عن معرفة ماركس و إنجلز: "كانت سطحية تماماً حول مرحلة ما قبل التاريخ، و حول أميركا ما قبل التاريخ و كانت معدومة تماماً حول أفريقيا، و لم تكن مبهرة حول الشرق الأوسط أثناء العصور الوسطى أو القديمة، لكنها أفضل بكثير حول بعض أجزاء آسيا خاصة الهند، و لم تكن كذلك فيما يخص اليابان، و كانت جيدة حول فترة العصور القديمة و العصور الوسطى في أوروبا"[47]، و يؤكد أندرسون نقص معلوماتهما عن آسيا و حتى تخلفهما عمن سبقهما من الدارسين ، و أن فكرة ركود المجتمعات الآسيوية كانت من تجليات هذا الجهل لديهما لأن غياب النموذج الأوروبي عن هذه المجتمعات "لم يكن يعني أن تطورها كان بالنتيجة راكداً أو دائرياً و قد اتسمت بدايات التاريخ الآسيوي الحديث بتقدم عظيم جداً، بالرغم من أنها لم تتطور نحو الرأسمالية، و هذا الجهل النسبي هو الذي خلق وهم الطابع الراكد و المتماثل للامبراطوريات الشرقية، في حين أن تنوعها و تطورها هما اللذان يلفتان، في الواقع، انتباه المؤرخين في الوقت الحاضر"[48]، و قد سبقت الإشارة إلى مواطن القوة و التطور في الاقتصاد العثماني في العصر الحديث في دراسة سابقة (مدى مسئولية تاريخنا العثماني الحديث عن تخلفنا العربي المعاصر).

9- غطرسة القوة و تبعاتها: بعد تصاعد القوة الأوروبية نتيجة الثورة الصناعية و دخول القارة في عصر التوسع لم يعد مجرد الاختلاف هو الدافع لكراهية المنافسين الآخرين أو التفوق الحضاري هو الحافز على التمركز حول الذات، فقد ظهرت أفكار و فلسفات تمجد القوة المجردة و تجعلها الحكم في صراعات الحياة التي لن يفوز فيها سوى الأصلح، و ذلك بدءاً من فلسفة نيتشة و مروراً بالداروينية الاجتماعية ثم النازية و الفاشية-اللتين يحاول الغرب عبثاً فصلهما عن مجمل تاريخه بادعاء أنهما مجرد شذوذ و هذا ما يكذبه الواقع[49] حيث الإبادة نمط متكرر في التاريخ الغربي[50]-وصولاً إلى نهاية التاريخ و صراع الحضارات و أفكار المحافظين الجدد، و ما يهمنا في كل هذا أن هذه الفلسفات ألغت دور التبرير الفكري في التعامل مع الأعداء، و هي المهمة التي كان يقوم بها الاستشراق و"الاستئصال"، و دعت إلى التعامل المباشر مع الضعفاء لاستئصالهم عملياً دون الحاجة إلى "الاستئصال" الفكري أو تبرير يصفهم بصفات سلبية تمهد لاستعمال القوة ضدهم كما كان يحدث في الماضي، إذ يكفي الآن أن تكون الدولة الغربية الكبرى قوية ليؤهلها هذا لاستعمال حق القوة مع أي طرف تراه معادياً دون الرجوع إلى قيم عالمية أو مؤسسات دولية أو أطراف حليفة و ذلك في سبيل تحقيق المصالح التي يمكن وصفها حسب الرغبة صدقاً أو كذباً بشكل أحادي، فالفاعل هو مرجعية نفسه وفقاً لتعبير الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله، و يمكنه أن يستعمل قوته متى شاء دون موافقة غيره أو الحصول على إجماع من الآخرين حتى لو كانوا من الأصدقاء، و قد اتخذت هذه السياسات عنوان "القدر الجلي" في الولايات المتحدة عندما كانت تخوض صراعاً إبادياً ضد بقايا القبائل الهندية في داخل القارة في القرن التاسع عشر، ثم أخذت اسم الحرب على الإرهاب لإخضاع المتمردين في العالم الإسلامي في بداية القرن الحادي و العشرين، و هو ما يؤكد ما ذكرته سابقاً عن أسبقية التجربة الهندية التي طُبقت على بقية العالم فيما بعد.

و مع أن المراحل التاريخية تتداخل فلا يمكن الفصل بين التمركز حول الذات و غطرسة القوة فإننا يمكننا أن نفرق بوضوح بين سياسات كل منهما و انتقال التوجه العام نحو استعمال القوة المجردة كما اتسمت بذلك مرحلة حكم المحافظين الجدد زمن بوش الابن الذي أعلن مبدأه سنة 2002 بأن السيادة الأمريكية تظل مطلقة و لا مثيل لها، و سيادة الدول الأخرى تحددها الولايات المتحدة، و ليس لأي دولة أخرى الحق في منطقة نفوذ حتى في محيطها، و واقع الأمر كما يراه المؤرخ أناتول ليفن أن النية هي بلوغ أمريكا حداً من القوة يمنع عن الآخرين أية خيارات سوى الحشد خلف القوة الأمريكية و تركيز حرية الحركة بيدها وحدها[51].

و عن أثر القوة في صاحبها يقول لوكمان إن القوة المتعجرفة غالباً ما تجعل من يمارسها غبياً و تمنعه من الفهم الدقيق[52]، و من ظواهر ذلك ما عدده المؤرخ ليفن عما يفعله القوي حين يهمل آراء كل من حوله و يغرق في تقديس ذاته و الاعتقاد بحسد الجميع لنجاحه و يبالغ في الاعتداد برأيه و الاعتقاد بحصرية الصواب فيه و يصر على الفوز في كل جدال مهما كان تافهاً و لا يعترف بأي خطأ و يحرر نفسه من أي مسئولية أخلاقية تترتب على أفعاله و يطلق يده لفعل ما يشاء[53]، أما الضحية و مكانها في مهرجان الاحتفاء الذاتي هذا فهو موضوع البند التالي.

10- شيطنة الضحية و صم الآذان عن آلامها:عبر الأب الروحي لمعتقدات المحافظين الجدد المستشرق الأكثر نفوذاً في إدارة بوش الصغير، برنارد لويس عن الرأي الاستشراقي المعروف القائل إن الكوارث التي حلت بالعالم الإسلامي هي نتيجة إخفاقاته الذاتية و لا يد للسياسات الأمريكية فيها، و إن هجمات المسلمين على المصالح الغربية سببها الكراهية و العداء و عدم العقلانية المتأصلة جميعها في الإسلام بطريقة غير مبررة و لا مفسرة و لا تتحمل الولايات المتحدة أية مسئولية عن ذلك بسبب أي من سياساتها المتعلقة بإسرائيل أو دعم الاستبداديات العميلة أو ممارساتها الاستعمارية و انتهاكاتها المستمرة للحقوق، و أن الإسلام ذاته هو عدو الغرب و ليس شخص معين ممن أعلنت أمريكا الحرب عليهم، و قد تحول هذا الرأي إلى سياسة عامة تبناها المحافظون الجدد و عبر عنها السؤال الغبي الذي طرحوه بعد هجمات سبتمبر و هو: لماذا يكرهوننا؟ و أجاب عنه رئيسهم بغباء أكبر حين قال إن المسلمين يكرهون الحرية الأمريكية، و انطلقت أبواق السياسة و الإعلام (الذي يوصف عادة بأنه إعلام تجهيلي) بفصل مقاومة المسلمين للهيمنة الأمريكية عن سياقها التاريخي و السياسي، و بدلاً من بحث أسبابها المباشرة و البعيدة، توصف بالكراهية الغبية المفتقدة للأساس العقلاني و التي تنفجر بشكل مجنون لا علاقة له بأي من السياسات الأمريكية أو حتى بإساءة تفسيرها، و أن الالتفات إلى الدوافع و المظالم ضار و لا صلة له بالموضوع[54].

•مثال من تبرئة الصهيونية في سبيل شيطنة أعدائها: و من صور فصل الأحداث عن سياقاتها و تجهيل الناس بأسبابها رغم العلم المسبق بكل ذلك ما قام به السياسي و الدبلوماسي الصهيوني أوري جولد الذي ساهم في هذه الحملة بتأليف كتاب عنوانه: "مملكة الكراهية: دور المملكة العربية السعودية في دعم الإرهاب الدولي الجديد"، و مع أنه ليس هنا مقام تفنيد أكاذيبه و ادعاءاته و أسافينه، فإنه من الطريف أن نطلع على بعض أدلته "الموثقة" و منها ما فعله عند ترجمة خطبة الشيخ عدنان أحمد في أحد مساجد مكة (11/5/2001) و التي جاء فيها في ذم زيارة البابا لسوريا تعداد لجرائم حملات الغرب الصليبية على بلادنا و منها حسب صورة الخطبة العربية: "هم أبناء من باركوا أصحاب مذبحة صبرا و شاتيلا، هم من باركوا و دعموا أصحاب مذبحة الحرم الإبراهيمي، و قصف المخيمات الفلسطينية، هم من دعموا قتلة الأطفال، و باركوا قتل محمد الدرة و الطفلة الفلسطينية الرضيعة: إيمان حجو"، فما كان من المؤلف الأمين سوى حذف كل هذه الفقرة المتعلقة بدعم الكيان الصهيوني من الترجمة الإنجليزية[55]لتقتصر الشكوى على الاختلافات الإسلامية-المسيحية في البوسنة و الشيشان و كوسوفو و غيرها، و ليخرج هذا الكيان بريئاً من هذا الصراع الذي لا سبب له سوى عدوان الإسلام غير المبرر، و لمزيد من الإقناع يعلمنا بأن الترجمة تمت في مؤسسة الشرق الأوسط للبحث الإعلامي و ليس منه شخصياً (!)

و يجب التذكير بمكانة هذا المؤلف و أنه كان على صلة وثيقة بالعرب و ليس جاهلاً مظالمهم العديدة فقد كان مستشار السياسة الخارجية لرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو1996-1997، و عمل مبعوثاً دبلوماسياً صهيونياً لقادة مصر و الأردن و دول خليجية و السلطة الفلسطينية، و كان على صلة وثيقة بالمفاوضات مع الفلسطينيين، و حاز على شهادة الدكتوراة في العلاقات الدولية و دراسات الشرق الأوسط و له كتب عديدة و مقالات في صحف شهيرة وفق تعريفه على الكتاب السابق.

هذا الأكاديمي النحرير يعتمد في كتابه الأسلوب الاستشراقي المعتاد في الإحالة و العنعنة عن أمثاله و يخرج في النهاية بأكاذيب مضحكة، فمن ضمن معلوماته"الموثقة"من مصادر مثله معلومة تؤكد أن "الملايين السعودية تمول الإرهاب ضد إسرائيل"، و هي المحور الذي يدور حوله الكتاب ليؤلب العالم تضامناً مع الصهيونية ضد المسلمين، و من مجموع الأدلة على قوله، أنه ضمن اهتمام الجماعات الوهابية المسلحة باستعادة الأراضي الإسلامية المحتلة، دعم السعوديون بعض منظمات الإصلاح الإسلامية في آسيا الوسطى، أهمها حزب التحرير الذي أنشئ سنة 1953 في المملكة العربية السعودية و الأردن و الذي يشبه الوهابية في نقاط مهمة منها عداؤه العنيف للصوفية و الطقوس عند المقامات بالإضافة إلى عداء شديد للتشيع إلى درجة أنه توعد الشيعة بالطرد من آسيا الوسطى إذا وصل الحزب للسلطة[56] (!) و غني عن التوضيح للقارئ العربي الذي عنده اطلاع و لو كان سطحياً على الجماعات الإسلامية أن هذه المعلومات ليست سوى أكاذيب ما عدا تاريخ تأسيس حزب التحرير الذي يأخذ عليه السلفيون عدم تشدده تجاه الشيعة و ليس العكس كما يروج هذا الصهيوني، و لا يرتبط هذا الحزب بأي نظام و لا يتلقى دعماً من أية حكومة و العكس تماماً هو الصحيح إذ يعادي جميع الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي و من المستحيل أن يتلقى دعماً وهابياً سواء كان رسمياً أم غير ذلك.

●كيف يحدث التحريف المركب؟

ليس من السهل وضع خط فاصل بين آليات الاستشراق و"الاستئصال" الفكري أو الاستئصال العملي، فليس من السهل أن نصف وضعاً أو فكرة بأنها نتيجة حصرية للتمركز حول الذات أو غطرسة القوة أو الجهل و الخيال أو الانتقاء و التجاهل و التضخيم، فأين ينتهي الخيال و تبدأ الانتقائية مثلاً؟ و أين تكون المعلومة تجاهلاً يختلف عن الشيطنة؟ و أحياناً تكون نفس المعلومة جهلاً من شخص و تضخيماً من آخر و إسقاطاً لعيوب الذات عند ثالث و شيطنة عند رابع و هكذا، و ربما كانت الشيطنة جزءاً من خيال أو من انتقاء، فعملية تكوين الصورة المحرفة و الوصول إلى العدوان قد يتداخل فيها بعض من كل العوامل السابقة:

1- تحريف صورة المزارع الهندي الأحمر : و قد شرح بعض المؤرخين آلية تكوين الصورة المحرفة عن سكان أمريكا الأصليين و التي نفت عنهم جميعاً الطابع الزراعي و حياة الاستقرار رغم أن المستعمرين الأوروبيين تعلموا كثيراً من فنون الزراعة في الأرض الأمريكية من الهنود و تمكنوا من التأقلم في البيئة الجديدة مما تعلموه من أهلها ثم قاموا بإنكار كل السجل الهندي الزراعي (انتقائية) لتبرير وضع أيديهم على الأرض، التي يجب ألا يتملكها إلا من يبذل جهداً فيها كما ادعوا (تمركز حول الذات)، و لنفي حق أصحابها(غطرسة القوة) البدو، المترحلين، الذين لا يعرفون الاستقرار و لا معنى الملكية و تحديد الأرض و ليس لديهم مفهوم عما للنفس و ما للغير و من ثم لن يعترض بشر و لن يشتكي أحد إذا أُخذت كل الأرض منهم[57] (!) هذا ما أقنع الرجل الأبيض به نفسه فصدق أسطورته المشابهة لأسطورة "أرض بلا شعب" و قام بالاستيلاء على كل أرض الهنود بناء عليها كما استولى الصهاينة على بلادنا وفقاً للأسطورة السابقة أيضاً، و لكن كيف تم ذلك؟

يقول المؤرخ روي هارفي بيرس إن حياة الهندي في شرق القارة الأمريكية اعتمدت على الزراعة و الصيد في آن واحد و كان هذا التشابك يجعله محتاجاً لأرض واسعة (عدة أميال مربعة)يقيم عليها هذه الحياة في الوقت الذي كانت فيه حياة المستعمر الاستيطاني الأوروبي تقوم على مساحة أضيق (عدة أفدنة) يمارس عليها الزراعة فقط (تمركز حول الذات) ، و من ثم فقد قدر مؤرخ من القرن الثامن عشر أن خمسمائة "متمدن"يمكنهم العيش في وفرة في نفس البقعة التي تكفي "همجياً" واحداً لحياة بدائية (تمركز حول الذات)، و قد سهل على الرجل الأبيض بعدما اشتهى أرض الهندي أن يدركه بصفته صياداً فقط و أن يمحو زراعته من المشهد الذهني ليبرر العدوان عليه بصفته بدائياً غير مرتبط بالأرض و كانت الآلية التي استند إليها التحريف أن معظم الأرض التي يعيش عليها هذا الهندي حيث تتوافر الطرائد تلزمه للصيد في الوقت الذي يلزمه للزراعة مساحة غير مرئية مقارنة بها، و لهذا رأى الرجل الأبيض حرفة الصيد و أعمته المنفعة عن رؤية الزراعة الهندية التي أخذ دروساً منها في بداية استعماره[58]، و يوثق نفس المؤرخ أمثلة عديدة عن العمى الذي أصاب الرجل الأبيض الذي كان يرى بعينيه الزراعة الهندية ثم يصر مكابراً أن الهندي مجرد صياد همجي[59]، و هو مثل صارخ عن الانتقاء في الرؤية بتجاهل غير المرغوب رؤيته (الزراعة) و تضخيم المرغوب (الصيد).

و يشرح المؤرخ ستيوارت بانر هذا التجاهل بالقول إنه بحلول القرن التاسع عشر كان قد تم القضاء على قبائل الساحل الشرقي الزراعية إما بالأمراض أو بالهجرة نحو الغرب، و من تبقى منهم كان في حالة مزرية في محميات معزولة و غير قادرين على إحياء ممارستهم الزراعية التي كانت مصدر قوتهم الأول و الذي رعوه بجد و اجتهاد يوماً ما حسب من رآهم رأي العين من كتّاب ذلك الزمن، و لكن أحوالهم تغيرت كثيراً نتيجة الاحتلال الأمريكي، و سهل على من راقبهم أن ينفي ضلوعهم في العمل الزراعي (انتقاء)، و من تبقى منهم كقبائل الجنوب التي اعترف البيض بتحضرها كانوا يمارسون زراعة ليست على هوى و مقاييس الرجل الأبيض (تمركز حول الذات)، إذ كان العمل الزراعي موكولاً إلى النساء و لا تستخدم فيه نفس وسائل الأمريكيين كالحصان و المحراث، مما برر للبيض ادعاء أن الهنود لا يمارسون الزراعة مطلقاً، و في هذا القرن أيضاً وصل الزحف الاستعماري الاستيطاني الأمريكي إلى غرب المسيسبي حيث غلب طابع الترحال على قبائل السهول العظمى الهندية، و هنا أيضاً وجدت الزراعة و لكنها لم تحظ باعتراف أو إدراك الرجل الأبيض الذي أصر على سلب الهندي من هويته الزراعية تحقيقاً لمصلحته الذاتية التي تنفي حق الإنسان في الأرض ما لم يخالطها عمل يديه و جهده، وفقاً لفيلسوف التوسع الأمريكي جون لوك[60].

و بهذا تمكنت النسخة الأمريكية من الاستشراق، أو ما أسميه "الاستئصال"، من تشويه صورة السكان الأصليين قطاعاً قطاعاً كل حسب وضعه و ما يناسبه من آليات التشويه التي سلبتهم جميعاً حقيقة كانت مجسدة في حياتهم و هي الزراعة (انتقاء و تجاهل)، ثم أكدت أنهم غير قابلين للتحضر أو لا فرصة أمامهم لمجاراة الحضارة(غطرسة القوة)، و لما كان الخيار أمامهم منذ البداية هو الحضارة حسب المقياس المحدد أو الفناء، فإنه لم يبق أمامهم سوى الفناء أمام زحف المدنية السريع، و بذلك فصّلت الحجج على مقياس المراد بدقة تمهيداً لتحقيق المصلحة المادية من ذلك و هي الاستيلاء على أرضهم بعد نزع حقهم القانوني الذي فرض الرجل الأبيض مقاييسه بشكل أحادي كما يفرض الصهيوني اليوم"القانون" الخاص به على الفلسطينيين دون مشاركة منهم و ينزع أراضيهم بطريقة "قانونية".

2- شطب وجود الشعب الفلسطيني:و من أمثلة التحريف الاستشراقي في بلادنا أسطورة "أرض بلا شعب" التي وصفت فلسطين، فصنعت لها صورة لا صلة لها بالواقع الحقيقي (جهل وخيال) و لم يعد من المهم فيما بعد سبر هذه الحقيقة التي طغت عليها المصالح المادية و أمكن التلاعب بها كما سيأتي لتطابق مواصفات هذه المصالح كما حدث عندما "عالج" الرجل الأبيض في أمريكا كل الحقائق المتعلقة بممارسة الهنود حرفة الزراعة و أصر على كونهم مجرد صيادين متنقلين، و قد اعترف الوزير البريطاني اللورد بلفور و هو أحد رعاة المشروع الاستيطاني الصهيوني بدور المصالح في تأسيس هذا المشروع الذي هو علمنة لأفكار دينية، و الذي سار على نهج المشروع الاستيطاني الأمريكي متجاهلاً أية أهمية علمية عن وجود أو عدم وجود سكان في هذه البقعة العربية التي أشارت إليها الأسطورة الاستشراقية، فكتب في سنة 1919: " إن القوى العظمى الأربع (إنجلترا، و الولايات المتحدة، و فرنسا، و إيطاليا) قد انحازت إلى الصهيونية، و سواء أكانت الصهيونية صواباً أم خطأ، خيراً أم شراً، فإن جذورها تمتد في تقاليد عريقة، و في حاجات قائمة، و في آمال مستقبلة، ذات أهمية أعمق بكثير من الرغبات و ألوان الحرمان التي يشعر بها سبعمائة ألف عربي يسكنون هذه الأرض القديمة"[61]، و يتضح في الخطاب مدى التمركز حول الذات الغربية فالسياسة لا تسترشد بالقيم الأخلاقية كما كانوا يدعون فقد اتبعوا هذا السبيل سواء كانت الصهيونية خيراً أم شراً، صواباً أم خطأ، و هم مرجعية أنفسهم و ليس لهم قيم عليا خارجية، كما لا يهم سياستهم أي التزام بالديمقراطية أو التحرير أو الإنسانية أو أي شعار رفعته الدول العظمى أثناء الحرب الكبرى الأولى (1914-1918) في سبيل الفوز لأن "الحاجات" أكثر أهمية من رغبات شعب فلسطين (غطرسة القوة)، و الذي لا تستفيد السياسة أيضاً من المعرفة المباشرة عنه و التي نقضت أسطورة أرض بلا شعب حين ثبت لدى الوزير وجود هذا الشعب(سبعمائة ألف عربي) لأن المهم عنده هو"الحاجات القائمة و الآمال المستقبلة"، و لهذا قام بتحوير استشراقي جديد للأسطورة السابقة لتبرير سياسته فحوّل شعب الأرض القديمة في وعده المشئوم إلى مجرد جماعات أو طوائف غير يهودية(تجاهل) وعدها وعداً ثبت أنه كان فارغاً بصيانة حقوقها فيما حوّل الجماعات اليهودية المنتشرة في أنحاء العالم إلى "شعب يهودي" (تضخيم)، و كل ما سبق هو خليط من الجهل و الخيال الذي جعل من فلسطين ابتداء أرضاً بلا شعب ثم تعديل ذلك بانتقائية رأت هذا الشعب و لكنها حوّلته إلى طوائف لا قيمة لها و ضخمت الجماعات اليهودية إلى شعب قائم بذاته، و هذا نموذج من قدرة الاستشراق على تحوير الحقائق و إصدار صور مخالفة للواقع تماماً[62]، و هو ما يؤكد أنه لم يكن حقلاً علمياً محايداً و أن "الحاجات القائمة"ألقت بظلالها الثقيلة عليه. 

قراءة 2365 مرات آخر تعديل على الأحد, 12 تموز/يوليو 2015 09:29

أضف تعليق


كود امني
تحديث