(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Monday, 24 June 2013 05:25

التسامح و الزهد في الإنتقام

Written by  الدكتور عبد الحليم عويس رحمه الله
Rate this item
(0 votes)


الحروب في الإسلام استثناءٌ و شذوذٌ عن القاعدة؛ و لهذا لا بدَّ أن تخضع لأكثر الآداب، و تكون في أضيق الحدود، و من المعروف أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد قَبِل صلح الحُدَيْبِية - على ما فيه من شروط مجحفة - تلافيًا للحرب، كما أنه دخل مكة فاتحًا بعفوٍ شامل عن الذين سَعَوا لقتلِه، و شنُّوا عليه الحروب، و عذَّبوا أصحابه أشدَّ التعذيب مدَّةَ ثلاثة عشر عامًا في مكة، ثم في المدينة المنورة.

وتدلُّنا سيرةُ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على عظيمِ عفوِه و تسامحه و زهدِه في الانتقام، سواء في السِّلم أو الحرب، و كانتْ هذه الأخلاق النبوية العظيمة روحًا انسابتْ في قلوب أتباعِه و نفوسهم، في حربِهم وسِلْمهم على السواء، فمع أن الخلافاتِ أو الحروبَ مظنَّةُ اللاإنسانية، و السلوكيات المدمِّرة اللاأخلاقية، إلا أن سمو الإسلام المتجسِّد في سلوكيات الرسول و صحابتِه قد قدَّم للبشرية نموذجًا جديدًا، يفتح أمام الإنسانية آفاقًا رائعةً للتفاهم الإنساني، و السموِّ الأخلاقي!

و قد تجلَّتِ الروح الإنسانيَّةُ في الإسلام في الجندي و المقاتل المسلِم، متمثِّلة في الْتزامه بشرطين:

أولهماالتزامُه بالتحصُّن بالنزعة الإنسانية الأخلاقية، المشبعة بالنيَّة الحسنة، التي تجعل جهادَه للرغبة في الدفاع عن الدين و الحقِّ، و ليس للبحث عن الغنائم، أو لمجرَّد القتل و الانتقام.

 و ثانيهما :إلتزامه بأن يطبق أثناء القتال صيغتي الجهاد اللتين يأمر بهما الدين : (الجهاد الأصغر) الذي يجعله علي إستعداد للتضحية بنفسه في سبيل القضية و الحقيقة، و (الجهاد الأكبر ) الباطني، الذي يلزمه بكظم غيظه، و كبت غرائزه، و مقاتلة عدوه بعدل.

قال تعالي :(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط و لا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا، إعدلوا هو أقرب للتقوي و أتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) المائدة 8 ؛ فهذه الآية تحدد و تختصر التشريع الإسلامي الخاص بالقتال برمته، فليس بوسع قائد الجيش و لا الجندي علي حدته أن يتجاهلا القواعد الإنسانية التي فرضها التنزيل ؛ مثل تحديد العدو، و تعيين الشكليات التي تسبق بدأ المعركة، و تقرير المعاملة الواجب إتباعها نحو المغلوبين-مقاتلين أو مدنيين- و تنظيم قسمة الغنائم الحرب.

 

وكذلك حظر أعمال التعذيب التي لا طائل تحتها، وتحريم الإفراط والتجاوز، وحماية الأعداء العزَّل وغير المحاربين، والمحافظة على الأموال والممتلكات.

وهكذا - سلمًا أو حربًا، وفاقًا أو اتِّفاقًا - يضع الإسلام قوانين عادلةً رحيمة مع الأعداء، بدون تدمير، أو ظلم، أو إبادة، أو انتقام؛ فالقرآن يَهدِي للتي هي أقوم، و الرسول - صلى الله عليه وسلم - ابتُعِث رحمةً للعالَم كُلِّه مسلمِه و غير مسلمِه.

 

أمَّا أعداؤنا في القديم و الحديث، في حروبهم الصَّلِيبيَّة القديمة، و في استعبادِهم لنا باسم الاستعمار الحديث خلال القرون الثلاثة الأخيرة، و أخيرًا تحت شعار العولَمة، فليس عندهم لنا إلا مخطَّطات التدمير، ومشروعات التجويع و الإفقار!



المصدر: موقع الدكتور الراحل عبد الحليم عويس رحمه الله

Read 2429 times Last modified on Thursday, 15 November 2018 15:06