(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Thursday, 14 August 2014 08:08

بيت في الجنة

Written by  الأستاذة رقية القضاة من الأردن الشقيق
Rate this item
(0 votes)

على ضفاف النيل المنساب بين المساحات المؤتلقة بالاخضرار، و بين ظلال النّخيل الوارفة المتماوجة ما بين الشمس و الظلال، قام قصر الفرعون الكبير، مرتفع البناء واسع الشرفات، تعانق أبراجه الغيوم و تغرق سلالمه الحجرية المصقولة في مياه النيل، و حوله الحرّاس الأشدّاء يحرسون القصر و أهله، و عبر بواباته العريضة يدلف الجند المسلّحون و هم يسوقون امامهم ما اقتطعوه من أقوات الشعب المقهور، و قد انتشى الجند بشعور الفخر و هم يترقبون كلمات الثناء من ذلك الفرعون الذين ادعى الألوهية افتراء، و أيّده اعلامه ممثلا في سحرته الذين كانوا يشكلون عقول الناس و يتلاعبون بحياتهم، فالّلهه شعبه قهرا و غباء و جهلا.

في هذا القصر البديع الانشاء، الذي يجسّد الصورة الكاملة للترف و الرخاء، عاشت ملكة مصر و زوجة الفرعون، السيدة الاولى في بلادها، عاشت حالة هي الاخرى مجسّدة للترف و الرفاهية، و الرغد المطلق، و تحصّلت هذه الملكة على قلب زوجها و شعبها، و صار عيشها الناعم أغنية في قلوب النساء المحرومات، و ترنيمة على ألسنتهن، تضجّ بالامنيات، أحلام و أحلام تنساب في الأرواح الشقيّة المسلوبة الكرامة و الحرية، تماما كما كان مجد فرعون و ملكه، حلما يراود الرجال الكادحين، و بطبيعة الحال لم تكن تلك الفئة لتحلم بالملك و السلطة، و لا حتى بنفس درجة الرفاه الذي يتمتع به الفرعون و أسرته، و لا حتّى جنوده الطغاة، و بطانته الفاسدة المفسدة، و لكن حدّ الاحلام لديهم كان يلامس سقف الشّبع و الكساء، و يصل نقطة الحرية في التفكير و التملك المشروع، ان يمتلك الحصادون قمحهم و حبّهم الذي زرعوه و رعوه و حصدوه، و أن يمتلك الرعاة نتاج ما رعوه و علفوه، و أن ينعم صغار التجار و الصناع بثمرة جهدهم المتتابع ليل نهار، و لكن هيهات كان الفرعون يأكل النتاج، و يخزن الحصاد، و يكنز المال المسلوب من شعبه المقهور، ليل طويل يلف مصر، و فرعونها جاثم على مقدراتها، و حزن مقيم يلف القلوب الكليمة، و جند فرعون يتحكمون بالارواح الرخيصة، و انكسار ذليل يرتسم على وجوه البسطاء و هامان وزير فرعون يعد على الناس انفاسهم، في جو من الرّهق و العبودية منقطع النظير عاش أهل مصر و خاصة بنو اسرائيل المستعبدين الاذلاء في ملك الملك المتالّه المتجبر.

 

و تنظر عين الله الرّحيمة إلى هذا الشعب المقهور، و يرسل نبيه موسى عليه الصلاة و السلام إلى فرعون و ملأه بآيات الرحمة و العدل و الإنسانية، فيرفضها فرعون رفضا قاطعا، مشفوعا بسوء الادب مع ربّ العزّة جل و علا، و ينظر الفرعون حوله، فيرى النعيم الجليّ، و العيش الرّخي، و يرى القصور و الدور، و المال الوفير، و عبادة المقهورين له، و تأليه الجند لفرعنته، فينادي بلغة الكبر و لسان الحمق، و طيش الغرور{أنا ربكم الأعلى }

و تمتد كلمات الله الطيبة تلامس القلوب الطيبة، و تنبثق أشعة الهدى في النفوس المرهقة المتمنية للسعادة و الكرامة، و تدخل إلى قصر الفرعون دون ان يدري، فتؤمن ماشطة نساء بيته بدين موسى، و تخلص ولاءها لله رب العالمين، و يتناقل سكان القصر النبأ حتى يصل مسامع فرعون، فيأمر بإحضارها أمامه، و تبدأحوارية الحق و الباطل، و مراودة الحق للباطل عن معتقده، فلا يجد الفرعون لدى تلك الأمة الرقيقة إلا الإصرار على التوحيد، فيهددها بقتل أولادها فلا تتراجع و كيف يرجع الى الضلال من نعم بشعور الحق الهداية ؟

و تشهد إمرأة فرعون جلسة المحاورة ثم التهديد ثمّ القتل، و تسمع صوت الطفل و قد انطقه الله ليثبّت أمّه على الحق {يا اماه اصبري فإن لك عند الله  من الثواب كذا و كذا }و ترى الأم و هي تقدّم نفسها و ولدها فداء عقيدتها و دينها فتلامس الكلمات الندية قلبها الطيب الرهيف فتدخل في دين الله مقتنعة بعظمته و كماله.

و تقلّب آسية إمراة فرعون ذكرياتها في قصرها و مع زوجها، فتجد سنين من الملك العريض و الحب الكبير، و الإكرام و النعمة الفارهة، و لكنها تجد في قلبها إعراضا عن كل هذا، فروحها تتوق إلى الجنّة، تلك التي وعد الله بها من آمن و عمل صالحا، و فرعون عمله غير صالح، إنه صورة الفساد، الفساد في المعتقد و الفساد في الحكم و الفساد في الآدمية، فتعافه نفسها و ينفيه قلبها، و يرتبط القلب الطاهر بمن خلقه، و يخلص الولاء لله، فتهون الحياة، و ترخص الرّوح، و تصغر الدنيا المنعّمة و الرفاه العريض في عينها، فما تطلبه أكبر و أعظم، إنّها الروح التوّاقة للاستشهاد و الجنة و الخلود.

 

و يصل نبأ اسلامها إلى فرعون فيفاوضها على النكوص، و يذكّرها بفضله عليها و حبه إيّاها، و إكرامه لها، فتتمسّك بدينها، و يعذبها فلا تتراجع، و يأمر بقتلها، و تدرك أن لحظة لقاء الله قد أزفت، فتتوجّه إلى ربّها العظيم بدعاء خالص من قلب مفعم باليقين و الرضى، دعاء المقبل على الله المدبر عمّا سواه، لتكون مثلا لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر.

و تنالها عناية الكريم الودود، و يستجيب اللطيف الخبير لدعاءها و يسطر في كتابه الكريم، شهادتها و يثبتها لها و يجعلها مثلا للمؤمنين و الصّابرين و المستمسكين بحبل الله، و يجعلها زوجة لرسول الله صلى الله عليه و سلم في الجنّة فيقول جل و علا في كتابه الكريم{و ضرب الله مثلا للّذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتا في الجنة و نجّني من فرعون و عمله و نجّني من القوم الظّالمين}.

Read 1701 times Last modified on Tuesday, 07 July 2015 21:16