(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Sunday, 18 August 2024 07:40

ملامح الثلث الأخير من خير القرون

Written by  الأستاذ أحمد الظرافي
Rate this item
(0 votes)

إن فترة الثلث الأخير من خير القرون و هو القرن الأول الهجري، تشبه في بعض جوانبها، تلك الفترة التي تلت نهاية حروب الردة و استقرار خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في مدينة رسول الله صلى الله عليه و سلم، ففي الثلث الأخير من القرن الأول الهجري، استقر أمر بني أمية (الفرع المرواني) في الشام، و دانت الأمصار الثائرة لهم بالطاعة، فانتهت ثورة ابن الزبير، في الحجاز (64- 73هـ)، و كُسرت شوكة الخوارج في فارس و كِرْمان، و سكنت العاصفة الهوجاء، التي أثارها، ابن الأشعث في العراق (81 -82هـ)، و عم فيها السلام، و الاستقرار السياسي، جميع بلاد الإسلام، و سكّت النقود العربية الإسلامية، و تم دمغها بشهادة التوحيد، و شعارات الرسالة المحمدية (74-77هـ)، وإبعادها عن الدوران في فلك النقد البيزنطي، أو الارتباط بأسعاره أو أوزانه أو عياره، و كذلك عرّبت فيه الدواوين، هذه الأخيرة التي كانت قبل ذلك بالفارسية في العراق، و بالرومية في الشام، و بالقبطية في مصر، و  صبغت الإدارة بالصبغة العربية، مع تمكين العرب المسلمين، من الإشراف على الإدارة المالية إشرافًا تامًا، و ذلك في إطار سياسة[1] رسمها الخليفة الأموي، عبد الملك بن مروان (65-86هـ)، المؤسس الثاني، للدولة الأموية، و الموصوف بالدهاء و الرزانة و الحكمة، و الفصاحة و الفقه، فضلا عن قوة العزيمة، و ثبات النفس، و شدة البأس، و الذي انتقل العرب، في عهده من غضاضة البداوة، إلى رونق الحضارة، و من سذاجة الأمية، إلى حذق الكتابة، و من التنازع و الفرقة، إلى التآلف و الوحدة، ناهيك عن: التحول الذي انتقل ببنية السلطة، من هيكل القبيلة، إلى هيكل الدولة، و ما صحب ذلك، و تبعه من تغيرات اقتصادية و اجتماعية و سياسية. و هي تغيرات انتقلت بالتراتب الاجتماعي البسيط، إلى تراتب اجتماع أكثر تعقيدا و تركيبا، خصوصا في البعد المقترن، بالتقاليد الجديدة، التي استوعبت ميراث الإمبراطوريات القديمة و تصاعدت بها، في سلم السلطة، و اللباقة، و الأساليب، و الأعراف[2]. و كان ما قام به هذا الخليفة الإصلاحي العتيد "عبد الملك بن مروان"، من أعمال إصلاحية، و من إخماد للفتن و الثورات، و إجهاض لنيران العصبيات، من أهم العوامل في إعادة الوحدة لصفوف الأمة، و من ثم استئناف الفتوحات، في الشرق و الغرب، و كذا على الجبهة البيزنطية.

وهي الفتوحات، التي كانت قد توقفت لعدة سنوات، كانت الخلافة منصرفة خلالها إلى مواجهة أزماتها الداخلية، و بالتالي عودة حركة الجهاد، شبيهة بأيام الخليفة الراشد، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، و ذلك في أواخر عهد عبد الملك، و استمرار هذه الحركة الجهادية الرائعة بزخمها القوي، طوال عهدي خلافة ولديه الوليد وسليمان، و هي الفترة، التي تم خلالها إضافة مساحات واسعة للدولة الإسلامية في البر و البحر شرقا و غربا و شمالا و جنوبا، و اعتنق الإسلام خلالها، العديد من الشعوب و السلالات و الألسن، و تألق فيها عدد من القواد الكبار، من صانعي الانتصارات المجيدة، الذين كرّسوا حياتهم للجهاد، و عرفتهم الجبهات، كأعظم القادة الفاتحين، في تاريخ الأمة الإسلامية، بعد قادة العهد الراشدي، و اخترقت شهرتهم الآفاق، من أمثال حسّان بن النعمان الغساني، و موسى بن نصير اللخمي، و طارق بن زياد البربري، في جبهة المغرب، و المهلب بن أبي صفرة، و قتيبة بن مسلم الباهلي، و محمد بن القاسم الثقفي، في جبهة المشرق، و مسلمة بن عبد الملك بن مروان، على الجبهة البيزنطية، في آسيا الصغرى، و غيرهم من القادة الأبطال الذين اضطلعوا بمهمة حمل رسالة الإسلام، و أرسوا دعائم المجتمع الجديد، و تنظيم أمور الدولة، في شتى المفاصل الحيوية، و كانوا أساتذة و نماذج تحتذي للأمراء و القادة الفاتحين، الذين جاءوا بعدهم، و استلموا الراية منهم، لمواصلة مسيرة الفتوحات، و من ثم وصول الدولة الأموية، و معها الأمة الإسلامية، إلى أوج المنعة و الحيوية، و القوة، و إلى قمة المجد و العز و الرفاهية، حين كان العالم بأجمعه لا يزال يغط في سبات الجهل العميق، و الخرافات القاتلة، و الظلم القاسي، و الاستبداد و الاستعباد البغيضين.

نعم سبق هذه الفترة، تحول أسلوب الحكم من خلافة تقوم على الشورى إلى ملك وراثي، و تخللتها أحداث دموية رهيبة، انتهكت فيها بعض المحرمات، و لكنها كانت انتهاكات طارئة، كحصار الكعبة، مثلا، و مع ذلك يبقى الاجتهاد، في انتهاك هذه المحرمات بعيدا عن المناقشة، و أمره إلى الله، و لكن من حيث النتائج الوضعية، فقد تم القضاء على فرقة المسلمين، و تمزقهم، في الولاء لأكثر من خليفة مسلم، الأمر الذي أسهم، في توجيه هذا الجهد، نحو مراكز القوى المضادة، و تدعيم مكانة الدولة العربية الإسلامية، و كان ذلك يقينا، في مصلحة المسلمين، و لعزة الإسلام، و منعته. مصلحة المسلمين، في بناء دولتهم القوية الأركان، المنيعة الجانب، و تُقام فيها الحدود، و تطبّق الشرائع، وفقا لما جاء به، كتاب الله، و وفقا لما حددته سنة رسوله[3] صلى الله عليه و سلم.

و بعبارة أخرى فإن تلك الانتهاكات، و إن كان لها أثرها في المدى البعيد، لم تغير من مجرى الإسلام الأصيل، و لذلك، فإن الفتوحات استمرت و رقعة الإسلام اتسعت، و ذلك بسبب القوة الكامنة في طبيعة هذا الدين، و الفيض العارم في طاقته الروحية. هذا: و يلاحظ أن أكثر الفقهاء في ذلك العصر تقبلوا خلافة بني أمية، و أفتوا بأنها خلافة شرعية، و يظهر أنهم فعلوا ذلك لثلاثة أسباب: الأول أنه يجوز أن يكون بعض الخلفاء من أمية، لأن شرط النسب والقرشية تحقق فيهم. و الثاني أنه لا يصح الخروج عليهم، لأن الأمة بايعت لهم. و الثالث أنه يجب الأخذ برأي الجماعة، لأنه أقرب إلى الصواب و الحق، و أبعد عن الضلال و الباطل، و لأنه أدعى للسلامة و العافية، و أنفى للاختلاف و الفرقة[4].

و بعد، فهذه كانت أهم ملامح الثلث الأخير من القرن الأول الهجري و هو عصر، تجلت فيه مظاهر القوة و التمكين و الاستقرار للإسلام، و لدولته، و أهله، في سائر الولايات المفتوحة، مع الزخم الجهادي، في الأطراف، كما تجلت فيه مظاهر الحضارة و الثقافة، على كل صعيد، إلى جانب زيادة مساهمة التابعين، في الحياة العامة، كدعاة و معلمين، و في بلاط الخلفاء، كمستشارين، و كان لوجودهم في بلاط الخلفاء دور هام في تصحيح سياسات الخلفاء الأمويين: و مصدر ذلك أن المبادئ الإسلامية قويت في نفوس الناس كافة، و جعلت تحدُّ من تأثير  التقاليد العربية، و تحلُّ محلها في كثير من جوانب الحياة الفكرية و الاجتماعية و السياسية، و مصدره كذلك أن عبد الملك بن مروان نشأ نشأة إسلامية خالصة، حتى كان من أكبر فقهاء الأمة في زمانه[5].

 

[1] حول إصلاحات الخليفة عبد الملك بن مروان وأسباب ضربه للنقود انظر، هناء رضوان: النقود الإسلامية القديمة، مجلة الإجتهاد المتخصصة، العدد المزدوج 34، 35، شتاء وربيع 1417هـ/1997، دار الاجتهاد -بيروت، ص132-148. إبراهيم محمود: السلطة الثرية التفاعلات الجدلية بين التجارة والنقد والسلطة في الدولة العربية الإسلامية، نفس المرجع، ص303، 305. عبد الغني محمد عبد الله: تعريب الدينار بين القراطيس والروايات الحقيقية، مجلة العربي- العدد 363- فبراير 1989، ص153-158.  

[2] جابر عصفور: تحول النموذج الأصلي للشاعر (مقال) مجلة العربي  العدد- 431- أكتوبر1994.

[3] انظر، بسام العسلي: عبد الملك القائد، سلسلة مشاهير الخلفاء والأمراء، دار النفائس- بيروت، ط1، 1406هـ/ 1986، ص114، 127.

[4] حسين عطوان: ملامح الشورى في العصر الأموي، ص35.

[5] المرجع السابق.

 الرابط : https://www.albayan.co.uk/Article2.aspx?ID=25731

Read 702 times Last modified on Wednesday, 21 August 2024 09:44