(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Sunday, 10 November 2013 18:06

هجرة و تمكين

Written by  الأستاذة رقية القضاة الأردن الشقيق
Rate this item
(1 Vote)

تلك هي مكة تودع رسولها الحبيب، تبكي جباله و رمالها  بيتها رحيله و نايه، و ها هو الرسول صلى الله عليه و سلم يرنو إليها، و قد أخرجه قومه من بيته و أرضه و وطنه أن يقول ربي الله لا شريك له، و يناجيها بلهفة الإبن المحب لوطنه، و العابد الطائف الساجد المفارق لبيت الله و كعبته المشرفه، و يهتف بها بكل صدق و كأنه يستميحها عذرا لهذا الرحيل القسري،{ والله إنك لأحب أرض الله إلى الله و إنك لأحب أرض الله إلي و لولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت.
و يولي الركب الطيب وجهته الجديدة، و الراحلتان تطويان البيد فخورتان براكبيهما، رسول الله صلى الله عليه و سلم و صاحبه الصديق، الذي أخّر هجرته أملا في صحبة الحبيب عبر هذا السفر الشاق الخطر، و قد تضاعف أمله و هو  يسمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول له {لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحبا }، و تمنّى الصّديق أن يكون ذلك الصاحب، و ها هو  يصل و إياه غار ثور ، و يمكثا فيه مدة و قريش تطلبهما حيين أو ميتين و قد أوقد أوار غيظها نجاة الرسول صلى الله عليه و سلم و صاحبه، و قد ظنت قريش بعنجهية الكفر، و عقلية الفرعنة ، و غباء الجهالة و ظلم الباطل، أن القضاء على محمد و فكرته و مبادئه و دينه و مثله و قيمه، التي لا تتواءم و قيم الجاهلية الغاشمة، و مبادئها المتخلفة، التي جعلت من الإنسان المكرّم مكان مهانة و محط ذلّة، و أرخصت الأرواح و إستباحت الدماء و ألغت العقول، فأينعت في هذا المحيط النتن فروع القبلية، و إزدهرت بضاعة المنكر، و ضاعت حقوق المظلومين و صرخاتهم في فضاء الظلم، و بحار ظلمات الجاهلية.


و هكذا رفضت دعوة الاسلام، و حورب رسول الله صلى الله عليه و سلم و أتباعه الأطهار، و عذّبوا و شرّدوا و هجّروا أفرادا و جماعات ، و أسقط في يد عتاة الكفر و هم يرون أتباع هذا الدين، يجودون بكل غال و نفيس لأجل دين الله، و يغادرون بيوتهم، و يتركون خلفهم ذراريهم و ممتلكاتهم، سعيا وراء ما يراه أهل الضلالة سرابا، و يراه أهل الحق جنة عرضها السماوات و الأرض، و رضوان من الله أكبر، و يصعق أبو جهل كبير الجهلة، و هو يستيقظ صبيحة حصاره لبيت رسول الله صلى الله عليه و سلم، و قد بيت له نية القتل المجمع عليه من كل قبائل العرب في مكة، يصعق و هو يرى علي بن أبي طالب، ينام في بردة النبي، مع معرفته بخطورة ذلك عليه، و يذهل و هو يرى علي يسلم الأمانات إلى أهلها، رغم دقة الموقف لم ينسى محمد أمانته، يبهت و هو يتلمس التراب على رأسه و قد ألقاه عليهم المصطفى و هو يقول شاهت الوجوه، و يخرج من بين أظهرهم و قد ألقى الله عليهم السبات، في معجزة أخرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد، و لم يستفق الطغاة من ذهولهم إلّا و حبيب الله خارج مكة، في غار ثور، و ينطلق زعيم الجهالة إلى بيت أبي بكر الصّديق و قد عرف أنه لا بد و أن يكون رفيق الحبيب و يحقق مع المؤمنة اسماء ذات النطاقين، أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ و يأتي الجواب لا أدري أين أبي، و ترتفع اليد الموتورة باللطمة الحاقدة، يفرغ فيها الجاهل غيظه، و تظل تلك اللطمة صدى يتردد في سمع الأيام، مذكرا بحماقة الجهلاء، و رفض المتنفذين أولي المطامع المادية و المكاسب الدنيوية، لكل ما من شأنه المساواة بين الخلق، و التفاضل بالفضل، و الكسب بالسعي الحلال العادل.

و يستقر الركب في غار ثور أياما مليئة بالترقب، محفوفة بالمخاطر، ملأى بالبشارات، و القوم يحيطون بالغار مدججين بأسلحتهم مشحونة عقولهم بالحقد الجاهلي، و الصدّيق يملأ جوانحه الرهب، و تعتريه المخاوف لا على نفسه، و لكن على رفيقه و خليله الذي يفتديه بنفسه و ولده و ماله، و يكون الحوار المشفق { يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لرآنا}، و يأتي الجواب الواثق المطمئن، {يا أبابكر ما ظنّك باثنين الله ثالثهما}، و تظل هذه الكلمات مبشرات بحفظ الله و نصره، لكل من أعلى لواء الله، و أرخص دونه النفس و النفائس، ما بقيت قرآنا محفوظا في القلوب و الضمائر و النفوس،{ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}.
أيتها الأمة المحمدية، يا جند الله، و يا من تحملون لواء العزة و النصرة الحقة لدين الله، تهجّرون و تحاربون، و تحاك ضدكم المؤامرات، و تستضعفكم جاهلية هذا الزمان، لتكن هذه الآية المطمئنة المبشرة شعاركم،{لا تحزن إن الله معنا} فالقرن قرنكم و الزمان زمانكم و العاقبة لكم بإذن الله، و كيف يخاف و يحزن و يرتاب و يضعف و يتخاذل، من إعتقد يقينا ان الله بعزته و قوته و عدله و جبروته و قدرته معه؟ ها هو نبيّ الله صلى الله عليه و سلم، ينطلق إلى المدينة من غار ثور، و قد عميت عنه العيون، و هاهو سراقة بن مالك يسمع عن الركب الميمون، فينطلق خلفه طمعا بالجائزة الموعودة ، و ها هي قدما راحلته تغوصان في رمال الصحراء، فيرى الموت ماثلا أمامه، فيستنجد بمحمد و قد عرف أنه على حق، لولا كبرياء الشرك في نفسه، و تتكرر الملاحقة و يتكرر المشهد حتى يرسلها الرسول صلى الله عليه و سلم موعدة تسكن لها جوانح الصحراء، و تضحك لها أمانيّ سراقة، كيف بك ياسراقة و قد لبست سواري كسرى، و يسكت سراقة و هو يعرف أن محمدا هو الصادق الأمين، ثم يقول: أكتب لي كتاب أمان منك بها فكتبها له.
تلك هي الثقة المطلقة بالله جل و علا، تقويها الثقة المطلقة بخيرية الدعوة التي يحملها إلى الناس، و الثقة الحانية المحبة الرفيقة بالأصحاب و الجند، الذين يحملون الراية مع رسولهم صلى الله عليه و سلم، ليبلغوا رسالة الله الكريمة إلى خلقه، الذين أرهقتهم تبعات الجاهلية، و ضنكها و ظلمتها، و هكذا وصل الركب المبارك إلى يثرب و التي أصبحت ببدرها المنير و مقامه البهيج فيها {المدينة المنورة}مصحوبا بعناية الله و رعايته الشاملة، يحدوه الأمل بغد مشرق للبشرية، في ظل كلمة التوحيد العظيمة، و تداعت الجموع بحدائها الجميل، و قد رأت في نبيها الحبيب بدرا يشرق سناه البهي، و تشرق إشعاعات رسالتة الدافئة شمسا مؤتلقة، و قمرا منيرا في ليل الضلالات الممتد عبر مئات القرون الظالمة، فتألقت الأهازيج لحنا يؤكد نور الرسالة و الرسول و ربّ العزة يؤكد نورانية الرسالة و الرسول،[يأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا و مبشرا ونذيرا و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرا]، و طلع قمر يثرب، و أصبحت به و بمقامه المبهج في رباها المدينة المنورة، و نعمت النفوس الشقية بعدل الإسلام و غدت الرحلة التي ملأتها مشاعر الحزن و الحنين، منطلقا للعودة المظفرة و الفتح المبين، و بشارة بالنصر و التمكين، و طريقا لدخول الناس كافة في دين الله، و ظلّ درس الهجرة صفحة وضيئة، يتعلم منها كل من يسعى إلى إقامة شرع الله، و نصرة دينه، و الذود عن حمى الأمة، أن الارض لله يرثها من عباده الصالحون، و أن الوطن هو كل بقعة ارتفعت فيها كلمة التوحيد، و أن الأمة هي كل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله، [وعد الله الذين آمنوا و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض و ليمكنّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنا]

Read 2387 times Last modified on Saturday, 04 July 2015 09:02