قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الخميس, 10 أيلول/سبتمبر 2015 09:21

من تاريخ ازدواجية التغريب وولائه الاستعماري في آخر الزمن العثماني (1/2)

كتبه  الأستاذ محمد شعبان صوان من فلسطين الشقيقة
قيم الموضوع
(0 أصوات)

تميزت دعوة التغريب منذ بداية احتكاك بلادنا بالحضارة الغربية الحديثة بوضع آمال كبار في تقليد الغرب تقليداً أعمى و طاعة أوامره طاعة عمياء بصفة ذلك وصفة مضمونة للتطور الحضاري على أمل تحصيل ما وصل إليه من تقدم دون تمييز الخبيث من الطيب، و لهذا كان دعاة التغريب من الساسة و المفكرين يغفرون كل السلبيات بل الجرائم الكبرى التي يرتكبها الغربيون و في نفس الوقت يحصون على أمتهم أنفاسها و خطاياها و يعارضونها فيما يطبلون للغرب لو ارتكبه و يقبلون منه بمعايير مزدوجة ما يرفضونه من أمتهم بصفته تخلفاً و رجعية، و رغم المدة الطويلة و التجارب المريرة و العواقب الوخيمة التي ترتبت على ذلك فمازلنا في المربع الأول نكرر نفس الأخطاء دون أي اعتبار بنتائج الماضي.

۞في الصحافة:

●فيليب دي طرازي (1865-1956)

في مؤلف صدر سنة 1913 بعنوان "تاريخ الصحافة العربية" و يمكنه أن يجعلنا نلقي نظرة على فكر المعارضة ضد السلطان عبد الحميد آنذاك، يقول الفيكونت فيليب دي طرازي تحت صورة نابليون بونابرت : "نابليون الأول امبراطور الفرنساويين واضع أساس الصحافة العربية" و يتبع هذا الثناء ببيتين من الشعر هما :

أنشأت بكر صحائف عربية****فرفعت شان لساننا بين الورى

شهدت لك الدنيا بأنك فردها****و لذاك أحرزت الفخار بلا مِرا

و يصور عمل الحملة الفرنسية بما يلي:"بزغت شمس الصحافة العربية في ختام القرن الثامن عشر بمدينة القاهرة، و كان ذلك على يد الحملة الفرنسية التي جاءت وادي النيل بقيادة بونابرت الذي ارتقى بعد ذلك العرش القيصري في فرنسا باسم نابليون الأول، و هكذا أتيح لأمة غريبة أن تدخل هذا الفن الشريف إلى البلاد العربية مع سائر جراثيم (يقصد بذور) التمدن الحديث" ثم يذكر أن الفرنسيين أنشئوا ثلاث صحف واحدة باللغة العربية و صحيفتان بالفرنسية "و قد انقرضت هذه الصحف برجوع تلك الحملة إلى بلادها سنة 1801"[1].

و الغريب أن المؤلف لا يلقي بالاً لجميع الجرائم الفرنسية في مصر و التي ليس هذا محل ذكرها و يوجز إنجازات الفرنسيين ببذر التمدن الحديث في بلادنا دون اهتمام بأنهار الدماء التي سالت و أكوام الرءوس التي قطعت و الأعراض التي انتهكت و الأملاك التي دمرت، فكل هذا هين إلى جانب افتتاح الفن الشريف بصحيفة عربية واحدة لا غير.

ثم يأتي على ذكر السلطان عبد الحميد فيقول تحت صورته :"عبد الحميد الثاني سلطان العثمانيين و أكبر عدو للصحافة و الصحافيين" ثم يتبع ذلك بالبيتين التاليين:

أُعطيتُ ملكاً فلم أحسن سياسته****و كل من لا يسوس الملك يخلعه

و من غدا لابساً ثوب النعيم بلا****شكر عليه فعنه الله ينزعه

و ليسمح لنا الفيكونت فيليب أن نستقي أخبار "عداوة" السلطان عبد الحميد للصحافة و الأدب و الفكر و العلم من غيره لنرى مدى صدقه فيما نقله من حوادث كان أقرب منا إليها، و عن ذلك يقول المؤرخان المعاصران ستانفورد و إيزل شو:"زيادة معرفة القراءة و الكتابة في زمن السلطان عبد الحميد ساهمت في نمو النشاط الثقافي، فقد بنيت كثير من المكتبات العامة، و ازدهرت الطباعة بآلاف الكتب و الدوريات و الصحف و الكتيبات التي غمرت أيدي جمهور متعطش للقراءة، و باستعمال الطباعة، احتل المؤلفون مكان العلماء بصفتهم قادة الثقافة و ساهموا في التعليم الجماهيري العام"، و بعد الحديث عن الرقابة التي أسسها السلطان في وزارة التعليم و منعت انتقاده مع السماح بنقد الوزراء نقداً غير عنيف، كما منعت بعض الكتابات الثورية و الكلمات التحريضية و غرمت الصحف المخالفة، و هي الممارسات التي جعلت من السلطان عدواً للصحافة عند الفيكونت و غيره من الثوار، يعود المؤرخان للاستدراك بما يلي:"و لكن في الحقيقة أن غزارة المطبوعات غمرت الرقابة مما جعل تطبيق القوانين الرقابية متقطعاً، و اعتباطياً و بشكل أخرق تعوزه البراعة و لكنه خال من (الفعالية) التي أصبحت تسم جهود الرقابة حول العالم حديثاً: فالكتب الممنوعة كانت تمر تحت عناوين أخرى، و المواد المحرضة كانت تروغ من الرقابة، و كثير من الأعمال كانت ترسل بالبريد الأجنبي، و قد تمكن كثير من الكتّاب من تلبية حاجات الجمهور دون خرق القوانين و هو ما نتج عنه عدد ضخم من الروايات و المقالات و الكراسات و كتب أخرى مختلفة و منتشرة و هو ما جعل هذه الحقبة واحدة من أكثر الحقب الثقافية حيوية في التاريخ العثماني و لا يبزها إلا ما جاء بعدها"[2].

و الخلاصة من رأي الفيكونت أن الاستعماري نابليون هو واضع أساس الصحافة و ناشر بذور الحضارة و التمدن الحديث و ليس سفاحاً رغم كل ما أساله من دماء، و السلطان عبد الحميد الذي رعى زمناً مزدهراً من الفكر و الأدب و الصحافة هو عدو الصحافيين مهما فعل من مآثر رغم أن رقابته كانت ضعيفة و هزلية تهزأ بها الرقابة الفعالة للدول المركزية المعاصرة.

و ربما ليس من حقنا أن نفرض على الفيكونت فيليب رأياً تكوّن بعد تراكمات لم يعاصرها لولا أن وجدنا في ثنايا فكره ما هو مرذول في عصره و عصرنا و كل العصور، و هو الثناء على العمالة و الخيانة و التعلق بحبل الأجنبي، مما يجعل عداءه للسلطان عبد الحميد ليس مجرد ثورة على استبداد أو نفور من طغيان.

●فضل الله دباس (ت 1912)

و من ذلك قوله في ترجمة فضل الله دباس أحد مؤسسي جريدة البصير في باريس: "و قصدت فرنسا بإنشاء "البصير" تأييد نفوذها و الدفاع عن مصالح الإمارة التونسية و تمهيد السبل لإعلان حمايتها على تلك البلاد (فالحماية الفرنسية هي المصالح التونسية ذاتها !) و كان عبد الحميد مستاء من خطة هذه الجريدة الحرة لأنها تضرب بعصا من حديد على أيدي الخائنين من رجال تركيا و تبين لهم وجوه الإصلاح لخير السلطنة، و لذلك طلب السلطان المشار إليه مراراً من فرنسا إلغاء جريدة "البصير"للنجاة من انتقاداتها المتوالية، لكن مساعيه ذهبت أدراج الرياح حتى حل القضاء المحتوم بالوزير (الفرنسي الأول ليون)غمبتا، فقطع الراتب عن الجريدة التي عاشت إلى أواخر سنتها الثانية"[3].

و لو أردنا تلخيص الكلام لقلنا إن الصحيفة التي أنشأتها و مولتها فرنسا لدعم استيلائها على تونس هي صحيفة "حرة" تعمل لأجل "المصالح" التونسية و لم يكن "الخونة"من رجال الدولة العثمانية يوافقون على هذا "الخير" للسلطنة لأنهم يرفضون مثل هذه الإصلاحات و على رأسهم "الطاغية" عبد الحميد "هذا السلطان المشهور بمظالمه (و الذي) بث العيون على الصحافيين الأحرار و أراد أن يجعلها آلة صماء لتنفيذ مآربه فلاذوا بأوروبا حيث العدالة رافعة لواءها (و قد رأينا هذا اللواء العادل في البلاد المستعمرة أيضاً !) ليكونوا آمنين على حياتهم من شر هذا الطاغية الكبير"[4]، فأي مدح للسلطان أبلغ من مناوأته الاستعمار و عملاءه، و أي ثناء على مآربه المضادة للاحتلال، و أي مذمة جلبها هذا الصحفي "الحر" على الحرية و أنصارها، و أي بلاء ألحقه هؤلاء ببلادنا حين مهدوا لاحتلالها و استعمار الغربيين إياها ؟؟؟

●رزق الله حسون (1825-1880)

و من صحف "الأبطال" و "الأحرار" و "الهاربين من طغيان عبد الحميد" يواصل المؤلف قائمة الصحف:

"آل سام:اسم لجريدة أسبوعية سياسية برزت عام 1872 لصاحبها رزق الله حسون...و كان قصده من إصدار هذه الجريدة مبنياً على أمرين كانا عنده من أهم الأمور و هما : أولاً الاقتصاد المالي و ثانياً التقبيح في دولة الأتراك التي كانت تتلاعب بها أيدي السياسة الخرقاء، و لذلك أخذ يشوق الشرقيين إلى محبة روسيا التي كان يتمنى لها الاستيلاء على القسطنطينية، و لم يصدر من نشرة آل سام سوى أعداد قليلة لأن منشئها كان يقلد الفرزدق في الهجو و يقدح قدحاً مريعاً بالأتراك و دولتهم"[5].

و من أمثلة ما ذكره البطل الحر من طول لسان الحرية ما هجا به حسون، أحمد مختار باشا الذي لُقب بالغازي لاستبساله في الدفاع عن إقليم قارص و أرضروم في شرقي الأناضول أثناء الحرب مع روسيا (1877-1878) و بالطبع فإن هذه المآثر أو غيرها كتمثيل الدولة العثمانية في مصر و التصدي للاحتلال البريطاني لا يعجب الثوار "الأحرار"الذين يمهدون الطريق للاستعمار، و لهذا يفخر الفيكونت بهجاء حسون للغازي في مجلته"حل المسألتين الشرقية و المصرية" بقوله إن "المجلة كانت تحتوي على قصائد مشحونة بالهجو الفظيع في حق رجال الحكومة العثمانية لاسيما مختار باشا الغازي الذي انكسر من الجيوش الروسية في القرص" ثم يروي قصة موت حسون بالسكتة القلبية من شدة اضطرابه في آخر ليلة من حياته "لأنه بقي إلى نصف الليل مع أصحابه من أبناء العرب يرغو و يزبد و يشتد غيظاً من الأتراك و يطعن فيهم، و قد أنشدهم قصيدته التي هجا بها الغازي مختار باشا و مطلعها:

هل أتاكم بأن مختار غازي****أصبح اليوم و هو محتار باشا

بات مثل البرغوث أو قملة مفرو****كة قصعت بلحية باشا

و بهذا يتبين لنا أن تراجع أحوال بلادنا سبقته جهود حثيثة لشدها إلى الوراء نحو هذه العنتريات العميلة التي بذلت ما تستطيعه لنصل إلى التغريب و الاستعمار و التجزئة و التبعية التي كانوا يفاخرون بها و يدعون جهاراً لها ضد "خيانة الأتراك"، كما يتبين لنا صدق لهجة السلطان عبد الحميد الذي دافع عن نفسه بما لم يصدقه أحد إلا بعد اطلاعه على هذه النماذج من الهبوط الثوري الحر، و ذلك عندما وصفه بالقول : "لقد عدّوني عدواً للأدب، هكذا أعلنوا، لا ! لست عدواً للأدب، و إنما لسوء الأدب، و لست عدواً للأدباء ، و إنما لمن عُدموا الأدب"[6].

و يقوم الدكتور منير موسى شخصية حسون بقوله عن قصيدته "الروسية"التي كتبها أثناء إقامته في روسيا:" جاء فيها كثير من التزييف و النفاق في وصف النظام القيصري الروسي و محاسنه، و مقارنته بمساوئ نظام الحكم العثماني، و مهما يكن من امر، فقد كان حسون يعمل هنا لمصلحة الروس...و لكنه غادر روسيا إلى لندن فوضع قلمه في خدمة إنكلترا...و عندما اندحر الأتراك أمام الروس في حرب 1877، عبر عن فرحته و شماتته بقصيدة لاهبة، و هكذا نلاحظ أن رزق الله حسون، الذي انتقد مفاسد الحكم العثماني و دعا السوريين و العرب إلى الانتفاض عليهم، لم يكن خالي الغرض تماماًـ بل كان يعمل مع الروس أو الإنكليز من أجل القضاء على الامبراطورية العثمانية"، و يعقب الدكتور على ذلك بقوله إن لجوء المناضلين و المفكرين العرب إلى الدول الأوروبية لمقاومة العثمانيين لم تكن ظاهرة معزولة بل واسعة و جلية و يبررها بالقول إنه سببها الخطر القائم دون اعتبار للخطر المحتمل[7]، و لكن هل كانت فرنسا و بريطانيا في ذلك الوقت مجرد أخطار "محتملة"؟

۞في السياسة:

●مدحت باشا (1822-1884)

و ما لنا نذهب بعيداً و قد صرحت الوثائق البريطانية بأن "أبا الأحرار" و "أبا الدستور" و "أبا الإصلاح"، مدحت باشا، الذي وصل إلى أرفع المناصب في الدولة كالولاية و الصدارة العظمى، كان عميلاً بريطانياً، و ذلك كما جاء في "دليل الخليج" الذي "وضعه المستعمرون البريطانيون ليكون لهم مرشداً و لعملائهم و رجالهم في الخليج دليلاً" كما يقول الأستاذ خالد سعود الزيد ، و ذلك بعدما "أدى تزايد أهمية الخليج بعد سنة 1899إلى ظهور الحاجة لوجود ملخص تاريخي و جغرافي لهذه المنطقة يستخدمه المسؤولون السياسيون (البريطانيون)، و أصدر لورد كيرزون (نائب الملك في الهند) أوامره بجمع هذا الدليل التاريخي و الجغرافي للخليج و عُمان و وسط جزيرة العرب في سنة 1903 و بدأ العمل فيه في العام التالي" كما يقول مؤلفه، و كان يعد "وثيقة سرية لا يجوز الاطلاع عليها حتى عام 1955 على وجه التقريب، و كل ما طبع منه لم يتجاوز مائة نسخة". كما يقول الدكتور أحمد مصطفى أبو حاكمة[8].

و قبل الحديث عما قاله دليل الخليج يجب إيراد ما عُرف عن شخصية مدحت في زمنه، فكما سبق ذكره فقد عُرف الصدر الأعظم و الوزير و الوالي مدحت باشا في أوساط الإصلاح العثماني بأبي الدستور و أبي الإصلاح و أبي الأحرار، كما وُصف بأنه من زعماء الإصلاح في العصر الحديث، و قد اتهمه السلطان عبد الحميد الثاني في مذكراته بأنه كان عميلاً لبريطانيا[9]، و أنه لو كان يعلم حقيقته زمن توليته لما أسند المناصب إليه و ذلك رغم اعترافه بقدراته الإدارية، و تؤيد المصادر القديمة قول السلطان فقد جاء في كتاب "عصر السلطان عبد الحميد و أثره في الأقطار العربية" الذي صدر في دمشق في ثلاثينيات القرن العشرين و لم يكن محابياً للسلطان بل منتقداً إياه بشدة، أن مدحت باشا كان منحازاً إلى السياسة البريطانية و كانت الصحف و الساسة في بريطانيا يثنون عليه، كما حاز على ثقة الرأي العام هناك[10]، و حاول استجلاب التدخل الغربي رغم كونه الصدر الأعظم لضمان تطبيق الدستور العثماني[11]، و هي سمة لازمت المدرسة التغريبية التي لم تكن تتردد في اللجوء إلى الحل الخارجي بدعوى "التقاء المصالح" لتحقيق برنامج يفترض بأنه نهضوي، و كان مدحت أيضاً من رءوس المؤامرة لخلع السلطان عبد العزيز، و المشكلة في ذلك أنه رغم كونه وزير دولة طلب مساعدة السفير البريطاني و تدخل الأسطول البريطاني لحماية القائمين بالعملية و هو ما أشير إليه في موسوعة خطط الشام لمحمد كرد علي (1925) الذي كان أيضاً من معارضي السلطان عبد الحميد[12]، و لما عزل السلطان عبد الحميد مدحت باشا من الصدارة (1877) حدث صدى عظيم في أندية السياسة الأوروبية[13]، و استاءت بريطانيا من نفيه[14]، و تدخلت مع فرنسا لإعادته[15]، و لما صدر الأمر باعتقاله بتهمة اغتيال السلطان عبد العزيز لجأ إلى القنصليتين البريطانية و الفرنسية[16].

و المعلومة المهمة في هذا السياق ما ورد في تلك الوثيقة البريطانية آنفة الذكر و هي موسوعة دليل الخليج التي وضعها لوريمر بأمر اللورد كيرزون في بداية القرن العشرين لتكون دليلاً معرفياً لرجال بريطانيا أثناء محاولتها إحكام قبضتها على منطقة الخليج، و ظل الدليل سرياً نصف قرن من الزمان، و قد جاء في هذا الدليل في القسم الخاص بالعراق : "و قد كان مدحت صنيعة لدائرة خارجيتنا"[17]أي عميلاً لوزارة الخارجية البريطانية بالمصطلحات المعاصرة، و رغم كل ذلك مازالت مدرسة التغريب تعده من رواد الإصلاح و تحتفي به احتفاء كبيراً يعده من شهداء الحرية، و رغم كل الإخفاقات و الخيبات التي نتج عنها اللجوء إلى الحل الخارجي فما زال الرهان التغريبي قائماً على ذلك الحل ليحقق التقدم لبلادنا رغم أنه انتهى دائماً إلى خدمة المصالح الغربية ضد مصالح بلادنا التي لم تحصد من الغرب سوى التجزئة و التبعية و النهب و الاستغلال و الاحتلال خلافاً لكل ما يطبقه الغرب في داخله، و كل ذلك اتضح للتغريب العثماني منذ فترة مبكرة أدت إلى أن يدخل تلاميذ مدحت في الحرب الكبرى الأولى (1914-1918) ضد الغرب الذي حماهم و رعاهم و آواهم في البداية، بعدما اتضح لهم أن عداوة الغربيين ليست موجهة ضد نظام السلطان عبد الحميد بدعوى استبداده فقط، بل كانت موجهة ضد الشرق العثماني و مصالحه الحيوية، أما مدرسة التغريب العربية فقد أصرت على تفاؤلها غير المبرر و مازالت تدور في حلقة الاستنساخ و التبعية التي لم تنجز أي مشروع نهضة قابلة للحياة منذ قرن رغم توليها الحكم في معظم المواقع العربية.

قراءة 1739 مرات آخر تعديل على الجمعة, 11 أيلول/سبتمبر 2015 07:07

أضف تعليق


كود امني
تحديث