قضايا حضارية

عقدة الخواجا

الأستاذ ماهر باكير دلاش

 

“عقدة الخواجا” – يبدو أن هذه العبارة قد تجسد واحدة من أكبر الألغاز في تاريخ الفكر البشري. ليست عقدة تقليدية، و لا هي مجرد مشكلة من نوع “كيف أصلح سيارتي بعد حادث بسيط؟” بل هي عقدة حقيقية، ثقافية و فكرية، تتعلق بذلك الكائن الأسطوري الذي اسمه “الخواجا”. و هو ليس شخصًا واحدًا، بل مزيجٌ غريب من الفكرة و المفهوم و الظاهرة التي تتغير بحسب السياق و الزمان و المكان.

 

لنبدأ بتعريف “الخواجا”. هو ذلك الكائن الذي يعبر عن الغريب، لكن ليس أي غريب، بل الغريب الذي يحمل عبق الحداثة، و التقدم، و الفكر المختلف. هو الذي يأتي من الخارج، من بعيد، يحمل معه ثقافة، ربما عطرًا، و ربما لغات لا نفهمها تمامًا، لكنه دائمًا يتحدث عن “التطور” و”التغيير”. ثم يأتي السؤال: لماذا، في كل مرة نسمع فيها عن “الخواجا”، تشعر أنه يحمل معه عقدة؟ بل، هل هي عقدة أم هي مجرد توتر نفسي من نوع آخر؟

 

لنواجه الحقيقة: نحن نحب الخواجا! نحترم الخواجا، و في بعض الأحيان نخاف من الخواجا. لماذا؟ لأن الخواجا يمثل ذلك النموذج المثالي الذي لا يمكننا بلوغه. هو الشخص الذي يتقن عمله بكفاءة، يتحدث لغات متعددة، يلبس بطريقة غير مألوفة، و يستخدم التكنولوجيا بطريقة تجعلنا نبدو و كأننا في العصور الحجرية. و مع ذلك، لا ندري لماذا يظل الخواجا، في أذهاننا، رمزًا للسلطة و المعرفة المتفوقة. هل هي “عقدة الخواجا”؟ أم هي مجرد عقدة من الخارج، تبرز عندما نضع أنفسنا في مقارنة مستمرة معه؟

 

و هنا يأتي السؤال الأكبر: هل نحن بحاجة فعلاً إلى الخواجا لكي نكون “متحضرين”؟ أم أن العقدة تكمن في رغبتنا الدائمة في محاكاة الآخر، في أن نبدو كما هو، في أن نحاكي حضارته، و نظنه هو مقياس تطورنا؟ لكن، ألم يكن من الممكن أن نكون “متقدمين” بطرقنا الخاصة؟ ربما العقدة تكمن في أننا نعتقد أن “التقدم” هو شيء واحد، و هو ما يصنعه الخواجا فقط، و أننا في غياب هذا النموذج نشعر بالنقص.

 

و الآن، بعد أن أجبنا على هذا السؤال الفلسفي المعقد، دعونا ننظر إلى “عقدة الخواجا” من زاوية أكثر فكاهية. هل سبق أن حاول أحدنا أن يتظاهر بأنه “خواجا” في حضور الخواجا نفسه؟ نعم، لقد جربنا أن نبدو مهمين، نستخدم كلمات معقدة، أو حتى نصبح فجأة متحدثين جيدين في مواضيع لا نفقه فيها شيئًا، لمجرد أننا نريد أن نُظهر للخواجا أننا في نفس مستواه. لكن، هل تعتقدون أن الخواجا يلاحظ؟ على الأرجح هو لا يبالي، و هو يرى أن تلك المحاولات ليست أكثر من نكات اجتماعية، و إن كان يبتسم برفق، فهو في الواقع يتسائل: “متى ستنتهي هذه المهازل؟”

 

و بينما نحن نحاول “حل” عقدة الخواجا، فإننا في الحقيقة نغذيها. نغذيها بالمزيد من الأسئلة: “هل يجب أن أتعلم هذه اللغة؟ هل يجب أن أغير طريقة لباسي؟ هل يجب أن أفكر بالطريقة التي يفكر بها الخواجا؟” و تستمر الدوامة.

 

في النهاية، هل عقدة الخواجا هي مجرد عقدة من الخيال؟ ربما! فقد تكون فقط لعبتنا العقلية التي نبتكرها لتبرير إحساسنا بالنقص أو الحاجة إلى التغيير. أو ربما، كما يقول الفيلسوف: “العقدة هي فينا، لا في الخواجا”. ربما نحن، في الحقيقة، نحتاج إلى حل عقدنا الداخلية قبل أن نركز على عقدة الخواجا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى