إن ما حدث في "حوش الميهوب" ببلدية براقي بعاصمة الجزائر في بحر الأسبوع الماضي، يقوم شاهدا على أن الانفلات الأمني آخٌذٌ في التفاقم، و أن السِّلْم الاجتماعي قد بات مهددا حقا، و أن الدولة ممثلة في سلطاتها الأمنية مدعوة بقوة للتدخل الحازم، حتى تعيد الأمور إلى نصابها، و تحمل الجميع على الامتناع عن المساس بالسلم الاجتماعي، و الإضرار بأرواح المواطنين ممتلكاتهم، حيث أن ترك الأمور تجري على ماهي عليه دون تدخل من طرف السلطة، ستضطر المواطنين إلى التكفل بالدفاع عن أرواحهم و ممتلكاتهم بأنفسهم، و هذا سيفتح الباب على كل الاحتمالات، كما أنه يفقد الدولة أهم مبررات وجودها، إذ أن الدولة إنما تستمد مشروعية وجودها، من قدرتها على بسط الأمن و صيانة السلم الاجتماعي، فإن هي قصّرت في ذلك و عجزت عنه، تطرقت إليها سريعا أسباب الاضمحلال، و آذن وجودها بالزوال.
إن الحفاظ على الأمن و حماية السلم الاجتماعي في ربوع البلاد هو من أوكد واجبات الدولة و من أهم المسؤوليات المنوطة بها، و ليس لها أن تتنصل منها أو تتخلى عنها، و ليس مقبولا بأي حال من الأحوال أن يتقرب المواطن من هذا الجهاز الأمني أو ذاك طلبا لحمايته فيقال له: " افريوها بناتكم" فمثل هذا الجواب هو قبل أن يكون إقرارا بالعجز و التخلي عن المسؤوليات، هو دعوة صريحة إلى ركوب الفوضى و الخروج عن القانون.
إن حماية أرواح المواطنين و ممتلكاتهم أولوية ينبغي أن تتقدم كل الاولويات الأخرى، و التخلي عن كفالتها سيدفع بالمواطنين إلى أحد طريقين اثنين:
حمل السلاح و التمرد و الثورة على السلطة التي باتت عاجزة عن حمايتهم و توفير الأمن لهم لتقويض أركانها و هدم بنيانها، و استبدالها بسلطة أقدر على ضمان ذلك لهم.
أو الهجرة و النزوح إلى مجتمع آخر يتوفر فيه الأمن، مما يكفل لهم و لذويهم أسباب الحياة الآمنة المستقرة، و كلا الطريقين ليس في صالح الجزائر و لا يكفلان استقرارها و إستمرارها.
ألا فليعلم الجميع أن وجود الدولة يستمد مشروعيته من قدرة سلطاتها على توفير ثلاث حاجات أساسية هي بمثابة الشرط الضروري لقيام حياة اجتماعية مستقرة و هي:
1- الأمن الغذائي أي وجود اقتصاد قوي و فعال يرتكز على إنتاج زراعي وفير، و صناعة ناجحة، و تجارة رائجة، تضمن للمواطنين قوت يومهم، حتى يرضوا به و يستقروا فيه.
2-الأمن الصحي بمعنى أن يتوفر على مؤسسات صحية متنوعة و كفاءات طبية و شبه طبية قديرة و متمكنة، و صناعة دوائية متطورة تضمن للمواطنين حسن التكفل بهم عند المرض و الحوادث.
3-الأمن الاجتماعي و المقصود به أن يتوفر المجتمع على هياكل أمنية قادرة على منع تعدي المواطنين على بعضهم البعض، و توفير الحماية لهم و لممتلكاتهم من أي عدوان داخلي أو خارجي مهما كان.
تلك هي الركائز الثلاث التي تنبني عليها الحياة الاجتماعية المستقرة، كما نبه إليها الرسول الكريم سيدنا محمد -عليه صلاة والسلام- في الحديث المروي عنه، فقد جاء فيه:(( إذا أصبح المؤمن معافى في بدنه مالكا لقوت يومه آمنا في سربه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها )).
و عليه فإن توفر الأمن و استتباب السلم الاجتماعي من الشروط الضرورية لإستقرار الحياة الاجتماعية و استمرارها و بدونه تتضعضع أركانها و ينهار بنيانها، و لهذا السبب شدد الله النكير على أهل الحرابة، و أطلق يد السلطان في توقيع العقوبة عليهم وفقا لجرمهم، لأن تعدِّيهم على الناس و ترويعهم لهم، يهدم الحياة الاجتماعية من أساسها كما يشهد بذلك قوله تعالى: (إنما جزاؤا الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم)المائدة: ٣٣.
فعلى الدولة إذا، أن تتصدى بحزم و قوة، لأسباب الانفلات الأمني، و أن تضرب بيد من حديد، على أيدي المتسببين فيها، حتى نمنع تكرار ما حدث"بحوشالميهوب" ببلدية براقي، في أماكن أخرى من هذا الوطن المفدى.