
في 26 أكتوبر، صرّحت كارولين ويلمَن من منظمة «أطباء بلا حدود» بأنّ إسرائيل ما تزال تستخدم الحاجة إلى المساعدات الإنسانية في غزة «كوسيلة ضغط». و قالت للصحافة: «لم تتحسن الأوضاع الإنسانية في غزة بشكل ملحوظ، إذ ما تزال أزمات المياه و المأوى مستمرة، و مئات الآلاف من الناس يعيشون في خيام مع اقتراب فصل الشتاء». و قد استولت القوات المسلحة الإسرائيلية حتى الآن على أكثر من نصف أراضي غزة، و تقوم بإلقاء كميات هائلة من الركام في تلك المنطقة، محوّلة إياها إلى جبل من النفايات. و يُعدّ نقل الأنقاض دون خبراء و معدات أمراً بالغ الخطورة، إذ إن نحو عشرة إلى اثني عشر بالمائة من القنابل الإسرائيلية التي أُلقيت على غزة لم تنفجر بعد.
و قال نِك أور من منظمة «الإنسانية والإدماج» (و هي منظمة غير حكومية تعمل في فلسطين): «كل شخص في غزة يعيش الآن وسط حقل ألغام مرعب و غير مُسجّل على الخرائط. فالمخلفات غير المنفجرة منتشرة في كل مكان: على الأرض، و في الركام، و تحت الأرض، في كل مكان». و مع حفر الفلسطينيين بين تلال الخرسانة، يخاطرون بتفجير قنبلة خامدة — مما يخلق مزيداً من ضحايا الإبادة الإسرائيلية.
على مدى العامين الماضيين، أسقطت إسرائيل ما لا يقل عن 200 ألف طن من المتفجرات على غزة، و هي كمية تعادل ثلاث عشرة قنبلة ذرية من حجم تلك التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما في 6 أغسطس 1945. إنّ ذلك يفوق التصور، خصوصاً و أن الفلسطينيين لا يملكون أنظمة دفاع جوي، و لا سلاح جو، و لا وسيلة لحماية أنفسهم من القصف الجوي أو بطائرات الدرون، و لا قدرة على الرد بالمثل. فالإبادات الجماعية بطبيعتها غير متكافئة، لكن وصف العامين الماضيين بأنهما «غير متكافئين» يُعدّ فظاعة في حد ذاته: لقد كان عنفاً من طرف واحد، استخدم فيه الإسرائيليون —على شاكلة جالوت— تفوقهم الساحق ضد مقاومة فلسطينية تشبه داوود في ضعفها.
و نظراً لغموض سجلات نقل الأسلحة الرسمية، لا نملك فكرة دقيقة عن كمية المتفجرات التي وصلت إلى إسرائيل من مورّديها الرئيسيين خلال الحرب: الولايات المتحدة، ألمانيا، إيطاليا، و المملكة المتحدة. و مع ذلك، لدينا ما يكفي من الأدلة لنعلم أنّ معظم القنابل جاءت من الولايات المتحدة، مع كميات أقل من الدول الأخرى. و يجعل تقرير جديد صادر عن المقرّر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بعنوان «إبادة غزة: جريمة جماعية» (20 أكتوبر 2025)، هذا الأمر واضحاً بشكل لا لبس فيه: فالدول التي تزوّد إسرائيل بالمعدات العسكرية أو تساعدها بأي شكل —بما في ذلك الدعم الدبلوماسي— شريكة تماماً في جريمة الإبادة.
بعبارة أخرى، فإنّ الالتزام بالاتفاقية الأممية لمنع جريمة الإبادة الجماعية ليس خياراً تقديرياً؛ بل إنّ واجب هذه الدول في بذل كل ما بوسعها لوقف الإبادة واجبٌ إلزامي. و مشاركتها تجعلها مسؤولة مسؤولية كاملة. يشير التقرير إلى أنّ الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين في غزة تجعل من هذه الجريمة «جريمة ممكنة دولياً».
و مستوى التواطؤ مذهل. خذ مثلاً حالة المملكة المتحدة، التي يشغل فيها كير ستارمر —رئيس الوزراء— منصب محامٍ مختص في حقوق الإنسان، بل و كتب الكتاب المرجعي في القانون الأوروبي لحقوق الإنسان (1999). ففي 6 أغسطس 2025، تحدث الصحفي مات كينارد لموقع *Palestine Deep Dive* عن كيفية إقلاع طائرات عسكرية بريطانية من قاعدة «سلاح الجو الملكي أكروتيري» في قبرص لمرافقة طائرة مجهولة الهوية فوق غزة. و بعد ستة أيام، كشف إيان أوفرتون من موقع *Declassified UK* أن من بين تلك الطائرات طائرة مراقبة بريطانية من طراز «شادو آر 1» كانت تحلق إلى جانب طائرة «بيتش كرافت سوبر كينغ إير 350» مملوكة لشركة «سيرا نيفادا» الأمريكية و تحمل رمز النداء **CROOK 11**. فما الذي كانت تفعله تلك الطائرات؟ و من أجاز لها هذه المهمة؟ و من هو «CROOK 11»؟
و في ديسمبر 2024، قال ستارمر للجنود في قاعدة أكروتيري: «هناك الكثير من الأعمال المختلفة التي تُجرى هنا. و أنا أيضاً على دراية بأن بعضاً مما يجري —و ربما الكثير منه— لا يمكن الحديث عنه علناً طوال الوقت… لا يمكننا بالضرورة أن نخبر العالم بما تفعلونه هنا… لأننا، لأسباب واضحة لكم، لا نقول ذلك للعالم أجمع». و السبب الواضح هو أنّ ما يجري هو إبادة جماعية، و المملكة المتحدة متورطة فيها، و لذلك لا يستطيعون التحدث عنها.
أما سجلّ الولايات المتحدة فمروّع أكثر. إذ يقول أحد فقرات تقرير المقرّر الخاص ما يكفي لإدانتها:
«منذ أكتوبر 2023، نقلت الولايات المتحدة 742 شحنة من “الأسلحة والذخيرة” (الرمز الجمركي 93) و وافقت على عشرات المليارات من صفقات جديدة. قامت إدارتا بايدن و ترامب بتقليص الشفافية، و تسريع عمليات النقل من خلال الموافقات الطارئة المتكررة، و تيسير وصول إسرائيل إلى مخزون الأسلحة الأمريكية في الخارج، و الترخيص لمئات الصفقات التي تقلّ قيمتها عن الحدّ الذي يتطلب موافقة الكونغرس. كما نشرت الولايات المتحدة طائرات عسكرية و قوات خاصة و طائرات مراقبة بدون طيار في إسرائيل، و يُزعم أن بيانات المراقبة الأمريكية استُخدمت لاستهداف حركة حماس، بما في ذلك في أول عملية مداهمة لمستشفى الشفاء».
و في نوفمبر 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت. و استناداً إلى هذا التقرير الأممي الأخير، يجب على المدّعي العام للمحكمة، كريم خان، أن يُصدر مذكرات اعتقال بحق ريشي سوناك، كير ستارمر، أولاف شولتس, فريدريش ميرتس, جو بايدن, ودونالد ترامب —على الأقل. و أيّ تقصير في ذلك سيحوّل ما يُسمى «النظام الدولي القائم على القواعد» —و في مقدمته ميثاق الأمم المتحدة— إلى مهزلة.
الرابط: [https://www.counterpunch.org/2025/10/30/the-powerful-who-stand-with-israel/](https://www.counterpunch.org/2025/10/30/the-powerful-who-stand-with-israel/)
*ترجمة الذكاء الإصطناعي