إسلاميات

“و ذروا ظاهر الإثم و باطنه

بقلم الأستاذ عبد العزيز كحيل

 

هل يعقل أن ينصب اهتمام الصف الإسلامي على تنقية الجوارح من الآثام و يغفل عن تنقية القلوب منها ؟

الواقع يشهد أن جوارح المنتمين للإسلام الملتزمين به تكاد تبرأ من المعاصي الكبرى إلاّ اللمم بل إن الواحد منهم لا يدخن فضلا عن أن يشرب الخمر أو يزني أو يلعب الميسر، لكن أمر قلوبهم شيء آخر، و يقتضي الإنصاف  أن نعترف لغير قليل منهم بنقاء القلوب و صفائها و إنابتها بفضل التربية المحرقة في المحاضن الربانية الهادئة، لكن غير قليل منهم أيضاً يفرّط في أمر قلبه بقدر ما يهتم بأمر جوارحه، و هكذا يتجاور الكلام الكثير عن الدعوة و الأخوّة و الأخلاق الكريمة مع سلوكيات يغمرها الرياء و الحقد و البغضاء و ما إليها من الأمراض القلبية و المعاصي النفسية التي تفوق في خطورتها آثام الجوارح و لو كانت هذه الآثام من الكبائر، فإذا كان الزاني مثلاً يُجلَد أو يُرجَم و قد يُتاب عليه فإن صاحب القلب العاصي لا مستقرّ له إلاّ السعير و لو أعجبك ظاهره و سلبتك دندنته حول مخائل السؤدد.

إن الله تعالى أمرنا بترك الإثم كله سواءً كان ظاهراً (معاصي اليد و اللسان و الفرج و نحوها) أو باطناً (معاصي النفس كالحسد و الكِبر و العجب بالإضافة إلى ما ذكرنا آنفا)، و لا يغني صلاح الظاهر شيئا إذا  خالف ما عليه القلب الذي هو محل نظر الله”إن الله لا ينظر إلى صوركم و أجسادكم و لكن ينظر إلى ما كسبت قلوبكم”- رواه مسلم – أي أن المعيار المحكم هو الباطن، و قد جرب السالكون لطريق الدعوة فعرفوا أن أمراض القلوب سلاسل مقيدة و سهام شيطان و نواقض بدايات نابضات، و كم ظهر في الصف من يقيم الدنيا على السبحة باعتبارها بدعة في حين يتطاير الشّرر من قلبه حقداً و بغضاءً و كرهاً لمخالف في رأي فقهي بل و لكبار العلماء و الدعاة و المصلحين لشبهات طغت عليه و لم يمحصها لقصر نظره و قلة باعه من العلوم الشرعية و أدوات النقاش و الجدال، و قد أنساه الشيطان أن هذه الدعوة حب فلا مكان في سلكها لمن تغلي قلوبهم بمراجل البغض انتصاراً لله بزعمهم، و إنما ينتصر المؤمن لله بتعاهد قلبه بالتنقية و التزكية ليكون منطلقاً للرحمة و الشفقة و المحبة، و الأمر لا يعدو أن يكون من تبليس إبليس الذي يزكي المغرورين بإصلاح ظاهرهم ليقحمهم في المهلكات القلبية التي كثيراً ما يختم لأصحابها بخواتيم السوء.

و من تفحص حال طلقاء الدعوة الذين ليس لهم حظ وافر من التربية الإيمانية العميقة وقف على أشكال و صور لباطن الإثم تغمر الساحة كتغليب البغض في الله على الحب و تحريف معنى الأخوة و حصرها في جهة معينة هي جماعته أو حزبه أو التيار الذي ينتمي إليه فقط و التعصب للأشخاص و الكيانات كالعالم الأوحد الذي لم تر الدنيا مثله !!! و المذهب الحق الذي ليس بعده إلا الباطل، و كل ذلك نتيجة حتمية لإهمال إصلاح النفس بحجة التفرغ للحركة و التغيير و النهي عن المنكر و الانتصار للقرآن و السنة، و هذا من السبل التي يسلكها الشيطان لإضلال الإنسان إذ قد لا يأتيه من باب المعصية الظاهرة و لكن من باب الترتيب فيشغله بالغير من النفس و بالظاهر من الباطل و بالمختلف فيه عن المتفق عليه و بالمتشابه عن المحكم و بما يفرق الصف عما يجمع شمله و نحو هذا.

إن العنصر الأساسي في هذه الدعوة هو الإنسان و العنصر الأساسي في هذا الإنسان هو القلب، و لا تنتصر الدعوة إلا بمن “أتى الله بقلب سليم” و بمن “جاء بقلب منيب”، فصاحب هذا القلب لا تتحرك جوارحه إلا في طاعة الله، و بانسجام ظاهره و باطنه يبارك الله سعيه فيكون قدوةً صالحة تحبب الدين للناس و يكون مهوى أفئدتهم لأن سلاحه الدعوي لا يتعدى الكلمة الطيبة “و قولوا للناس حسنا” و فعل الخير”و افعلوا الخير لعلكم تفلحون” و المناداة للإصلاح “إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت“، فأما من انخرط في زمرة الدعاة و هو غير ملتفت لقلبه المريض يتباهى بترك المباح و هو غارق في الكبائر النفسية كمن يتورع عن البعوض و يبتلع الجمل، فهو ثغرة في الصف يستنزل الوهن و الخسران بجهله بنفسه و إعجابه بها، و خير للدعوة أن تعود إلى بدايات التربية فقد دارت دوائر الهزيمة على المسلمين في “حنين” بسبب كثرة أمثاله فيها ” و يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم من الله شيئا و ضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين”.

على المؤمن أن يمتثل لأمر ربه فيذر الإثم البادي للناس و المستتر عنهم كما يذر المخالفات السلوكية و القلبية ليستقيم ظاهره و باطنه فتستقيم حياته كلها فيغفر الله ما بدر منه من زلات و ذنوب كلما استغفر و أناب.

الرابط : https://islamonline.net/%d9%88%d8%b0%d8%b1%d9%88%d8%a7-%d8%b8%d8%a7%d9%87%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%ab%d9%85-%d9%88%d8%a8%d8%a7%d8%b7%d9%86%d9%87/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى