(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Wednesday, 18 May 2016 10:26

التربية أولا، السياسة آخرا...

Written by  الدكتور طه كوزي
Rate this item
(0 votes)

منذ أمد و أنا أجول بناظري بين قصور السلطان، و غرف البرلمانات، و ديوان الممالك... في عالمنا العربي الإسلامي، أتحسس "نموذج السلطة" و"الحكم" الذي يهيمن على البَلاط هنا و هنالك، أتساءل عن "محرّكات السلطة"، و التحكم، و الهيمنة السياسية في هذا الزمن، و أجد نفسي في كل مرة: أقف على الورم ذاته و المرض نفسه: سرطان الـمـُـــلك، و هيجان التملُّك.
"نموذج الحكم" هو نفسه، في عالم اليوم، و إن تدثـــــــّر بتاج الملك، و تستّر بعباءة القبيلة، أو تزين بربطة العنق، و تجمّل بمساحيق السفور... إننا اليوم أمام ظاهرة فريدة من نوعها: إننا نجد الساسة متشاكسين متناطحين حول خياراتهم اللفظية، و مداعباتهم الخطابية: فهذا "جمهوري"، و الآخر "قومي"، وثالثهم "إسلامي"، و رابعهم "ليبيرالي"؟
إنهم خلف غشاوة الألفاظ، و تحت دِثار الأسماء و الخطابات: يمارسون اللّعبة نفْسها، و يُدمنون الآفة عينها، أما الرجل العامي، و المواطن البسيط: فيلهثون به من حُلُم إلى آخر، و يعبثون بأعصابه: بين "سوبرمان قومي" تارة، و"سوبرمان متدين" تارة أخرى...
إن هذا السجال اللفظي بين معسكر و آخر؛ جعل الناس يتخندقون، و يتفنْدقون، دون مراجعة أسباب التحزُّب و التخندق، لقد استُخِفت عقولنا و أفئدتنا فغدَوْنا نحكّم "الخطاب" و نهمّش "الواقع"، فأضْحى للكلمات و الشعارات رنينًا و موسيقى لا تُقاوم؛ فنموذج الحكم يشتغل بمنطق "حمار جحا": إنه يراهن على أن تصدّق كلمات السياسي، و تخطِّئ الواقع و تكذِّبه؛ تماما مثلما فعل "جحا" حين أقنع جاره في أن يُكذّب "نهيق الحمار" الصادق، و يصدّق "جحا الكاذب".
كيف تصبح حاكما في أربعين يوما؟
نموذج الحكم، شرق المعمورة و غربها، في هذا العصر ليس قائما ابتداء على نية المواطن، و أحلامه، و خياراته، و أصواته... كما يدّعون، بل يستند أساسا إلى محركات أخرى هي المحددة في أن يصبح فلان أو علان حاكما، و إن أعوز الإنسان هذه المحركات فقد الانطلاق، و حُرِم الوصول: و هذا الكلام صادق على الدول التي نطلق عليها سمة الديموقراطية أو تلك التي نعيبها بالديكتاتورية؛ أمريكية كانت أم غربية...؛ "فحسين أوباما" مثله مثل "الحسن وتارا" بلغ الحكم بنفس الوصفة، و نفس الخلطة السحرية:
1. "جماعة ضغط" تقرئك السلام:
"جماعات الضغط" في هذا العصر هي الحاكم الفعلي في كل الأوطان، تجوس خلال الديار، و تخنق الوطن بنسيجها العنكبوتي، و تحرّك أزلامها و بيادقها في الغرف المظلمة، و غرف التحرير بالجرائد (الخاصة و العامة)، و تسيّر رجالها في غرف البرلمان المغلقة، و تأخذ قراراتها في مقاهٍ رئاسية، و تقسِم كعكعة المصالح في الوطن بين المتكالبين على قصعتها بالتراضي، و كلما استقوت "جماعة الضغط" في سلطانها حِيزت لها أعِنّة الحكم بحذافيرها في: الموالاة و المعارضة، في البرلمان و النقابة، في البلاط و الشارع...
"جماعة الضغط" لا يهمها الظهور بقدْر ما تهمها الفعالية و الحضور... فكل شيء بالنسبة إليها "قابل للتفاوض"، و كل إنسان "قابل للبيع و الشراء"، أما الأحزاب، و أجهزة الدولة... فليست، في أعين جماعة الضغط، إلا "دمى" ينبغي أن تتحرك وفق تطلعاتها و حسب مصالحها، أما مَنْ أبى و استنكف؛ فليس له إلا أن يتغمّده الله برحمته الواسعة: حيا أو ميتا... "جماعة الضغط" ليست "جماعة ظِلّ" بل أدوارها منقسمة بدهاء بين: رجال يجثمون في "الظل"، و رجال و نسوة آخرين: يشوّشون المشهد بحديثهم أو صمتهم أمام عدسات الكاميرا...: فالواحد من "جماعة الضغط" يقتحم المشهد باعتباره قانونيا حكَما، و الثاني يدخل المنصة بوصفه إعلاميا نزيها ليسأل السؤال المناسب في اللحظة المناسبة، و أخرى تسعُل في وسائل الإعلام باعتبارها معارِضة عفيفة، و الآخر يتدخل بوصفة نقابيا حرا، و الآخر يقرر بوصفه مسؤولا حاكما.... إنها سمفونية تتباين في صوتها المفرد، لكنها تتناغم في معزوفة المصلحة و الهيمنة.
2. لحظة الانتخابات و رحلة البحث عن "وجه ملائكي":
حين تُقرَع طبول الانتخابات، و تأزِف آزفة السباق و اللحاق للوصول إلى مقعد الحكم و السيادة، و تتحرك آلة البحث عند "جماعة الضغط" بحثا عن "عروس" يليق بالمناسبة؛ يبزُغ فجأة "فارس الأحلام "مرشحا بالقوة" للرئاسة، و في هذه اللحظة تتفنن "جماعة الضغط" في تجميل عروسها، و تبييض وجهه، و الحديث عن مناقبه، و تحرّك من أجل ذلك الألسُن المأجورة، و البطون المعمورة: ناهقة مبشرة بخليفة جديد، و وجه سياسي وليد.
في هذا العصر لم تعُد مهمة تبييض الأسود، و تسويد الأبيض: مهمة عسيرة صعبة المنال، بل أضحت وظيفة قابلة للتنفيذ؛ فقد أضحت مؤسسات و شبكات "العلاقات العامة" المتخصّصة في "الكذب الإعلامي"، و"التضليل الفكري" تراهن على وسيلتين أولاهما: فعالية وسائل الإعلام في يدها، من شبكات تواصل اجتماعية، و جرائد، و قنوات... أما ما تراهن عليه ثانيا: فهو حجم السفه المتزايد في "إنسان العصر"؛ و الذي لم يعُد يمتلك حصانة فكرية، و مناعة معرفية، فهو يتقبل بكل عفوية أن يُسام كالدواب، و أن يساس ضمن القطعان، فيستهلك المتناقضات بكل أريحية و عفوية.
بمجرد نجاح الحملة الإعلامية في تثبيت الوجه الملائكي مرشحا بالقوة؛ فقد نجحت مجموعة الضغط و نجت، أما إن فشلت فإن "جماعة الضغط" ستبحث عن مرشح بديل في الوقت بدل الضائع؛ عله يستدرك ما فاتها...
3. مستحضرات تجميل إيديولوجية، و عقاقير فلسفية:
حين يدخل هذا المرشح إلى خشبة مسرح السياسة، و تنجح "جماعة الضغط" في تنصيبه مرشحا فعليا كامل الحظوظ؛ فإن من الآداب التي عليه أن يتأدب بها: ألا يفصح عمَّن حوله، و لا مَن يقف خلفه، و لا مَن هو معه...، بل عليه أن يقدّم نفسه رجلا حرّا (و الرجال قليل)، في هذه اللحظة يطوّر "الخليفة القادم" خطابا إيديولوجيا يعوّم فيه أهدافه، و أفكاره، و يخفي خلف ألفاظه، و بياناته، و تغريداته: مصالح "جماعة الضغط" التي تقف وراءه؛ و يواري سوءة جماعة ضغطه، و حلفاءها، و أسيادها: خلف كومة من العبارات الرنانة، و الخيارات الإيديولوجية؛ فتضيع "الحقيقة" وراء مجموعة من "الحقائق الكاذبة"، كما تغيب الإبرة في كومة من القش.
في هذه اللحظة يولد "الخطاب"، و تتفتَّق كلمات المرشّح السياسي، و خُطَبه العصماء، و يطوّر حقيبة من الكلمات يطوف بها: النوادي و الجمعيات، و الزوايا و التكايا، و جمعيات حريات "المرأة" و"أشباه الرجال"... و لا يهم "جماعة الضغط" في هذه اللحظة إن كان مرشحها يحمل خطابا باسم اليمين، أو باسم اليسار، باسم القومية أو باسم الليبرالية، و لا يهمها إن كان من أصحاب اليمين أم من أصحاب الشمال؛ فكل ما يهمُّها أن يكون خطابها خبزا يمكن علفه للجماهير التواقة لغد أفضل، و المتشوّفة لمستقبل أجمل...
اللعبة السياسية قصيرة النفَس...
منذ مطلع القرن العشرين، و قوافل السياسيّين تمر بحيِّنا متتالية متواترة؛ فقد شبعت الآذان من كلماتهم، و طنينهم، و مدنهم الفاضلة، أما العيون فجائعة عطشانة متلهفة لترصد ما يتحقق فعلا و عملا...؛ لقد مر بحيّنا القوميُّ، و الليبراليُّ، و الحرُّ، و الإسلاميُّ، و العلمانيُّ...، لكننا لم نجن منهم إلا حصيد الكلمات و العبارات؛ لقد خلّفوا وراءهم وعودا، و واقعا كئيبا...
لستُ أنسج هذه الكلمات لبث التشاؤم، و إذاعة اليأس و القنوط، و لستُ أحيا اليوم مفرغا من أملٍ يحدوني، و ثقة في الله تغمرني، بل إنني اليوم أكتب هذه الكلمات لأبوح لكل ناشئ، و أصارح كل طمّاع، و أشُدّ يد كل عامل: قائلا: إن اللعبة السياسية في أفغانستان و الجزائر، في موسكو أو نيوميكسيكو: نموذج مغلق، و لعبة مملة، و متاهة موصدة...: لأنها تعيد إنتاج ذاتها، و ليست مستعدة لتغيير ما بنفسها، إن الآلة السياسية تعيد إنتاج المقدَّرات التي تحيط بها؛ فإن كانت البيئة خصبة؛ كان النموذج السياسي غنيا مثمرا، أما إن كانت التربة قحلة محلة: أعادت اللعبة السياسية إنتاج الرداءة، و إفراز الصلافة و الفساد...
نموذج الحكم السياسي انعكاس و أثر لصورة الإنسان على صفحة مدرجات البرلمانات، و انعكاس لقامة الإنسان على صفحة الأحزاب، و النقابات، و التشكيلات المدنية...، فإن كان الإنسان قزما: تقزّمت خلفه خياراته و هياكله السياسية و تكلّست، و إن سمق الإنسان بعلمه و حلمه، بقلبه و عقله: لم تكن السياسة إلا بمستوى هامة الإنسان و همّته.
السياسة آخر ما يتغير في الأمم، و آخر ما يتحول و يتبدل، أما ما ينبغي أن يكون الأول في التفكير، و الأول في التخطيط، و الأول في العمل: تربية النشء و بناء الإنسان، فإما أن تغير الإنسان فيتغير كل شيء، و إما أن تلاحق سراب التحزّب و السياسة؛ فتصير إلى اللاشيء...

بتصرف عن موقع فيكوس

الرابط:http://www.veecos.net/2.0/

Read 1789 times Last modified on Monday, 12 November 2018 16:52