قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
السبت, 21 كانون1/ديسمبر 2013 18:44

الأسرة و التغيير السياسي و رؤية إسلامية 1/2

كتبه  الدكتورة هبة رؤوف عزت
قيم الموضوع
(3 أصوات)

توطئة

برز في العقدين الأخيرين اتجاه لدى الباحثين المسلمين في مجال العلوم الاجتماعية يدعو إلى مراجعة المسلمات النظرية و المناهج التحليلية السائدة في المدارس العربية مما درجت جامعاتنا العربية و الإسلامية على تدريسه دون مراجعة أو قيد. و إذا كان هذا التيار قد تبنى في بعض الأحيان، شعار “إسلامية المعرفة” الذي أثار جدلاً واسعاً بين المؤيدين و المعارضين، فإن هذه الدراسة محاولة للخروج من الدائرة المغلقة للنظرية الاجتماعية الغربية و تطوير منظور إسلامي قادر على تقديم إطار تحليلي أكثر تفسيرية للظواهر الاجتماعية و السياسية في السياق التاريخ و الحضاري الإسلامي. و تبحث هذه الدراسة الوظيفة السياسية للأسرة في التغيير بمعناه الواسع الذي يروم استعادة إسلامية المجتمع و الدولة بعد ما أصابهما من علمنة نتيجة الهجمة الاستعمارية التي تعرضت لها مجتمعاتنا في القرن الماضي.

و تبدأ الدراسة في الجزء الأول باستعراض موقف الرؤية الغربية من الأسرة و وظيفتها السياسية، و خلفية ذلك الموقف فكرياً و واقعياً، ثم تعرض في الجزء الثاني موقف الرؤية الإسلامية من المسئولة السياسية للأسرة و محورية وظيفتها في النظام السياسي الإسلامي، أما الجزء الثالث فيركز على وظيفة الأسرة في التغير السياسي بشقيه الثقافي و الاجتماعي، في حين يعرض الجزء الرابع خبرة الانتفاضة الفلسطينية في هذا السياق و أهمية دراستها تجربة حضارية يتجاوز مغزاها خصوصيتها الزمنية و المكانية. الأسرة و السياسة في الرؤية الغربية مما يستوقف الباحث في العلوم الاجتماعية المعاصرة بمرجعيتها قضية تصنيف العلوم، ثم طبيعة وحدات التحليل التي يستقل بها كل علم بوصفها موضوعه الرئيسي. و ينطبق ذلك على الأسرة بصفتها وحدة تحليل في العلوم السياسية و الاجتماعية الغربية المعاصرة. فالأسرة بما هي موضوع بحث دخلت، وفق التصنيف الغربي للعلوم، في دائرة علمي الاجتماعي و الأنثربولوجيا.

أمّا علم الاجتماع فقد اهتم اهتماماً رئيسياً بالأسرة و وظائفها المختلفة في المجتمع، خاصة التنشئة الاجتماعي. و هناك مداخل و مقاربات عديدة لدراستها. و يكاد لا يخلو كتاب في مقدمة لعلم الاجتماع من جزء لدراسة الأسرة، بوصفها إحدى المؤسسات الاجتماعية، و وظائفها و أشكالها، و أثر التغير الاجتماعي على بنيتها أما كتب الانثروبولوجيا فأغلبها يدرس الأسرة بما فيها هي وحدة اجتماعية التي تحتفظ بالشكل القبلي -تكوينا اجتماعيا أساسيا- و تسودها علاقات القرابة و العشائرية طرأت عليها في المجتمعات الصناعية في سياق تطورها الحديث مما أدى إلى تغير بنيتها و شبكة علاقاتها، و ذلك كله في إطار تغلب عليه النزعة التاريخية Historicism )) إن الأسرة في تصنيف العلوم “وحدة اجتماعية” لا تدخل بشكل أصيل في الدراسة السياسية، لذلك يندر أن تتضمن كتب العلوم السياسية فضلاً عن الأسرة. و إذا كانت مرحلة “السلوكية” (Behaviorism) التي مرت بها العلوم السياسية في الستينيات قد ركزت على السلوك السياسي للفرد وحدة أساسية للتحليل، فإنها لم تتطرق، بالرغم من ذلك، لا للأسرة و لا للجماعة السياسية. و قد امتد هذا الاستبعاد للأسرة من موضوعات علم السياسية إلى العلوم “البينية” المرتبطة به. فبالرغم من اهتمام علم الاجتماع بالأسرة وحدة للتحليل، نجد أن علم الاجتماع السياسي لا يدرسها، بل يدرس بالأساس توجهات الفرد و سلوكه -النخبة السياسية، الأحزاب، الأيدلوجية- و غيرها من الموضوعات. و تندر الكتابات التي تربط الأسرة، من حيث هي وحدة اجتماعية، بالسلوك السياسي. أما الكتابات التي تتناول هيكل السلطة داخل الأسرة فتبقى أساساً كتابات اجتماعية لا تربط مسألة السلطة داخل الأسرة بالسلوك السياسي للفرد السياسية.

أما علم الأنثربولوجيا السياسية، و بالرغم من محورية الأسرة بما هي تنظيم اجتماعي في الدراسات الأنثروبولوجية (خاصة الأسرة في المجتمعات التقليدية)، فإنه يدرس القبلية، و الرموز السياسية للجماعة، و ظهور الدولة، و دور الدين في المجتمع، و أنواع القيادات التقليدية، و توزيع القوة، و حتى علاقات التبعية في النظام الدولي المعاصر، دون أدنى اهتمام بدراسة الأسرة التي تبقى أسيرة الدراسات الأنثروبولوجية المحضة. فإذا كانت الأسرة قد استبعدت من علم السياسة، بل و من العلوم البينية المرتبطة به، فما هي وحدة التحليل الأساسية التي أدخلها في علم السياسة في العلوم التي أثر فيها و تأثر بها؟ لقد كانت “الدولة” هي وحدة التحليل الأساسية لدى رواد هذا العلم ، و مثلت بؤرة التركيز و محور التفكير و التنظير السياسيين . و قد تعمق ذلك بعد الحرب العالمية الثانية حيث ساد الاعتقاد بقدرة العلماء الاجتماعيين على إعادة تشكيل المجتمعات و هندستها”، و تم التركيز على الدولة عاملاً أساسياً في بناء الهياكل و الأبنية الاجتماعية و إنجاز الخطط الاقتصادية دون اهتمام آنذاك بقياس الأداء و الفاعلية. و عُدّت وظيفة الدولة أوضح من أن تحتاج إلى دليل أو إثبات. و مع بروز الأمم المتحدة و توليها الشؤون الدولية في مجالات فض النزاعات و الإشراف على برامج التنمية الاقتصادية و السياسية، ثم اضطلاعها باستيعاب الدول الحديثة الاستقلال في الستينيات في إطار الجماعة الدولية، نُظر إلى الدولة و وظيفتها (في البلدان النامية) في عملية التنمية على أساس أنها مسلمة لا مجال لمناقشتها و من ثم أصبحت الدولة محط الآمال و أصبح بناء الدولة في العالم الثالث هو الهدف و اعتبرت دراسة الدولة و وظيفتها و طبيعتها أهم مباحث دراسات التنمية، فهي “المثال”(The ideal) الذي يجب على تلك المجتمعات إعادة تشكيل ثقافتها و تركيبها “الإثني” وفقاً لمقتضياته، و ذلك كله من أجل ضمان استقرارها و حرصاً على تطورها في شكلها القومي على نفس النهج الذي تطورت به الدولة القومية في الدول الصناعية: القدوة. و على الرغم من أن مرحلة السلوكية (Behaviorism) التي مرت بها العلوم الاجتماعية كافة، و منها علم السياسة، قد اهتمت بالفرد و سلوكه السياسي، إلا أن ذلك لم يكن على حساب الدولة بوصفها وحدة أساسية، فقد تركز الاهتمام على الفرد في صلته بالدولة، و موقفه منها. و لم يوضع الفرد نظرياً أو منهجياً في مقابل الدولة، بل ظلت الدولة في هذه المرحلة حقيقة مسلمة كامنة وراء كل الدراسات، و إن غاب ذكرها لفظاً. و في الثمانيات عاد الاهتمام المباشر بالدولة مرة أخرى في الدراسات السياسية ، و سميت المرحلة التي مهدت لذلك “مرحلة ما بعد السلوكية” (Behaviorism – post).

و إذا كان مفهوم المجتمع المدني قد برز ليحتل بؤرة اهتمام السياسيين في النصف الثاني من الثمانيات و أوائل التسعينات، فإن ذلك لا يعني انتقال الاهتمام من الدولة إلى المجتمع، بل ظل هذا المفهوم يدرس في سياق صلة المجتمع بالدولة و آليات العلاقة بينهما، فهو توسيع لرقعة المقاربات والمداخل و ليس تغيرا في طبيعتها المنهجية. و لا شك في أن ارتباط تطور العلم الاجتماعي الغربي بالواقع و حصره نفسه في ما هو كائن، معرضا عن التقويم و الدفاع عما يجب أن يكون، يجعل من الصعب فهم العلوم و تصنيفها، و تحديد خصائص مقارباتها و مداخلها المختلفة، من دون متابعة التطورات المهمة التي مرت بها المجتمعات الغربية نفسها، و هي تطورات ظهرت تجلياتها في الفكر الغربي في صورة إشكاليات رئيسية أضحت تميز رؤيته المعرفية و تحكمها في الوقت نفسه، أبرزها في هذا السياق إشكالية المجتمع و الدولة، و لإشكالية العالم الخاص. إشكالية المجتمع و الدولة برزت الدولة القومية في الغرب بوصفها كيانا سياسيا في القرن السابع عشر، و تحديدا مع مؤتمر وستفاليا 1648. و بعيدا عن الدخول في تفاصيل تطورها و محاولات الشعوب -سلما أو ثورة- الحصول على حقها في المشاركة السياسية و العدالة الاجتماعية، فالثابت أن الدولة، أيا كان نظام حكمها، قد توطدت أركانها و رسخت قواعدها في مواجهة المجتمع. و هي الإشكالية التي ثارت في الفكر الغربي منذ طروحات مدرسة العقد الاجتماعي، مروراً بهيجل و استمرارا في ظل ماركس و إنجلر، و امتدادا حتى الوقت الحاضر. و على الرغم من اهتمام الفكر الغربي بالعلاقة بين الدولة و المجتمع، و على الرغم من تعدد الكتابات، في الفترة الأخيرة، حول المجتمع المدني” بشكل خاص، إلا أن دراسته تركزت حول مؤسسات بعينها كالأحزاب و النقابات و الجمعيات، و هي كلها مؤسسات تخضع بشكل أو بآخر للتنظيم القانوني الذي تهيمن عليه الدولة، في حين نُظر إلى الأسرة على أساس أنها مؤسسة إرثية” تدخل في دراسة هذا “المجتمع الدولي” ، و لقد كان ذلك نتيجة مباشرة لارتباط الأسرة في الواقع و الفكر الغربيين بما هو “ديني”، و بما وضع منذ البداية في تضاد مع “ما هو مدني” في الرؤية العلمانية الغربية الحديثة . لذلك كان البحث في علاقة الأسرة -بحسبانها إحدى مؤسسات المجتمع- بالدولة يجد مجاله بصورة خاصة في الكتابات الاجتماعية، و ليس في الكتابات التي تتناول المجتمع المدني، و هو بحيث يسفر عن هيمنة الدولة بوصفها نظاما و مؤسسات و آليات لم تكن وليدة يوم و ليلة، و تقلص هذه الرقعة، في المقابل، بالنسبة للتنظيمات الاجتماعية المختلفة و خاصة الأسرة. و قد كان أول شيء فقدته الأسرة، في شكلها التقليدي الممتد، وظيفتها بما هي وحدة منتجة في إطار اجتماعي تضامني. فمع تطور الرأسمالية و قيام الثورة الصناعية، تم تحويل” هذه الوظيفة الإنتاجية إلى المصانع و المؤسسات الاقتصادية المتخصصة، و هو ما أثر فيما بعد -مع دخول المرأة عالم العمالة و الشغل العام- على شكل الأسرة النووية تدريجياً. و ما لبثت الأسرة أن فقدت وظيفتها في التنشئة الاجتماعية حيث تولت هذه الوظيفة المدارسُ التعليمية، قد فقدت وظيفتها في الرعاية الصحية و رعاية المسنين إذ تولت ذلك المؤسسات الصحية المتطورة. و حتى وظيفتها في التوجيه النفسي جرى كذلك إيكالها إلى الخبراء النفسيين و التربويين المتخصصين، بل و كذلك المهام التقليدية أو الاعتيادية، كإعداد الطعام و تنظيف الملابس، تولتها وكالات و شركات خاصة. و قد روجت العديد من الكتابات لهذا التحول في الوظائف، على أساس أنه دعم لتقسيم العمل و التخصص في وظائف المجتمع، و ضمان لحفظ الخصوصية للأسرة.

لكن النتيجة كانت درجة عالية من الاختراق لمؤسسة الأسرة التي أضحت تعتمد، وجودا و وظيفة، على مؤسسات عديدة سواها. و سرعان ما وجدت الأسرة نفسها متهمة بتأكيد نزعة الفردية “و الرومانسية” غير الواقعية و ضيق الأفق، مقابل قيمة التعاون و الجماعية التي يجب أن تغرسها، و التي توفرها المؤسسات الاجتماعية الأخرى. ثم تحول الاتهام إلى جزم بأنها “غير قادرة” على توفير الغاية الثقافية و الصحية و النفسية للطفل، و انتهى الأمر إلى تقرير أنها “غير صالحة أساساًو من هنا جاءت الدعوة الصريحة إلى ممارسة الدولة لهذا العمل الأبوي (Parental) و نقل وظائف الأسرة بالكامل إلى المؤسسات المتخصصة. و قد تزامن ذلك مع مناخ اقتصادي رأسمالي أوسع، أبرزُ سماته تأكيد التعاقدية مقابل التراحمية التكافلية، و المنفعة مقابل الأخلاق، و تحويل العلاقات الاجتماعية إلى علاقات سلعية. و لم يكن هذا “التحول في الوظائف” الذي أثمر تهميش وظيفة الأسرة و مكانتها في المجتمع ممكنا تاريخيا (في الدول الصناعية)، لولا تزامنه مع تحول مهم شهدته هذه الدول، هو التحول إلى العلمانية. و قد بدأ هذا التحول الأخير منذ عصر النهضة و امتد تدريجياً من مجال الفلسفة إلى الواقع السياسي ثم الواقع الاجتماعي، حيث مثلت تنحية الدين عن المجتمع آخر مراحل العلمنة، إذ ظلت الأسرة و صلات الرحم مرتبة به (أي الدين) على الرغم من كل ما أصابها. و عندما هيمنت العلمانية على مداخل العلم و مناهجه و من قبل ذلك على فلسفته، كان لا بد من أن تتعرض الأسرة للهجوم الشرس، لا بوصفها وحدة اجتماعية راسخة -فقد هزت التطورات السياسية و الاقتصادية هذا الرسوخ كما تقدم- بل بصفتها قيمة و مفهوما. فالعلمانية يمكن إنجاز جوهرها في أنها تعني نزع القداسة”، حيث يتم إخراج المطلق من المنظومة المعرفية و تُنزع القداسة عن أي مكونات هذه المنظومة فتسود النسبية. و لم يتم نزع القداسة عن الأسرة في العلوم الاجتماعية مرة واحدة، بل بقيت كتابات إنجلر تمثل، لفترة طويلة، أعمالا متناثرة قليلة لا تياراً فاشيا عاما، و من ثم استمرت الأسرة في الدراسات الاجتماعية تمثل، حتى الخمسينيات، وحدة اجتماعية أساسية و جوهرية و نواة للمجتمع. لكن مع وصول العلمانية في الستينيات، في المجتمع الغربي، إلى ذروتها، و علمنة العلوم الاجتماعية بصورة شاملة، أضحت الأسرة يُنْظَرُ إليها على أنها مجرد ثمرة لتطور تاريخي، فلا شيء مقدس بشأنها ، و أنها سؤال يُجاب عنه لا مسلمة يقبل بها.

و كان أبرز المعادين للأسرة على مستوى الواقع العلمي و التنظير الفكري “الذين لا يؤمنون بالله، ثم الاشتراكيون و الراديكاليون، ثم الانتهازيون المستغلون للمرأة في الاقتصاد و الإعلام و البغاء، ثم الحركات النسوية.” وهكذا حُسمت المعركة بين الأسرة و الدولة لصالح هذه الأخيرة، كما تنبأ البعض مبكراً ، و تأكد “الخبر” الذي تعجلت بعض المصادر نشره منذ أوائل السبعينيات ، ألا و هو “موت الأسرة.” وإذا كانت الأسرة لا تزال تدرس في علمي الاجتماع و الأنثروبولوجيا، فإن هذه الدراسة تنطلق من كون الأسرة وحدها ما زالت قائمة على أرض الواقع بالرغم من موتها بوصفها وحدة اجتماعية ذات وظائف حضارية. و هذا يعني إمكانية اختفائها حتى من الدراسات الاجتماعية إذا اختفت كليا من الحياة الغربية، ليصبح مجال دراستها هو الدراسات التاريخية طالما ظل العلم الغربي مرتبطاً بما هو كائن لا بما يجب أن يكون. إشكالية “الخاص” و “العام” تكمن أهمية دراسة “الخاص” و العام” في مجال السياسة في كيفية تحديد مجال النشاط السياسي. فالفصل بين ما هو سياسي و ما ليس كذلك يستند بالأساس إلى تحديد ماهية “الخاص” و “العامفي الحياة و الأنشطة الاجتماعية، إذ لا يجوز عزل النشاط الاقتصادي أو الاجتماعي أو الفكري أو التقدم الفني عن النشاط السياسي. فكل ذلك ظواهر متلازم بعضها مع بعض، و كل ظاهرة تمثل، في حد ذاتها، عامل تأثير في مجموع الروابط و الأنشطة الإنسانية و الظواهر الاجتماعية، بحيث لا يجوز الخلط بين مجموع هذه الظواهر و جعلها وحدة مطلقة، فكل منها يمثل ميدانا لحركة الواقع الاجتماعي تغييرا له، أو محافظة عليه. و بعد التمييز بين العام و الخاص إحدى السمات الأساسية للنظرية الليبرالية، و هو ليس مجرد تمييز بين مجالين للفعالية الاجتماعية، بل يتضمن أيضاً تمييزاً للقواعد التي تحكم كلا منهما.

فطبيعة العلاقات و القيم في المجال العام تختلف جذرياً عن العلاقات و القيم في المجال الخاص. فالأول تحكمه قيم المنفعة و المنافسة و علاقات القوة، و الثاني تحكمه العلاقات الإنسانية و المشاعر التلقائية و التطوعية. و ترجع هذه التفرقة بين العام و الخاص إلى الكتابات اليونانية إذ وردت في محاورات سقراط و كريتون في إطار التمييز بين السياسي و رب الأسرة من ناحية، و بين الرجل الصالح و المواطن الصالح من ناحية ثانية، و بين الخير المشترك الفردي من ناحية ثالثة. و بالرغم من عدم وضوح الخط الفاصل بين ما هو سياسي و ما هو اجتماعي في كتابات الإغريق التي نظرت نظرة شاملة إلى مجتمعات كاملة التنظيم من كافة الجوانب مثل الدولة-المدينة (State-City) التي يمتزج فيها الاجتماعي و السياسي، (و هو ما يتضح في كتابات أرسطو على سبيل المثال، و رؤيته للإنسان بوصفه حيوانا سياسيا حيث يمكن بسهولة استبدال كلمة سياسي بكلمة اجتماعي) إلا أن الدولة -المدينة قد عرفت إلى حد ما بعض التمييز بينهما، و هو ما يتجلى في عدة مواضع في الفلسفة اليونانية. و قد تبنى رواد النظرية الليبرالية، خاصة لوك، هذه التفرقة بين “العالم” و “الخاص”. فقد ذهب لوك إلى أن المعيار الرئيسي للتمييز بينهما هو أن “العام” يبنى على ممارسة حرة للأفراد ذات صفة اتفاقية تعاقدية، في حين يقوم الخاص على العلاقات الطبيعية الموجودة داخل الأسرة، حيث أن خضوع المرأة لزوجها طبيعي بصفته الأقوى. و على ذلك فالقوة السياسية تختلف عن القوة الأبوية. و تتأسس التفرقة بين الخاص” و “العام” في النظرية الليبرالية على عدم معايير أهمها : 1. المجال وحدود المشاركة: فما تتاح المشاركة فيه للجميع، سواء أكان مكاناً أم نشاطاً أم شبكة علاقات أم موارد، فهو عام: و ما كانت المشاركة فيه لفئة دون أخرى، فهو خاص. 2. الصفة: فالشخص العام هو الذي يتصرف وفق أغراض و أهداف و موارد ذاتية، فتصرفه إذن شخصي و فردي. 3. المصلحة: فأي نشاط يخدم مصلحة مجموعة من الأفراد دون غيرهم هو نشاط خاص، و أي نشاط يخدم الجماهير العريضة فهو عام. و قد آثار تنازع المعايير و تداخلها في بعض الأحيان، عند التطبيق مشكلة الغموض في التفرقة الواقعية بين العام و الخاص.

و حاول بعض الكتاب وضع تقسيم ثلاثي يفسح المجال لوجود مساحة بين “العام” و “الخاص” هي ما أطلق عليه مصطلح “الاجتماعي” (the social). فإذا ما ربطنا ذلك بالاتفاق في الكتابات الغربية على كون الأسرة خارج المجتمع المدني كما سلف، فإنه يمكن التفرقة بين أربعة مستويات في الفكر الليبرالي هي: 1. العام، أو السياسي المرتبطة بالدولة. 2. الاجتماعي، أي مساحة التقاطع بين السياسي و الاجتماعي، أي بين الدولة والمجتمع المدني. 3. الخاص، أو تنظيمات المجتمع المدني. 4. الشخصي، أو المرتبط بالفرد، و تمثل الأسرة مظهراً من مظاهره وشكلا من أشكاله، و هو يضم أشكالا أخرى من العلاقات كالصداقة. و قد أدى طغيان القيم التي تحكم “العام” على تلك التي لها علاقة “بالخاص” في المجتمع الليبرالي إلى المناداة، واقعياً، بعزل الأسرة و تشجيع فصلها عن كلا المجالين بحيث تصبح تمثل الملاذ الأخير التي تتركز وظيفته في توفير العواطف و المشاعر و الصلات الإنسانية بعيدا عن التنافس و الصراع اللذين يسودان في المجتمع و الدولة. و يمكن ملاحظة الأمور الآتية على الأفكار الرئيسية بشأن إشكالية الخاص” و “العام” في الفكر الغربي الليبرالي: أولاً: صعوبة تمييز أنواع النشاط الإنساني ذات الطابع السياسي المحظ من غيرها من أنواع النشاط الاجتماعي الأخرى، مما يجعل معيار “الخاص”و “العام” معيارا غير دقيق تماما، و غير كاف لتحديد جوهر السياسة و طابعها الكلي و الشامل. ثانياً: انطلاق الإشكالية من التجربة الليبرالية الغربية في تطورها التاريخي و تطور وظائف الدولة، و بهذا تظل محدودة و نسبية فلا يمكن تعميمها، مدخلاً مناسباً. و منهجا صالحا، لفهم وظيفي الأسرة و واقعها و مكانتها الاجتماعية. فالتضاد و التعارض بين العام و الخاص ليسا بهذا الوضوح في كل المجتمعات السياسية، بل إن هناك مجتمعات لا تعرف هذه الإشكالية أصلاُ. و قد لاحظ بعض الدارسين أن الفصل بين الاثنين و تركيز وظيفة الأسرة في الخاص في الدول النامية، بوصفها مجتمعات ما قبل صناعية”، كان إحدى نتائج الاستعمار الرأسمالي. و نظر لوجود الأسرة الممتدة في هذه المجتمعات، فإن هذه التفرقة بين الخاص و العام تصبح غير واضحة بل غير ذات موضوع. فاختصاص المرأة بالإنجاب و رعاية الأطفال و تحمل مسؤولية المنزل لا يؤدي إلى تقلص وظيفتها الاجتماعية أو تراجع مكانتها في هذه المجتمعات. الأسرة و السياسة في الرؤية الإسلامية لم تحظ الأبعاد السياسية للأسرة باهتمام يذكر في الفكر و الفقه الإسلاميين فالكتابات الفلسفية التي اهتمت بسياسة الرجل أهلهُ استخدمت السياسة بمعنى قواعد التعامل الإنساني و ما يرتبط به من أنماط سلوكية، و دارت في إطار الأخلاق. و الكتابات العديدة التي تناولت السياسة الشرعية لم تود أي ذكر للأسرة بوصفها وحدة سياسية. أما كتب الفقه فقد ركزت على جوانب المعاملات و أحكام الزواج و الطلاق ولم تتطرق إلى ما عداها. و هكذا بقيت الأسرة مجالا خاصا لدراسة الفقه و الأخلاق و لم تدرس في إطار السياسة الشرعية. فالظروف السياسية التي مرت بها الأمة، و تدهور الاحتكام إلى قيم الشورى و العدل و تركز السلطة، كل ذلك جعل الإمامة و الخلافة، و ما يتعلق بهما من قضايا، محور دراسة السياسة الشرعية. و حتى ابن خلدون، الذي تميز بمنهجه الاجتماعي و دراسته للسن الاجتماعية و التاريخية، ركز في تحليله على الخلافة و الملك و ربط تعريف السياسة بهما. و قد أدى ذلك إلى غياب المجتمع، و بالتالي الأسرة بوصفها أحد أبنيته الرئيسية، من المنهج التقليدي للتحليل السياسي الإسلامي.

 المصدر:

http://www.heba-ezzat.com/2011/03/07/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D9%88%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A-2/

 

قراءة 2733 مرات آخر تعديل على السبت, 04 تموز/يوليو 2015 09:34

أضف تعليق


كود امني
تحديث