(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Sunday, 11 August 2024 08:02

في كل استقامة إقامة

Written by  الأستاذ قاسم الحروب
Rate this item
(0 votes)

إذا ما سعينا في إلقاء نظرة خاطفة على حال شباب الأمة العربية و الإسلامية، ترى أن كثيرًا منهم يسيرون في طرقاتها تائهين عن الهدف الكبير أو عن الخطوات اللازمة لتحقيق هذا الهدف. بعضهم يسعى في منفعة يحصّلها، و آخر يطلب المال في كل شيء، و غيره يسعى لرضى الله تاركاً كل الخلائق خلف ظهره، و آخر يسير كتيّار النهر الموّاج في حماسه، و آخر يعيش كمصباح محترق أو كالرماد في مهب الرياح، ينثر الكثير المُبَعْثر في الفراغ فلا منهج له و لا منهجية، و قليلٌ أولئك الذين يبصرون الله في حياتهم، أولئك المخلصون له (عِبَادُه) الذين يعبدون الله على بصيرة، و إقامة و استقامة، فمن أين لهم تلك البصيرة ؟ و كيف نبنيها ؟

كيف نفهم قولنا: في كل استقامةٍ إقامة؟

في حديثٍ للنبي الأكرم محمد ﷺ الذي يرويه الصحابي الجليل سفيان بن عبدالله الثقفي -رضي الله عنه- يقول: (قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، قُلْ لي في الإسْلامِ قَوْلًا لا أسْأَلُ عنْه أحَدًا بَعْدَكَ، “و في حَديثِ أبِي أُسامَةَ غَيْرَكَ”، قالَ: قُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ، ثم اسْتَقِمْ)[1]، إن الأمر الجليَّ في هذا الحديث هو ورود فعل الأمر (استقم) بعد مفهوم الإيمان بالله سبحانه، و بالتالي، فإن السنة المحمدية جعلت شرط الاستقامة و انضباط النفس، و ثبات العقل و القلب على منهاج سليم، يبدأ بعقيدة الإيمان و التوحيد، فقد كان في استقامة النبي و صحابته الكرام؛ إقامةٌ أولاً لسلامة القلب بالإيمان بالله، و لهذا السبب كان ديننا الحنيف مبنياً أولاً على أركان الإيمان الستة، ثم أتبعها بأركان الإسلام التطبيقية الخمسة، حتى إذا ألمَّ المسلم بأركان الإيمان و الإسلام، و كانت له منهاج حياةٍ يسير عليه و يستقيم فيه، أصبح مسلماً ذا بصيرةٍ في حياته، و هنا يأتي مفهوم الإحسان الذي جاء في حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين جاء جبريل إلى نبي الله ﷺ على هيئة رجل شديد بياض الثياب و سواد الشعر و سأل النبي ﷺ عِدّةَ أسئلة و منها أن جبريلاً عليه السلام قال: (فأخبرني عن الإحسان، فقال رسول الله: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)[2].

يؤكد هذا لنا أنه كلما ازدادت بصيرة الإنسان بقاعدته و أساسه المنهجي العقدي التطبيقي القائم على أركان الإيمان و الإسلام، و استقام عليها روحياً و تطبيقياً، ارتقى حينها إلى رُتْبَةِ الإحسان.

من جانب آخر أيضاً، و للنظر من زاوية أخرى، فإننا نفهم مما سبق؛ أن أي تغيير إيجابي حادِثٍ أو مُحْدَثٍ في المجتمع، يجب أن يبدأ “بفكرة” أو كما قد نسميها “خصلة رأي”، و حين نقوم بزرعها و ترسيخها في أذهان البشر تتحول إلى عقيدة، و إن آمن الناس بتلك العقيدة أصبحت طبعاً لهم، و منهاجاً مصبوغاً في جذور المجتمع بوصفه منهاج حياة، كما هي خُصْلَةُ الشَّعْرِ في الرأس، و لكن الشَّعْرَ نوعان: شَعْرٌ شبابيٌ يافعٌ مُدعَّمٌ بالصحة و العافية القادمة من سلامةِ الجسدِ و حداثةِ العُمْر، و شَعْرٌ هزيل متساقط، يطير مع أي عارضٍ يأتيه كحكةٍ خفيفة للرأس أو حتى باللمس، مما يدل على الذبولِ والشيخوخةِ و الزعزعةِ في الصحة العامة.

مِنْ هذا التشبيه نقول: إن سلامة المنهاج -منهاج الحياة أو كما أسميناه الطبع- تكون على أساسِ سلامةِ الفكرة و خصلة الرأي التي تدعو إليها، و كمثالٍ آخر على كلامنا و لربط نقطتنا الأولى بالثانية، يقول سبحانه و تعالى في كتابه العزيز: ﴿فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَ اسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَ لَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَ قُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَ أُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَ رَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَ لَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [الشورى: 15] وَ يَتَّضِحُ هنا كيف جاءت استقامة نبينا على أساس إقامته لشريعة الله و أمره بالعدل و عدم اتباع الأهواء فيما يبعد عن سواء السبيل.

الشيوعية و السوفييت.. نظرة عابرة

لنا في الاتحاد السوفييتي عِبْرَة بالغة، بتحليل بسيط، و دون الخوض مفصّل في تاريخه فقد آمن الشيوعيون بفكرة، هي خصلة رأي شيوعية ماركسية، أُخِذَت من مؤلفات كارل ماركس و فريدريك إنجلز و غيرهم ممن رسموا طريق نظرياتهم و تَشَبّع فلاديمير لينين بها.

هذه العقيدة رسخها الشيوعيون في عقول الناس بأساليب متعددة و لأسباب كثيرة كان أول مظاهرها الإطاحة بالحكم الملكي في روسيا و الحرب الأهلية الروسية (1917-1923) و تفاصيل الثورة البلشفية و إقامة كيان شيوعي اشتراكي محل النظام الإمبراطوري الأرستقراطي، فأصبحت الشيوعية لهذا الكيان عقيدة تسري في عقول هذه الشعوب، مسرى الدم في العروق و الإيمان في القلب و هذا حمل المنظومة بأكملها لتمكث ما يقرب من السبعين سنة، إلا أن المصير النهائي لها كان الانهيار، و التفات الناس لفكرة أخرى و نموذج آخر، فما هذا الإيمان الهزيل الذي لم يحمل المؤمن به على الانتفاض لتخليده و ترسيخه؟

هذا الإيمان نفسه هو المشكلة، بدءًا بمن آمن به، فهو قائم على بحر من التناقضات، فلم يوائم هذا النموذج الشيوعي مقتضيات حاضره، و لم يفهم موقعه من العالم و موقع العالم منه، و هذا تأكيدٌ على أن سلامة المنهاج تكون من سلامة الخصلة الفكرية المزروعة، فإن كانت حَسَنَةً كان المنهاج أو النموذج الحضاري و الفكري حَسَنَاً، و إن كانت معطوبةً كان المنهاج كذلك.

الفكرة في المجتمع المسلم

حريٌ بنا أن نذكر في هذا السياق -لنفهم كيف بُنِيَ المجتمع الإسلامي على هذا الأساس- كلاماً دقيقاً للمفكر الجزائري مالك بن نبي -رحمه الله تعالى- حيث يقول: “و الواقع أن القرآن قد وضع الضمير الإنساني بين حدين هما: الوعد و الوعيد، و معنى ذلك أنه قد وضعه في أنسب الظروف التي يتسنى له فيها أن يجيب على تَحَدٍّ روحي في أساسه. فالوعيد هو الحد الأدنى الذي لا يوجد دونه جهد مؤثر، و الوعد هو الحد الأعلى الذي يصبح الجهد من ورائه مستحيلاً، و ذلك حين تطغى قساوة التحدي على القوة الروحية التي منحها الإنسان. و بذلك نجد أن الضمير المسلم قد وُضِعَ بين حدي العمل المؤثر، و هما الحدان اللذان ينطبقان على مفهوم الآيتين الكريمتين: أ- (فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف: 99]، ب- (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف:87]. و بين هذين الحدين تقف القوة الروحية متناسبة مع الجهد الفعال، الذي يبذله مجتمع يعمل طبقاً لأوامر رسالته، أعني طبقاً لغايته”[3].

و نُذَكّر بمسألة مهمة، حيث قد انتشر بين بَعْضٍ من شباب الإسلام اليوم للأسف فَهْمٌ مغلوط، مَفَادُه أنهم يرون دينهم قائمًا فقط على تنظير بحت بعيد عن التطبيق و الواقع، و لذلك رأينا منهم -للأسف الشديد- من ابتعد عن الإسلام وَ صَدّ عنه و في هذا نُذَكّرُ أنفسنا و نقول لإخوتنا الدعاة و من يَتَحَمَّلُ فقه الدعوة، بأن علينا الحظر من الدعوة لمثل هذه الصورة أو إظهارها في أيٍ من كلامنا و أفعالنا، مما قد يوصل الشباب لمثل هذا الفهم، و يوهمهم بهذه الصورة المعطوبة من وجوه كثيرة.

علينا أيضاً واجب النظر في الأساليب الدعوية المنهجية الصحيحة و التقديم السليم الحقيقي لصورة الإسلام، عند الدعوة لتجديد هذا الخطاب أو الإشارة للتحديات التي تواجهه على الصعيد التخصصي، أو على صعيد الشارع العام، و معرفة ما يدخل فيه و ما لا يدخل، و ما يؤثر عليه و ما لا يؤثر، من المستجدات الثقافية و الاجتماعية و الماجريات السياسية[4].

لنتذكر بأن رسالتنا و وجهتنا هي الإسلام، و الإسلام حياة و اتزان و الالتزامُ منهجه، بالدينِ قولاً و فعلاً، و أن تقدم الأمة و عودتها إلى رشدها و التحامها من جديد، يكون بعودتها لشريعة الله الناطقة بالحق، و في اقتراب الشباب من منهج ربهم، و ابتعادهم عن آمالٍ دنيوية بحتة و شهوانية غير مستقرة، تطير من اليد أسرع مما يخرج الزفير من الصدر.


[1] رواه مسلمٌ في صحيحه (رقم 38)، كتاب الإيمان، بَاب جَامِعِ أَوْصَافِ الإِسْلَامِ.

[2] و بمناسبة ذِكْرِ هذا الحديث النبوي الشريف الذي يرويه الإمام مسلم في صحيحه (رقم 8)، و هو من أحاديث الأربعين النووية التي جمعها الإمام النووي -رحمه الله تعالى-، فإنه يَعْرِضُ في تسلسل دقيق مدهش مفاهيم الإيمان و الإسلام و الإحسان و بعدها السؤال عن الساعة و عن أماراتها، و كأن جبريل -عليه السلام- تَدَرّجَ في الأسئلة بقصد وَضْعِ هذه الصورة الكاملة في إطار واضح و خط سليم مستقيم، و هذا الحديث معروف و مشهور عند علماء السُّنة و السلف الصالح و لهم أقوال كثيرة في شرحه و بيان فضله ليس هذا المجال لعرضها كلها، و لكن نكتفي بكلامٍ رائعٍ للإمام ابن دقيق العيد -رحمه الله تعالى- في شرحه للأربعين النووية، يقول: “فهو كالأمِّ للسنَّة، كما سُمِّيت الفاتحة أم القرآن؛ لِمَا تضمَّنته من جمعها معاني القرآن”، و يكفي بهذا دليلاً على مكانة الحديث في السنة.

[3] مالك بن نبي، ميلاد مجتمع، ترجمة: عبد الصبور شاهين، طُبْعَة دار الفكر، (ص: 24+25).

[4] يُنْصَح بمراجعة كتابٍ قَيّمٍ هو (الماجريات، د.إبراهيم السكران)، لمن أراد التعمق في فهم مصطلح (الماجريات) و(الماجريات السياسية) و تأثيرها بشكل خاص.

الرابط : https://al-sabeel.net/%d9%81%d9%8a-%d9%83%d9%84-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%82%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a5%d9%82%d8%a7%d9%85%d8%a9/

Read 725 times Last modified on Wednesday, 14 August 2024 08:37