(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Thursday, 28 August 2014 07:15

بين الثأر والنار

Written by  الأستاذة رقية القضاة من الأردن الشقيق
Rate this item
(1 Vote)

طافت المرأة المكلومة في سوق عكاظ، تندب أخاها صخر القتيل، و تبكيه، و تناديه و تذكر كل جميل فيه، فإذا ذكرت اخاها معاوية القتيل الثاني انطلق لسانها بالرثاء، و الشعراء يستمعون إلى قصائدها و قد أيقنوا أنها أشعرهم و أصدقهم عاطفة و أبلغهم عبارة

و يلتقي الناس هذه الشاعرة و هي تطوف حول الكعبة، محلوقة الرأس و قد علقت في خمارها حذاء أخيها صخر، و هي على حالها من الحداد و الحزن المقيم.

لم تكن تلك المرأة الشجوب سوى {الخنساء} تماضر بنت عمرو الأسلمية، شاعرة سوق عكاظ المفجوعة في أخويها معاوية و صخر، و قد قتلا في إحدى حروب الجاهلية، تلك الحروب التي كانت تقوم لاتفه الأسباب، و تأكل الأخضر و اليابس، و تفني الشباب و الذراري، و تذل النساء و قد غدون ما بين سبيّة أو ثكلى او فاقدة أو أرملة، و ها هي الخنساء الشاعرة العربية تنثر دموعها قصائد نديّة الاحاسيس، تقطر من دم قلبها الجريح، تعبّر عن حزنها بعبارتها البديعة الرقيقة، و لسانها العفيف،و انفتها الكريمة.  

و تمرّ الايّام و إذ بها تقدم مع قومها من بادية بني سليم على رسول الله صلى الله عليه و سلم، و تسلم لله رب العالمين، و تنقلب حالها بعد الإسلام، و قد أشبع قلبها بحب الله و رسوله، و ايقنت نفسها الكريمة ان هذا الدين الكريم حق، و أن هذا القرآن العظيم ببلاغته و جمال عبارته و حسن خطابه و تنوعه، لا يمكن ان يكون كلام بشر، و قد عرفت و هي الشاعرة البليغة الفصيحة المبدعة، ان بلاغتها تقف عاجزة امام هذه المعجزة الربّانية،فاستكانت نفسها لكلمات الله البديعة الطيبة.

و حسن إسلام الخنساء، و ارتقت بعبارتها الأدبية بما يتوافق مع عقيدتها و دينها القويم و أنطلقت تنشد قصائدها الرزينة امام رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يوميء نحوها استحسانا لجزالة عبارتها و جميل معانيها قائلا:{هيه ياخناس }

و ظلّت الخنساء تبكي أخويها و على وجه الخصوص أخاها صخر، و هي تذكر نبله و كرمه و كأنها تطلب من التاريخ ان يعذر حزنها و لوعتها، و هي ترثي فيه كلّ حسن جميل.

و لما تولى عمر الخلافة اشار عليه بعض النّاس ان ينهاها مخافة أن تداخل نفسها بعض الجاهلية فيقول لها : اتقي الله  وأيقني بالموت فقالت: أنا أبكي أبي و خيري مضر: صخرًا و معاوية، و إني لموقنة بالموت، فقال عمر: أتبكين عليهم وقد صاروا جمرة في النار؟ فقالت: ذاك أشد لبكائي عليهم؛ فكأن عمر رق لها فقال: خلوا عجوزكم لا أبا لكم، فكل امرئ يبكي شجوه و نام الخلي عن بكاء الشجي.

و اشتهرت مقولتها حين عاتبها المقرّبون لكثرة بكاءها على صخر و قد اسلمت و هو قد مات على جاهليته، فقالت :كنت أبكي له من الثأر و اليوم أبكي له من النار، و تحدثنا أوراق التاريخ عن هذه الصحابية الشاعرة اللبيبة، كيف غير الإسلام نظرتها إلى الموت و الحياة، كما غيّر كل سلوكيات الجاهلية في شخصيتها و لسانها، و يحدّثنا التاريخ عن هذه المرأة المؤمنة الصادقة، و هي تدفع بأولادها الأربعة إلى ميدان الجهاد في سبيل الله، و تطالبهم ان يحرصوا على الشهادة و لا ينكصوا على اعقابهم، مذكرة إياهم بثواب الله و شرف الشهادة لهم و لها  فتخاطبهم قائلة يوم القادسيّة :{ "يا بني إنكم أسلمتم و هاجرتم مختارين، و الله الذي لا إله غيره إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم و لا فضحت خالكم، و لا هجنت حسبكم و لا غيرت نسبكم. و قد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين. و اعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية يقول الله عزَّ و جل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صَابِرُوا وَ رَابِطُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[آل عمران: 200].فإذا أصبحتم غدًا إن شاء الله سالمين، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، و بالله على أعدائه مستنصرين. و إذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها و اضطرمت لظى على سياقها و جللت نارًا على أوراقها، فتيمموا وطيسها، و جالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم و الكرامة في دار الخلد و المقامة."

و تطير أنباء النّصر إلى الفاروق فتقر عينه بفضل الله و نصره، و يحمل إلى الخنساء نبأ استشهاد اولادها الاربعة، فتحتسبهم عند الله، فلا نواح و لا رثاء و لا جزع، بل شكر و فخر و رجاء، فتقول لعمر رضي الله عنه و قد جاءها معزيا بهم :  "الحمد لله الذي شرفني بقتلهم و أرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته".

و في كل عصر و زمان من عصور الامة الإسلامية ظلّت الخنساء مثلا يحتذى، في الصبر و الثبات و الاحتساب، حتى يومنا هذا، و أينا لا يعرف خنساء فلسطين أم الشهداء أم نضال فرحات التي قدمت أولادها شهداء، صابرة راضية بقضاء الله دفاعا عن الأقصى الاسير، أعظم الله اجرها و ثوابها إن شاء الله

{اللهم إنا نسألك الشهادة بصدق فبلغنا اللهم منازل الشهداء بفضلك يا رب العالمين}

Read 2043 times Last modified on Tuesday, 07 July 2015 21:21