قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 23 كانون1/ديسمبر 2015 08:01

تفعيل الأداء الاجتماعي للمرأة المسلمة من خلال الهدي النبوي الشريف 1/2

كتبه  د.فريدة صادق زوزو
قيم الموضوع
(0 أصوات)

توطئة:

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الأمين، و على آله و صحبه أجمعين، و على من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ...و بعد:

فإنه منذ مجيء الإسلام و المرأة و الرجل يشكلان ركيزة المجتمع الإسلامي مع اختلاف دور كل واحد منهما عن الآخر. و باستقراء التاريخ الإسلامي منذ نزول الوحي نجد أن المساهمة في البناء الحضاري لأمتنا كان يتم بالتعاون بين كل مكونات المجتمع الإسلامي رجالاً و نساء، و لم تطرح قضية المرأة بشكل منفرد عن الرجل أو بصورة نقيضة أبداً إلا عندما حدث الاختلال في ثقافة الأمة، فبرزت إلى الوجود دعوات تحرير المرأة بمعناها الغربي العلماني، و دخلنا في دوامة الصراع مع أنفسنا من خلال النقاش الحاد حول حقوق المرأة و دورها في المجتمع و ما يمكن لها القيام به و ما لا يمكن.

غير أن العصر الذي نعيشه يدفعنا إلى طرح السؤال بشكل مختلف، و يدفعنا أيضا لنتساءل عن دور المرأة المسلمة من أجل إنجاز وعد الله تعالى في تحقيق الريادة و الشهادة، و لهذا فقد خصصت حديثي في هذا البحث عن كيفية تفعيل الأداء الاجتماعي المرأة المسلمة من أجل مساهمتها في وحدة الأمة و ازدهارها، من خلال الهدي النبوي الشريف.

و تعتمد هذه الورقة في طرحها على تحديد المعوقات أو التحديات الأساسية التي تواجه المرأة ثم ما هي الحلول التي ينبغي أن تسلكها لتواجه هذه التحديات من أجل أن يكون لها دور فاعل إلى جنب أخيها الرجل المسلم من أجل أمتنا الموحدة القوية.

و من أجل تناول هذا الموضوع بنوع من المنهجية التي تمكن من تحليل المشكلة و تقديم العلاج لها و الخروج بنتائج نظرية و عملية ممكنة فإني قسمته إلى مبحثين و خاتمة.

ففي المبحث الأول أتناول أهم التحديات التي تواجه المرأة المسلمة؛ وقوعها في النظرة الحريمية، و غلبة التقاليد على القيم الإسلامية، و حالة الاستحمار الثقافي الذي تعيشه المرأة في العالم، و وقوع المرأة في النظرة التناقضية بين خصائص شخصيتها و طبيعة دورها بفعل التركيب الثقافي العلماني المهيمن.

أما في المبحث الثاني فأتناول مميزات عمل المرأة المسلمة و دروها الاجتماعي في عصر النبي صلى الله عليه و سلم، و أهم محددات و ضوابط الأداء النسوي الفعال التي أبرزها المصطفى صلى الله عليه و سلم، من خلال تعامله صلى الله عليه و سلم المباشر مع أمهات المؤمنين أو مع الصحابيات رضوان الله عليهن، من أجل بيان الروافد الغنية بالبطولات و المواقف الخالدة التي ضربتها المرأة المسلمة في صدر الإسلام، أمثال خديجة و عائشة و أم سلمة و عائشة رضي الله عنهن، و أسماء ذات النطاقين و نسيبة و أم سليم، فاطمة بنت قيس، و أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية رضوان الله عليهن، على اعتبار أن مدرسة النبوة مثّلت المؤسسة التربوية الأولى للعمل الدعوي و الاجتماعي العام، و التي أعطتنا الرؤية المثلى لدور المرأة المسلمة الحقيقي كما بينته الرسالة الخالدة، متحررة من التقاليد البالية و مستقلة عن النماذج المشوهة الموجودة.

أما الخاتمة فإني أجملت فيها أهم النتائج و التوصيات التي رأيت أن بها تستطيع المرأة المسلمة استعادة المبادرة و تسجيل دورها الرائد في التوحيد الفكري و التجديد و بناء أمتنا الإسلامية القوية الرائدة.

المبحث الأول

التحديات التي تواجه المرأة المسلمة.

العولمة سمة واقعنا المعاصر الذي تتشابك فيه الظواهر و تتعقد و تتصل بعضها بعض بشكل يصعب معه فصلها عن بعضها البعض. و تطرح العولمة مجموعة من التحديات في وجه الأمة الإسلامية و في وجه الفرد المسلم سواء أكان رجلا أم امرأة. و علينا أن نكون على وعي بهذه التحديات حتى نتمكن من التعامل معها بإيجابية تمنحنا القدرة ليس على البقاء فقط في عالم لا يقبل بالضعاف، و لكن يؤهلنا لأن نقوم بدور إيجابي في صياغة مفردات العالم الجديد من أجل أن تبقى أمتنا موحدة و قادرة على المبادرة الحضارية الإسلامية المتميزة.

و في سياق الورقة المقدمة لهذا الملتقى فإن تركيزي يتجه إلى النظر في التحديات التي تواجه المرأة المسلمة في عصر العولمة، و هي في تصوري تحديات ليست وليدة عصر العولمة فقط و إنما هي امتداد لثقافة التخلف التي تهيمن على أمتنا منذ قرون ثم زادت تكريسا مع موجة العولمة المعاصرة، و نحتاج أن نتخلص منها لنصوغ ثقافة جديدة قادرة على رفع التحدي.

و التحديات التي سأذكرها لا تبدو ذات صلة مباشرة بعصر العولمة، و لكن في جوهرها هي أساس التحدي الذي ينبغي رفعه. فهي من القضايا الجوهرية التي ينبغي إعادة صياغتها، لأنها بوجودها تجد العولمة في جانبها السلبي مجالا فسيحا لأن تزيد من تعميق الأزمة، و لذا رأيت أن أتناولها دون غيرها بالتحليل لمركزيتها.

و إن التحديات التي تواجهها المرأة في هذا العصر، و رأيت التركيز عليها، تتمثل في العناصر الآتية:

1. النظرة الحريمية للمرأة (الاتجاه الاستبدادي).

2. عدم وعي المرأة نفسها بدورها المنوط بها.

3. السقوط في النظرة الغربية للمرأة (الاتجاه التغريبي).

و سنحاول أن نقف عند كل عنصر من العناصر المذكورة، من أجل محاولة بسط هذا الموضوع الشائك و المثير في ذات الوقت.

1. النظرة الحريمية للمرأة (الاتجاه الاستبدادي):

بنظرة سريعة و خاطفة على حال المرأة المسلمة في البلاد الإسلامية خصوصا، نجد أن حالتها و وضعيتها أقرب إلى الجارية و الأمة من الأم أو الأخت أو الابنة، و كأن عجلة التاريخ دارت بها مرة أخرى نحو الجاهلية الأولى، و كأن المسلمين لم يرضوا بدين الإسلام في مجال تعامله و تكريمه للمرأة، و أبوا إلا العودة إلى تقاليد و أعراف اجتماعية زائفة بالية، فحال المرأة المسلمة يرثى له، و مقامها بين أهلها و أسرتها أمر مزرٍ، يستبشعه الإنسان المسلم الواعي لأمر دينه، فالإسلام أعطى للمرأة حقوقها، و أكرمها إكرام الرجل نفسه، فهما شقي الحياة، و خلفاء الله في أرضه، و لم ترد أي إشارة إلى أن الله تبارك و تعالى استخلف الرجل وحده في الأرض دون المرأة، قال تعالى :{و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و يطيعون الله و رسوله أولئك سيرحمهم الله} (التوبة: 71)، أو أن المرأة تابع للرجل في التفكير،  وصنع القرار، و الاستخلاف، و حاشا للإسلام أن يستحمر المرأة، أو يغفل عنها و عن أمورها، و هو الذي قرر مقومات تكريمها، قال تبارك وتعالى :{و من يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة و لا يظلمون نقيرا }(النساء:124).

و إن المتأمل في واقع حال المسلمين اليوم و حال المجتمع خصوصا يلحظ التناقض الصارخ بين مبادئ التعاليم الإسلامية التي أُمروا بها، و بين واقع حالهم حقيقة؛ فالتناقض جلي، و التعارض واضح، المسلمون تركوا جانبا تعاليم دينهم و اتجهوا اتجاهين لا ثالث لهما؛ إما الاتجاه نحو العرف و تقاليده البالية و خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع المرأة سواء أكانت أختا أم زوجة أم ابنة أم أما، فإن التقاليد هي المهيمن و الفيصل في كل المسائل الأسرية، و لن تجد الاحتكام إلى الإسلام إلا في المسائل التي لا تتعارض حقيقة و أصالة مع العادات في شيء ما، لذا فإن الاتجاه إليها من هذا الباب و ليس من باب الأخذ بتعاليم الإسلام.

فالانتقاص من مكانة المرأة داخل الأسرة أولا، و العائلة ثانيا، و المجتمع ثالثا، و الدولة رابعا، أمر لا مناص منه؛ و يتمثل الأول في النظرة التي تُعامل بها المرأة داخل أسرتها الضيقة، أي بين أولادها و زوجها، و هي نظرة استعبادية حريمية، تنظر للمرأة باعتبارها خادما قيما على شؤون البيت، المتمثلة في التنظيف و الترتيب، ثم الطبخ، و رعاية الأطفال. و قبل هذا و ذاك الإنجاب لزيادة عدد أفراد الأسرة بغرض التباهي أمام الأسر الأخرى و خاصة في الأرياف و القرى. و إما هي زوجة تقوم بواجبات الزوج بدءً من تحضير الجورب إلى القيام بواجب المعاشرة راضية أم كارهة، فهي إما جسد ناشط في العمل البيتي، و إما جسد ناشط في المعاشرة الجنسية، و بين هذا و ذاك فهي حريم البيت و حرمته، التي لا يجب أن تخطأ مهما كلفها الأمر، و لا تنطق بآهة التعب و الإرهاق... و إذا ما سئل الرجل عن هذه المعاملة فإنه لن يتوانى مستدلا بحديث المصطفى صلى الله عليه و سلم :{لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)[1][1].

أما الثاني فهو مكانة المرأة داخل العائلة الكبيرة، فهي التي تنصاع أمام حديث الحماة اللاذع في أكثر الأحيان، و أسلوب أخت الزوج الذي ينتقص من قيمة المرأة الدخيلة عليهم، و التي أخذت ابنهم إلى جانبها، و بين رغبات العائلات اللامتناهية...

و أما ثالثا و رابعا: فالمجتمع و الدولة عموما، تريد من المرأة أن تكون عضوا نشطا في تنمية البلاد، بحيث تُستهلك المرأة في وظائف إما ثانوية بأجر قليل و جهد كثير، و إما في وظائف مقبولة نوعا ما تأخذ الجهد كله غير تاركة للمرأة وقتا لتلبية رغبات البيت، فهي إن خرجت من بيتها فإن دور الأمومة يجب أن يُلغى، و هنا الخطر المحدق بالمجتمع!

و في هذا الاتجاه، و إن كان اللوم كل اللوم يُلقى على نظرة المجتمع السيئة للمرأة، فإنه لا يمكن تجاهل ما للمرأة نفسها من دور في تقبل هذه النظرة و هذه المكانة، و الشعور بالسعادة اتجاه تأدية دورها على أكمل وجه لأنها و باختصار أرضت سيد بيتها، و أرضت أمه و عائلته، و بيّضت وجه أسرتها في المجتمع؟!

و تجد المرأة تطبق آية القوامة في قوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل بعضهم على بعض و بما أنفقوا من أموالهم} (النساء:34)، في كل مجالات حياتها و هنا يكمن الاتجاه الثاني، في الاحتكام إلى الإسلام بصورة خاطئة إلى أبعد الحدود. فالمرأة تقبل وصاية الرجل على حياتها الأسرية، كونها أما و زوجة و أختا على الخصوص، و تقبل هذه الوصاية على حياتها الفكرية، فلا يكون لها أي رأي في شؤون حياتها!

فالرجل بنص الآية قيّم و لكن هل هذه القوامة تستوعب كل ما يمكن للإنسان أن يدخله ضمنها؟ أم هي تتضمن مسؤولية الرجال عن توفير الاحتياجات الاقتصادية و الاجتماعية للعائلة كما تدل عليه الآية نفسها (و بما أنفقوا من أموالهم)؟

إن الفهم أو التفسير الخاطئ للآية جعل الكثير من رجال المسلمين يتسلطون على نسائهم، تسلطا اجتماعيا و فكريا و تربويا، مدّعين أن هذا هو حكم الله تعالى في شأنهن مع الرجال!

و من البيّن أن هناك تعارض واضح بين ما تمليه النصوص الشرعية و القيم الإسلامية من أهمية بل و ضرورة إشراك المرأة مع الرجل في مسؤوليات الحياة، و بين التمييز المخل بين المرأة و الرجل، المصطنع من قطاع عريض من المسلمين، و بصفة تكاد تكون غالبة، بالرغم من أن نصوص القرآن و السنة تؤكد التكامل الفطري بينهما. يقول تعالى: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى} (آل عمران: 195)، و قوله عز و جل: {و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و يطيعون الله و رسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم} (التوبة:71)، من حيث أنهما يشتركان و يتكاملان في القيام بالمسؤوليات و الواجبات التي فرضها الله عليهما في هذه الدنيا[1][2]. و ليس هناك فرق بين المسؤولية الأخلاقية و الاجتماعية و السياسية و العلمية و الفكرية و غيرها إلا استثناءات حددها الشرع بدقة.

و التكامل و الاشتراك في أداء الواجبات التي فرضها الشرع عليهما لم يجعل الشرع يهمل الفصل بين الاثنين فيما يتعلق بوظائفهما الفطرية و الكونية[1][3]، باعتبار ما ركب الله تعالى في كل منهما من فطرة تتضمن إمكانات و استعدادات بدنية و عقلية و نفسية تميز أحدهما على الآخر.

و لهذا كان في شرع الله أحكام مشتركة بينهما تتعلق بالواجبات التي يؤديانها و يشتركان فيها، كما أن في الشرع أحكام خاصة بكل واحد منهما مما ينسجم مع فطرته و يحافظ عليها[1][4]. و لقد أدى الخلط بين الجانبين في ثقافتنا إلى انحصار دور المرأة و حظها من المشاركة الاجتماعية و الفكرية و السياسية بشكل ملحوظ.

و وقعت المرأة في النظرة الحريمية بفعل هيمنة ثقافة القبيلة و الرجولة، بدل ثقافة التحضر و المدنية و الإنسانية التي جاء بها الشرع الحنيف منذ بداية التنزيل. و حتى في الدوائر التي من المفروض أن تقتحمها المرأة و تقوم على شؤونها فإن هذه النظرة الحريمية حرمتها منها، و بالتالي رأينا كيف وقعت المرأة تحت الوصاية الرجالية حتى في التعليم و الطب و التمريض و الخدمات الاجتماعية الخاصة بالنساء، إذ صار معلم البنات رجلا، و طبيب النساء رجلا، و مدير النساء رجلا، و حلاق النساء رجلا، و محامي النساء رجلا، و خياط النساء رجلا، و هكذا.

ففقدت المرأة كثيرا من أدوارها، و فقد المجتمع نصف طاقته، بل إن المرأة فقدت شخصيتها الرسالية بتضاؤل دورها في المجتمع، و لا يغني عن ذلك محاولة الرجل أن يتولى رعايتها بدعوى حرصه على كرامتها، و إن كان الغالب على ذلك الحرص في الحقيقة النظرة الحريمية من الرجل تجاه المرأة، فهي بالنسبة له شرفه و حرمته و غير ذلك، و بالتالي شاع فقه حصار المرأة و أن المرأة "لا تخرج إلا ثلاث مرات؛ عند ولادتها تخرج من بطن أمها، و عند زواجها تخرج من بيت أبيها إلى بيت زوجها، و عند موتها تخرج إلى القبر".

فسادت هذه النظرة الحريمية القاتلة لجهد المرأة و إنسانيتها، و نسينا التجربة الإسلامية القدوة التي جعلت من المرأة تقتحم ميادين الحياة بكل اقتدار جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل دون أن تفقد بذلك موقعها كامرأة أو تتخلى عن قيمها، بل إن تلك القيم هي التي بعثت بها طاقة حيوية متحركة و موجهة بعد أن كانت لا تساوي شيئا في الجاهلية الأولى[1][5].

2. عدم وعي المرأة نفسها بدورها المنوط بها.

الأمر الثاني الذي يواجه المرأة المسلمة و يشكل تحديا في وجهها هو عدم وعي المرأة نفسها بذاتها. إذ يحلو للمرأة المسلمة أن تسمع الكلام الرنان حول الحقوق التي أعطاها لها و قررها المولى تبارك و تعالى، و تحس بالزهو و هي تعدد هذه الحقوق[1][6]، أو يعددونها لها، في الوقت الذي تغيب فيه عن المشاركة في الواجبات المطلوبة منها مقابل الحقوق التي حظيت بها كفرد في مجتمع ينحو نحو الرقي و التحضر، و في أمة تحاول النهضة من جديد.

و تُستغفل المسلمة بأقوال و كلمات لتحس بالانتصار على الذين يروّجون للفساد الاجتماعي، في حين أنها في واقع الأمر منهزمة أو بالأحرى غافلة عن إثبات وجودها الحقيقي، الوجود الذي تتحقق به مناطات التكريم الإلهي للمرأة، عن إثبات ذاتها أولا كإنسان مكرم، و عن ممارسة "دورها الأساسي في ارتقاء النوع... و ليس (حفظ النوع) فقط"[1][7].

فالمسلمة اليوم و مع اعترافها بالحقوق المكرمة بها، تعيش لاهثة وراء مسرات الحياة و زخرفها الفاتن، و تجري وراء تلبية رغباتها كامرأة فارغة من أي مسؤولية سوى مسؤولية إنجاب الأولاد، و خدمة البيت، و في ظل التسهيلات التكنولوجية، و المالية فإنها قد ابتعدت إلى حد بعيد عن ممارسة هذه الأدوار أيضا و استعاضت بالخادمة أو دور الحضانة لأجل التفرغ الكامل لاهتماماتها و انشغالاتها النسوية التافهة أو الفارغة من أي معنى.

و مما يزيد في هذا الحال، الإغراءات الخارجية، المتمثلة في قنوات التلفزيون، أو الأسواق الاستهلاكية، أو المجلات و الجرائد النسوية التافهة، أو المجالس النسوية اليومية أو الأسبوعية التي تُنظم لأجل ملء الكروش، و هز البطون، و القيل والقال، و ختامها قهوة أو شاي.

إن التخلف الحضاري الذي تعاني منه أمتنا يحتاج إلى تكاتف الجهود بين شقي المجتمع؛ الرجل و المرأة، و طالما بقيت المرأة غير واعية بدورها الرسالي، فإن المجتمع و الأمة تبقى عرجاء متعثرة لا تقوى على السير الصحيح نحو هدفها في النهوض الحضاري.

إن عدم وعي المرأة بذاتها يعتبر معول هدم لجهود البناء الحضاري لأمتنا، و لا يكفي أن نعلم المرأة تعليما يمحو الأمية، بل على المرأة أن تعي أن علمها ينبغي أن يقودها إلى الوعي بمسؤولياتها الشرعية و دورها الاجتماعي و الحضاري، سواء أكانت بنتا أم أختا أم زوجة أم أمّـا أم معلمة أم طبيبة، أم أمرا آخر…إلخ.

إن مسألة وعي المرأة نفسها بدورها هو المحور الذي ينبغي الانطلاق منه، ذلك أن غياب وعي المرأة بدورها و بذاتها جعلها تقف سلبية من كثير من المواقف و التغيرات، و تصورت المرأة أنها لا تستطيع أن تفعل شيئا بحجة أن ذلك من شأن الرجال.

و لا شك أن المرأة تشاهد يوميا مظاهر الفساد و التخلف في أوساط النساء، و تلحظ بعينها المعاصي ترتكب في الوسط النسائي، و في الأسر و بين الأولاد. بل من المعاصي و المشكلات ما يصل حد القاصمة مثل ترك الصلاة، و التعدي على حرمات الله، و إضاعة الوقت في اللهو الفارغ أو الماجن، و العقم الفكري و الضحالة التي تسود تجمعات النساء، و مع ذلك فإن المرأة لا ترى في ذلك أن لها دور المنبه على الخطأ، و المتحسس لمكامن الزلل، و الحارس على القيم.

و كثير من النساء تغيب عنهن مقاصد التكريم لهن و مقاصد خلقهم كنساء، و تغيب عن كثير من النساء أيضا بدايات الانحراف عن دورهن و الوعي بالمطلوب منهن، كما تغيب عنهن معرفة مصادر الأفكار الوافدة، كما في تجدد الأزياء الموضة الفاضحة الهابطة، فإنها من لدن البغايا اللائي خسرن أغراضهن، فأخذن بعرض أنفسهن بأزياء متجددة، هي غاية في العري و السفالة، و قد شُحنت بها الأسواق، و تبارى النساء في السبق إلى شرائها، و لو علمن مصدرها المتعفن، لتباعد عنها الذين فيهم بقية من حياء.

إن ما يطبع حياة المرأة المسلمة اليوم من ألوان اللهو و الخروج عن الجادة كثير جدا بداية من الفراغ القاتل إلى مجالس -القيل و القال- حيث النميمة و الغيبة إلى إدمان أفلام التلفزيون الاستهلاكية فضلا عن المريبة أو المحرمة شرعا، إلى تتبع نهايات الموضة في اللباس و الزينة و غيرها. دون الوقوف عند الأحكام الشرعية و مقاصدها.

و هذا في تصوري هو الأمر الذي ينبغي على المرأة أن تعيه، فإن غفلة المرأة المسلمة عن دورها هو أساس انحصار دورها و هامشيته.

و ما دامت المرأة لا تعي الدور الحقيقي لها في الحياة، فإن أخاها الرجل سيبقى يرى فيها محط نزواته العابرة، و هذا ما جعل الرجال دون وعي منهم يساهمون في تكريس التخلف؛ تخلف المرأة عن الوعي العام في المجتمع، و تخلفها عن إدراك أهمية دورها و ما يمكن أن تساهم به في وحدة الأمة و قوتها و تنميتها و استنهاضها.

3. السقوط في النظرة الغربية للمرأة (الاتجاه التغريبي):

تتجه اليوم بعض النساء المسلمات إلى تقليد النساء الغربيات، أو بالأحرى تقليد النموذج الغربي في نظرته للمرأة، و التي تبدو في ظاهرها حرية و مساواة و تحضرا و انتصارا لها، إلى غيرها من الأوصاف الرنانة الأخرى التي تستغفل نساءنا، و المتأمل في باطن هذه الدعوات أو هذه النماذج يرى السر الكامن وراءها، و وراء هذه الدعاوى، فإن المرأة الغربية هي المروج للجنس و الشذوذ، و هي المروج للسلع التجارية، و هي الوجه الباسم الذي يلقاه صاحب العمل كل صباح عند دخوله مقر عمله، و هي المرأة التي تتخطى بمشيتها بين زملائها في العمل، ضاحكة، أو باسمة، فهي الوجه البشوش المرح الذي يزيح هم العمل و كدره[1][8]. فلا "يطالبون إلا بخروج المرأة في زينة فاتنة، إذ في ذلك يوقظ غرائزهم، أو يرضي شهواتهم"[1][9].

أين نحن من تحريم الإسلام للسفور، و تحريم استغلال جسد المرأة في المهازل و المتارع؟

و دعاة التغريب كتبوا في كل ما يتعلق بالمرأة و تحريرها[1][10]، و لم يكتبوا عن شيئ واحد، تناسيا و استغفالا، و هو الحديث عن فطرتها عن أمومتها، انتصارا منهم للرذيلة، و لإخراج المرأة من بيتها كارهة له غير راغبة في العود إلا للنوم، انتصارا منهم لإفساد المجتمع الإسلامي، بالدخول في غوره، و أساسه، ألا و هو الأسرة، و التي يبدأ انهدامها بهدم اللبنة الأساس و هي الأم و الزوجة!

و باتت النساء المسلمات تنافسن الغربيات في الأزياء و الموضة، و التحلل و التبرج[1][11].

فماذا أعقب هذا؟

أعقبه عدد العوانس، و المطلقات، و ازدياد فاحش في عدد اللقطاء، و المشردين.

فأين المسلمة من دعوات التغريب و الانحلال؟

أين نحن في وسائل الإعلام ننشر الفضيلة بدلا عن الرذيلة، ننشر حرية المرأة التي أعطاها لها الإسلام، لا الحرية التي يريدونها منا؟

أين نساؤنا أمام هجمات الصليبيين الخفية و المستبطنة في أفلام التلفزيون، و في الأغاني الهابطة، و بين طيات المواقع الشبكية (الأنترنيت)؟ أين موقع النساء المسلمات في الأنترنيت تنادين: لا للاستغراب؟ لا للتحلل و الرذيلة؟ و أخيرا: لا للهجمة على الأمة الإسلامية التي تُستباح كرامتها كل يوم؟

أين نحن من الوقوف ضد العولمة التي تفرض علينا قسرا، عبر الأمم المتحدة في مؤتمرات السكان، و مؤتمرات المرأة العالمية؟ أين نحن من الوقوف في وجه عولمة المرأة، فهي الجانب الاجتماعي المقصود من العولمة؟

تتوالى مؤتمرات الأمم المتحدة التي تفرض علينا نسقا متتابعا من التخطيطات للأسرة و المرأة على الخصوص، و التي يجري مناقشة و متابعة سير عملها مدة عشر سنوات كاملة إلى حين انعقاد مؤتمر جديد، ليأتي بالجديد وفق ما تمت مناقشته و نُجح تطبيقه واقعا، و أما الذي فشلت خطط تطبيقه فيعاد له سياق جديد، بطرق مستحدثة حسب الزمن الذي وجد فيه!

فأي عولمة يريدونها للمرأة؟ و أي انحلال؟ و أي معول هدم يحاولون تصديره إلينا لنحطم أنفسنا بأيدينا؟

إن الذي يغيب عن أذهان المسلمات أن النظرة الغربية للمرأة و التي تريد تقديم أحسن ما يمكن خدمة المرأة به إنما هو لأن المجتمع الغربي عموما يعيش بلا هدف، و لا ينشد أي غاية سماوية، و لا ينشد الاستخلاف، أو العمل لما بعد الموت.

يغيب عن أذهان المسلمين هذه النقطة الجوهرية في التفريق بين المسلم و غيره من الناس.

يعيش المسلم حياته كمطية للآخرة، يعيش المسلم دنياه و هو يدخر للآخرة أين العيش الأبدي، يعيش المسلم في الحياة الدنيا، و هو يعمل لآخرته؛ لا يعيش المسلم لأجل العيش و الاستمتاع في الدنيا، بل يعيش و يحلو له العيش و العمل في الدنيا لأنه يعتقد و يؤمن في قرارة نفسه إنما هو يدخر و يحضر و يهيئ للعيش الهنيء في الآخرة، في جنة الخلد، في جنة عدن.

أين غير المسلم من هذا التفكير، و من هذه المبادئ، و من هذه الغايات، و من هذه الأهداف السامية التي ترنو الشهادة في سبيل الله لأجل لقاء الله تعالى سريعا لكن فالحا و ناجحا؟

المجتمع الغربي يقدم لنسائه أبدع و أفضل سبل العيش للحياة الرغيدة، يقدم لنسائه أحسن ما يمكن للمرأة الغربية أن تحقق به ذاتها في حياتها و بين مجتمعها، فالحياة عندهم هي دار الوجود و دار الفناء، فإذا ما أحسنوا فقد عاشوا أمجادهم و بطولاتهم، و خلدوا أسماءهم عالية في سمائهم، و وقعوا بأحرف من ذهب أنهم خطوا أعظم الأمجاد.

فهل تتبع نساؤنا المسلمات الطريق نفسه لأجل اللاشيء أم تبحث عن ما هو خالد في الآخرة؟

و هل يمكن أن تستوعب المرأة المسلمة النقطة الجوهرية التي تميزها عن المرأة الغربية؟

فإذا ما استوعبت، فهل تعمل لأجل تفعيل دورها الرسالي المنوط بها، كأم أولا، و زوجة و أخت و ابنة ثانيا، و كمسلمة مستخلفة في هذه الحياة ثالثا، و لا فرق بين الصفات الثلاث؟

لقد فهم خصوم الإسلام المسألة بوضوح، و صاروا يتربصون بأمتنا، و كانت المرأة محط اهتمامهم، لا لشيء إلا لكونها لم تتحصن بما يكفي من الوعي الشرعي و الواقعي و بما يلزم من العلم و الخبرة كي تدافع عن نفسها، أو تتصدى لما يستهدف كيانها و شخصيتها، من برامج الغزو الثقافي و الفكري و التربوي

ذلك أن أغلب النساء في مجتمعاتنا الإسلامية أميات أو نصف متعلمات أو شبه مثقفات، و هو ما جعل المرأة عرضة للإغواء و التدمير، و التأثـر السريع بالغير، و جعلها مدخلا للتغريب و الانحلال.

هذه الأمية خاصة كانت و لا تزال المدخل للفهم المغلوط من أن التحضر و التقدم هو التقليد الأعمى لما يعرضه الغرب في السوق من سلع استهلاكية باسم شرعية العولمة، أو عبر وسائل الإعلام و شبكات المعلومات العالمية، من أفكار و أفلام و أغاني و برامج تعبق في جلها برائحة الجنس و الشذوذ و فساد الأخلاق و المروق من الدين، إلا أنها تتخذ لها عنوان الموضة و الفن أو الثقافة غطاء من أجل إقناع المغفلين من الناس ببريقها و براءتها المزيفين.

إن إفرازات الحضارة الغربية المادية انتشرت في العالم بفعل هيمنة الحضارة الغربية على مصائر الأمم، و هي الآن تسلك آلية العولمة استراتيجية واضحة من أجل إحكام القبضة على مصائر الأمم و ثقافاتها و حضاراتها.

و ما من شك أن المرأة المسلمة –مثل أخيها الرجل- قد تأثرت بشيء من ذلك، و انساقت كثير من النساء وراء أفكار غربية ما أنزل الله بها من سلطان، بل و تتعارض جهارا مع الإسلام، من مثل تسوية المرأة بالرجل في الميراث و الشهادة و النكاح و سائر الحقوق.

حتى أن بعضا من النساء اللاّئي يحسبن على المجتمع الإسلامي، بلغت بهن الوقاحة و قلة الحياء و الشذوذ، إلى حد المطالبة بإلغاء تعاليم و أحكام قانون الأسرة و تسوية المرأة بالرجل في حق تعدد الأزواج؛ مما يدل على جهل سافر أو تطاول غير مسؤول على الله تعالى و على قيم أمتنا الإسلامية.

و هو عين التغريب الفاضح الذي يمحو التميز الحضاري و الديني للمرأة المسلمة، و يذيبها في نموذج غربي معادٍ تماما للقيم الدينية العليا التي يدعو إليها الإسلام و تسعى أمتنا إلى الاحتكام إليها و التحصن بها في عصر العولمة الذي تجتاح رياحه كل مجتمع لا يملك مقومات و قيم قادرة على المقاومة و التحصين.

http://fiqh.islammessage.com/NewsDetails.aspx?id=5063

 


قراءة 2159 مرات آخر تعديل على الخميس, 31 كانون1/ديسمبر 2015 18:57

أضف تعليق


كود امني
تحديث