(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Thursday, 16 June 2016 08:57

شؤم ترك السنة

Written by  الأستاذة كريمة عمراوي
Rate this item
(0 votes)

الحمد لله رب العالمين، و صلى الله و سلم على عبد الله و رسوله محمد و على آله و صحبه أجمعين.

أما بعد:

لا يزال الناس بخير ما اتبعوا السنة و تمسكوا بها، و في هذا الشهر الفضيل شهر رمضان يجدر بنا التنبيه إلى سنة تعجيل الفطر و تأخير السحور، لما في هده السنة من خير و فضل للأفراد و للأمة.

فعن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ)1، و في حديث أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- عند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (لا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْإِفْطَارَ وَ أَخَّرُوا السُّحُور). ضعف العلماء زيادة: (و أخروا السحور).2

و معنى تعجيل الفطر أي أن يفطر المسلم بعد غروب الشمس مباشرة و لا يتأخر؛ لأن ذلك مخالف للسنة. و معنى تأخير السحور أي إلى قرب طلوع الفجر؛ فليس من السنة السحور نصف الليل أو بعيداً عن طلوع الفجر، قال تعالى: {وَ كُلُواْ وَ ٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأْبيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ}3. قال الطبري-رحمه الله-: "و أما قوله: {ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ} فإنه تعالى ذكره حدّ الصوم بأن آخر وقته إقبال الليل، كما حدّ الإفطار و إباحة الأكل و الشرب و الجماع و أول الصوم بمجيء أول النهار و أول إدبار آخر الليل. فدل بذلك على أن لا صوم بالليل، كما لا فطر بالنهار في أيام الصوم"4. و قال القرطبي في قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ} " أمر يقتضي الوجوب من غير خلاف، و إلى غاية، فإذا كان ما بعدها من جنس ما قبلها فهو داخل في حكمه... فَشَرط تعالى تمام الصوم حتى يتبين الليل، كما جوّز الأكل حتى يتبين النهار"5. و قال ابن كثير-رحمه الله-: "يقتضي (أن) الإفطار عند غروب الشمس حكماً شرعياً"6.

و عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه و سلم- يقول: (إذا أقبل الليل من ها هنا، و أدبر النهار من هاهنا، و غربت الشمس فقد أفطر الصائم)7. قال الخطابي: "قوله: (فقد أفطر الصائم) فمعناه أنه قد صار في حكم المفطر و إن لم يأكل، و قيل: معناه أنه قد دخل في وقت الفطر، و حان له أن يفطر، كما قيل: أصبح الرجل، إذا دخل في وقت الصبح، و أمسى و أظهر كذلك"8.

قال ابن الملقن: "يستفاد من الحديث بيان وقت الصوم و تحديده، و الرد على أهل الكتاب و غيرهم من الشيعة الذين قالوا: لا يفطر حتى تظهر النجوم، و أن الأمر الشرعي أبلغ من الحسّي، و أن العقل لا يقضي على الشرع، بل هو قاضٍ عليه، حيث جعل دخول الليل فطراً شرعاً"9.

و عن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله-صلى الله عليه و سلم- في سفر و هو صائم، فلما غابت الشمس قال لبعض القوم: (يا فلان، قم فاجْدَح10 لنا)، قال: إن عليك نهاراً، قال: (انزل فاجدْح لنا)، قال: يا رسول الله، فلو أمسيت، قال: (انزل فاجْدح لنا)، قال: إن عليك نهاراً، قال: (انزل فاجْدح لنا)، فنزل فجدح لهم، فشرب النبي-صلى الله عليه و سلم- قال: (إذا رأيتم الليل قد أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم)11. قال ابن حجر: "في الحديث أيضاً استحباب تعجيل الفطر، و أنه لا يجب إمساك جزء من الليل مطلقاً، بل متى تحقق غروب الشمس حلّ الفطر"12.

و قال ابن عبد البر-رحمه الله-: "من السنة تعجيل الفطر و تأخير السحور، و التعجيل إنما يكون بعد الاستيقان بمغيب الشمس، و لا يجوز لأحد أن يفطر و هو شاك هل غابت الشمس أم لا؟؛ لأن الفرض إذا لزم بيقين لم يخرج عنه إلا بيقين"13.

و قال المهلب: "إنّما حضّ عليه السلام على تعجيل الفطر؛ لئلا يزاد في النهار ساعة من الليل، فيكون ذلك زيادة في فروض الله، ول أن ذلك أرفق بالصائم و أقوى له على الصيام"14.

و قال القاضي عياض -رحمه الله-: "ظاهره أنه عليه السلام أشار أن فساد الأمور يتعلق بتغيُّر هذه السنة التي هي تعجيل الفطر، و أن تأخيره و مخالفة السنة في ذلك كالعلم على فساد الأمور"15.

و عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم-: (لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم)16. قال ابن دقيق العيد -رحمه الله-: "فيه دليل على الرد على المتشيعة الذين يؤخرون إلى ظهور النجم، و لعل هذا هو السبب في كون الناس لا يزالون بخير ما عجلوا الفطر؛ لأنهم إذا أخروه كانوا داخلين في فعل خلاف السنة، و لا يزالون بخير ما فعلوا السنة"17.

و عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه و سلم- قال: (لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود و النصارى يؤخرون)18.

قال الطيبي: "في هذا التعليل دليل على أن قوام الدين الحنفي على مخالفة الأعداء من أهل الكتابين، و أن في موافقتهم ثلماً للدين، قال الله تعالى: {يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَ ٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَ مَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}"19.20. قال ابن الملقن -رحمه الله-: "كون الناس تفعله بخير، و أن الدين لم يزل ظاهراً بتعجيله في الرواية التي ذكرناها لما فيه من إظهار السنة، فإن الخير كله في متابعتها و الشر كله في مخالفتها، و كانت الصحابة -رضي الله عنهم- إذا خُذلوا في أمر فتشوا على ما تركوا من السنة، فإذا وجدوه علموا أن الخذلان إنما وقع بترك تلك السنة، فلا يزال أمر الأمة منتظماً و هم بخير ما حافظوا على سنة تعجيل الفطر، و إذا أخروه كان علامة على فسادٍ يقعون فيه"21.

و قال ابن حجر -رحمه الله-: "ظهور الدين مستلزم لدوام الخير". و قد كان خير البشرية و أتقاها و أنقاها أصحاب محمد أسرع الناس فطرا، و أبطأ سحورا؛ كما قال عمرو بن ميمون: "كان أصحاب محمد-صلى الله عليه و سلم- أسرع الناس إفطاراً، و أبطأ سحوراً"22.

و قال ابن حجر أيضاً -رحمه الله-: "من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان.. زعماً ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة.. و قد جرّهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلاّ بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت زعموا، أخروا الفطور و عجلوا السحور، و خالفوا السنة، فلذلك قلّ عنهم الخير، و كثر فيهم الشر، و الله المستعان"23.

كما أنه من السنة أن يكون الفطر قبل الصلاة؛ لما روي عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه و سلم- يفطر على رطبات قبل أن يصلي24. و في رواية: كان رسول الله -صلى الله عليه و سلم- إذا كان صائماً لم يصل حتى نأتيه برطب و ماء25. ففي هذا الحديث استحباب تعجيل الفطر قبل صلاة المغرب.

و من السنة أيضاً أن يفطر على رطب، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، و أن يقطعهن وتراً، فإن لم تكن فعلى ماء؛ لحديث أنس -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه و سلم- يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء26. و في فطره بذلك حكمة؛ قال ابن العربي: "الحكمة -و الله أعلم- في الفطر على التمر ما فيه من البركة، و أنها أفضل المطعومات، فتعقُبُ ليلاً أفضلَ العبادات في النهار، و الماء أفضل المشروبات فيكون بدلها"27.

و قال الشوكاني-رحمه الله-: "و إنما شرع الإفطار بالتمر لأنه حلو، و كل حلو يقوي البصر الذي يضعف الصوم، و هذا أحسن ما قيل في المناسبة و بيان وجه الحكمة، و إذا كانت العلة كونه حلواً، و الحلو له ذلك التأثير فيلحق به الحلويات كلها، أما ما كان أشد منه حلاوة فبفحوى الخطاب، و ما كان مساوياً له فبلحنه"28.

و من السنة عند الفطر أن يذكر الله بالدعاء المشروع؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صلى الله عليه و سلم- إذا أفطر قال: (ذهب الظمأ، و ابتلت العروق، و ثبت الأجر إن شاء الله)29. قال الطيبي: "(ثبت الأجر) بعد قوله: (ذهب الظمأ) استبشار منهم؛ لأن من فاز ببغيته و نال مطلوبه بعد التعب و النصب، و أراد أن يستلذ بما أدركه مزيد استلذاذ ذكر تلك المشقة، و من ثم حمد أهل السعادة في الجنة بعد ما أفلحوا بقوله: {ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ}"30.31.

هناك من يدعي الاحتياط عند الفطر فيؤخره و هدا من تلبيس الشيطان ، و إدا أجاب الإنسان في خطوة حاول معه في الخطوة الثانية و هكذا  إلى أن يصل إلى حد الوسواس و هذا من شؤم مخالفة السنة بحيث يبتلى الإنسان بمثل هذا.

نسأل الله أن يرزقنا التمسك بالسنة، و أن يتوفانا على ذلك. اللهم أعنا على صيام رمضان و قيامه. اللهم إنك عفو تحب العفو فأعف عنا.

1 رواه البخاري و مسلم.

2 ممن ضعف الرواية: الألباني في كتاب: (مساجلة علمية بين الإمامين الجليلين العز بن عبد السلام و ابن الصلاح  حول صلاة الرغائب المبتدعة). و كذلك شعيب الأرناؤوط في تحقيق مسند أحمد.

3 (سورة البقرة(187).

4 جامع البيان عن تأويل آي القرآن (2/181).

5 الجامع لأحكام القرآن (2/309).

6 راجع: تفسير القرآن العظيم(1/298).

7 رواه البخاري ومسلم.

8 معالم السنن (3/234). للخطابي.

9 الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (5/316).

10 الجدْح هو: أن يخاض السويق بالماء، و يحرك حتى يسـتوي، و كذلـك اللبن و نحـوه راجع: معالم السنن (3/235).

11 رواه البخاري ومسلم.

12 فتح الباري شرح صحيح البخاري(4/197). الناشر: دار المعرفة – بيروت (1379هـ).

13 التمهيد لما في الموطأ من المعاني و الأسانيد (21/97-98). الناشر: وزارة عموم الأوقاف و الشؤون الإسلامية - المغرب (1387هـ). تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي, ‏محمد عبد الكبير البكري.

14 فتح الباري شرح صحيح البخاري(4/199). الناشر: دار المعرفة - بيروت (1379هـ).

15 إكمال المعلم (4/33)

16 رواه ابن خزيمة، و ابن حبان في صحيحه، و قال الألباني: "صحيح"؛ كما في صحيح الترغيب و الترهيب، رقم(1074).

17 إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (2/232).

18 رواه أبو داود و ابن ماجه، و قال الألباني: "حسن"؛ كما في صحيح أبي داود، رقم(2063). و صحيح الترغيب و الترهيب، رقم(1075).

19 شرح الطيبي على المشكاة (4/156).

20 (سورة المائدة(51).

21 الإعلام بفوائد عمدة الإحكام (5/310).

22 رواه عبد الرزاق في المصنف، و صحح إسناده ابن حجر في الفتح (4/199).

23 فتح الباري (4/199).

24 رواه أبو داود و أحمد، و حسَّنه الألباني في الإرواء (922).

25 رواه ابن خزيمة و أبو يعلى و ابن حبان في صحيحه.

26  رواه أحمد و أبو داود و الترمذي، و قال الألباني: "حسن"؛ كما في صحيح الجامع، رقم (4995).

27 انظر: عارضة الأحوذي (3/215).

28 نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار(4/301). الناشر: إدارة الطباعة المنيرية. و مع الكتاب: تعليقات يسيرة لمحمد منير الدمشقي.

29 رواه أبو داود والنسائي، و قال الألباني: "حسن"؛ كما في صحيح أبي داود، رقم(2066). و صحيح الجامع، رقم (4678).

30 شرح الطيبي على المشكاة (4/155).

31 (سورة فاطر(34).

Read 2061 times Last modified on Friday, 17 June 2016 16:53