قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 16 آذار/مارس 2016 07:37

التفكير الإبداعي في المناهج الدراسية لمقررات الفقه وأصوله[2/3]

كتبه  د. فريدة صادق زوزو
قيم الموضوع
(0 أصوات)

و أما ترغيب التفكير الإبداعي في نفوس الطلاب فيتأتى من خلال: علاقة المدرس و الطالب: 
لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن المدرس في الجامعة هو آخر مدرس يتعلم على يديه الطالب، و هو يفترق عن المعلم في المدرسة الابتدائية، هذا لأنه أول معلم، و بالتالي فإن أهداف المدرسة تختلف عن أهداف الجامعة باعتبارها المدرسة الأخيرة، و لأنه " ينظر إلى مؤسسات التعليم الجامعي باعتبارها المراكز الأساسية للبحث العلمي؛ فالمدرسون في هذه المؤسسات يتحملون أمانة العلم تبليغا و تعليما و نشرا، لكن عليهم أن يتحملوا هذه الأمانة إبداعا و إنتاجا" (3)
و من هنا كان على الأستاذ في الجامعة أن يتبع جملة من الأمور حتى ينتج طالبا حافظا مستوعبا، يملك أدوات الإبداع لا الحفظ فقط، و يحول الطالب السلبي إلى طالب إيجابي فعال من خلال السؤال أو النقاش، و إشراكه في محور الدرس استثارة له نحو التساؤل المجدي. 
و نأخذ هنا مثالا، عند تدريسنا لمادة الفقه المقارن و التي لا يحبها أكثر الطلبة، لماذا؟ لأنها تعتمد أكثر شيئ على حفظ الأدلة الكثيرة و المختلفة بين المذاهب الفقهية، فهذا المذهب يستند على دليل من الحديث النبوي، و المذهب الآخر يفنده بحديث نبوي آخر، ليجد الطالب نفسه في معركة سيوفها هي نصوص الوحي نفسها. و كان الأولى بالمدرس أن يستعمل هذه المادة في بيان أهمية التفكير النقدي، عند النظر في دليل الخصم، بأن ينتقد بدليل أقوى حجة، استعراضا للأدلة القوية، و دحضا للأدلة الواهية؛ حتى يمكن الاستفادة حقا من كتب و مفردات الفقه المقارن، و منه بيان سمو الشريعة الإسلامية و غناها بالآراء الفقهية في المسألة الواحدة، مما يُرفع به الحرج عند تعذر العمل بالحكم الشرعي الأصلي. 
و لا يمكن هنا التغافل عن الجانب التربوي لهذه المادة مثلا؛ إذ يتعلم الطالب من هذه المادة كذلك نبذ التعصب المذهبي و التقليد، و هو خلق عالٍ، فلا يزود المدرس الطالب بالعلم و المعرفة فقط، بل يزوده كذلك بالأخلاق و الخلال الحميدة، و السلوك القويم، فالطالب الجامعي قد وصل في الجامعة لآخر مرحلة من مراحل التربية و التنشئة التي ابتدأت في البيت منذ أن كان رضيعا، فعلى المدرس أن يدرك هذه المسألة و يضعها في الحسبان، من أجل أن يساهم في إعداد الفرد الصالح الفعال أولا، و تكوين الفقيه المجتهد ثانيا، فمن الأمور الواجب اتباعها:

 أ- طريقة التدريس في كسب انتباه الطالب: 
جرت العادة أن يجلس الأستاذ ثابتا على كرسيه متحدثا و شارحا للدرس من أوراق موزعة بين يديه، أو من خلال النظر و التقليب لصفحات كتاب مفتوح أمامه؛ في الوقت الذي يكون فيه الطالب إما يتثاءب أو يتململ على كرسيه أو يرسم على أوراقه...الخ. 
تعد هذه الطريقةُ الطريقةَ التقليديةَ في تدريس العلوم الشرعية و تسمى (طريقة التلقين)، و تعتمد على التلقين و التكرار، و هي وسيلة مهمة و فعالة في الحفظ في السطور و الصدور، بحيث يستوعب الطالب الدرس في ذهنه، و لكن إذا طُلب منه إعادة شيئ أو استفسره المدرس عن مسألة، فإنه لا يعرف الإجابة ؛ فهي طريقة تشوبها بعض السلبيات مثل: عدم مراعاة الفروق الفردية بين الطلبة؛ حيث أن أعدادهم كبيرة جدا مما يعسر معه العناية بأفراد الطلبة فردا فردا، كما أنها تخلو من تجاوب الطلبة معها، حيث أنهم يتلقوا فقط، و لم يستثاروا أبدا لسؤال أو حل إشكال. 
إضافة إلى ذلك، فإنها طريقة لا تجذب انتباه الطالب في هذا العصر، و هو الذي أصبح فكره مشغولا بأمور خارجة عن الدرس، فليس الدرس هو غايته و هدفه. فلقد أصبح الطلاب يأتون للدرس جبرا، و لأن التعليم إجباري على كل الأفراد، و بالتالي يأتي الطالب و ذهنه معلق بمشتهيات و ملذات غير الدرس الممل، و هنا وجب الحديث عن أسباب تدني الدافعية للتعلم و الدراسة لدى طلابنا، و هو موضوع شائك يحتاج إلى بحث تربوي مستقل. 
و من الضروري هنا أن تتنوع طرق التدريس بعد أن عرفنا أن طريقة التلقين ليست الطريقة المجدية في هذا العصر بالذات، عصر المعلوماتية، و عصر التكنولوجيا، و عصر السرعة في كل شيء، و كان لابد من الاستعانة بطرق أخرى أكثر فاعلية، و أيسر تعاملا مع الطلاب، و هنا أخص بالذكر بعضا من هذه الطرق مثل: 
استعمال تقنية المعلومات و التي من شأنها أن تضفي على الدرس حيوية و اهتماما متزايدا من قبل الطلاب، كما أنها تيسر على المدرس تجميع المعلومات الكثيرة في مساحات قليلة بطريقة مبسطة جذابة، تجلب انتباه الطالب كل حين. و تكمن أهمية هذه الوسائل كما يقول د/ أحمد محمد زكي (المتخصص في مجال التقنية):" في استثارة اهتمام التلميذ و إشباع حاجته للتعلم، و تشرك هذه الوسائل جميع حواس المتعلم، مما يؤدي إلى ترسيخ المعلومة و حسن ترتيب و استمرار أفكار التلميذ، و كذلك تنمي قدرة المتعلم على التأمل و دقة الملاحظة و اتباع التفكير العلمي..." (4)
ناهيك على تسهيلها استيعاب الدرس الذي يتيسر فيه الشرح بطريق الصور مثل مناسك الحج، و دروس فقه السيرة، و مناطق الغزوات، التي تسهل دراستها على خرائط معدّة لهذا الغرض، فالطالب في هذا المساق مثلا و هو ينظر في الخريطة إلى طول المسافة بين مكة و المدينة المنورة، طريق هجرة الرسول صلى الله عليه و سلم يسهل عليه تصور الدرس و فهمه و استيعابه. 
كما يمكن أن تساهم تقنية المعلومات في حساب مقادير الزكوات خاصة الحديثة منها مثل أنصبة الأسهم و السندات و عروض التجارة عموما بطريقة حسابية ميسرة، و مثلها أنصبة الورثة في علم المواريث و غيرها. 
طريقة المناقشة: و تحبذ هذه الطريقة أن تمارس مع مجموعات و فرق صغيرة من الطلبة عددهم بين (10-15) فيكون محور الدرس موضوعا للنقاش الدائر بين المدرس و الطلبة، و فيها يمكن الاستعانة ببعض الكتب الجانبية المساعدة على استثارة التفكير و السؤال عند الطالب، و هي طريقة تعين كذلك على فهم الموضوع من طرق متعددة و بالتالي تنمية قدرة الطالب على استيعاب الدرس من أحد الطرق الميسرة عنده. و هي طريقة تستعمل في حصص المناقشة. تنويع الأنشطة داخل الفصل: أي أن المدرس يحاول تغيير جو التدريس إلى طرح سؤال، أو دعوة طالب لمناقشة مسألة، أوالكتابة على السبورة، أو استعمال تخطيط الشجرة. كما يجدر أن يتحلى المدرس بروح الدعابة و المرح أحيانا بإلقاء مزحة يستثير بها صمت و هدوء الطلبة، كما ينبغي كل حين التنبيه على أهم محاور الدرس، و الخيط الجامع للدرس حتى لا يضيع الطلاب بين تفريعات الدرس ناسين جوهره. طريقة الوحدات: و الغاية من هذه الطريقة الربط بين معلومات المنهج في المادة الواحدة، أو في مواد مختلفة متعددة، حول هدف نظري واحد؛ فالزكاة مثلا- إذا درست على منهج المواد المنفصلة- تدرس دراسة جافة ضحلة، تتناول أوقات وجوبها، و مقاديرها، و مصارفها، إلى غير ذلك، و لكنها كوحدة يمكن أن تدرس من اتجاهات أقوى حيوية و أعظم تأثيرا، مثل: الزكاة و مشكلة الفقر، الزكاة و التنظيم الاقتصادي، الزكاة و التعاون، المضاعفات السيئة لمنع الزكاة...الخ (5)

ب- التمثيل بحيثيات و مستجدات الواقع المعيش: 
حركة المجتمع و الواقع الاجتماعي واقع متحرك غير ثابت، فهو أحيانا يحتكم إلى الشريعة الإسلامية ، و في أحيان أخرى يبتعد عنها، لينجرف مع التيارات المستحدثة. 
و الأستاذ في درسه يدرس المنهج المقرر، واضعا خلفه واقعه الذي يعيش فيه؛ و هنا تكمن إشكالية التمايز عند الطالب، بين ما يتلقاه في الدرس و بين واقعه، فهما يسيران في اتجاهين متعاكسين، و هنا وجب على المدرس أن يربط مادة درسه بالواقع المعيش، بـ: 
* إنزال الأحكام الشرعية منازلها بعد تحقيق مناطها، حيث يعد الواقع أحد عناصر تحليل و تحقيق مناطات الأحكام. 
* و محاولة الاستفادة من العلوم الحديثة في مجال تفسير و فهم بعض النصوص الشرعية. 
* معالجة المسائل و التحديات المعاصرة بالنظر الفقهي الشرعي (مجالات الطب و السياسة و المعاملات الاقتصادية، و غيرها). 
* الانطلاق من الواقع بتحدياته، و معالجتها معالجة شرعية؛ فهذا المنهج سيساعد الطالب و الأستاذ نفسه على الالتحام بالمجتمع و الاندماج في مؤسساته. 
* و يوضح الأستاذ أهمية ذلك في نهضة الأمة، و يحث الطالب على أن يكون عضوا فاعلا. 
فلا يمكن عزل الطالب عن واقعه الذي يعيشه، و خاصة أن مقررات الدراسات الشرعية الحالية تعتمد على أمرين اثنين: 

- أولهما التأصيل النظري للأحكام الشرعية المستوحى من القرآن و السنة، من دون ربطها بما يسود المجتمع من مخالفات لهذه الأحكام، أو محاولة إدراج صورها الحديثة لتأصيلها شرعيا. 
- و ثانيهما التمثيل بالأمثلة و الفروع الفقهية القديمة، التي يصعب على الطالب فهمها ناهيك عن فهم الدرس و القاعدة المعتمدة، و ما يأتي المثال في الأصل إلا لأجل أن ييسر فهم الدرس! مكامن تجديد الأمثلة بما يناسب العصر: 
إضافة لما سبق التطرق إليه لبعض الأمثلة في الفقه المعاصر و مادة الفقه المقارن، فهذه أمثلة أخرى من: 
- مادة فقه المعاملات : و خذ لذلك مثالا، فعند شرحي لدرس البيوع المنهي عنها للغرر الواقع فيها نمثّل بـ: "لا يجوز بيع البعير الشارد و العبد الآبق، و السمك في النهر و الطير في السماء، و اللبن في الضرع"، و غيرها كثير كثير من الأمثلة التي لم تتغير منذ قرون طويلة، و قس على ذلك الأمثلة في الدرس الأصولي فهي هي، كما دَرستها أنا في الجامعة و كما أُدرسها الآن للطلبة، و كما سيُدرسها طلبتي في المستقبل لطلبتهم... و هكذا. 
و قد يصعب على الأستاذ استحضار أمثلة و تطبيقات جديدة من الواقع لأن الأستاذ نفسه عاجز عن استيعاب و محاولة مزج التنظير مع التطبيق. 

- و من أمثلة التجديد في الدرس الأصولي: 
لابد من ربط الدرس الأصولي بالواقع المعيش، في إنزال الأحكام الشرعية منازلها بعد تحقيق مناطها، حيث يعد الواقع أحد عناصر تحليل و تحقيق مناطات الأحكام. و محاولة الاستفادة من العلوم الحديثة في مجال تفسير و فهم بعض النصوص الشرعية. 
إذ سيساعد هذا المنهج على الالتحام بالمجتمع و الاندماج في مؤسساته، فلا ينغلق الأصوليون على أنفسهم في مباحث تجريدية نظرية هي لعلم الكلام و الفلسفة أقرب. 
و لا يمكن عزل المنهج الأصولي عن واقعنا الذي نعيشه، فالمباحث الحالية، و هي في ذاتها قديمة، و تعتمد على الأمثلة القديمة التي لم و لا تتغير في أي كتاب أصولي قديم أو حديث، و خذ لذلك أمثلة في درس " السبب": القتل العمد سبب لوجوب القصاص، و في درس "الإجماع"، من الإجماعات إعطاء الجدة السدس، وفي درس " الرخصة و العزيمة": من أمثلة إباحة ترك الواجب: الفطر في رمضان للمسافر، و غيرها. 
و من هنا تظهر أهمية مراجعة المقررات الدراسية لعلم أصول الفقه و مفرداتها، بما جدّ في الواقع من مسائل، لمواجهة التحديات و الشبهات المثارة كل حين و بصور متغايرة، و لو أمكن " تحديث الأمثلة في كل الموضوعات مع ربطها بالتطبيق القضائي المعاصر" (6)

- و من أمثلة مادة " القواعد الفقهية": 
مادة القواعد الفقهية و التي تعتبر من أجل العلوم التي أبدع فيها علماؤنا لأهميتها، كما قال الإمام القرافي" قواعد كلية فقهية كثيرة العدد، عظيمة المدد، مشتملة على أسرار الشرع و حكمه...و هي قواعد عظيمة النفع و بقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه و شرفه.." (7)، فأساسها مبني على عمل الفقهاء على جمع الفروع الفقهية المتناثرة تحت محدد و ضابط جامع لها، بغرض إيجاد رابط لفروع كثيرة متشابهة موصولة مع بعض، فقد قال الإمام السيوطي بعد الثناء على الفقهاء:" و لقد نوعوا هذا الفقه فنونا و أنواعا، و تطاولوا في استنباطه يدا و باعا. و كان من أجل أنواعه: معرفة نظائر الفروع و أشباهها، و ضم المفردات إلى أخواتها و أشكالها، و لعمري إن هذا الفن لا يدرك بالتمني، و لا ينال بسوف و لعل و لو أني.." (8)
إلا أنه يستشكل على المدرس في هذا العصر البحث عن أمثلة جديدة، فتجده عاجزا عن الإتيان بذلك، لأنه و للأسف غير مطلع على مستجدات العصر التي كثيرا ما تكون مخزنة في الأبحاث الأكاديمية، و المقالات العلمية في المجلات، و على شبكة الأنترنيت، و التي تستدعي استقراءً لها كما استقرأ علماؤنا الأجلاء في القديم نوازلهم. 
و هنا يجد الأستاذ نفسه بدل أن يشرح القاعدة الفقهية الأم، يشرح الأمثلة المستعصية على أذهان الطلبة، لأنها أمثلة من زمان غير زمانهم، و هنا علامة استفهام كبيرة ؟! 
فكيف بمادة قُصد من وضع مساقها و مفرداتها و تدريسها للطلبة أن تساعدهم في اكتساب الملكة الفقهية، و هي المقصد الأساسي من وضع هذا العلم، تعمل بعكس هدفها في عدم استيعاب الطالب لأمثلتها ناهيك عن القاعدة الأصل؟ 
فالمدرسون لا يبذلون الجهد الكافي في البحث و الاستقصاء عن تطبيقات عملية لموادهم لأنهم هم أنفسهم حرموا من معرفتها سواء في مرحلة تعليمهم المدرسي أو الجامعي. 
لذا فإن مجهوداً إضافياً يعد أمراً ضرورياً و مطلوب من قبل المعلمين لكسر الجمود الموجود في الكتب المدرسية، و ليخرجوا التعليم من‮الحفظ و الاستذكار ‮إلى‮ الإقناع‮ و التطبيق (9).‬ 
و من هنا تظهر أهمية مراجعة المقررات الدراسية و مفرداتها بما جدّ في الواقع من مسائل فقهية أو حديثية أو تفسيرية و غيرها، لمواجهة التحديات و الشبهات المثارة كل حين و بصور متغايرة. و هو أمر ليس بالعسير إذا ما تكاتفت جهود الباحثين من كل تخصص في الدراسات الشرعية بغرض استقراء المستجدات و أدلتها، و التي كثيرا ما تعتمد على مقاصد الشريعة و قواعد الفقه و التفسير المقاصدي للآيات و الأحاديث الشريفة، و هو مما سيساعد على تنمية البحث العلمي و تطوير مناهج تدريس الدراسات الشرعية في جوانب متعددة تعدد الاستقراء المبحوث عنه. 

ج- تحفيز الطالب على التفكير و البحث العلمي: 
بعد أن يتلقى الطالب الدرس و يحفظه استيعابا و فهما، نخطو نحو تدريبه على ملكة السؤال و الاستفسار، ليتعمق الفهم بالنقاش و ضرب الأمثلة. فلو بقيت المعلومات دون تحليلها أو استنطاقها لتحولت إلى جثة هامدة لا تغني من يحملها في شيء سوى إرهاقه بحملها و استرجاعها، أما التفكير الناقد فإنه يحول هذه المعلومات إلى طاقة خلاقة تسهم في تكوين العقلية العلمية المستنيرة التي يستطيع صاحبها أن يتعامل مع مفردات الواقع و متطلبات الحياة بمرونة واضحة و بقدرة على التحليل و الاستنتاج و الفهم و الاستيعات تساعده على الحياة الراقية و السلوك المتطور (10)
و هو الأمر المرجو و المقصود من التعليم و التربية عموما، "و لا شك أن الهدف المتوخى من العملية التدريسية؛ لا يتمثل في حشو أذهان الطلبة بالمعلومات، و إن كانت مفيدة، فليس المتوخى أن يتخرج طلاب الفقه أوعية للمعلومات... غير أن الهدف الأهم الذي يجب أن تتجه إليه العملية التدريسية في الفقه، إنما هو بناء الشخصية الفقهية للطالب، و تنمية ملكات الاستنباط و البحث الفقهي عنده، و اكسابه القدرة على التفكير العلمي السليم، المبني على منهجية فقهية واضحة، قادرة على المحاورة و المناظرة" (11)
و لأن التحديات و المتغيرات كثيرة و معقدة فإن الاحتجاج العقلي من شأنه أن يزيل الغبش عن ذهن الطالب، و المعروف في عرف الدراسات الشرعية أنها دوما تتجه إلى التأصيل النصي من القرآن و السنة فقط، و يأخذ الاحتجاج العقلي مساحة ضيقة، لا يفهمها الطالب بسهولة. فالاستدلال بالحجة العقلية أمر في غاية الأهمية بعد الاستدلال بالنص و تعليم الطلاب ذلك مهم جدا، لأنه "و في ظل ازدياد الشبهات العقلية أصبح ضروريا العناية بالحجة العقلية في عرض مقرر العلوم الشرعية بشكل أكثر فعالية" (12)
و من أهم الوسائل المساعدة على إدراك الطلاب فن الإبداع إكثار المدرس من السؤال، بحيث تكون الأسئلة الكثيرة المتتابعة المتتالية مدخلا للدرس، و ليس بالضرورة أن تتم الإجابة عن كل الأسئلة آنيا و في أثناء إلقاء الدرس، و هنا وجب تطوير ما أسماه د/ جمال بادي " أسلوب ضرب الأمثلة" (13)
فالمهم أننا عَلَّمنا الطلبة طريقة السؤال و طريقة الوصول للمعلومة المطلوبة عن طريق سؤال مباشر أو غير مباشر. و يمكن هنا الاستعانة بما يسميه التربويون "الابتكار بالاستثارة"، بحيث تكون مهمة المدرس استثارة الطلاب عن طريق طرح بعض التعليقات القصيرة المثيرة، و ذلك من أجل استدعاء الآراء و الأفكار الجديدة (14)
و هنا سيكون دور المدرس كالمدرب و المراقب و المستشار أحيانا أخرى؛ أي أن دوره لا يكمن في صب المعلومات صبا، و إنما يوجه الطلاب نحو المعلومات، و يشرف على توجيههم الوجهة الصحيحة، و تدريبهم على روح التساؤل، و تشجيعهم على ذلك. أي يتم عرض المحتوى على أساس: 
* عرض الموضوع على هيئة مشكلة أو تساؤل يثير اهتمام التلاميذ و تفكيرهم لتحقيق أهداف تدريس العلوم . 
* إتاحة الفرصة لهم مع المعلم لوضع الفروض المناسبة لحل المشكلة (15)

د- تأهيل الطالب عمليا: 
يأخذ المدرس في عين الاعتبار أن طالب الدراسات الشرعية مثله مثل طالب في التخصص التقني الذي يدخل المختبرات يوميا، فطالب الدراسات الشرعية و إن كان لا يدخل إلى هذه المختبرات في أيام دراسته فإنه لا محالة داخلها في واقع حياته، على اعتبار أنه سيكون قاضيا شرعيا أو مدرسا أو إماما خطيبا، أو فقيها مجتهدا، أو فردا عاديا في مجتمعه، و لكنه غير عادي بالنظر إلى تخصصه الذي يتطلب منه إلماما بعلوم الشريعة و تفريعاتها، فهو سيُستفسر كل حين عن مسألة فقهية أو فتوى أو معنى حديث، أو معنى آية، و هو هنا في مركز المفتي و المجتهد بين أهله و جيرانه و أفراد بلدته الصغيرة، "و من مظاهر القصور و الخلل و التقصير الواضح البيّن أن يواجه طالب الشريعة الذي يرى نفسه مختصا في الحديث أو العقيدة أو التفسير بمسائل من الحياة تتصل بالحلال و الحرام عمليا، ثم يعتذر عن عدم قدرته على التعامل معها لأنه مختص بالعقيدة مثلا و ليس بالفقه" (16)
و هنا يحضرني مثال مهم و هو أن إحدى زميلاتي و هي خريجة معهد الدعوة و الإعلام و التي لم تدرس من مواد الفقه إلا القليل القليل، حدث أن تزوجت إماما و هو الأمر الذي استدعى أن كثيرا من نساء المدينة يزرنها بغرض الاستفتاء و السؤال، فتجد نفسها حائرة لا تعرف ماذا تقول، و السبب أنها خريجة كلية الدعوة و الإعلام، و لم تدرس من الفقه و علومه إلا النزر القليل! 
و هنا تظهر الحاجة إلى دراسة فن الترجيح و المناظرات و الجدل العلمي، التي حفل بها تاريخنا الإسلامي، فندرب الطلبة على فن المناظرات و الاستدلال المقابل للاستدلال المضاد، فإن هذا الفن معناه وجوب استحضار الحكم و دليله بصورة آنية، و ذلك يتطلب حفظها و فهمها و استيعاب أهميتها و مكانتها و موضعها بين المسائل المعروضة حتى يتأتى استحضارها و هذا أحد فنون التفكير الإبداعي الذي يتدرب الطلاب عليه في الدرس النظري ثم التطبيقي. 
فهذه العلوم تعد أعمالا تحتاج إلى فنون تطبيقية مثل فن الخطابة المتماشي مع الأحداث اليومية، و علم القضاء الذي يحتاج إلى تطبيق و تمثيل للمحاكم و مجالس القضاء التي تحتاج معرفة فن الترافع و محاججة الخصم بالحجة و البيان ...الخ.

|1|2| 


(1) أصل هذا البحث ورقة بحثية ألقيت في المؤتمر الدولي: (الإسلام و المسلمون في القرن الواحد و العشرين: الصورة و الواقع)، كوالالمبور، مركز بوترا للتجارة العالمية، 4-6/8/2004م. 
(2) كلية الشريعة و القانون، جامعة العلوم الإسلامية بماليزيا. 
(3) فتحي حسن ملكاوي، البحث التربوي و تطبيقاته في الدراسات الإسلامية في الجامعات، إسلامية المعرفة، السنة8، العدد 30، خريف 1423هـ/2002م، ص 85. 
(4) توظيف تقنية المعلومات في تدريس العلوم الشرعية، ندوة" نحو صياغة حديث لمقررات الدراسة الشرعية"، جامعة ملايا، 7-8/2/2004، ص3. 
(5) فتحي حمودة بيومي، التربية و الطرق الخاصة بتدريس العلوم الإسلامية، ص 54، نقلا عن د/مروان قدومي، طرق تدريس الفقه الإسلامي، بحث مقدم للمؤتمر الثاني لكلية الشريعة، جامعة الزرقا الأهلية، الأردن، 18-19 ربيع الثاني 1420هـ/ 31/7-1/8/ 1999م، تحرير: د/ هايل عبد الحفيظ داود، ط1/ 2000م، الزرقا: جامعة الزرقا الأهلية، ص 197. 
(6) ص 10. 
(7) القرافي، الفروق، دار المعرفة، ج1/ ص3. 
(8) السيوطي، الأشباه و النظائر، دار الفكر، ص2. 
(9) أيمن أبو عذية، فليعلموا لماذا يتعلمون :تطبيقات العلوم في الحياة - مادة للطلبة الموهوبين، ورقة مقدمة للمؤتمر العلمي العربي الثالث لرعاية الموهوبين و المتفوقين، ص 1. 
(10) محمد إسماعيل محمد اللباني، التفكير الناقد و دوره في التعلم الفعال، ص22. 
(11) ماجد الجلاد، المفاهيم الإسلامية و أساليب تدريسها، بحث مقدم للمؤتمر الثاني لكلية الشريعة، جامعة الزرقا الأهلية، الأردن، 18-19 ربيع الثاني 1420هـ/ 31/7-1/8/ 1999م، ص 424. 
(12) جمال بادي، تطوير أساليب تدريس العلوم الشرعية، ندوة" نحو صياغة حديث لمقررات الدراسة الشرعية"، جامعة ملايا، 7-8/2/ ، ص2. 
(13) جمال بادي، مرجع سابق،2004، ص5. 
(14) محمود محمد علي ، تنمية مهارات التفكير، ط1/ 2002م، جدة: دار المجتمع للنشر و التوزيع، ص104. 
(15) عادل أبو العز أحمد سلامة، عن تصور مستقبلي لمناهـج العلـوم في مرحلـة التعليـم الأساسـي فـي ضـوء متطلبـات العصـر، ورقة مقدمة للمؤتمر العلمي العربي الثالث لرعاية الموهوبين و المتفوقين 19 – 21 تموز 2003م، 19 – 21 جمادى الأولى 1424هـ، فندق هوليدي إن/ عمّــان ص17. 
(16) محمد سعيد حوى، ما الذي نريده من طالب الشريعة فقها، بحث مقدم للمؤتمر الثاني لكلية الشريعة، جامعة الزرقا الأهلية، الأردن، 18-19 ربيع الثاني 1420هـ/ 31/7-1/8/ 1999م، ص114.

Link : https://www.islamtoday.net/bohooth/services/printart-86-4915.htm

قراءة 2535 مرات آخر تعديل على الجمعة, 25 آذار/مارس 2016 13:13

أضف تعليق


كود امني
تحديث