التكبر صفة ذات وجهين و تتجه للمعنيين المحمود منه و المذموم، و المسلم أمره الله تعالى أن يتحلى بكل جيد من الأخلاق و الخصال، و أن يتجنب كل مذموم من الصفات و الخلال.
و من هذا فإن التكبر الذي يحمل معنى الاستعلاء عن الخلق و عدم قبول الحق مذموم ورد فيه العقاب الأليم الشديد الوارد في الآيات و الأحاديث الظاهرة.
ألم يقل الله - تبارك وتعالى -: ﴿( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾﴾، و عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ( قال الله عزَّ وجلَّ -: الكبرياء رِدَائي، والعَظَمة إزاري، فمَن نازَعَني واحدًا منهما، قذفْتُه في النار﴾.
أما التكبر الذي يحمل معنى الترفع و رؤية النفس أكبر من مقارفة بعض الصفات و التدني إلا سفاسف الأمور و حضيضها، فهو أمر محمود وجب تعزيزه و إنماؤه.
ألا يتكبر المسلم و يستعلي عن ارتكاب الآثام و السعي وراءها فلا يكذب و لا يزني ولا يسرق و ذلك من باب أنه يرى نفسه أكبر و أرفع من الإتيان على مثل هذه المشينات.
ألا يتكبر المسلم و يستعلي عن التلون في المواقف و تغيير المبادئ و بيع الآخرة بالدنيا و ذلك من باب أن الثبات على الحق صفة المؤمنين الرجال " و لكن وطّنوا أنفسكم ".
ألا يتكبر المسلم و يستعلي عن أن يكون ذو الوجوه الكثيرة و الآراء العديدة و الشخصيات المختلفة و ذلك كلما لاحت له مصلحة من هنا أو منفعة رخيصة من هناك و ذلك من باب أن ما أصاب المسلم لم يكن ليخطئه و ما أخطأه لم يكن ليصيبه.
ألا يتكبر المسلم و يستعلي عن الخداع و المكر و الاحتيال و ذلك من باب أن الناس لا تحترم إلا ذو الكلمة الناصعة و الحق المبين.
ألا يتكبر المسلم و يستعلي عن إخلاف الوعد و تضييع العهد و الفجور في الخصام لأنه يعلم أنها صفات المنافق التي حذرنا الله و رسوله منهما و أن المنافق مذموم في الدنيا و الآخرة و عند كل الناس.
ألا يتكبر المسلم و يستعلي عن معنى التكبر السلبيّ الذي ذكرناه سابقا و بهذا يكون حسن الخلق دمث الطباع عزيز عند الله و عند الخلق.
بهذا الخلق الخفي الذي حاولنا شرحه و تبيينه يبني المسلم رؤية أخلاقية يسير عليها في حياته و يعلمها غيره بالقدوة و الإتباع.
بهذا الخلق كذلك يقف المسلم شامخا أمام إغراءات نفسه الأمارة بالسوء للولوغ في وحل المعصية و ظلمة الذنب، فإذا وسوست له بذلك وقف وقفة الأسد الهصور و الجبل الأشم و قال بكل عزة و فخر و شمم " إني أخاف الله رب العالمين " و أنا أكبر من هذا التدني، و مهمتي في الحياة أجلّ و أعظم من تضييعها في مثل هذه التوافه، و طاقتي التي منحني الله إياها تأبى أن أفرغها في ما يغضب الرب سبحانه و يسخطه عليّ، و شعاري في الحياة " يا يحيى خذ الكتاب بقوة ".
فالنفس – أيها القارئ الكريم – كالطفل الوليد، إن عودتها على التدني نحو التوافه لا تبغي براحا، و إن فطمتها عن الانحطاط انفطمت.
و النفس كالطفل إن تتركه شـبّ على حب الرضاع ، و إن تفطمه ينفطم
فلا تَرُمْ بالمعاصي كسر شهوتها إن الطــعــــام يقــــوّي شهـــوة النـهـم
صلاح أمرك للأخــلاق مرجـعـــه فقـوّم النـــفــس بالأخـــــلاق تستــقــم