(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Thursday, 31 March 2016 07:33

لكأنّما انتزعتها من قلبي

Written by  الأستاذة رقية القضاة من الأردن الشقيق
Rate this item
(0 votes)


جمعت الأميرة الكريمة حليّها في صناديقها، و كأنها تجمع حجارة لا قيمة لها، و تقدّمت بها إلى زوجها و هي راضية النفس، و كانت تعلم أنها لم تعد تملكها، و انها اختارت زوجها على تلك الحلي الذهبية و الماسية، و اللآليء الثمينة و الحجارة الكريمة، و كل نفيس نادر من الحلي، و حمل الزوج تلك الصناديق إلى بيت مال المسلمين فأودعها فيه و عاد إلى زوجته و كأن شيئا لم يكن
كانت تلك المراة هي فاطمة بنت عبد الملك بن مروان، الخليفة الأموي و أخت اربعة من الخلفاء ، و أخوها الخليفة سليمان بن عبد الملك الذي لم يمض على وفاته إلا أيام قلائل، و هو الذي عهد بالخلافة إلى زوجها {عمر بن عبد العزيز)، مقدما إياه على أولاده و إخوته، لصلاحه و تقواه و ورعه، و تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة، و هو يشعر بثقلها و عظم الأمانة التي ينوء بها، و قد أدرك الخليفة الفطن أن الدولة بحاجة إلى إصلاح، و أن الإصلاح يجب ان يبدأمن عنده هو، من نفسه و زوجه و أهل بيته، و فاطمة زوجته و ابنة عمّه، عزيزة لديه و لا يحب فراقها، و لكنه لا يقدر على رؤيتها تتزيّن بجواهر و ذهب، هي في الأصل ملك لبيت مال المسلمين، اهداها إياها ابوها الخليفة عبد الملك يوم زفافها إليه، و لم تكن لتحصل عليها لولا أنها بنت الخليفة، و اخت الخلفاء، و عمر يرى هذا تعدّ على مال المسلمين، فكيف له ان يرضى بذلك ؟
و عمر لم يظلمها و لا يريد لها النار، فيخيّرها بينه و بين هذه الثروة، تاركا لها حرية الاختيار فيقول : اختاري إما أن تردي حليك إلى بيت المال، و إما أن تأذني لي في فراقك، فإني أكره أن أكون أنا و أنت و هو في بيت واحد، قالت: لا بل أختارك عليه و على أضعافه، عرفت سليلة المجد و الحسب و الجاه ،أن الزوج الصالح لا يقارن بمال الارض، و ان المال المأخوذ بغير حق لا يحل لها،و أن بقيّة الله خير لها و أبقى، فتنازلت عنه بطيب خاطر و رضى و قناعة.
و ارتبطت حياتها بعمر بن عبد العزيز، و ما ادراك ما عمر ! خليفة عادل ورع تقي، راشدي القلب و اليد و العدل، أمّه حفيدة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ربّته على سيرة جده و عدله و حكمته و ورعه، فتجلت تلك التربية يوم تولّيه الخلافة في اوضح و أجلى صورها، فالمسجد يغص بالمبايعين و الموكب الاميري ينتظر تشريف الخليفة الاموي، و إذا بالخليفة الاموي النسب الراشدي القلب، يقرّب بغلته التي يملكها فيركبها، و يصرف الخيل المسومة المطهّمة، و السرج الفارهة، يصرفها إلى بيت المال، و يغدو إلى كل ما تحصّل عليه قبل الخلافة فيعيده إلى بيت المال.
و فاطمة ترى كلّ هذا و لا يغضبها الامر، فهي رغم الرفاهية و الإمارة و الجاه، تحمل في قلبها التقوى و الورع و حبّ الله عمّا سواه، و تدرك أنّ زوجها تثقله الأمانة و ينؤ تحت وطأة الخوف من مساءلة الله له يوم يلقاه فتوطن نفسها على عونه و مساندته دون تذمّر و لا اعتراض و تقدم إلى حاضرة الخلافة ذات يوم امرأة دفعتها الحاجة من العراق إلى الشام، و تطلب مقابلة الخليفة و يدلّها الناس على بيته، فتنظر حولها و قد ظنّتهم يهزؤون بها، فالدار خاوية متهالكة بسيطة، لا تشبه حتى دور الأغنياء من العامة فما بالك بقصور الخلفاء، و تتقدم و تطرق الباب و تفتح لها امرأة يحمل وجهها الجميل مخايل العزة و كرم المحتد، و قد تلوثت يداها بالعجين، فتبادرها المراة بالسؤال أهذا بيت أمير المؤمنين ؟ فتضحك فاطمة لها و تجيبها بنعم، فتدخل المرأة و إذا في البيت طيّان يصلح جدارا، و الطيان ينظر إلى فاطمة، فتقول المرأة :يا سيدتي ألا تسترين وجهك عن هذا الطيان ؟

فتضحك زوجة الخليفة قائلة، هذا الطيّان هو أمير المؤمنين فتقول المرأة بعجب: لقد عذت من الفقر ببيت من الفقراء !

و تجيبها سيدة الدولة الأولى :يا امة الله فقر هذا البيت هو الذي عمر بيوت المسلمين
أجل فالخليفة إذا عفّ عن مال رعيته عفّ عماله و جنوده فعم الخير البلاد و العباد، و هذا ما ادركته فاطمة التقية القانعة
و ذات يوم يقف الخليفة ليقسم تفاحا ورد إلى بيت المال بين المسلمين، و بجواره طفل له صغير، فمد الصغير يده ليأخذ تفاحة كما يأخذ الناس فوثب إليه عمر و أخذها منه و ردها، فذهب الطفل إلى أمه باكيا، فلما أخبرها الخبر، أرسلت بدرهمين فاشترت تفاحا و أطعمته، ثم أعطت لعمر منه، فقال: من أين هذا ؟ فقصت عليه الخبر، فقال: رحمك الله، لكأنما انتزعتها من قلبي، و لكني كرهت أن أضيع نفسي من الله عز و جل بتفاحة من فئ المسلمين.
و أحسّت فاطمة بما في قلب زوجها من حنوّ على أولاده، و أدركت كيف كان شعوره الوالدي و هو ينتزع التفاحة من يد صغير، و لمست صدق لهجته و هو يقول:{لكأنّما انتزعتها من قلبي }فكم هو صعب على الوالد أن ينتزع من طفله لقمة يشتهيها، و لكنها جنة أو نار تلك التي يوردها الوالدين لأبناءهم، و من ذا الذي يورد ولده النار بارادته إلّا من سفه نفسه ؟
لم تلم السيدة الأولى زوجها لانه نهر ولده أمام الملأ،ولم تذكّره بتقصيره بحق أولاد الخليفة ،ولم تطالبه بأن يجعل مال المسلمين نهبة في أيديهم، و غنيمة خالصة لهم، بل عرفت و هي راوية الحديث الفقيهة الورعة، ان هذا المال حرام لا تحب أن يدخل جوف أولادها فيكون وبالا عليهم في الدنيا و الآخرة.
و ما انقضى عامان على خلافة عمر بن عبد العزيز حتى وافته المنيّة غير مغيّر و لا مبدّل، و يلي الخلافة من بعده يزيد بن عبد الملك، و يطلب منها أن تأخذ حليّها التي ردّها عمر فتقول: أأطيعه حيّا ّو أعصيه ميتا!لا و الله أبدا، و تقتسمها نساء يزيد أمامها و هي تنظر غير آسفة على شيء تركته لوجه الله
{اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همّنا و لا مبلغ علمنا}

الرابط: http://sawaleif.com/%D9%84%D9%83%D8%A3%D9%86%D9%91%D9%85%D8%A7-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B2%D8%B9%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D9%82%D9%84%D8%A8%D9%8A-%D8%B1%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A9-121703/

Read 2007 times Last modified on Friday, 01 April 2016 05:54