(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Monday, 05 June 2017 14:21

الإستراتيجيّةُ العمياءُ وراءَ فاجعةِ الكرّادة..

Written by  الأستاذ فخري كريم
Rate this item
(0 votes)

غيّب الموت الغادر، أمس عشيّة العيد، عشرات الأبرياء، فضلاً عن الجرحى الذين ما زال البعض منهم ينتظر الالتحاق بقافلة الشهداء.

و كان مُمكناً بتدابيرَ أمنيّة صحيحة التقليل من احتمال وقوع الفاجعة في الكرّادة، قلب بغداد، المنطقة التي ظلت عصيّة على تمزيق نسيجها الاجتماعي، كريمة في احتضان ضحايا "الفصل الطائفي"، فأحياء الكرادة لم تترك فرصة لدعاة الكراهية و الضغائن الطائفية، كيما تتحول إلى كانتوناتٍ تفصل بينها التحصينات الكونكريتية، تضم على طرفيها سنّة من جانب و شيعة من جانبٍ آخر، و تتدثر بينهما الأقوام و الأديان العراقية المتآلفة.
و محرقة الكرادة، حيث تفحّم العشرات من أخيار العراق المسالمين في سعير نيران القتلة، المارقين، الكفرة من الدواعش، تُذكّر بصيحات العراقيين الذين يطالبون بإعادة تصحيح مسارات السياسة و الممارسات التي تؤسس لما يتعرض له المواطن المعزول من نكباتٍ و فجائع. و هي تذكّر أيضاً بتخبّط القيادات السياسية و الأمنية التي لا تجد رابطاً ستراتيجيّاً بين خطوط الهجوم العسكرية على قطعان داعش في ساحاتها، و متاريس الدفاع " السياسية" قبل الأمنية و العسكرية "الرخوة" و ما تستلزمه من تدابيرَ و إجراءاتٍ تتحصّن باليقظة و الحذر.
و يظلّ الانفصام بين الدعوة المخلصة لإشاعة بيئة التضامن الاجتماعي بين كل الوطنيين العراقيين من جهة و الإرهاب الذي تمّ فرزه في عصابات داعش من جهة أخرى، و هو انفصامٌ يتسبب بقوافل من الشهداء كل يوم و ينتهي بزيارة تفقدية للمسؤولين، و كأنّ ذلك البلسم و العلاج، و ليس التوجّه الجدّي لتحصين العراقيين في جميع مدنهم و حواضرهم، على اختلاف هوياتهم و مذاهبهم بتدابير "المصالحة و التوافق الوطني".
شهداء الكرادة، صيحة أخرى، تُذكّر بأنّ العراقيين على اختلافهم في وادٍ، و الحكام الممتنعين عن اعتماد العقل و الحكمة و المصالح الوطنية العيا في وادٍ آخر..
و إلّا كيف للاستراتيجية العسكرية أن تكون ناجحة إن لم تكتمل بأبعادها الأمنية و الاجتماعية و السياسية ؟ كيف لها أن تكون ستراتيجية ناجحة إن افتقدت ركناً أساسياً من أركانها، و هو حماية عمقها السكاني و درء الأخطار المُحدقة عنها، و معالجة الثغرات القاتلة التي ينفذ من خلالها الإرهاب؟ و كيف يجوز أن يطلق عليها مفهوم ستراتيجيّة إن هي سمحت بممارسات تعكس ثقافة الكراهية، و توغل فيها و تنوّعها و تعبّر عنها من خلال استمرار التظاهرات التي كانت حاملاً للفصل الطائفي، و تجلياً لأحقادٍ يبثها مجرد وجود ميليشياتٍ يلوّح قادتها و رموزها، في اللحظات الفارقة بين الانتصار و الانتقام، بما يرجح كفة إلغاء الآخر و تهميشه و التعالي عليه؟
إنّ فاجعة الكرادة بضحاياها الأبرياء، و الكرادة حاضنة أمينة للعراقيين بغضّ النظر عن انتماءاتهم الدينية و الطائفية و السياسية، هي جرس إنذارٍ ليس كسابقاته، يحذّر العبادي و فريقه الأمني و السياسي، بأنّ الانتصار العسكري و تعزيزه لا يتحققان من خلال استعراضٍ مهرجانيٍّ بين فترة و أخرى، يجري التأكيد فيه على القدرة على اجتثاث الإرهاب و تجفيف مصادر قوّته، بل عبر تعبئة القوى السياسية الوطنية و الرأي العام في إطار نهجٍ جديدٍ، مختلف و متميز، يصفّي قبل كلّ شيء آثار و نتائج السياسات الكارثية التي أحلّت دم العراقيين على أساس العِرق و الطائفة و القومية، و تبنّت نهج الاستعلاء و الاستئثار و الانفراد و نبذ الآخر، و أنهكت طاقة البلاد بكل جوانبها باعتماد القوة النابذة، المغامرة، الادّعائية، المجانِبة لمنطق العقل و الحكمة و المصلحة الوطنية العليا.
و على العبادي، إن كان يريد إجراء انعطاف في مسار العراق النازف، صوب إصلاحٍ جذري، الشروع بتأطير عملية الإصلاح و تحويله الى برنامج عملٍ تلتفّ حوله بقناعة القوى الحيّة في المجتمع و الحركة السياسية، يراعي بعض التوازنات التي لا تتناقض، و لو مرحلياً، و لا تشكل إعاقة لنهجٍ ينتشل البلاد من القاع الذي انحدرت إليه.
و ليس أفضل من لحظة الاحتفاء باستعادة الفلوجة، مناسبة لمبادرة تجمع كلمة الشعب، و تستنهض قواه استجابةً للعامل الأساس الماكن لمعافاة البلاد و تكريس المصالحة الشاملة في مجتمع مزّقت نسيجه الكراهية و الحقد الطائفي و القوة النابذة، و كلها من فعل أطراف تراهن على إبقاء الوضع كما هو عليه، لتستنزف ما بقي فيه من قوّة نهوضٍ و تحدٍّ و تجديد.
إنها فرصة سانحة لم تُستنفدُ بعد، و على العبادي أن يتدارك المخاطر المحيطة، و يُبادر..!

http://www.almadapaper.net/ar/news/513143

Read 1975 times Last modified on Friday, 09 June 2017 07:48