(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Wednesday, 21 January 2015 13:08

صناعة فكرة

Written by  الأستاذ أحمد بن عبد المحسن العساف
Rate this item
(0 votes)

الكتابة المبهرة هي التي تحتوي على عنصرين مهمين هما : الفكرة و البيان ؛ و إذا ما تخلفت الفكرة فالكتابة مجرد زخارف لفظية و محسنات و سجع قد يطرب لها السامع ثم يملها بل و يمجها حين يعرضها على عقله فلا يكاد يفهم منها معنى أو مغزى. و قد تكون الفكرة حاضرة لكن ينقصها البيان العذب و الكلمات الفخمة فتكون كأجمل إنسان لا يجد غير الخَلِق المرقع من الثياب فلا تنفعه ملامحه ما دامت بلا حلة تنجذب لها العيون و تنقاد لها النفوس ؛ و كم من حق ضاع بسوء التعبير و كم كم من باطل سرى بطلاوة الكلام و حلو الحديث. أما تلك التي تفقد العنصرين معاً فليست كتابة أصلاً و يصدق عليها وصف الهذيان و همهمات المجانيين و تكون كما قال ابن دقيق العيد بعد جلوسه إلى الصوفي ابن سبعين : " جلست معه من ضحوة إلى قريب الظهر و هو يتحدث بكلام تفهم مفرداته و لا تعقل مركباته " .

و قد ابتلي الناس بمطبوعات و وسائل نشر تقذف يومياً أو أسبوعياً أو دورياً أو غير ذلك مقالات و دراسات و كتباً يكاد يحلف قارئها يميناً مغلظة بين الركن و المقام أنها كتبت بالقدم لا اليد أو أنها كتبت ساعة مس أو صرع أو خبل منقطع أو متصل و ما حل بنا هذا البلاء المتناسل إلا من شهوة الكلام و حب التزيد و داء الغرور و مرض الشهرة و لو بشر حال و سوء مقال ؛ و بالله الحفيظ نستعيذ من الخذلان.

إن الفكرة عزيزة المنال صعبة البلوغ ول ا تتأتي لأي أحد ول ا تنقاد بسهولة و يسر بل قد تتمنع على الفطاحلة الكبار و الأساطين العظام حتى يقول الكبير المقدم فيهم : لا أجد ما أقوله أو لا أستطيع التعبير عما يجيش في نفسي و أضرابها من العبارات التى لا تخفى على من قرأ الكبار و قرأ لهم. 

و الفكرة إما أن تكون جديدة لم يسبق إليها فيكون صاحبها أول من جاء بها، و قد تكون قديمة لكنها تطرح بطريقة جديدة أو من وجه لم يذكره أحد ؛ و كم ترك الأول للآخر. و يتبادر كثيراً إلى الذهن سؤال مفاده :كيف نصنع الفكرة ؟ 

لصناعة الفكرة عدة طرق منها : 

1. التفكير : و هو أكبر مصنع لها ؛ و بواسطته تتولد الأفكار من الطرق التي بعده فكلها يجتاز من خلاله إلى العالم الخارجي.

2. الملاحظة و التأمل : و هما فرع من التفكير و إنما خصصتهما بالذكر لقربهما و سهولة استخدامهما ؛ و كم من شيء أو مشهد يمر بنا كثيراً و لو تأملناه لظفرنا بفكرة أو خاطرة.

3. الانصات : حيث أن سماع أحاديث الناس منجم للأفكار ؛ و لا يذهب بك الظن بعيداً ؛ فلست أعني صنفاً واحداً من البشر ؛ بل كل من سنحت لك الفرصة أن تستمع إليه _ دون تضييع الوقت _ فاستفد منه و لو كان طفلاً أو عامياً أو ضعيف إدراك، و قد روي عن الجاحظ أنه كان يجلس لكل أحد مما جعل ذهنه متوقداً متدفق الأفكار عن أصناف الناس. 

4. أحداث الساعة : و هي من أكثر المصادر استخداماً من قبل المتحدثين و الكتاب. 

5. التخيل و الافتراض : و لا بأس في ذلك إن شرعاً أو عقلاً حتى لو كان المفترض ممنوع الوقوع مستحيلاً بدلالة غير آية من التنزيل الحكيم.

6. الحوار و المناقشة خاصة عندما يكون مع شخص مُلهِمٍ للأفكار حتى لو كنا نخالفه تماماً ؛ و لاقتناص الأفكار من المتحدثين براعة قل من يجيدها و قليل من المجيدين من ينسب أفكاره.

7. استخدام الأفكار المتداولة اختصاراً أو زيادة أو استفساراً أو تعقيباً و هذا من أسهل ما يكون.

8. الاستفادة من الموروث الشعبي المحلي أو العالمي لتوليد الأفكار، و يدخل ضمن ذلك الأمثال و القصص. و كذلك النظر في عادات الشعوب و أخلاقهم.

9. و من جملة تسخير الحيوان للإنسان أن في طباعها و نظامها منبعاً لا ينضب للأفكار و من نظر في حياة الحيوان الكبرى للعلامة الدميري أو غيره تيقن من ذلك.

10. القراءة : و مهما قال الناس في الكتاب و لذة التنزه في عقول الرجال فلن يوفوه حقه و لا معشاره ؛ و أجل و أكرم و أنفس ما يقرأ كتاب الله العزيز و سنة المصطفى صلى الله عليه و سلم ثم كتب العلم فكل كتاب استيقن الواحد منا فيه المنفعة أو أمن منه المضرة ؛ و يحسن التنبيه إلى أنه لا يجوز السماح للبوارق و القدحات الذهنية أن تجعل صاحبها مستسهل التقول على الله و رسوله بغير علم ؛ بل يجب الرجوع إلى التفاسير و الشروحات السلفية كي لا تزل قدم بعد ثبوتها.

و بعد ولادة الفكرة و صناعتها ينبغي التريث حتى تنضج على نار هادئة من الفكر النير المتزن قبل نشرها ؛ ثم يبحث صاحب الفكرة ما وسعه الجهد و أسعفه الوقت عن فكرة مماثلة أو مناقضة لتجويد الصناعة و حمايتها من العوارض ؛ و إن حادث المفكر عقلاً يأنس إليه و روحاً يشعر بطهارتها قبل النشر فخير على خير .

و تبقى مسائل لابد من الإشارة العاجلة إليها و هي : 

1. هل الفكرة حسنة لك عند الله أم سيئة ؟

2. هل تنفع فكرتك البلاد و العباد ؟

3. هل هذا هو التوقيت المناسب لعرض الفكرة ؟ و ما هو المكان المناسب لنشرها ؟

4. هل الأفضل لك كثرة الأفكار أم قلتها ؟

5. سجل أفكارك كمشاريع مستقبلية إن ضاق عنها وقتك .

6. للفكرة المبتكرة حق الأقدمية و السبق لكنها قد تواجه بمعارضة شديدة فتنبه ! 

7. ثمة فرق كبير بين الدرر الغرر و بين العجر البجر ؛ فاختر لنفسك و فكرك ما تحب.

و إذا فرغنا من صناعة الفكرة فلا مناص من صياغة الفكرة على الوجه الذي يجلو البهاء و يبين المحاسن ؛ و كنت قد كتبت مقالة بعنوان " خطوات نحو الكتابة الراقية " و آمل أن تكون معينةً لقارئها على مزيد من إتقان الصياغة بعد ضبط الصناعة لنحصل على أعلى درجات جودة المنتج الذي يمكث في الأرض و ينفع الناس .
 

 الرابط:
Read 1598 times Last modified on Tuesday, 11 August 2015 18:58