(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Tuesday, 12 March 2024 09:57

منازل القرب و التقرب

Written by  الأستاذة رقية القضاة من الأردن الشقيق
Rate this item
(0 votes)

يقول الله سبحانه وتعالى: {و إذا سالك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون)}.
و يقول سبحانه: {فاسجُدْ و اقتربْ}.
و يقول جل من قائل: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيها أقرب)}..
و ذلك كله ترغيباً منه، و مودة لعباده، و تحبّباً منه جل شأنه لخلقه الذين ارتضوه ربّاً، و دانوا له بملء القلوب و الجوارح بالعبودية التي أيقنوا أنها أشرف المنازل و أرفع المقامات.
و المتتبّع لآيات القرب و التقرب في كتاب الله؛ بين الله العلي الكبير و عباده الفقراء إليه، الضعفاء أمام جبروته، الأذلاء أمام عزّته؛ يجد فيها ما يدفعه إلى المزيد من طاعته و التقرب إليه بما يحبّه سبحانه و يرضاه، فهو جل و علا يصغي إلى دعائنا و انكسارنا، و يسمع تضرّعنا، ما خفي منه و ما ظهر، و يخبر نبيه صلى الله عليه و سلم بأنه سميع قريب مجيب، لا يحتاج العباد إلا لدعائه و ندائه؛ مخبتين موقنين بصدق أنه سبحانه البر الرحيم، فيجدوا الإجابة أو ما هو خير منها..
و هنا؛ تتشجّع النفوس الوجلة، و تُبسط الأكفّ المرتعشة، و تنطلق من القلوب الكسيرة ابتهالات تحمل إلى ربها آهات الجراح، و عذابات الضمائر، و رجاء التائبين الذين أثقلتهم الخطايا حتى قصم ظهورهم ثقلها، فإذا بريق الأمل و نور الرحمة و دفء الحنان الرباني الغامر؛ تغمر النفوس الحائرة الطامعة في رحمة الله، و تنساب المناجاة الصادقة أمواجاً من الرجاء، و آفاقاً من الفرح، و تغدو الدموع ابتسامات، و الجراح أناشيد بهجة تطيح باليأس و تطرد الشقاء، فتحلّ محلّه نعمة الاطمئنان، و تتجلى رحمة الله {فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان}.. و أي شيء يرتجيه البائس المحزون المضطر إلا أن يستجيب الله دعاءه؛ فيفرّج كربه، و يجبر كسره، و يكشف ما يسوؤه.
و تبدأ القلوب الراجية تبحث عن كل ما من شأنه أن يجعل الدعاء مسموعاً، و الاستجابة أو ما هو خير منها واقعاً لا محالة، و لأن القلوب في حالة بحث مخلص عما يقربها من الله، و النفوس في حالة رجاء الرحمة من الله؛ يبدو الطريق واضح المعالم أن الاستماع من الله جل و علا إلى دعاء عباده حقيقة مؤكدة، و أن الاستجابة منه سبحانه حقيقة مؤكدة كذلك؛ إذا ما وفى العبد بحق هذا الدعاء {فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون} أن يلتزم العبد طريق الرشاد النابعة من الاستجابة لأوامر الله و نواهيه، و من الإيمان المطْلق به جل و علا، و الإيمان بأن الخير بيده، و العطاء بيده، و الرضا بيده، و الضر و النفع بيده، و القدرة له وحده {بيدك الخير إنك على كل شيء قدير}..
يتفطّر قلبك أيها العبد الراجي رحمةَ الله، فيجده خالقه قد امتلا بحبه، فأفاض ذلك الحب على جوارحك تسليماً و رضا و يقيناً، فانساب إذ ذاك دعاء ترسله روحك المطمئنة إلى ربّها و قد أسلمت أمرها إليه دونما شك بقدرته أو رحمته أو عدله سبحانه، فيقربك منه بما شاء من تجليات الرحمة و موجبات المغفرة و جميل الطاعات.
و ينظر سبحانه إلى وجهك، فإذا هو ساجد مقترب متبتّل مخبت، تسقي دموعك مصلاك، و تحرق زفرات الندم قلبك، فتتحوّل نار الندم إلى برد رجاء، و سلامِ تسليمٍ و رضا، و إذا العزة تضيء جبينك الساجد بتذلّل و خضوع و إنابة، لا ترجو إلا قربه و التقرب إليه، فيعلم ذلك يقيناً من نفسك؛ فيرفعك درجة لتكون منه أكثر قرباً، و له أشد حباً، و عليه أعظم اتكالاً.
و يراقب الله تعالى أداءك في العبادة و العمل و في حياتك كلّها، فيجدك تعبده كأنك تراه، و أنت موقن بأنك إن لم تكن تراه فإنه يراك، يراك تخافه و تخشى عذابه إن حدثتك نفسك بذنب أو تقصير، و يراك نادماً مستعبراً مستغفراً إن اقترفت ذاك الذنب أو تلك المعصية، و يراك ضارعاً إليه إن وُفقت إلى عمل صالح {ربَّنا تقبَّلْ منّا إنك أنت السميع العليم}.. تخشى أن يُرَدَّ عملك فلا يُقبل، فيتملّكك الخوف و الإشفاق أن يضيع عملك؛ فتسمع قوله سبحانه: {و ما كان الله ليضيع أعمالكم{، فتطمئن نفسك، و تشدّ رحالك إلى منازل قرب أخرى تجعلك أقرب و أقرب، و بين عمل و آخر يتجاذبك الخوف و الرجاء خوف الرد و رجاء القبول، فإذا رأى الله منك إحساناً رفعك الى درجة المحسنين، وعمَّكَ غيثُ رحمته؛ مصداقاً لقوله سبحانه: {إن رحمة الله قريبٌ من المحسنين}.
و ينظر الله تعالى إلى يديك، فإذا هما تنفقان يميناً و شمالاً حتى ما تعلم شمالك ما تنفق يمينك، تعطي و تقدّم القربات و قلبك وجلٌ ألا يُقبل العطاء، و لكن الله بعلمه و حلمه و عدله يعلم منك صدق النية، و طهر اليد، و نقاوة الضمير، و الرغبة الصادقة في القرب منه، فيقبل صدقتك و عطاءك، و يكتبها لك قربة عنده، فتقترب من رحمته و فضله درجات و درجات..
و تنام العيون، و تخلد الأجساد إلى الراحة و السكون، و تغرق الأرواح في عالم الدعة و الأحلام، و إذا بك تبسط كفيك بالضراعة، و تستقبل القبلة بالقيام، تتراءى لك ذنوبك جبالاً ثقالاً، فيقشعر لها بدنك، و تهرع إلى الدمع النادم، و السجود الخاضع، و الإنابة القلبية الخالصة، فتتقرب إلى ربك بالتوبة النصوح و الاستغفار الصادق، راجياً أن تكون ممن استغفروا ثم تابوا، فاستجاب لهم ربهم، و قرّبهم إليه، و أنالهم مطلبهم مصداقاً لقوله تعالى: {فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب}.
و هكذا تمضي الأيام بك التي كتبها الله لك في هذه الحياة الدنيا، و أنت تتنقل بين المنازل الرحيبة الأليفة الحبيبة المشرقة بالطاعات العامرة بالرضا و القربات، و تطوف بك الروح في مراكب القلوب الراجيات، راجياً أن تكون من أهل القرب؛ لا تدع وسيلة إلا اتبعتها، و لا طريقاً إلا سلكته، و لا قربة إلا بذلتها، فإذا لقيت ربك كنت أقرب إليه، و أحب إليه، و أكرم لديه مما ظننت، فيعفو عنك، و يتجاوز عن ذنبك، و يمحو سيئاتك بمنّه و كرمه و لطفه و ودّه، و يدخلك الجنة برحمته و فضله
{ربّنا وسعتَ كلَّ شيء رحمة و علماً فاغفر للذين تابوا و اتبعوا سبيلك و قِهِمْ عذاب الجحيم}.

الرابط : https://www.ajlounnews.net/articles/%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b2%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a8-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%82%d8%b1%d8%a8/

Read 853 times Last modified on Wednesday, 13 March 2024 10:15