(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Thursday, 31 December 2015 08:35

حارسة الحصن

Written by  الأستاذة رقية القضاة من الأردن الشقيق
Rate this item
(0 votes)

في بيت سيد قريش، بين المكارم و المآثر، و الطيب و الشرف و المجد، و في أحضان هالة بنت وهب نشأت تلك الدرة القرشية " صفيّة بنت عبد المطلب " بين إخوة سادوا على أقرانهم و أخوات شرفن بين لداتهن، قد تشربت نفسها قويم الخلق و جميل الصفات.

و تمر بها الأيام و إذا هي زوجة للعوّام بن خويلد، الفارس القرشي و خال أولاد رسول الله صلى الله عليه و سلّم من خديجة رضي الله عنها، و ترزق بولدها الزّبير، و تسرّ به نفسها، و تنذر نفسها لتنشئه رجلاً فارساً جريئاً حتى جعلت لهوه برمي السهام و صنعها، و أدركت أن الرجال تصنعهم أمهاتهم، فهم إمّا رجال و إمّا أشباه رجال و لم تقبل لولدها أن يغدو شبه رجل بل أرادته سيفاً و رمحاً و ترساً و قوة .

و لم تكن تدري بعد أنّ هذا الصبي الصلب سيكون له شأن ذات يوم حين يتغير وجه مكة و ما حولها من أرض الله، و في مكة المكرمة بين جبالها و شعابها و حول بيتها العتيق، يتأذّن رب العزّة جل شأنه بإرسال رسوله صلى الله عليه و سلّم بالهدى و دين الحق و ينطلق المبعوث رحمة للعالمين في رسالة التغيير.

ما بين مجتمع تفككت عرى الاخلاق و التكافل الاجتماعي فيه و استبيحت الحرمات، و ما بين عقائد شرك بواح لا منطق فيها و لا عقل، و ما بين قبلية تتناحر فيها العشائر، و يقتتل فيها الرجال و تباد فيها الذراري من أجل ناقة أو فرس.

فتكون رحلة التغيير و الاصلاح الصعبة الشاقة يبدؤها نبينا صلى الله عليه و سلم سراً و ثمّ يؤمر بالجهر بكلمات الله و شرعه و يصبح الزبير بن العوّام الفارس الذي صنعته أمّه بفضل الله حواري رسول الله صلى الله عليه و سلم.

و قد أسلم و هو فتى لم يتجاوز اثتي عشرة سنة و يقف الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم على الصفا، و ينادي قومه و ينذرهم و يبسط لهم الخير الذي أرسل به، و العدالة و المساواة الحقّة بين الخلق، و ينذرهم لقاء الله و حسابه، و وقوفهم وحداناً بين يديه، لا يغني أحد عن أحد يومئذ شيئاً.

و ينادي الرسول صلى الله عليه و سلم عمّته صفية بنت عبد المطلب و ابنته فاطمة الزهراء كما نادى عشيرته من قبل قائلًا: يا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا, وَ يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا)) و صفية التي اتبعت ابن أخيها رسول الله صلى الله عليه و سلّم، و رضيت بالله رباً و بمحمد رسولاً و بالإسلام ديناً.

و قد وطّنت النّفس على الصبر و الثبات و التضحية ابتغاء وجه الله، و لم تترد في الهجرة من مكة إلى المدينة تاركة أرضها و مالها و ذكرياتها خلفها مقبلة على ربّها برضى و تسليم و تستقر الجماعة المسلمة مع نبيها صلى الله عليه و سلّم في المدينة المنوّرة.

و تنتهي غزوة بدر الكبرى و قد انتصر الله للمؤمنين و شفى صدورهم من عتاة الجاهلية و قادة الشرك و طغاة مكة و فراعنتها، و كسر شوكة الشرك و أذلّ أهله و تجمع قريش شتاتها و تعود لحرب رسول الله صلى الله عليه و سلم، و يستشهد من المسلمين سبعين رجلاً فيهم حمزة بن عبد المطلب أسد الله و أسد رسوله.

و صفية في الجيش تداوي الجرحى و تسقي العطاش و تجاهد في سبيل الله، و يخشى الرسول صلى الله عليه و سلّم عليها من الحزن و الأسى حين تعلم بمقتل شقيقها حمزة فينادي ولدها الزبير قائلا:ً المـرأةَ يا زبيـر, المرأةَ يا زبير، أمَّك يا زبير، فأقبل عليها الزبير، و قال: يا أمـي إليك، يا أمي إليك، فقالت له: تنحَّ عني لا أمَّ لك، قال: إن رسول الله يأمرك أن ترجعي، قالت: و لمَ؟ إنه قد بلغني أنه مُثِّل بأخيك، و ذلك في الله، فقال له النبي الكريم: خلِّ سبيلها يا زبير.

فخلَّى سبيلها حتى وقفت فوق رأس اخيها فاستغفرت و استرجعت، كانت حزينة غاية الحزن و لكنها محتسبة صابرة، فالقتيل أخيها الحبيب، و الجسد الطاهر قد مثّل به، و لكنها أرادت أن يكون صبرها في ميزانها، و قد شرّفها استشهاده في سبيل الله، فتقول لولدها : " ذلك في الله ".

لم يقتل أخوها لدنيا و لا في نقيصة بل في جلال الله و لأجله جلّ و علا .

و تحين غزوة الأحزاب، و قد انتشت قريش لما احرزته يوم أحد، و ظنّ فراعنتها أن الإسلام قد خذل و أن الشهداء الذين اصطفاهم ربهم، قد أضعف فقدهم الرسول صلى الله عليه و سلم و من معه .

و لم يدرك أولئك الحمقى الجهلاء أن الأمة التي تدفع ثمن النصر من أبنائها و شبابها و علمائها و خيارها، إنّما هي أمة منصورة حتما بإذن ربها، و أن إعلان نصرها و طقوسه و جلاءه سيكون في موعد يرتضيه ربّها العزيز الحكيم.

و يتفاوض كبار حمقى قريش مع كبار خبثاء اليهود و بعض زعماء الجهل، في القبائل المحيطة بيثرب، و يزحفون نحو طيبة الطيبة، و يستعد لهم جيش المسلمين بالإيمان و القرآن، و بما استطاعوه من قوة و من رباط خيل، و قد حفروا حول مدينتهم خندقا لحمايتها، و تهبّ الرّيح التي جندها الله لرسوله فتقلب كيان الأحزاب.

و الرسول صلى الله عليه و سلم يريد أن يعرف خبر الأحزاب خلف الخندق، و لكن أي من المسلمين يستطيع ذلك و يسأل الرسول صلى الله عليه و سلّم أصحابه : "مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟" قَالَ الزُّبَيْرُ : أَنَا. ثُمَّ قَالَ: "مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟" قَالَ الزُّبَيْرُ : أَنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ : "إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا، وَ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ ".

و يضع المسلمون النساء و الأطفال و الضعفاء في حصن لحسان بن ثابت لحمايتهم من العدو فيهم " صفية " رضي الله عنها أم الزبير بن العوام الحواري المجاهد، و قد علا حس الجهاد لديها، و وجدت نفسها تقوم بحراسة الحصن دون أن يندبها لذلك أحد إلّا يقظة فكرها و حسن إدراكها، و الحصن قريب من بني قريظة، و هم أهل بهت و غدر و قد نكثوا عهدهم مع النبي صلى الله عليه و سلم، و باتت تحرس في سبيل الله، و ترى يهودياً يدور حول الحصن عارفاً بضعف من فيه من النساء و الولدان.

و قد سوّلت له نفسه إرهابهم و إيذاءهم و خاب فأله، فهو لا يعرف بعد أن أمة محمد كلها برجالها و نسائها و أطفالها تحيا بدينها و تنتصر له و تموت عليه فتقول لنفسها: و الله لآمن أن يدل على عوراتنا من ورائنا من اليهود.

و تحمل صفية عموداً و تلتف من خلف اليهودي و تهشم به رأسه القذر، ثم تقطع ذلك الرأس و تقذفه من فوق الحصن ليتدحرج بين أرجل اليهود، فيدركهم الرّعب و تكسوهم الخيبة.

و لا يلبث الأحزاب أن يهزموا و يولون الدبر، فيسير صلى الله عليه و سلم إلى بني قريظة فيستأصل شأفتهم و يقضي عليهم جزاء بما غدروا و نكثوا بعهدهم، و هو دأبهم إلى أن يرث الله الأرض و من عليها .

اللهم اهدنا و اهد بنا و ردنا إليك رداً جميلاً يا رب العالمين .

http://www.denana.com/main/articles.aspx?selected_article_no=14188

Read 1945 times Last modified on Friday, 01 January 2016 06:49