قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 09 آذار/مارس 2016 08:01

التفكير الإبداعي في المناهج الدراسية لمقررات الفقه وأصوله [1/3]

كتبه  الدكتورة فريدة صادق زوزو
قيم الموضوع
(1 تصويت)

مقدمة: 
إن واقع المسلمين اليوم تواجهه تحديات كبيرة و معضلات متعددة، و النوازل الحادثة في المجتمع أكثر من أن تحصى بحيث تحتاج إلى نظر مجتهد حاذق، و اجتهاد فقيه متبصر بالواقع المعاش، و هذا لا يتأتى بالبحث في المدونات الفقهية القديمة فقط، من دون استعمال النظر الاجتهادي المتبصر في أحوال و ظروف الواقع المعاصر، بل يتطلب الأمر من الفقيه أن يكون عالما بأدوات الاجتهاد، متعمقا في دراسة الظواهر و المستجدات التي تطرأ في مجتمعه، فيكون قادرا على النظر فيها بما يتوافق و قواعد الشريعة الإسلامية. 
و لأن الظواهر معقدة، و النوازل عديدة و متشابكة، فإنه يجدر بنا التعمق في النظر و استثارة تفكيرنا لإيجاد حلول لهذه المعضلات، فإن الأمر يتطلب تدريبا و مدارسة تبدأ من مدارسنا و تنتهي في واقعنا، فالطالب المسلم يجب أن يتدرب على ملكة التفكير المتأمل و الناقد، و من ثمة التفكير الإبداعي لإيجاد حلول لمشكلات مجتمعه وفق مقتضي الشرع. 
و هذا الأمر يحتاج إلى إعادة النظر في المناهج الدراسية عموما، و مناهج الدراسات الإسلامية خصوصا، بغرض ربطها بالغاية التي وجدت لأجلها أمة الإسلام في أن تكون شاهدة على الأمم و الناس أجمعين؛ فإن هذه المناهج أصبحت مفرغة من أهدافها و غاياتها العليا المتمثلة في الاستجابة لحاجة الأمة، و علاج مشكلاتها، و تطبيق مبادئها، و هنا وجب الحديث عن أهداف تدريس العلوم الإسلامية، هل هي بغرض معرفة شروط المفسر و المجتهد، أم بغرض معرفة آليات الاجتهاد و القياس، أم بغرض معرفة شروط الوضوء و صفة بطاقة الائتمان الجائزة...إلخ؟ 
و هنا لا يمكننا إلقاء اللوم على السابقين من فقهائنا –عليهم رحمة الله- الذين عاشوا زمانهم، و اجتهدوا في إيجاد حلول و ابتكار طرق إيقاع احكام الشرع في واقع الناس وفق زمانهم و متغيرات عصرهم، فلا نحاكمهم في زماننا؛ فالخلل لا يكمن في المدونات الفقهية التي واكبت عصورها، و إنما الخلل واقع فينا بمحاكاتنا لطريقة تأليفهم و معالجتهم لمسائل زمانهم، كما هو شأننا اليوم عند محاكاتنا للمناهج الدراسية الغربية. 
و إن المتأمل في واقع الدراسات الإسلامية و مناهجها الدراسية اليوم، و وسائلها التعليمية، و مساقاتها، و موادها المفصلة، يلحظ النزعة التقليدية في انتقاء المواضيع، و الطرح و الإلقاء و التدريس و التلقي، فينتج عن ذلك اتجاه الطلاب إلى تلقي الدرس بطريقة مملة لا توحي في نفس الطالب إلا بالحفظ في الصدور ثم الحفظ في السطور عند التقويم و الامتحان، و بذلك تغيب النزعة الإبداعية و التفكير الناقد الذي يعين على الاستنباط و التحليل و النظر في مستجدات الأمور و نوازلها، و يغيب عن ذهن الطالب المسلم مبادئ الدرس المرتبطة بالغاية الوجودية للإنسان، في تحقيق العبودية لله تبارك و تعالى. 
و لذا فإن هذه الورقة البحثية تحاول النظر في المناهج الدراسية الحالية للدراسات الإسلامية، و البحث عن مواقع القصور فيها؛ لأجل إيجاد بديل يتجه إلى التأسيس للتفكير الإبداعي لدى مدرّسي و طلاب الدراسات الإسلامية، تفعيلا لأدائهم في الدرس، و بغرض مواكبتهم التطورات السريعة الواقعة في مجتمعهم، فلا يعيشون بين المدونات القديمة، بينما يتجه المجتمع بمشكلاته و مستجداته اتجاها بعيدا عن الحكم الشرعي و النظر الفقهي. 
و يتخذ البحث أصول الفقه و بعض المقررات الفقهية، مثل مادة الفقه عموما، و فقه المعاملات، و الفقه المعاصر، و الفقه المقارن، و مادة القواعد الفقهية، حالة لدراسة هذه المسألة؛ لاعتبارين؛ أولاهما أنه مجال تخصصي، و أما الاعتبار الثاني فلأنها المقررات التي تعبّر عن المنهج العلمي لعملية تفاعل العقل مع نصوص الوحي في استخراج الأحكام الشرعية، كما سيظهر خلال البحث. 
و قبل البدأ في مناقشة محور الموضوع، ارتأيت التطرق لأهداف الدراسات الإسلامية خصوصا، و الهدف الأساس من التعليم عموما. 
أهداف الدراسات و العلوم الإسلامية: 
- إيجاد و إعداد الفرد المسلم الرسالي. 
- تفجير الطاقات الإبداعية في نفس الطالب المسلم. 
- تطعيم التحفيز العلمي بالمبادئ العقائدية. 
- ربط الدراسات الإسلامية بحاجات الأمة الإسلامية. 
- توجيه حياة المسلمين دنياً و ديناً بالعلوم الإسلامية . 
- توظيف الدراسات الإسلامية في الحياة العملية للمجتمع. 
يضاف إلى هذه الأهداف الهدف العام من التعليم عموما و هو: 
"تخريج متعلمين مستقلين فعالين... و أفرادا منتجين في المجتمع... يتمتعون بقدرة على الابتكار و الإبداع و التفكير في بدائل متعددة"(3)
طرق التدريس التقليدية و التفكير الإبداعي: 
إن المطلع على المناهج الدراسية للعلوم الإسلامية خصوصا، و التعليم عموما، يجد أن الأسلوب الغالب في التدريس هو الأسلوب نفسه، يتكرر لعقود من الزمن، و يتكرر في كل جامعة و كل معهد للدراسات الإسلامية، و في معظم البلاد الإسلامية، و غيرها من بلاد العالم التي تحتوي على هذا النوع من الدراسات. فإن" التعليم عندنا يتمحور حول التلقين و الحفظ و شحذ الذاكرة بعيدا عن التفكر و المقارنة و التمييز و تنمية الفكر"(4)، و من خلال تجربتي في التدريس في بلدي الجزائر، و بلدي الثاني ماليزيا، لطلبة متعددي الجنسيات، من المسلمين؛ عربا و عجما، نلحظ أن الأسلوب الغالب في تلقي الطلبة للمعلومات هو أسلوب التلقين و التحفيظ؛ باستعمال نسبي لتخطيط الشجرة عند الشرح، و هذا العيب الأول في طرق التدريس القديمة؛ إذ أن أسلوب تكديس المعلومات في ذهن الطالب هو الغالب و المتفشي بين صفوف المدرسين بما فيهم أساتذة الجامعات، فلا يستعمل الطالب إلا عملية التخزين و التكديس المعلوماتي، و لا يجد وقتا لتشغيل ذهنه حول استيعاب المادة بطريقة منطقية رياضية، و في النهاية و بعد انتهاء الفصل الدراسي ينسى الطالب تماما ما تلقنه؛ "ذلك أنه من المؤلم و المحزن حقا أن الدراسات الفقهية  و الشرعية بشكل عام تعاني، لأنها تخرج حفظة و حملة فقه في الأعم الغالب، و لا تخرج فقهاء ... تخرج نقلة يمارسون عملية الشحن و التفريغ و التلقين، و لا تخرج مفكرين و مجتهدين يربون العقل و ينمون التفكير"(5)
إن هذه النتيجة التي وصلنا إليها من أن هذه الطريقة تعد عيبا، ذلك أن طلبة القرن الواحد و العشرين لم يعد يهمهم الدرس بقدر ما يهمهم ما وراء أسوار المدرسة أو الجامعة، فإن العيب ليس في الطريقة ذاتها و إنما العيب في كيفية استعمالها، و توقيتها، و من الملقن و المخاطب، فإن كانت طريقة التلقين و التحفيظ سابقاً هي الطريقة المثلى لاستيعاب الطلاب و مرتادي المساجد للعلم الشرعي، حيث لم تكن الكتب و الدفاتر متوفرة إلا بصورة قليلة، فإنها في العصر الحديث و في ظل توفر الكتاب الدراسي المقرر و وسائل التدريس المعاصرة، فإن الاعتماد عليها بصورة كلية يعد هدرا للوقت. 
و الذي نأمله الآن أن تتغير منهجية التدريس في مدارس القرن الواحد و العشرين من نمط يقوم على الحفظ و الاستظهار إلى نمط مغاير يتأسس على الفهم و التفسير و المقارنة و النقد؛ بغرض تحقيق أهداف الدراسة المذكورة آنفا، من خلال " تشجيع الطلبة على المشاركة في أهداف الدرس و النشاط و بعبارة تشجيعهم على تبني أهداف الدرس و الأنشطة العلمية"(6)
و يستتبع هذه الطريقة أن المدرسين يسردون المادة العلمية بطريقة جافة غير حيوية، مفرغة من مقاصدها، التي تعتمد على الأساس الإيماني الذي يشحذ الهمة، و يقوي عزيمة الطالب للبحث و تلقي العلم؛ " لافتقارنا إلى الحافز العلمي في حقيقة أن ما يدرس في معاهدنا هو نوع من المعرفة غير المتسقة مع إيماننا، و حضارتنا، و أسلوب حياتنا"(7)، فالبعد الإيماني لكل درس على حدة، له دلالته القوية على ارتباطه بحاجات الأمة الإسلامية، ناهيك عن تحبيب العلم في نفوس الطلاب، لأجل أن يتكونوا عقليا و عمليا، فيستطيعون الخروج إلى معترك الحياة أفرادا فعالين منتجين. 
إن التعليم في البلاد الإسلامية ليس مجرد مناهج دراسية فصلية أو سنوية، يدخل فيها الطالب الامتحان لأجل اجتياز الامتحان، بل لها علاقة وثيقة بنهضة الأمة الإسلامية، من حيث أنها تنظر في احتياجات المسلم ليتفوق حضاريا بدينه و علمه. 
فنحن لا ندرس الفقه المعاصر مثلا؛ لأجل البحث عن حلول لتحديات و مشاكل دخلت إلى عقر دارنا، بل ندرسه لأجل أن يعرف الطالب الطرق الصحيحة لاستنباط الأحكام الشرعية من مظانها و مداركها للوقائع و النوازل، فأكثر المستجدات ليس فيها نص صريح في الدلالة على حكمها، بل يحتاج في ذلك إلى اتباع طرق مميزة و منسقة لإدراك الحكم الشرعي، حتى و إن لم يكن فيها نص واضح أو محكم. 
فبعد أن يلحظ الطالب أن مدرّسه توصل إلى إيجاد الحكم الشرعي للنازلة، بطرق سهلة و سلسة، باستخدامه مثلاً قواعد الشريعة العامة المتمثلة في المقاصد الشرعية، فهذا يعد بدوره تدريبا للطالب على استخدام مقاصد الشريعة في استخراج أحكام لوقائع لا نص فيها، و هنا سيجد الطالب أنه في قرارة نفسه يزداد يقينا بأن شريعة الله هي الشريعة الخالدة، و أنها جاءت ميسرة غير معسرة، و أن الأمة الإسلامية تستطيع بحق أن تكون الأمة المستخلفة في الأرض، و الشاهدة على الأمم. 
و لكن إذا كان المدرس مجرد ملّقن، لا يستعمل التحليل المنطقي العقلي في درسه، و هنا يكمن العيب الثاني؛ فإن الطالب لن يتفاعل مع المادة التي يتلقاها إلا تثاؤبا أو نقرا و رسما على أوراق بيضاء!! أو بالنظر في ساعته يرجو منها أن تسارع خطاها لتنتهي الحصة! لأنه لا يجد المؤثر و المحفز على التقاط المعلومة بطريق منطقي و مؤثر، يستفزه على الانتباه لمدرِّسه، فلو استعملنا معه أسلوب الإفهام و الإقناع بدل التلقي لوجد محفزات التعلم تقوده نحو الإبداع بمبادرته للسؤال و المناقشة. 
و عند الامتحان و تقويم الطالب تسترد بضاعة الأستاذ، فيسترجع الطالب كل ما تلقاه بالحرف، بغير زيادة أو نقص. فلا يحلل و لا يناقش، و سبب ذلك أن سؤال الامتحان نفسه يستدعي جوابا محفوظا! و هذا ثالث العيوب و أهمها. لماذا؟ 
لأن المقصود من التقويم" أن يهدف إلى معرفة مدى بلوغ الطلاب للأهداف المرغوبة ... 
و معرفة المدى الذي استطاع الطلاب به بلوغ أهداف التدريس"(8)
إذ المفروض أن الطالب يوم الامتحان يبرز قدراته الإبداعية في استيعاب المادة و التفاعل معها تطبيقا و تحليلا ثم تقويما، لو كان سؤال الأستاذ قد استنفره للإبداع، و حفّز عقله و قدراته الاستيعابية نحو النقد البناء شرحا و تحليلا، حتى يأتي الطالب و قد استوعب أهداف تعلمه، في أننا نريد منه أن يتفاعل مع درسه بالقدر الذي فهم منه حاجتنا إليه كأمة مسلمة تعمل لأجل نهضتها. 
و هنا يتوجب الحديث عن المنهج الجديد الذي يزيل آفات العيوب الثلاثة السابقة الذكر. 
نحو منهج جديد للتدريس الفعّال: 
بعد استعراضنا بشكل مختصر للمنهج القديم السائد في كثير أو أغلب الجامعات و الكليات الإسلامية، نحاول الكشف – في الفقرات التالية - عن المنهج الجديد الذي نزيل به عيوب الطريقة القديمة، بغرض الوصول إلى تنمية المواهب الإبداعية في طلبة الدراسات الشرعية و كذلك مدرسّيها المُطالبين أمام مجتمعهم بمواجهة تحديات عصر العولمة، بتطويرهم المناهج الدراسية بما يتوافق و نهضة الأمة الإسلامية؛ "و الظاهر أن دراسة العلوم الإسلامية في مدارسنا و الطريقة التي تدرس بها غير مناسبة تماماً لهذا الغرض، و من واجبنا إذن أن نمعن النظر في هذه المسألة بعمق"(9)؛ فنهضة الأمة الإسلامية هي الغاية القصوى من وراء عملية المطالبة بتغير المناهج لا لأجل الإصلاح السياسي أو إملاءً ممن لا ترضيهم معايشة الطالب لواقعه و هو في الدرس! 
فليس ذاك المقصود، و لكن لأن "المتغيرات الدولية التي تمر بها المجتمعات البشرية منذ العقد الأخير من القرن العشرين، و التي تجلت في أوضح صورها مع بداية القرن الواحد و العشرين، تفرض علينا تغيير الكثير من الاتجاهات التربوية و الممارسات التعليمية التي لا تتلاءم مع متطلبات العصر الحديث و متغيراته، حيث ظل التعليم في بلادنا ردحاً طويلاً من الزمن يعاني من الانفصال، بدرجة أو بأخرى، عن احتياجات المجتمع و متطلباته"(10)
فالمقصود إذن أن ننمي من خلال المناهج الدراسية التفكير الإبداعي لدى الطلاب، بغرض تحقيق نهضة الأمة الإسلامية، و النظر في احتياجاتها، ثم تحقيق أهداف عملية التدريس و التربية في إيجاد الطالب المسلم ذي الطاقات الإبداعية، القادر على العمل المستمر و المثابرة الدائمة. 
و لأجل تحقيق هذه الأهداف و الغايات النبيلة، يجدر بنا في البداية معرفة ماهية التفكير الإبداعي و أساليبه، ثم تطبيقها على العملية التربوية في مناهج العلوم الإسلامية. 
ماهية التفكير الإبداعي: 
يُعرِّف المتخصصون الإبداع بأنه:" المبادرة التي يبذلها المرء بقدراته على الخروج و الانشقاق من التسلسل العادي في التفكير بتفكير مخالف كليةً"(11)
أو هو "ثمرة تفكير و نظر للمألوف بطريقة أو زاوية غير مألوفة" (12)
و في السياق نفسه نجد مصطلح التفكير الابتكاري و هو القدرة على ابتكار و إنتاج أكبر عدد من الأفكار التي لها قيمة بحيث تؤثر تأثيراً إيجابياً في حياة الإنسان العملية و الفكرية. 
و الابتكار إنتاج جديد هادف و موجه نحو هدف معين، و هو قدرة العقل على تكوين علاقات جديدة تحدث تغييراً في الواقع لدى التلميذ، حيث تجاوز الحفظ و الاستظهار إلى التفكير و البحث والتحليل و الاستنتاج، و من ثمَّ الابتكار(13)
و تكمن أهمية التفكير الإبداعي في: 
- بناء العقلية المتعلمة الناضجة القادرة على التحليل و المناقشة و التقويم لكل الأفكار التي تمر بالمتعلم. 
- المرونة في التفكير، و استيعاب متغيرات العصر. 
- و العمل على ربط التعليم بخطط التنمية في المجتمع. 
- و يتيح بناء الطالب المتعلم و الفرد الواعي بمتطلبات مجتمعه و أمته. 
و أما التفكير الإبداعي في العلوم الشرعية فهو: قدرة طالب العلم على النظر في الأدلة، وتعرف أصول الاستنباط ووسائل الاجتهاد من خلال معرفة أسس الاجتهاد و الإحاطة التامة بمقاصد الشريعة. 
و بعبارة أخرى فإن التفكير الإبداعي الذي نأمله في أساتذتنا ابتداءً و طلبتنا تبعا هو: القدرة على النظر في الأدلة الشرعية، و استيعاب أساسيات الشريعة استيعابا يتيح استحضارها و استخدامها بطريقة منهجية عند الحاجة إليها، و منها التعامل مع المستجدات و القضايا العصرية. 
مستويات التفكير الإبداعي في العملية التعليمية: 
1- التفكير الإبداعي على مستوى المدرس: 
قبل الحديث عن الإبداع في المناهج التعليمية و الدراسية، لابد من الحديث عن ممارس الإبداع، و هو المدرّس، المخطط للمنهج الدراسي و واضعه، فالمنهج الإبداعي لا يتأتى من منهج مفرغ، بل من المنهج المعّد بطرق إبداعية نقدية ابتكارية، التي تعتمد على الوسائل التعليمية مثل العلم و المعرفة، و الفهم و التلقين، و الشرح، ثم التحليل و النقد، و أخيرا عملية تقويم الاستيعاب. 
و هذا العمل يقوم به المدرس المستوعب لأهداف العملية التربوية، و المؤهل بالفاعلية و المستوعب لمادة درسه استيعابا جامعا شاملا، في القدرة على المدارسة من المصادر الأصلية و فهمها، و أخيرا المعرفة بآليات الاجتهاد و أدواته ليستعملها مع النوازل و المستجدات الطارئة على المجتمع. 
فالتدريس الفعّال المؤَسس على الإبداع هو الذي يعتمد على شخصية المدرس المتميزة الفعالة، و المعّد إعدادا يتماشى مع تحديات الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية، هذه الفاعلية التي تبرز في أولا: الإيمان بأهمية العمل من أجل تحقيق أهداف التدريس، و ثانيا: بأهمية التدريس كأساس للإبداع و العمل الحثيث نحو نهضة الأمة. 
و العمل لأجل تحقيق هذه الأهداف يظهر في طريقين أساسيين هما: 
1. اكتساب المدرس لمهارات التفكير الإبداعي في نفسه. 
2. ترغيب التفكير الإبداعي في نفوس الطلاب 
فأما اكتساب المدرس لمهارات التفكير الإبداعي في نفسه ابتداء، فإنه يتأتى من خلال: 
أولاً: المطالعة الدائمة و المتابعة لجديد دور النشر: 
تنمو الأفكار و تنضج بفعل تلاقحها مع بعضها البعض من خلال النقاش بين أصحاب الرأي الواحد، أو بين أصحاب الآراء المتباينة، فإن النقاش من شأنه إثارة أسئلة و علامات استفهام يحتاج الباحث للنظر فيها أن يقرأ و معلومات جديدة، أو معلومات قد خفيت عليه، و ليس كل الباحثين سواء في أبحاثهم و كتبهم. 
فالمطالعة المستمرة و بصفة دورية تنشأ لدى المدرس آفاقا جديدة، تعينه على تيسير طريقة الدرس اليومي، فبدل أن يكرر المعلومات نفسها بالطريقة نفسها، يصبح بإمكانه تكرارها، و لكن بصيغ و تعابير جديدة غير مملة. 
ثانياً: إعداد البحوث الأكاديمية و المقالات: 
سواء أكانت بحوثا فردية أو جماعية، يشترك فيها أكثر من أستاذ، في مؤسسة تعليمية واحدة أو مؤسسات متغايرة، أو كانت بحوثا أكاديمية بحتة، أو مقالات تنشر في الجرائد  و المجلات العامة. 
فإن الهدف من هذه البحوث، ليس مجرد الترقية في سلم العمل التربوي، بل إنها تهيء الأرضية الأساس للتعامل و التفاعل مع القضايا المعاشة، فيتبين أن المعلم ليس مجرد ملقن لدرسه في قاعة الدرس فقط، بل إنه ينظر احتياجات أمته و مجتمعه، و يحدد التحديات التي تواجهها أمته، ففي هذه البحوث تطرح الأسئلة و تثار المشكلات بغرض بحثها، و تبادل الآراء و الأفكار حولها، للخروج بنظرة عملية تستنهض الأمة. 
ثالثاً: التقويم المستمر: 
بحيث يعد المدرس خطة عمل فصلية، ثم سنوية يبرمج فيها أهم الأعمال التي سيعدها خلال المدة المقررة، و التي تتناول جانب التدريس و الإشراف،  و إعداد البحوث الفردية أو الجماعية، ناهيك عن حضور المؤتمرات و الندوات  و أخيرا بعض البرامج التي تُعد للمجتمع، في المساجد أو التعليم خارج المدرسة؛ من أجل معرفة مدى فاعلية المدرس في مجتمعه، كما هو معمول بها في الجامعة التي أُدرس بها و هذا البرنامج يسمى " الخدمة الاجتماعية" و منه يُقوّم المدرس أيضا بالإضافة إلى ما سبق من برامج و أعمال بحثية و تعليمية. 
و من خلال جدول العمل الفصلي و السنوي يستطيع المدرس متابعة خطة السير، و معرفة نفتط الضعف و القوة، و أسباب ذلك لتعديلها، و حتى يسير عمله بصورة منظمة غير مذبذة تخضع للظروف و الطوارئ و الفرص السانحة. 
فالعمل الإبداعي هو الذي يسير وفق جدول عمل مخطط له، سواء أكان التخطيط على المدى القريب أو البعيد، فمن شأن التخطيط الذي يسير بجدول العمل نحو التطبيق و تحقيق الأهداف، أنه يؤدي إلى الثقة بالنفس، و التي بدورها تزيد من فاعلية العمل و منه إلى العمل الإبداعي. 
رابعاً: مواكبة التحديات و النوازل: 
و حتى لا يبقى المدرس يعيش بين أسطر الكتب القديمة التي كُتبت وفقا لمتطلبات و نوازل عصرها، و ظروف أفرادها، فإن المطلوب من مدرس العلوم الشرعية أن يواكب متغيرات و تحديات عصره الذي يعيشه، فإن التحديات تختلف من عصر لآخر، و المتغيرات الطارئة تتمايز و تتباين. 
و أما منهج التعامل مع هذه التحديات يكون أكثر شيئ باستعمال آلية الاجتهاد، و علم أصول الفقه فهو المنهح الأساس في التعامل مع نصوص الوحي استخراجا للأحكام الشرعية . 
و خلاصة لما تقدم قد يلحظ القارئ أنني ركزت على وسائل تنمية الإبداع لما يخص المعلم، بما يمكن أن ينبع من ذاته هو نفسه، و من دون الحاجة إلى تدريب عملي يحضره المدرس لأنه مجبر على حضوره؛ و إلا فإن الحديث عن أساليب تنمية الإبداع حديث طويل و متشعب، و يختص به أهل و اختصاصيي التربية بحديثهم عن "منظومة برامج تدريب المعلم في إطار الإبداع"(14)، و هو مجال يتقنه أهله، و تراني لم أشر إليه من بعيد أو قريب، لأني ركزت الحديث عن إبداع المدرس نفسه بنفسه، و هو أمر لا يتقنه إلا المدرس المبدع. 
و إذا ما تم إعداد المدرس إعدادا متميزا للوقوف في وجه التحديات التي يواجهها الإسلام و المسلمون، فإن إعداد الطلبة يكون سهلا! 

|1|2|



(1) أصل هذا البحث ورقة بحثية ألقيت في المؤتمر الدولي: (الإسلام و المسلمون في القرن الواحد و العشرين: الصورة و الواقع)، كوالالمبور، مركز بوترا للتجارة العالمية، 4-6/8/2004م. 
(2) كلية الشريعة والقانون، جامعة العلوم الإسلامية بماليزيا. 
(3) إبراهيم أحمد مسلم، الجديد في أساليب التعليم (حل المشكلات، تنمية الإبداع، و تسريع التفكير العلمي)، ط1، عمان: دار البشير، 1414هـ/1994م، ص135. 
(4) عمر عبيد حسنة، من مقدمة كتاب: التعليم و إشكالية التنمية للدكتور حسن الهنداوي، ط1/2004م، الدوحة: وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية، ص 23. 
(5) عمر عبيد حسنة، من مقدمة كتاب: تكوين الملكة الفقهية للدكتور محمد عثمان شبير، ط1/1999م، الدوحة: وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية، ص 39. 
(6) مسلم، الجديد في أساليب التعليم، ص 142. 
(7) محمد معين صديقي، الأسس الإسلامية للعلم، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1409هـ/1989م، ص 58. 
(8) يعقوب حسين نشوان، اتجاهات معاصرة في مناهج و طرق تدريس العلوم، ط2، عمان: دار الفرقان، 1994م، ص141. 
(9) صديقي، الأسس الإسلامية للعلم، ص57. 
(10) محمد إسماعيل محمد اللباني، التفكير الناقد و دوره في التعلم الفعال، ص3. 
(11) عبد الرحمن صالح المشيقح، الطريق إلى الإبداع، ص22، نقلا عن صالح بن درويش حسن معمار، نحو تطوير العمل الإبداعي، مجلة جامعة أم القرى، ص163. 
(12) نفس المرجع، ص163. 
(13) د/ محمد حمد عقيل الطيطي، مهارات التفكير الإيجابي في المدرسة الأساسية، ورقة مقدمة للمؤتمر العلمي العربي الثالث لرعاية الموهوبين و المتفوقين 19 – 21 تموز 2003م، 19 – 21 جمادى الأولى 1424هـ، فندق هوليدي إن/ عمّــان، ص17. 
(14) تراجع هنا كتب: التربية عموما، و اتجاهات التعليم، و فلسفة التربية خصوصا.
قراءة 3959 مرات آخر تعديل على الجمعة, 25 آذار/مارس 2016 13:13

أضف تعليق


كود امني
تحديث