قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 13 نيسان/أبريل 2016 07:34

أصول الفقه في الفكر الإسلامي المعاصر

كتبه  الدكتور جيلالي أبو بكر
قيم الموضوع
(0 أصوات)


إن إشكالية تجديد علم أصول الفقه تمثل موضوعا هامّا و حساسا و خطيرا في الفكر الإسلامي قديما و حديثا و في عصرنا. و هي إشكالية ارتبطت بالتراث العربي الإسلامي و بمناهج قراءته و دراسته و تحليله و نقده. فالخطاب العربي الإسلامي منذ القديم إلى يومنا هذا و في مجتمعاتنا التاريخية التراثية ارتبط بالوحي و بالعلوم التي انبثقت عنه نقلية عقلية و نقلية صرفة و عقلية بحتة. و علم أصول الفقه واحد من العلوم النقلية العقلية بدأت مع نزول الوحي، و جاءت قواعده و مناهجه متناثرة بين اجتهادات النبي صلى الله عليه و سلم و اجتهادات الصحابة و التابعين و الأئمة الفقهاء و العلماء بعد ذلك، حتى تأسس كعلم قائم بذاته في ‘الرسالة’ للشافعي و تطوّر في ‘الموافقات’ للشاطبي. و منذ عصر الشاطبي لم يعرف علم أصول الفقه التطور حتى بداية القرن الرابع عشر الهجري، فعرف حركة تطور و انتعاش عند علماء الأصول الشيعة و منهم ‘محمد باقر الصدر’ و محاولته تجديد علم أصول الفقه ظهرت في أعمال كثيرة و هامة. كما توالت النداءات و الدعوات إلى تجديد علم أصول الفقه ليواكب التطورات و المستجدات في الواقع العربي و الإسلامي المعاصر. و من دعاة تجديد الفقه و أصوله في عصرنا حسن الترابي، و محمد الطاهر بن عاشور، و علال الفاسي و حسن حنفي و جمال الدين عطية و غيره.
لقد طرح الفكر الإسلامي المعاصر و خطابه موضوع تجديد الفقه و أصوله باعتباره ضرورة ملحّة تقتضيها ظروف العصر الحالي و المستجدات و التغيّرات التي عرفها و لا زال يعرفها في كافة ميادين الحياة، الثقافية و الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و العلمية و التقنية. و هناك من طرح الموضوع على مستوى أوسع و أكبر من كونه خاصا بعلم أصول الفقه، فطرحه على مستوى التراث العربي الإسلامي القديم لقراءته و تحليله و نقده و إعادة صياغته و إعادة بنائه، و هذا هو المطلوب لتجديد التراث ككل، و علم أصول الفقه جزء منه، و هو ما يتضمنه مشروع ‘التراث و التجديد’ عند ‘حسن حنفي’. و تمثل محاولة إعادة بناء علم أصول الفقه في كتاب ‘من النص إلى الواقع’ المحاولة الثالثة بعد المحاولة الأولى إعادة بناء علم الكلام في ‘من العقيدة إلى الثورة’، و المحاولة الثانية إعادة بناء علوم الحكمة “الفلسفة” في ‘من النقل إلى الإبداع’، و تأتي المحاولة الرابعة فيما بعد لإعادة بناء علوم التصوف في ‘من الفناء إلى البقاء’. و الغرض من محاولة إعادة بناء أصول الفقه حسب صاحبها هو دحض شبهة أن الشريعة الإسلامية لا تعرف إلا تطبيق الحدود و القتل و الرجم و قطع الأيدي و الأرجل و التعليق على جذوع النخل. و دحض شبهة الفهم و التطبيق الحرفيين للنص الديني، و اعتبار ذلك البديل الإسلامي دون أدنى اعتبار لتجدد الواقع و للمرحلية و التدرج في التغيّر. و الهدف من ‘من النص إلى الواقع’ كذلك هو تحويل علم أصول الفقه من علم فقهي استدلالي منطقي استنباطي بحت إلى علم فلسفي إنساني سلوكي يهتم بمشكلات الإنسان الفردية و الاجتماعية و يتعاطى مع التحديات الراهنة للأمة و يساهم في ضبط السلوك الفردي و الجماعي، و يساهم في إصلاح أوضاع الأمة و في نهضتها الحضارية. و بالتالي تمثل محاولة إعادة بناء علم أصول الفقه عند ‘حسن حنفي’ إحدى الخطوات في اتجاه تجديد التراث عامة و الفقه و أصوله بصفة خاصة داخل مشروع ‘التراث و التجديد’، و هو مشروع ذو أهمية في الفكر العربي الإسلامي المعاصر الذي هو امتداد للفكر العربي الإسلامي القديم في مراحل تراجعه و انتكاسه أو في فترات تطوره و ازدهاره.
و لما كانت الإشكالية في البحث تدور حول تجديد علم أصول الفقه في عصرنا، توزعت مواقف المشتغلين بالتراث و بالعلوم التراثية و بعلم أصول الفقه في عصرنا باعتباره واحدا من هذه العلوم على ثلاثة اتجاهات من منطلق أن الفقه في حالة تجدّد مستمر لأنّه ملزم بالإجابة على تساؤلات المستفتين في العبادات و المعاملات. كما يتعرض الفقه بالضرورة لشؤون الحياة و مشكلاتها المختلفة لدى الفرد و المجتمع و الأمة و هي أطراف تعيش على التراث و هو مخزونها النفسي. و إذا كان تجديد الفقه ضرورة و حاجة ملحة فتجديد أصول الفقه أمر متنازع عليه بين مواقف ثلاثة هي: موقف التأييد، و هو موقف يؤيد تجديد علم أصول الفقه في البناء و المادة، في الشكل و المضمون، في الصورة و المحتوى، فلا مانع من تجديد الفقه و تجديد أصوله، فالقدماء رجال أسسوا العلم و طوّروه، و المعاصرون رجال لهم الحق كلّ الحق في تطويره و تجديده طبقا لروح العصر. لأن الفقه القديم و أصوله لم يعد يفي بأغراض و حاجات الواقع المعاصر، و لم يعد الواقع المعاصر يستوعب قضايا و موضوعات الفقه القديم، لأن البيئة الثقافية و الدينية و الاجتماعية التي نشأ فيها علم أصول الفقه القديم مغايرة تماما للبيئة الثقافية و الاجتماعية التي يشهدها العالم العربي و الإسلامي المعاصر. فلا مكان الآن لفقه الفيء و الغنائم و لا مكان لفقه الجواري و العبيد، فالمادة الأصولية و الفقهية تغيّرت تماما، فالحديث الآن عن العولمة و اقتصاد السوق، و المعلوماتية و تقنية الاتصال، و الأمة و الحضارة، و العدالة الاجتماعية، و الاحتلال، و التحرر من الاستعمار و من الظلم و الاستبداد، و الأقليات المسلمة و غير المسلمة، و حقوق الإنسان و حرية المرأة، و المجتمع المدني، و غيرها من القضايا و المسائل – و ما أكثرها في البلاد الإسلامية- التي تعيش التخلف و الانحطاط، و تعيش الأزمة بمختلف أبعادها و أوجهها.
أما الموقف الثاني فيُفند الدعوة إلى تجديد علم أصول الفقه، و يبطل أية محاولة في هذا الاتجاه، و يرى فيها طعنا في الدين عقيدة و شريعة، و يرمي أصحابها بتهمة العمل على تمييع الشريعة، و الاستهتار بتعاليم الإسلام و أحكامه و قيّمه. و يذهب البعض من أصحاب هذا الموقف إلى وصف محاولات تجديد علم أصول الفقه أو حتى الدعوة إلى ذلك بالابتعاد عن الدين و الكفر بالإسلام و الزندقة و الخروج عنه. لأن أصول الفقه تُمثل روح الشريعة الإسلامية، و هي أصول ثابتة في الدين عقيدة و شريعة منذ نزول الوحي. فهي من المعلوم من الدين بالضرورة. فمصادر التشريع الإسلامي لا تتبدل و لا تُستبدل في كل الأوقات و في كل مكان، سواء بالنسبة للمصادر الأربعة المتفق عليها أو المصادر المتنازع حولها. و مناهج الاستدلال واحدة في استنباط الأحكام الشرعية و الاستدلال عليها، و هي لا تقبل التبديل أو التحويل لأنها ثابتة و مُؤيدة عقلا و شرعا و طبيعة، و كذلك الأمر بالنسبة للأحكام الشرعية من حيث هي وضعية و تكليفية و من حيث هي أقسام معلومة مثل الأمر يدل على الوجوب و النهي يدل على المحظور، فهي ثابتة لا تتغير بتغير الظروف التاريخية الزمانية و المكانية و هو الأمر نفسه بالنسبة للمقاصد و المصالح عامة. و أصول الفقه قادرة على أن تروم أي عصر مهما كانت مشاكله و التحديات القائمة فيه، و ثبات أصول الفقه من ثبات روح الشريعة و روح الإسلام، و هو ثبات مستمد من الطبيعة البشرية الثابتة و هي فطرة الله التي فطر الناس عليها و صبغته التي لا تتبدّل. و تأسيس القدماء لعلم أصول الفقه ليس على سبيل التجديد أو الإبداع بل على سبيل حصر و تحديد و جمع و رصد قواعده و ترتيب و تنظيم مناهجه و هو ما فعله الشافعي و بعده الشاطبي، و أية محاولة لتجديد علم أصول الفقه في عصرنا أو في عصر لاحق لا تخرج عن هذا السياق.
أما الموقف الثالث فهو موقف يحاول أن يوفّّق بين الموقفين السابقين المتعارضين. فهو لا يقول بتجديد أصول الفقه ككل في الصورة و المحتوى مثلما يذهب أصحاب الموقف الأول، و لا يرفض تجديد أصول الفقه رفضا قاطعا و في جميع جوانبه مثلما يذهب أصحاب الموقف الثاني، بل يرى أن هناك ثوابت لا تقبل التغيير و هناك متغيرات في الدين و في علومه، سواء كانت هذه العلوم نقلية عقلية و منها علم أصول الفقه أو علوم نقلية بحتة و منها الفقه. و الأمر هنا لا يعني أصول الفقه فحسب بل يعني الفقه، لأن أصول الفقه تمثل فلسفة الفقه و منطقه و إطاره النظري. فالفقه يشمل ما هو متغيّر يقبل التجديد و التطوير، و يشمل ما هو ثابت لا يقبل التغيير بأي حال من الأحوال. و الإسلام في فضائه العربي أو الإسلامي أو الإنساني يتسع لكل تجديد في أي زمان أو مكان في السلوك و الأهداف و رعاية المصالح و الحاجات، فلا يتراجع عن قبول كل تطور أو تغيّر للقضاء على أسباب الضعف و توفير أسباب القوة و التقدم وصولا إلى مصاف الأمم الراقية في جميع مجالات الحياة. و الحياة المعاصرة مليئة بالمسائل و المشكلات و المستجدات التي تحتاج من المنظور الإسلامي إلى اتخاذ مواقف منها. و رغم اتساع الإسلام للتجديد و رغم ثراء البيئة المعاصرة بالمادة الأصولية و الفقهية الجديدة لممارسة التجديد إلا أن الشريعة الإسلامية و مصدرها الوحي الإلهي قد تضمنت ما هو ثابت لا يتغير و ما هو متغير لا يقبل الثبات. فأحكام الدين ثابتة مثل أصول الشريعة و مبادئها كالحرية و العدل و أحكام العبادات. و تتغير المعاملات بتغير ظروف الزمان و المكان و منه تغيّر الاجتهاد. و المعلوم من الدين بالضرورة لا يقبل التجديد أما الاجتهاد ففيما لا نص فيه.
أمام هذه المواقف الثلاثة التي اختلفت حول تجديد علم أصول الفقه، و كل منها ينعت الآخر بقصور الرؤية و ضعف النظر في القضية، و القضية بين إثبات التجديد و تأييده من جهة و تفنيده و إبطاله من جهة ثانية و بين تأييد التجديد في مواطن و تفنيده و إبطاله في أخرى من جهة ثالثة، و أمام محاولة “حسن حنفي” لإعادة بناء علم أصول الفقه و تجديده التي تمثل موقفا آخر، أمام هذا التعدد و التباين في المواقف حول موضوع تجديد الفقه و أصوله تُطرح التساؤلات التالية:
• هل يمكن تجديد علم أصول الفقه؟
• إذا كان تجديد علم أصول الفقه أمراً ممكناً، فهل التجديد يمس العلم في مادته أم في هيكله و بنائه أم فيهما معاً؟
• إذا كان تجديد علم أصول الفقه أمرا متعذراً، فكيف يتعامل علم أصول الفقه القديم مع بيئة معاصرة جديدة تماما عليه؟
• إذا كانت محاولة ‘حسن حنفي’ لإعادة بناء علم أصول الفقه في كتابه ‘من النص إلى الواقع’، في ‘تكوين النص’ و في ‘بنية النص’ تصب في اتجاه تجديد العلم، فماذا قدمت هذه المحاولة ؟ هل هي مجرد دعوة إلى تجديد العلم أم هي تجديد القديم أم أنها إبداع الجديد ؟
• كيف كان حال علم أصول الفقه قبل محاولة ‘حسن حنفي’ في العصر القديم و العصر الحديث و في عصرنا؟
• بماذا تميّزت فلسفة ‘حسن حنفي’ و بماذا تميّز مشروعه ‘التراث و التجديد’ و محاولة إعادة بناء أصول الفقه جزء من المشروع؟
• هل تضمّن فعلاً ‘من النص إلى الواقع’ داخل مشروع ‘التراث و التجديد’ محاولة فعلية و جادّة لإعادة بناء علم أصول الفقه ؟
• ما مكانة هذه المحاولة بين المحاولات الأخرى المعاصرة ؟ و هل هي جادّة و ذات جدّة ؟
هذه التساؤلات المترتبة عن قضية علم أصول الفقه بين القديم و الجديد أو بين التجديد و الترديد تجد إجاباتها في ثنايا هذا البحث الذي يتكون من فصلين و يمثل الفصل الأول السياق التاريخي و المفاهيمي للإشكالية، تناول المبحث الأول علم أصول الفقه من الشافعي إلى الشاطبي، فيه تمّ تعريف علم أصول الفقه و تحديد موضوعه و استمداده و الغاية منه، كما تناول الفقه قبل الشافعي و لدى الشافعي و عند الشاطبي و عند المدارس الأصولية الكلامية و الفقهية و عند المدرسة الجامعة بين المدرسة الكلامية و المدرسة الفقهية. أما المبحث الثاني فتناول محاولات تجديد علم أصول الفقه في العصرين الحديث و المعاصر. أما في العصر الحديث فانصب الفكر الإسلامي على الدعوة إلى التحرر و الإصلاح الديني و الاجتماعي و السياسي و على التجديد في الفكر الإسلامي عامة و كانت نماذج ذلك محمد بن عبد الوهاب و جمال الدين الأفغاني و محمد عبده و محمد إقبال. أما في العصر الحاضر فظهرت محاولات جادّة و جريئة لتجديد علم أصول الفقه، و كانت نماذج ذلك محمد باقر الصدر و علال الفاسي و حسن الترابي و جمال الدين عطية. و عنوان الفصل الأول هو علم أصول الفقه، التأسيس و محاولات التجديد في العصرين الحديث و الحاضر.
و بما أن موضوع البحث هو إشكالية تجديد علم أصول الفقه عند ‘حسن حنفي’ و محاولة إعادة بنائه وفق منظور معاصر و محاولته مُتضمنة في كتابه ‘من النص إلى الواقع’ في جزأين “تكوين النص” و”بنية النص”، و ما دامت هذه المحاولة هي موضوع البحث و الدراسة تقع في مشروع ‘التراث و التجديد’ و تنتمي إلى فلسفته، انصب الفصل الثاني على مواطن الإبداع و مكامن التجديد في المحاولة في مقابل تكوين النص الأصولي الكلاسيكي و بنيته و عنوان هذا الفصل محاولة إعادة بناء علم أصول الفقه بين تجديد القديم و إبداع الجديد. انصب المبحث الأول فيه على عرض مواطن الإبداع في مناهج الاستدلال من خلال المصنف الأصولي ‘من النص إلى الواقع’ بين القديم و الجديد، و التجديد في المصطلح و المادة العلمية و الأمثلة الفقهية، و الأولوية للعمل على النظر و للواقع على النص، و الأولوية للزمان و المكان، و الأولوية للاستدلال الحر، بمختلف أشكاله. و من خلال تطوير مقاصد المكلف و النية و الفعل و إبراز أهمية و دور المباح. أما المبحث الثاني فانصب على نقد و تقويم محاولة إعادة بناء أصول الفقه و شعار ذلك محاولة ‘حسن حنفي’ لإعادة بناء أصول الفقه في الميزان، تناول المبحث استمداد المحاولة و مكانتها بين المحاولات الأخرى لتجديد علم أصول الفقه في العصر الحاضر، و بين كون المحاولة مجرد دعوة إلى التجديد أو تجديد القديم أو إبداع الجديد.
لقد استخدم البحث في معالجة إشكالية علم أصول الفقه عند ‘حسن حنفي’ و عند غيره ممّن سبقوه أو عاصروه أكثر من منهج، استعان بالمنهج التاريخي الوصفي لنشأة و تكوين و تطوير علم أصول الفقه، و وصف موضوعه و منهجه و استمداده و غايته. كما استعان بالمنهج التحليلي النقدي لفكر دعاة تجديد أصول الفقه المحدثين و المعاصرين و لفلسفة ‘حسن حنفي’ و لمشروعه ‘التراث و التجديد’ و هو منهج قادر على إزالة الغموض و الإبهام و الشمول الذي يكشف أحيانا أفكار و مواقف المفكرين و الفلاسفة، و ذلك لما يستعين به من العمق في التحليل و الدقة في الوصف، و ما يحتاجه من صحة و دقة و عمق و كفاية و هو منهج تحليل المضمون الذي استعان به البحث في دراسته للمتن الأصولي في ‘من النص إلى الواقع’ في ‘تكوين النص’ و في ‘بنية النص’، و هو المنهج الذي استعان به ‘حسن حنفي’ في دراسة تحليلية وصفية لتكوين أكثر من مائة نص أصولي، و لأول مرّة في تاريخ علم أصول الفقه يحدث عمل كهذا. كما استعان البحث بمنهج دراسة النص الأصولي بعيدا عن المذاهب الفقهية و الاتجاهات الفلسفية و الرؤى الإيديولوجية. إلا في النقد و الكشف عن الخلفية الفكرية و السياسية و الإيديولوجية لمحاولة ‘حسن حنفي’ و لفكر صاحبها. و أثناء استخدام المنهج التحليلي لفلسفة و مشروع المفكر و لمحاولته إعادة بناء علم أصول الفقه و هو منهج تحليل المضمون استُخدمت مناهج أخرى مثل المنهج التاريخي الوصفي و المنهج البنيوي و المنهج التفكيكي لأن الموضوع واسع و الإشكالية متشبعة و لا يسع منهج واحد لدراستها. خاصة و أن كل منهج أحادي الجانب في تعاطيه مع الموضوع. إذ لا يوجد منهج واحد كاف لدراسة الظاهرة الإنسانية من جميع جوانبها. الأمر الذي يدعو إلى تكامل المناهج و وحدتها.
إن الغاية من هذا البحث ليس هو الوصول إلى إجابات نهائية على التساؤلات التي طُرحت من قبل، و إنما هو خطوة على طريق البحث في إشكالية تجديد علم أصول الفقه عند أحد المفكرين و الأصوليين المعاصرين هو ‘حسن حنفي’ من الذين يتصدّرون الواجهة في عصرنا على الساحة الفكرية و الفلسفية و الثقافية في العالم العربي و الإسلامي، و صاحب مشروع ‘التراث و التجديد’ و هو مشروع ذي قيمة و جادّ و جريء. و من البحث في إشكالية تجديد علم أصول الفقه عند ‘حسن حنفي’ كخطوة أولى، تكون الخطوة الثانية في مسار تجديد علم أصول الفقه عبر التاريخ و في عصرنا الحاضر، و هو موضوع يتطلب الولع بالبحث العلمي و الفلسفي و التمسك بممارسته. لأن “البحث هو شعار الحياة في الإسلام، الحياة المتجددة، العاملة، الهادفة، البانية، الحياة التي تصنع الحضارة و الرفاهية و الأمن و السلم للإنسانية جمعاء.”(1)

مما لاشك فيه أنّ حرص الفكر العربي الإسلامي المعاصر على تجديد الفكر الأصولي الفقهي يعبر عن الحاجة إلى عقل أصولي ذي خصائص و مميّزات جديدة تجمع بين الوافد و التراث، خاصة فيما يتعلق بمناهج التجديد و ميادينه من منطلق إعادة النظر في العلوم التراثية العقلية و النقلية و العقلية النقلية، و إعادة بناء و صياغة هذه العلوم من منظور معاصر يأخذ في الاعتبار تحديات و حاجيات و تحولات العصر الحاضر، من علمنة و أتمتة و حداثة و ما بعد الحداثة و عولمة و غيرها، و هو الأمر الذي طلبه الفكر العربي الإسلامي الحديث لكنّه لم يحصل بسبب اشتغاله بالإصلاح الديني و الفكري و التربوي، و بالتحرر السياسي و بالاستعمار، و يحرص المفكرون المعاصرون في العالم العربي و الإسلامي على تجديد علم أصول الفقه من خلال محاولاتهم و دعواتهم المتكررة مثل دعوة محمد الطاهر بن عاشور و علال الفاسي و محاولة محمد باقر الصدر، و محاولة حسن حنفي التي تعبر بحق عن الدعوة الصريحة الأصولية الفكرية و الفلسفية لتجديد الفكر الأصولي الفقهي، و التي تضمّنها كتابه الأصولي المعاصر بعنوان “من النص إلى الواقع” في جزأين هما: “تكوين النص” و “بنية النص”.
تمثل محاولة ‘حسن حنفي’ لإعادة بناء علم أصول الفقه في إطار إعادة بناء التراث القديم داخل مشروع ‘التراث و التجديد’ قراءة جديدة لدلالات و مضامين علم أصول الفقه القديم نشأة و تكوينا و بنية أو بناء، كما تمثل صياغة جديدة لمفاهيمه و مدلولاته، و الهدف من ذلك قراءة جزء من التراث العلمي القديم من منظور معاصر. لأن فشل القراءات السابقة للتراث هو عدم قراءته طبقا لروح العصر، و من القراءة المعاصرة لعلم أصول الفقه إلى تحويله من علم فقهي استدلالي استنباطي منطقي بحت إلى علم فلسفي إنساني سلوكي يخدم مصالح الإنسان الفردية و الاجتماعية في واقعه المعيش المعاصر، و يعمل على مواجهة التحديات الراهنة و يحقق أهداف الأمة التي هي في أصلها مقاصد الشارع و مقاصد المكلف و مقاصد الشريعة عامة.
لمحاولة إعادة بناء أصول الفقه سياقها الفكري النظري الإبتسيمي الفلسفي، كما تقوم على أسس و مقومات. فسياقها هو الفكر الإسلامي المعاصر الذي يهتم بقراءة و تحليل و نقد و تطوير التراث القديم للوصول إلى ثقافة متطورة تنطلق من ماضي الأمة و تعالج مشكلاتها في الحاضر و تهتم بمستقبلها. فهو فضاء فكري تجتمع فيه أبعاد الزمان الحاضر و الماضي و المستقبل كما تجتمع فيه أبعاد الفكر اللفظ و الشيء و المعنى، كما تجتمع فيه المواقف الحضارية في موقف حضاري واحد، و تلك هي غاية ‘التراث و التجديد’، الموقف من التراث القديم و الموقف من التراث الغربي و الموقف من الواقع، في موقف واحد هو ‘موقفنا الحضاري’. أما الأسس التي تنبني عليها المحاولة فهي أسس فلسفية قديمة و حديثة و معاصرة. مثل مذهب المعتزلة في اعتبار العقل أصل من أصول الشريعة، و مثل الفلسفات الحديثة، فلسفة كانط و فلسفة هيجل، و فلسفة ماركس و فلسفة فيشته و فلسفة سبينوزا و فلسفة هوسرل و فلسفة جون بول ساتر و غيرهم كثير. فالنقدية الكانطية و الجدلية الهيجلية و الجدلية الماركسية و المادية التاريخية و فلسفة المقاومة عند نيتشه، و الظواهرية و الوجودية و غيرها تركت آثارها و بصماتها على فلسفة “حسن حنفي” عموما و حاضرة في مشروعه ‘التراث و التجديد’ و في محاولاته إعادة بناء التراث و منها محاولة إعادة بناء أصول الفقه.
و تقوم المحاولة على أسس منهجية تتمثل في المنهج العام الذي ساد البحث و سيطر عليه، هو المنهج الفينومينولوجي في إطار مناهج التجديد في مشروع ‘التراث و التجديد’ هذه المناهج تمثّلت في المستوى الجديد للتحليل و هو المستوى الشعوري و الأسلوب الظاهراني و منطق التجديد اللغوي و تغيير المحيط الثقافي، أي تبديل المحيط القديم و الثقافة الأصولية و الفقهية التقليدية بمحيط ثقافي جديد و بثقافة فقهية و أصولية جديدة و معاصرة هي مشكلات العصر و تحدياته الراهنة. و عرف البحث إلى جانب المنهج الظاهراتي مناهج عديدة مثل المنهج الوصفي، و البنيوي و التاريخي و منهج تحليل المضمون و ما يلزمه من إجراءات و أدوات مفاهيمية و خطوات، و استُخدمت هذه المناهج في الجزء الأول ‘تكوين النص’ فتم الوقوف على الأساس في علم أصول الفقه من خلال مسح كشفي لعدد معتبر من المصنفات الأصولية القديمة و المعاصرة. كما قدّمت المناهج المتبعة في المحاولة في الجزء الثاني ‘بنية النص’ بناء علم أصول الفقه و هيكله بصياغة معاصرة جديدة فلسفيا و منهجيا و لغويا، و حتى من ناحية صلة العلم بالواقع و العصر و الإنسان و المجتمع و الأمة. بحيث أصبح مسار التراث القديم و أصول الفقه بصفة خاصة يتجه نحو الواقع و نحو الإنسان و نحو المجتمع و نحو الأمة بهدف الإصلاح و النهضة، و تحقيق مصالح الجميع. على أساس أولوية الواقع على النص، و المصلحة على الحرف، و العمل على النظر، و التاريخ على الوحي. على عكس ما كان عليه الأمر في علم أصول الفقه القديم و هو أولوية النص على الواقع، و الوحي على المصلحة و النظر على العمل. الأمر الذي جعل المحاولة في مسارها و مبتغاها ذات طابع عملي مصلحي واقعي بحت، وجعل علم أصول الفقه علما مثل العلوم الإنسانية و الوحي واحدا من هذه العلوم. و علم أصول الفقه في حقيقية علم نقلي عقلي فيه دور العقل و دور الوحي فيه أثر الدين و أثر الواقع، و أي محاولة تفتقر إلى هذه الثنائية  و لا تراعي التوازن فيها تعترضها صعوبات و لا تكون سويّة. و الطابع المثالي الروحي للوحي السابق على كل تجربة يتجاوز العقل لأنه من مصدر إلهي، لا يجعل منه مجرد علم من العلوم الإنسانية التي هي من إنتاج العقل البشري. و اعتبار الوحي مجرد علم إنساني بحت لا يمنح الوحي طابعه المثالي المتعالي الروحي و يكون التعاطي معه ناقصا في الفهم و التفسير و معالجة القضايا في الواقع و مواجهة تحديّاته.
جاءت المحاولة تتميز بالجرأة و بالجدّة و تمثلت الجدّة في التصنيف الأصولي ذاته الذي يشمله ‘من النص إلى الواقع’ في ‘تكوين النص’ و’بنية النص’ و ما حمله هذا التصنيف من خصائص و مميزات في الشكل و المحتوى، و في ردّ علم أصول الفقه إلى الواقع و المصلحة و العمل و في القراءة الظاهراتية و استخدام المناهج المعاصرة للتراث و في التجديد اللغوي، و في الحرص على تغيير البيئة الثقافية و تغيير المادة العلمية الأصولية و الأمثلة الفقهية. و في إبراز أساس علم الأصول و بنائه و الدعوة إلى علم أصول مقارن أو علم أصول مطلق، كما بان تجديد القديم في ‘بنية النص’ و تمثّل في إبراز أهمية و دور و أولوية أسباب النزول و الناسخ و المنسوخ و نقد المتن و نقد السند في الوعي التاريخي في قناته الأولى و الثانية، الكتاب و السنة، في استنباط الأحكام الشرعية و الاستدلال عليها. و تمثّل تجديد القديم كذلك في أولوية الاستدلال الحر بمختلف أشكاله في العملية التشريعية و في إعادة ترتيب الأدلة في مسار استنباط الأحكام الشرعية في الوعي النظري. أما في الوعي العملي فظهر تجديد القديم في عدة مسائل هي إعادة ترتيب مستويات وضع الشريعة، و إعادة ترتيب و تسمية الضروريات الخمس، و ربط مقاصد الشريعة بأهداف الأمة و التحديات الراهنة و تطوير مقاصد المكلف و النية و الفعل و إبراز دور عقبات الفعل. كل هذا ينبغي أن يُراجع بدقة و يُعتبر في الفعل التشريعي في واقعنا المعاصر و في عالمنا العربي الإسلامي الحالي.
للإجابة على التساؤل التالي: هل محاولة إعادة بناء أصول الفقه هي مجرد دعوة إلى تجديد أصول الفقه أم هي تجديد للقديم أم هي إبداع الجديد؟ و من خلال قراءتنا لدلالات هذه المحاولة في ‘من النص إلى الواقع’ و في كتب أخرى نجدها دعوة قوية لتجديد علم أصول الفقه، و نجد فيها تجديد القديم و هو ما ذكرناه سابقا. و إذا كان الإبداع لابد أن ينطلق من القديم لأنه إنتاج يتكون من عناصر قديمة فتجديد القديم في المحاولة إبداع، إبداع في القراءة و في الصياغة و في اللغة و في المادة العلمية و في الثقافة الأصولية و الأمثلة الفقهية، و عرضت المحاولة العديد من الدلالات و الإيحاءات الجديدة المتناثرة بين السطور في كتاب ‘من النص إلى الواقع’ و في كتب أخرى. هذه الدلالات لم تمس هيكل العلم و بنائه لأن ذلك من الصبغة الإلهية و الفطرة البشرية تمثل ما هو ثابت في العالم و هو الأدلة و الاستدلال و المقاصد و الأحكام أما المتغيرات فهي مواطن التجديد و مجالات الإبداع. و يصرح صاحب المحاولة أن محاولته هذه لم تمس ثوابت العلم بل متغيراته و يدعو إلى إخراج العلم من طابعه التقليدي الفقهي المنطقي إلى أن يحمل طابعا فلسفيا إنسانيا سلوكيا يغيّر الواقع و يقوم بإصلاحه و ينهض بالأمة و يساهم إلى جانب كل العلوم الإنسانية و غيرها و كل الإمكانيات في صنع الحضارة و التقدم.
إن ارتباط محاولة إعادة بناء أصول الفقه بمشروع ‘التراث و التجديد’ و بالفلسفة التي يقوم عليها عرّضها و يعرّضها لعدة انتقادات مثل المحاولتين السابقتين لإعادة بناء علم الكلام و لإعادة بناء علوم الحكمة. و انتبه صاحب المشروع لهذه المسألة إذ نجده يقدم نقدا ذاتيا في كل محاولة لاحقة للمحاولة السابقة، و قد يرد النقد الذاتي لمحاولة إعادة بناء علم أصول الفقه في المحاولة الرابعة لإعادة بناء علوم التصوف في ‘من الفناء إلى البقاء’، فيُحسب على المشروع و محاولات إعادة بناء التراث و تجديده الانتماءُ إلى المذهب العقلي المعتزلي و الانتماءُ الإيديولوجي و هو اليسار الإسلامي و ربطه بالماركسية كاتجاه فلسفي و فكري. و طغيان العقل و الواقع و المصلحة و العمل على الوحي مما يجعل المشروع و أعماله يفتقد الصبغة العلمية و التوازن في الرؤية و في المنظور على المستوى النظري و العملي. و بهذا فالمشروع و أعماله لا تزيل التباين السائد في الثقافة العربية و الإسلامية المعاصرة، و لا تُرضي التيار العلماني لأنها أعمال تراثية  و لا ترضي التيار السلفي لأنها أعمال تعطي الأولوية للعقل و المصلحة  و الواقع و العمل على الوحي. فهي أعمال تُحسب على العلمانيين لكنها ليست علمانية و تُحسب على السلفيين لكنها ليست سلفية، هذا التفرد و هذه الخصوصية هما ما يميّز فكر ‘حسن حنفي’ و فلسفته و سائر أعماله عن غيرها.
على الرغم من الانتقادات التي تعرّضت لها و تتعرض أعمال ‘حسن حنفي’ في قراءة التراث و في قراءة الآخر و في قراءة الواقع تبقى تتصدر الواجهة حاليا على الساحة الفكرية في العالم العربي و الإسلامي. و محاولتُه تجديد علم أصول الفقه عمل من هذه الأعمال فيه الدعوة إلى تجاوز القديم و فيه الكثير من التجديد و فيه الإبداع و فيه الكثير من التناقضات و العيوب. فهو اجتهاد ردّ الفقه و أصوله إلى الواقع لمعالجته و لحفظ مصالح الفرد و المجتمع و الأمة، و لتحقيق حاجات الإنسان عامة القريبة و البعيدة، المادية و الروحية، الدنيوية و الأخروية، و هذا هو مبتغى الإسلام و مقصده. و دور المسلم و مسؤوليته هو التمكين لأحكام الإسلام و قيّمه على أرض الله.

[1]- عبد المنعم خفاجي : البحوث الأدبية مناهجها ومصادرها، دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، سنة 1980، ص5.

الرابط:http://wefaqdev.net/art4811.html

قراءة 3464 مرات آخر تعديل على الجمعة, 15 نيسان/أبريل 2016 06:36

أضف تعليق


كود امني
تحديث