(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الأحد, 01 أيلول/سبتمبر 2019 09:53

للسخاوي 85 شيخة.. الموقعات عن الله يفتين ويناظرن ويخطبن على المنابر الجزء 3 و الأخير

كتبه  الأستاذ إبراهيم الدويري
قيم الموضوع
(0 أصوات)

واعظات يعتلين المنابر
توقف مؤرخو القرن الثامن الهجري كثيرا عند حياة أم زينب فاطمة بنت عباس البغدادية (ت 714هـ) التي سمي بها "رباط البغدادية" بالقاهرة عند تأسيسه سنة 684هـ؛ فوصفها الذهبي بأنها "الشيخة المفتية الفقيهة العالمة.. الحنبلية". و ذكر المؤرخ صلاح الدين الصفدي (ت 764هـ) أنها "كانت تصعد ‏المنبر و تعظ النساء... [و] انصلح بها جماعة نساء في دمشق...، [ثم] تحولت ‏بعد السبع مئة إلى مصر، و انتفع بها في مصر من النساء جماعة، و بعُد صيتها".

و من وظائف ذلك الرباط الذي سُمي باسمها أنه كانت "تودع فيه النساء اللاتي طُـلّقن أو هُجرن، حتى يتزوّجن أو يرجعن إلى أزواجهنّ صيانة لهنّ، لما كان فيه من شدّة الضبط و غاية الاحتراز و المواظبة على وظائف العبادات". و عن علاقة هذه المفتية الحنبلية البغدادية بالفقه يقول الصفدي: "تفقهت عند المقادسة بالشيخ شمس الدين و غيره... و كانت ‏تدري الفقه و غوامضه الدقيقة و مسائله العويصة".

‏و قد بلغت من حضورها العلمي و الفقهي أن رجلا بحجم ابن تيمية رحمه الله تعالى كان يتعجب ‏من عملها و يثني على ذكائها. و لم يكن ابن تيمية متفردا بإعجابه ‏بها؛ فقد ورث عنه تلميذه الحافظ الذهبي ذلك الإعجاب حتى قال فيها: "و كان لها قبول ‏زائد، و وقع في النفوس، زرتُها مرة و أعجبني سمتها و تخشعها..، و قلّ من أنجب من النساء مثلها".

و قبل هذه الجليلة البغدادية؛ نجد شيخة دمشقية أخرى كان صعود المنبر سببا في تسميتها ‏بـ"العالمة"، و هي أم الفقيه الشافعي شهاب الدين الْأنْصَارِيّ (قَاضِي الْخَلِيل) المعروف بِـ"ابْن العالمة"، و كان سبب تسميتها ‏بالعالمة كما روى قطب الدين اليونيني (ت 726هـ) "أن الملك ‏العادل الكبير لما توفي (سنة 615هـ) نظروا امرأة تتكلم في العزاء فذكروها ‏و أنها من الصلحاء، فأتوا في طلبها فتبرأت من ذلك لعدم خبرتها بما يليق بذلك الحال، ‏فألزموها و أخذوها مكرهة، و كانت تحفظ كثيراً من ‘الخُـطَب النُّـباتية‘ (= خُطب ابن نُباتة المتوفى سنة 374هـ)؛ قالت: و كنت أسأل الله ‏تعالى في الطريق ألا يفضحني في ذلك المحفل و أنا أرجف فَرَقاً من ذلك.‏

قالت: فلما حضرتُ و صعدت المنبر سُرّي عني، فقرأت شيئاً من القرآن و خطبت بـ‘خطبة الموت‘...، و هي من طنّانات الخُطب؛ فاتفق في ‏ذلك المجلس من البكاء.. ما لم يتفق في غيره. و اشتهرت تسميتها بالعالمة". و قد اشتهر بلقب ‘ابن العالمة‘ عَلَم ‏آخر هو "أبو الفضل ابن العالمة عُرف بالإسكاف (ت ‏‏530هـ)"‏، ‏و كذلك أحْمَد بن أسعد أَبُو الْعَبَّاس الشهير بابن العالِمة "دُهْن اللّوز الّتي كانت عالمة دمشق"‏‏.

زهد في التأليف يوّلد الإهمال
رغم هذا الحضور العلمي اللافت للنساء في مختلف العصور؛ فإن كتب الفقه أهملت ذكر ‏أقوالهن الفقهية و مذاهبهن ما عدا أقوال أمهات المؤمنين و بالأخص عائشة، و ذلك راجع في ‏رأينا إلى أربعة أمور؛ الأول: أن الفقهاء اعتمدوا في نقل الأقوال على شهرة القائل و تصدره، ‏و لذا لم ينقلوا في كتب الخلاف إلا عن "مشاهير أئمة الأمصار". الثاني: أن أغلب الفقيهات كُنّ في كنف والد أو زوج عالميْن ‏يغطيان على ذلك التميز النسوي.

الأمر الثالث: أن النساء العالمات نادرا ما ألّـفن كتبا، ‏و للكتب وحدها القدرة على إبقاء الأقوال حية و خالدة. الرابع: أن المرأة في ثقافة الاجتماع ‏العربي تعتبر "عورة"، و يرى بعض الدارسين أن العرب استعادوا عادات ما قبل الإسلام في قضايا ‏المرأة و الاجتماع، و لذا نجد المزني لم يصرح باسم أخته و هو رجل من قبيلة مُزينة المضرية. ‏

و قد استطاع بعض الباحثين‏ بعد جهد جهيد أن يحصر فقط اسم 36 مؤلفة منذ القرن الثاني ‏الهجري و حتى القرن الثاني عشر، و أغلب تلك المؤلفات غير موجود و إنما ذكرت عناوينَه كتبُ التراجم ‏استطرادا. و هذا العدد الضئيل جدا يعكس زهد العالمات في كتابة مؤلفات تحفظ علمهن، ‏و ذلك الزهد جعل كتب التراجم -و خصوصا كتب طبقات الفقهاء- تهمل ذكرهن.

و قد تعجب ‏الباحث محمد خير رمضان يوسف -بعد جولاته في كتب تراجم فقهاء المذاهب- من إهمالها ‏للنساء الفقيهات و أخبارهن؛ ففي كتاب ‘الجواهر المضية في تراجم الحنفية‘ -الذي يحتوي حوالي 2115 ‏ترجمة- لم يجد من تراجم النساء سوى خمس فقيهات؛ و في كتب التراجم المالكية لم يجد ترجمة ‏لأي امرأة؛ و كذلك كتاب ‘طبقات الشافعية الكبرى‘ للسبكي (ت 771هـ) فإنه ضاق بمجلداته العشرة عن ذكر ‏أي فقيهة شافعية، و وحده الإسنوي ذكر "أخت المزني" التي لا يُعرف اسمها. و ليس في ‘طبقات الحنابلة‘ ‏لابن أبي يعلى (ت 526هـ) ذِكرٌ لأي فقيهة حنبلية، و قد عوّض عن ذلك بذكر النساء اللواتي كُنّ يسألن ‏الإمام أحمد تحت عنوان: "ذكر النساء المذكورات بالسؤال لإمامنا أحمد". ‏

و هذا الإهمال للتاريخ العلمي للنساء نلمحه في عدة قضايا أندلسية؛ الأولى: خبر أم أبي الوليد ‏الباجي (المتوفى 474هـ)، فقد كانت فقيهة و لم تـُذكر في كتب التراجم إلا بعلاقتها بابنها الذي صححت تاريخ ‏مولده، كما نقل ذلك ابن عساكر الدمشقي. و القضية الثانية: نجدها في التراجم التي خص بها صاحب ‘نفح ‏الطيب‘ حوالي عشرين سيدة من مشهورات الأندلس، و هي تراجم تتجلى فيها صور الإهمال ‏بكل وضوح و أسف باستثناءات قليلة؛ فغالب من ذكرهن ذكرها باسم مفرد يشبه اللقب مع نسبة لإحدى المدن ‏الأندلسية، مع إغفال كامل لبقية المعلومات المتعلقة بالاسم الثلاثي، و تاريخ الميلاد، و على من ‏تأدبن و تعلمن، و متى توفين.

و أغرب شيء في ذلك الإهمال تلك الحكاية التي حكاها المقري بصيغة التمريض في نهاية ‏ذكره للمشهورات الأندلسيات، قال: "و حُكي أن بعض قضاة لوشة كانت له زوجة فاقت ‏العلماء في معرفة الأحكام و النوازل...، و كان في ‏مجلس قضائه تنزل به النوازل فيقوم إليها فتشير عليه بما يحكم به"‏.

و أما القضية الثالثة؛ فتتجلى في الميزة التي اشتهر بها الغرب ‏الإسلامي من جمع أهله لمختلف فتاوى علمائهم في كتاب واحد، مثل ‘المعيار المعرب و الجامع ‏المُغرب عن فتاوي أهل إفريقية و الأندلس و المَغرب‘ لأبي العباس الونشريسي (ت ‏‏914هـ)، و لم تذكر مجلداته الاثنا عشر أي فتوى لأي فقيهة، و هكذا ‏اقتدت به موسوعات الفتاوى التي جُمعت بعد عصره.

الرابط : https://www.aljazeera.net/news/cultureandart/2019/8/8/%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%AE%D8%A7%D9%88%D9%8A-85-%D8%B4%D9%8A%D8%AE%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%8A%D9%81%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D9%88%D9%8A%D9%86%D8%A7%D8%B8%D8%B1%D9%86-%D9%88%D9%8A%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D9%86-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%A8%D8%B1

قراءة 1579 مرات آخر تعديل على الخميس, 05 أيلول/سبتمبر 2019 10:15