قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الخميس, 16 تموز/يوليو 2015 11:32

أسباب الصراعات الداخلية الكبرى في آخر أيام الخلافة العثمانية 2/1

كتبه  الأستاذ محمد شعبان صوان من فلسطين الشقيقة
قيم الموضوع
(2 أصوات)

لا يصلح الختم الإسلامي للمصادقة على فتن الاستئصال الجارية باسم الإسلام اليوم و التي يتخذ منها الغرب المجرم ذريعة لتشويه صورة مازالت حقيقته الاستئصالية في العالم كله أقبح منها بمراحل، ذلك أن حكم الإسلام امتد في بلادنا 1300 سنة لم تسد فيها المشاهد الدموية الحالية رغم فترات التوتر و الفتن التي لا ننكرها و التي يذكرنا بعضها كالصراع العثماني-الصفوي الذي تخللته الدماء من الجانبين بكون السياسة الطارئة هي التي سفكت الدماء، و ليست العقيدة الحاضرة دائماً في ظروف مختلفة عن المشهد الدامي الذي يحاول البعض استغلاله لدعايات سياسية تخفي ما تشاء و تضخم ما تشاء بعيداً عن الحقائق العلمية لخدمة هذا الطرف أو ذاك مما يؤدي في النهاية إلى حجب الأنظار عن الرؤية الحقيقية لتاريخنا الطويل و إدامة أوضاع التبعية التي لم نر منها خيراً منذ زرع الغرب دولة التجزئة في بلادنا على أنقاض الخلافة الجامعة، ذلك أنه رغم مشاهد الآلام الطارئة في تاريخنا فقد ظلت المكونات العديدة في بلادنا حية و متجاورة حتى جاء الغرب ليعيرنا بتنوعنا و يصدر إلينا بضاعته الانفصالية و الطائفية و الإبادية، و كل من يتصور أنه يطبق حكم الإسلام بهذه الممارسات ما عليه إلا إلقاء نظرة على المشرق حين كان يحكم الإسلام و يزدهر الجميع بدرجات متفاوتة في ظله، و يقارن ذلك بمشهد الغرب حيث سادت إبادة السكان الأصليين و الأقليات و الهويات الفرعية و شن حروب عالمية وصلت حصيلتها جميعاً مئات الملايين من الضحايا، ليعلم في النهاية أنه يستورد بضاعة الغرب و يدخلها مصنع تزوير البيانات ليكتب عليها (صناعة إسلامية) بدلاً من الختم الأصلي (صنع في الغرب) Made in the West.

●الأسباب الغربية للصراعات الطائفية و الدينية و القومية الدموية في المجتمع العثماني

يقول المؤرخ الأمريكي المختص في التاريخ العثماني دونالد كواترت (1941-2011) إن الإمبراطورية العثمانية كانت عبر تاريخها تستوعب قوميات كثيرة و طوائف دينية مختلفة، و كانت هذه الطوائف تعيش في وئام و تتعاون في شتى الأمور، و إن الصراعات التي نشأت في القرنين التاسع عشر و العشرين بين الأتراك و كل من الأرمن و اليونانيين و الأكراد بالإضافة إلى الصراع على فلسطين، لم تكن لتنشأ لولا ظروف تاريخية معينة جرت حديثاً و لم تكن وليدة أحقاد تاريخية قديمة متأصلة كما يفترض البعض، و بالرغم من الكثير من الأفكار المغلوطة عن طبيعة التعايش بين الطوائف المختلفة في الدولة العثمانية، لا يمكن إنكار أن العلاقات بين مختلف الأقوام و الأقليات كانت علاقات جيدة نسبياً، و ما من شك أن الأقليات الخاضعة للحكم العثماني كانت تتمتع بحقوق و بحماية أكثر من تلك الأقليات التي تعيش في الممالك الأخرى مثل فرنسا أو امبراطورية الهابسبورغ (النمسا-المجر)، و إن تدهور علاقات الطوائف في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر سببه تسلط الرأسمالية الغربية من جهة و تدخل الدول الكبرى في الشئون الداخلية للدولة العثمانية، و من سخريات التاريخ أن بريطانيا و فرنسا أذكتا نار الكراهية العربية للحكم العثماني ثم اتخذتا من هذه الكراهية التي صنعتاها ذريعة أخلاقية لتفكيك الدولة العثمانية[1].

●حوادث الشام

كانت فتنة 1840 امتداداً لثورة الشعب في سوريا بدعم عثماني و بريطاني على حكم إبراهيم باشا الذي فرض التجنيد الإجباري على الناس، و لم يكن بوسع نزع السلاح الشامل، الذي تقرر بشكل جد متأخر (1840)، أن يوقف الانتفاضة، إذ تدخل الدول العظمى اللعبة الطائفية، و يصبح قناصلها محركين حتميين للأزمة: فرنسا و النمسا في صف الكاثوليك، روسيا في صف الأرثوذكس، بريطانيا في صف الدروز، و دعاية الأب الفرنسي ريبو تشجع المسيحيين على الثورة ضد الدروز و تؤجج النار، و عندما تحاول الدولة العثمانية تجنب صدامات جديدة و تصوغ مشروعاً يفصل بين المتقاتلين و يعين قائمقامين ماروني و درزي لهما سلطة على أتباعهما دون سلطة على الأرض، تعترض أوروبا لأن ذلك يتعارض مع مفهومها السياسي، و توصي بتقسيم لبنان إلى وحدتين إداريتين يحكم كل منهما قائمقام له سلطة على كل سكان منطقته بغض النظر عن الدين، فكان ذلك "تنظيماً رسمياً للحرب الأهلية في البلد" وفقاً للمؤرخ اللبناني كمال الصليبي و المؤرخين فيليب فارج و يوسف كرباج[2].

و عن فتنة 1858-1860 التي شهدت حرباً أهلية و مذابح في الشام بين المسلمين و المسيحيين و الدروز يقول المؤرخ الأمريكي زاكري كارابل إن سنة 1860 في دمشق حيث ذُبح المسيحيون كانت شذوذاً عن قاعدة التاريخ الإسلامي و سبب هذا الشذوذ هو الغرب الذي تجاوز حدوده، أكثر من كون السبب هو العلاقات الإسلامية المسيحية الداخلية، و حتى في زمن حروب الفرنجة حين سادت نظرة الشك للمسيحيين و اليهود في الشام لم تحدث مجازر مشابهة لما حدث سنة 1860، و كان الذي تغير منذ تلك الفترات السحيقة وجود الغرب على الساحة و تدخله المتزايد في شئون المشرق الداخلية مما جعل أحداث الثأر حصيلة حتمية، و مع ذلك قامت الدولة العثمانية باسترداد النظام و استعادة ما يشبه الوئام القديم[3].

●الأحداث الأرمنية

و عن القضية الأرمنية يقول المؤرخ الأمريكي جستن مكارثي إن الاستعمار الروسي و التطفل الأوروبي و العصبية الثورية الأرمنية بالإضافة إلى الضعف العثماني يشتركون في مسئولية ما حاق بالمنطقة من خراب و دمار زمن الحرب الكبرى الأولى (1914 و ما بعدها)و يرى أن الحوادث الأرمنية كانت جزءاً من صراع كبير و عملية تاريخية واسعة قُتل فيها من المسلمين خمسة ملايين و نصف و هُجر خمسة ملايين من البلقان و القوقاز و جنوب روسيا في القرن الواقع بين سنتي 1821-1922 ، و في الوقت الذي عرف العالم كله معاناة الأرمن فإن معاناة المسلمين التي لا تقل عنها ظلت طي الكتمان و بحاجة إلى مراجعة تاريخية، و كما قُتل الكثير من الأرمن فقد قتل الأرمن كثيراً من المسلمين، و يوزع مسئولية الوفيات الأرمنية في قوافل الترحيل، بين العثمانيين (الاتحاديين) و الروس و الثوريين الأرمن و أنصارهم[4].

أما المؤرخ جيرمي سولت فيوثق دور التبشير الأمريكي و الإنسانية البريطانية في خلق المسألة الأرمنية، و ينقل عن أحد المبشرين قوله إنه لو تركت أوروبا الأرمن مع الأتراك لكان أفضل من إثارتهم ثم إحباطهم، كما ينقل عن المستشرق و العميل البريطاني إيفن فامبري قوله إن دور بريطانيا في إثارة الخلافات و الأحقاد بين عناصر الدولة العثمانية لا ينكره إلا الأعمى[5].

و يقول في كتابه "تفتيت الشرق الأوسط: تاريخ الاضطرابات التي يثيرها الغرب في العالم العربي" بعد أن يورد تقديرات المؤرخين لعدد الضحايا الأرمن في الحرب الكبرى الأولى 1914-1918 (حوالي 800 ألف على الأكثر) بعيداً عن المبالغات التي وصلت إلى مليون و نصف:"و يجب أن توضع هذه الأرقام في إطار مجموع المدنيين العثمانيين الذين قضوا، و هو من ثلاثة إلى أربعة ملايين، و عادت الجيوش العثمانية (بعد الحرب) إلى الهياكل الفارغة للمدن و البلدات و القرى المدمرة و الأنقاض و الجثث المبعثرة بينها، و إلى كل إشارة أو رمز للوجود المسلم العثماني فيها، كالمساجد و المدارس و المقابر و تكايا الصوفيين و الأسواق و بنايات الحكومة، دُمرت كلها، و في منطقة كانت فيها، مثلاً، غالبية السكان من المسلمين، كان ضحايا الحرب المسلمون، تبعاً لذلك، من الأكراد في المناطق الشرقية و الجنوبية الشرقية، و هذه النقطة ترسم خطاً عريضاً يبرز المظهر الكردي المهمَل بالنسبة للمسألة الأرمنية"[6].

أما المؤرخان شو فيوضحان دور الدعاية الروسية التي طورت و استعملت القضية الأرمنية "بمهارة كبيرة" في الوقت الذي لم تكن فيه روسيا سعيدة بالاستقلال الأرمني في الدولة العثمانية لأنه سيثير الأرمن و بقية القوميات عندها و كانت تفضل إثارة الاضطرابات فقط للعثمانيين، و في هذا الصراع الطويل استغل الروس و الأوروبيون الأرمن-الذين لقبهم التاريخ العثماني بالأمة الصادقة- لإثارة المشاكل للدولة العثمانية و المطالبة بوطن مستقل على رقعة واسعة لا يؤلفون فيها أغلبية، و لم تتورط الأغلبية منهم في تأييد هذا المشروع و أحجمت عن مناصرة الثوريين [7]، و عن التقويم الشامل للوضع يقول المؤرخ دونالد كواترت إنه عندما اندلعت الحرب الكبرى الأولى سنة 1914 انضم الأرمن أو بعضهم في روسيا للهجوم الروسي على الدولة العثمانية، و شاركهم في ذلك بعض الأرمن العثمانيين مما أدى إلى ارتياب حكومة الاتحاد و الترقي في ولاء الأرمن، فأصدرت أوامر سنة 1915 بترحيل جميع الأرمن في غرب الأناضول بعيداً عن ساحات القتال "و تبين الوثائق الرسمية التي لا نشك بصحتها، أن الأوامر كانت تهيب بالمسئولين تأمين الحماية اللازمة للأرمن و العناية بهم و المحافظة على ممتلكاتهم و سلامتهم أثناء نزوحهم القسري، و لكن ذلك لم يتحقق"إذ انتقل المهجرون سيراً على الأقدام في ظروف مأساوية و مات بعضهم من سوء التغذية و الأمراض و قُتل آخرون بأيدي قطاع الطرق، و لا مفر من الإقرار أن الموظفين العسكريين و المدنيين كانوا مسئولين عن مقتل أعداد كبيرة من الأرمن المدنيين في الوقت الذي كان واجبهم يقضي بالمحافظة على رعايا الدولة.

و تفسير هذا التناقض كما يشرح كواترت أن هناك فئة متمكنة ضمن جمعية الاتحاد و الترقي كانت تسعى سراً لاستخدام ذريعة الإجلاء وسيلة للقضاء على الأرمن خشية من نشاط المنظمات الثورية الأرمنية و من عواقب انحياز الأرمن للعدو الروسي، و قامت هذه الفئة و هي بزعامة طلعت باشا بتكوين القوات الخاصة التي عهد إليها بالتهجير فاستباحت الدماء"و كانت تتلقى أوامرها من هذه الفئة حصراً عبر شبكة اتصالات خاصة بها و ليس عبر القنوات الرسمية"، أي أن أقطاب الإتحاد و الترقي ردوا على التمرد الأرمني بعصبية قومية مقابلة، و قد تكون هذه الوقائع صحيحة أو غير صحيحة و لكن أدلتها تبدو مقنعة و إن كانت غير موثقة بسبب ضياع و تلف السجلات الرسمية لجمعية الاتحاد و الترقي، و لكن الأرمن لم يتعرضوا للقتل و التشريد خارج المناطق المتاخمة لمسرح الحرب، و في اسطنبول و أزمير ظل الأرمن يعيشون بسلام في الفترة 1915-1916 دون أن يمسهم سوء[8].

(ملاحظة: البروفيسور الراحل دونالد كواترت لم يكن مرضياً عند الحكم في تركيا رغم خدماته المشهودة للتاريخ العثماني و دراساته العميقة في هذا المجال، و اضطر في سنة 2006 لترك منصبه في رئاسة معهد الدراسات التركية في جامعة جورج تاون في واشنطن بضغط من السفير التركي آنذاك بسبب الخلاف مع وجهة النظر التركية في المسألة الأرمنية، كما تقول ذلك موسوعة ويكيبيديا[9]).

و ليس من العدل أن تتحمل الخلافة الإسلامية جريرة العصبيات القومية كالمجازر الأرمنية (1915)، بعدما كان الوئام سائداً إلى درجة أن لُقب الأرمن في التاريخ العثماني بالأمة المخلصة، أو كالطرد السكاني التركي-اليوناني المتبادل (1923) بعدما كان السلطان العثماني هو خليفة امبراطور بيزنطة لدى اليونانيين، أو كالصراع العربي-التركي (1916) بعدما كانت منزلة العرب في الدولة العثمانية هي منزلة "الأمة النجيبة"، و هي الصراعات التي اجتاحت الخلافة نفسها و عصفت بها و بالعالم الإسلامي في النهاية، و على جيراننا و شركائنا الأرمن إذا كانوا يريدون من الآخرين الاعتراف بمعاناتهم الأكيدة ألا يحتكروا دور الضحية و أن يعترفوا في المقابل بمعاناة الآخرين التي كان لهم دور كبير فيها بدفع من الروس و الأوروبيين ، و بدلاً من التراشق بالتهم الآن علينا أن نتعلم من تاريخنا الطويل الذي أطلق العثمانيون فيه على الأمة الأرمنية لقب الأمة المخلصة و الصادقة و هو دليل على حسن الجوار و التعايش الذي وسم تاريخنا قبل أن يتدخل عنصر استثنائي طارئ و غريب هو الغرب و هو الذي قطع الطريق على مئات السنين من الانسجام الذي هيمن على معظم هذا التاريخ، و علينا أن نتساءل لماذا سالت الدماء فقط في تلك الفترة المتأخرة من الزمن العثماني و ليس قبل ذلك؟ ألا يدل هذا على تطفل من عنصر غريب و طارئ لم يكن له وجود قام بإثارة العداوات التي استجاب لها الأرمن و لم يقصروا في إسالة دماء جيرانهم المسلمين كما سالت دماؤهم هم أيضاً؟ و علينا بعد ذلك أن نتعلم أن حتمية الجوار الجغرافي تتطلب منا ألا ندخل الغرباء الغربيين فيما بيننا و أن نتشارك الحياة على هذه الأرض دون استقواء و لا اضطهاد.

●فتن البلقان

و عن فتن البلقان العثماني يقول المؤرخ كارابل نفسه إن هذه المنطقة طالما اضطرب توازنها بسبب القوى الأوروبية، التي كانت تعامل تلك الشعوب كأدوات رهان جاهزة للاستخدام و التضحية[10]،و يفند كواترت وجود دافع يتعلق بتردي الأحوال الاقتصادية في الولايات البلقانية العثمانية لدى الحركات الانفصالية، و التي كانت تحركها عوامل خارجية روسية و أوروبية يهمها إثارة الاضطرابات للعثمانيين كما كان الأمر في الحالة الأرمنية، و يؤكد هذا المؤرخ أن بلاد البلقان كانت تنعم بازدهار اقتصادي عشية انفصالها عن الدولة العثمانية و ما لبثت بعد استقلالها أن ساءت أوضاعها المعيشية بطريقة أصبحت معها في حالة أسوأ مما كانت عليه قبل استقلالها[11].

●الحل العلماني زاد طينة التدخل الغربي بللاً

لم يكن الحل العلماني الذي طرحته دولة التجزئة التي قامت على أنقاض الدولة العثمانية شافياً من الأمراض التي أوجدتها التدخلات الغربية في الشئون العثمانية الداخلية، بل يمكننا ملاحظة أن الدولة القومية و الوطنية كانت امتداداً سلبياً و مرَضياً لتلك التدخلات، فالقومية الطورانية و العلمانية الخجولة لجمعية الاتحاد و الترقي أفضت إلى الكارثة الأرمنية(1915) و التي تبعها إخلاء الأناضول من الوجود المسيحي الأرمني و اليوناني على يد الجمهورية الكمالية العلمانية المتشددة، و بهذا قضت طورانية الاتحاديين و علمانية الكماليين في غضون عشر سنوات (1914-1924) على نسيج فسيفسائي عاش قروناً في ظل الإسلام، و لا يجوز هنا إغفال الدور الغربي المشبوه في إثارة النعرات و استهداف المسلمين من قبل الأطراف الأخرى، و لكن ما تجب الإشارة إليه أن رد الفعل العثماني على تلك الحوادث لم يكن بفداحة ردود الفعل القومية المتعصبة و العلمانية الاستئصالية اللتين كانتا في النهاية من البذور الغربية التي شقت الصفوف و دمرت الانسجام.

●أثر الفتن الغربية على المجتمع الإسلامي العثماني

ففي القرن التاسع عشر حين كان الغرب يمر بالثورة العلمية، كانت الخلافة العثمانية في آخر أيامها، و تقوم بإصلاحات تغريبية تمهد للعلمانية التي "سوف تمحو الجماعة المسيحية نهائياً في القرن العشرين" بعدما كان صدى الحركات القومية يجتاح الطوائف المسيحية و اليهودية بل و شعوب الامبراطورية، و رغم الثورة اليونانية بدعم غربي واضح يؤدي لانفصال اليونان عن الخلافة، فقد استمر صعود الأقليات داخل الدولة العثمانية، فمن 8% هي نسبة المسيحيين في الأناضول في القرن السادس عشر، تصل النسبة إلى 12% سنة 1831 عشية استقلال اليونان (1830)، و يستمر الصعود رغم ذلك لتصل الجماعة سنة 1881 إلى 21%، أي أن تزايد المسيحيين أسرع من تزايد المسلمين في دولتهم، و كانت الجزية أقل فداحة من تأثير الحروب التي تصيب المسلمين المجندين أساساً، و فرص الحراك الاجتماعي أوسع لدى المسيحيين و اليهود البعيدين عن "العبوديات العسكرية"[12].

و يلاحظ المؤرخ نيكولاس دومانيس ملاحظة مهمة و هي أنه وسط الفتن التي عصفت بالمجتمع الإسلامي في القرن التاسع عشر و أدت إلى تهجير 5-7 ملايين مسلم من روسيا و اضطرابات دموية في لبنان سنة 1860 و حوادث أرمنية بلغت ذروتها في مجازر 1915 و صراعات عنيفة في جزيرة كريت بين1841-1908 ، ظلت الغالبية العظمى من العثمانيين المسلمين و المسيحيين و اليهود تتعايش في سلام، بل إننا نجد أرمن اسطنبول و إزمير يعيشون في سلام في نفس الفترة التي قُتل فيها إخوانهم على يد حكومة الاتحاد و الترقي في مجازر 1915-1916 في مسرح العمليات العسكرية أثناء الحرب الكبرى الأولى[13] ، و هو ما يشير إلى عدم تأصل العداوات العرقية حتى في زمن الأزمات، و لهذا نجد الدولة العثمانية و قد أصبحت ملجأ لمسيحيي البلقان و شرق أوروبا الباحثين عن ملاذ ديني أو سياسي في ظاهرة يصفها كواترت بالمدهشة كما كانت ملجأ للمسلمين المضطهدين[14] ، و من خصائص هذا العصر أيضا المدن الساحلية النابضة بالحياة في شرق المتوسط و التي احتوت عناصر من جميع أنحاء العالم و من مختلف الأديان تفاعلت و ازدهرت، كما أن معظم اليونانيين و الأرمن في الأناضول كانوا في وضع سيؤدي إلى خسارة كبرى لو تدهورت العلاقات الاجتماعية بين الطوائف، و لهذا لم يكن هؤلاء مرحبين بالأفكار القومية الانفصالية[15]، و ظلت غالبية الأرمن الساحقة مستمرة في رغبتها في البقاء داخل الدولة العثمانية حتى اندلاع الحرب الكبرى[16] ، و قد أدى القضاء على الدولة العثمانية إلى زوال واحدة من أكثر الدول التعددية استمراراً و استقراراً في التاريخ[17].

●و آثار الفتن نفسها على الدولة العلمانية القومية

و لكن النزعات القومية و الأوهام عن أعداد الأقليات و انتشارها تؤدي إلى الشرخ القومي داخل المجتمع الإسلامي، و سوف يدفع ثلاثة ملايين مسيحي ثمن تصادم القوميات و ميلاد تركيا الحديثة و تقلبات السياسات الغربية الأمريكية و الفرنسية و البريطانية التي تخلت عنهم بعد القيام بإثارتهم، و الروسية التي تبدل وجهها بعد الثورة البلشفية، و دفع اليونانيون على وجه الخصوص ثمن طموحات الحكومة اليونانية الزائدة عن الحد و المدعومة بقوات الحلفاء بعد الحرب الكبرى الأولى، و رغم الأفول الذي تعرض له اليونانيون لصالح الأرمن في اسطنبول و الأناضول بعد استقلال اليونان (1830)، فإنهم استمروا في الدولة العثمانية لقرن بعد ذلك و فضلوا ازدهارهم فيها على حريتهم في اليونان، بل سنجد هجرة من اليونان إلى دولة الخلافة تعزز مواقعهم حيث كان القادة العثمانيون يريدون الحفاظ على البنية متعددة القوميات، أما مصطفى كمال أتاتورك فكان أقل كرماً، و في سبيل تحقيق التجانس القومي الذي لم تستطع جمعية الاتحاد و الترقي تحقيقه تم الطرد السكاني المتبادل بين اليونان و تركيا (1923)، و الذي لم يكن طرد يونانيين من تركيا و أتراك من اليونان بل طرد أتراك مسيحيين من تركيا و يونانيين مسلمين من اليونان، و استمر نزيف اليونانيين و بقية الأقليات من تركيا، و منها الجماعة العربية المسيحية بعد المنحة الفرنسية (الاسكندرونة) لتركيا عشية الحرب الكبرى الثانية، لمدة عشرات السنين بعد سنة 1923 في ظل الإجراءات الاقتصادية المتحيزة و الحملات الصحفية العنصرية، "و بدلاً من تحقيق السكينة لآخر الباقين من الأقليات، التي اعتادت على مدار عدة قرون على الاستقلال الذاتي الإداري و الديني في ظل نظام الملل، أدت العلمانية إلى تشديد هشاشة وضعهم"، و مع إلغاء الخلافة الإسلامية يُطرد البطريرك اليوناني الأرثوذكسي المقيم في اسطنبول، و تُغلق الجمعية الأدبية اليونانية و المدارس اليونانية، أو يعين عليها مدراء و مدرسون أتراك[18].

"و من بين جميع الكوارث التي ميزت تاريخ الجماعة المسيحية في بلاد الإسلام منذ الهجرة (النبوية)، فإن السنوات العشر التي اختفت خلالها الجاليتان الأرمنية و اليونانية من تركيا، بين عامي 1914 و 1924، كانت الأكثر جسامة، إن التكلفة البشرية، 3 مليون نسمة، و المذبحة والمفاجأة غير المتوقعة، قد قطعت بشكل حاسم مسار التاريخ الإسلامي، و المفارقة الأولى هي أن اختفاء المسيحيين يخالف التطورات التي ترتسم معالمها، فالواقع أنه قد حدث في ظل نظامين عصريين، نظام جماعة تركيا الفتاة و النظام الكمالي، اللذين كانا مفعمين بالروح العلمانية (و هناك من جادل بأن قادة الاتحاد و الترقي كانوا من الملحدين و أن معركتهم مع المسيحيين كانت قومية لا إسلامية)، و اللذين شكلا بديلاً راديكالياً لسلطة أضفت الشرعية على الإسلام، و لم يكن هناك ما يسمح في اتجاهات ديموغرافيا المسيحيين بالتنبؤ باختفائهم...و المفارقة الثانية هي أن الإسلام الظافر كان يتفاخر بحياة مشتركة مع المسيحيين و اليهود، أما إسلام زمن الانحطاط...فإنه يكبتهم....لا مراء في أنها (الإمبراطورية) قد قدمت بنية فريدة قادرة على ضمان السلم الأهلي، و قد استفادت من ذلك ديمغرافية الطوائف المسيحية و اليهودية، و قد شهدت نمواً طبيعياً أكثر ارتفاعاً بفضل نظام الملل....و كان المسيحيون ضحايا لإفقار الشعب التركي، كما كانوا، بلا مراء، ضحايا المشاعر المتناقضة التي حفزها لدى هذا الشعب النموذج الغربي"[19].

"و الحال أن السلطان، الذي يخضع جماعات سكانية مسيحية متزايدة العدد بلا توقف، لا يجبرها على التحول إلى اعتناق الإسلام، بل يشركها في السلطة، و سوف يكفي عقد واحد، بين عامي 1914 و 1924، حتى تتوصل الدولة العلمانية المولودة من حطام الإمبراطورية إلى تدمير هذا البنيان لحساب أمة تركية و مسلمة فقط، إن ألف سنة من التاريخ المتعدد الطوائف سوف يجري محوها في عشر سنوات"[20]، و سوف تلجأ السلطة العلمانية إلى أساطير النقاء العرقي[21] ، و التي يرفضها الإسلام رفضاً قاطعاً، لتبرير مواقفها الاستئصالية على عادة الأنظمة العلمانية الشاملة كالنازية و الفاشية و الصهيونية.

و لم يعد في تصور الأجيال اللاحقة أن الأناضول الحالي كان لمدة قرون عثمانية مساحة متنوعة من الطوائف المتعددة ذات الأعداد الضخمة التي تتخلل المسلمين في وسطهم و ليس على حدودهم، و ظلت كذلك إلى زمن قريب جداً[22]، على عكس الانفراد المسلم الذي أوجدته العلمانية، و هو انفراد اتخذ الهوية التركية على حساب الوجود الكردي أيضاً و الذي سحقته بدموية تلك العلمانية بحجة الانسجام القومي للمساحة التي خصصت للأتراك بعد تنازل مصطفى كمال أتاتورك عن الأملاك العثمانية للدول العظمى في اتفاقية لوزان 1923، هذا بالإضافة إلى الوجود العربي المسيحي في الاسكندرونة و الذي سيرحل لصالح الانسجام الديني و القومي في تركيا العلمانية[23]، بل يطال الاضطهاد الوجود اليهودي الذي ظل معفياً من الملاحقة زمناً طويلاً[24].

و سنجد أن الحل العلماني الاستئصالي الغربي يؤدي إلى كارثة سكانية أخرى في فلسطين حين أنشئت الدولة اليهودية على حساب أهل فلسطين من المسلمين و المسيحيين الذين رحلوا عن بلادهم إلى شتات عالمي نتيجة تفرد السيادة اليهودية بفلسطين على عكس الوضع الذي كان قائماً عندما كانت سيادة المسلمين هي المهيمنة على هذا البلد و هو حال وصفه أحد المؤرخين بالتآخي العثماني إلى مطلع القرن العشرين[25]، و مازال النزيف السكاني العربي قائماً في فلسطين في ظل صمت غربي واضح عن "حماية" المسيحيين الذين كانوا الذريعة التي تتحجج بها الدول الغربية للتدخل في شئون العثمانيين و ذلك لو أحس مسيحي بمجرد صداع أو أصيب بزكام، و المسيحيون اليوم يتعرضون لكل أنواع الاضطهاد في فلسطين و الغرب لا يحرك ساكناً "لحمايتهم"، و سنرى أن الحل الذي رسمته العلمانية الفرنسية للبنان الطائفي هو المفضي إلى الحروب الأهلية التي ألصقت فيما سبق بالدولة العثمانية زوراً و لكنها لم تتوقف بعد رحيل العثمانيين و في ظل هيمنة المفاهيم الفرنسية، كما وجدنا المجازر الطائفية و القومية تجتاح دولة التجزئة في عدة أماكن من البلاد العربية العلمانية مع وجود أصابع أجنبية جلية تتلاعب بالمصائر، و ليس من العجيب أن يؤدي المفهوم العلماني إلى هذه الكوارث الدموية، و هي على كل حال نماذج مصغرة للإبادات الجماعية التي اقترفتها العلمانية الغربية الشاملة في الأمريكتين و أستراليا و مواقع متفرقة أخرى من العالم.

قراءة 2413 مرات آخر تعديل على الجمعة, 17 تموز/يوليو 2015 07:41

أضف تعليق


كود امني
تحديث