نعيش اليوم واقعًا مختلفًا تمامًا عما كان يعيشه سلفنا الصالح – رضوان الله عليهم – اليوم قد علا صوت الباطل و انتشر، بعد أن انخفض صوت الحقِّ و انحسر، الباطل يطلُّ برأسه و يعلن عن نفسه، فلا حياء و لا خجل، و أهل الحق من الحق يخجلون، أهل الباطل إلى باطلهم يدعون، بينما أهل الحق عن الحق لاهون، أهل الباطل دخلوا كل بيت من بيوت الأمة – إلا ما رحم ربى – عبر الفضائيات و الإنترنت و الصحف و المجلات، بينما أهل الحق يحاصرون، حتى المساجد منها يخرجون.
فى ظل هذه الأوضاع الصعبة، يطلُّ علينا دعاة التغريب و الحداثة و العصرنة، يطالبون بتحكيم العقل في الشرع، و يقولون: إن الزمن قد تغيَّر، لذا علينا أن نغير الدين لكي يتناسب مع العصر، لذا علينا أن نضرب باجتهادات و تفسيرات و أقوال السلف الصالح – رضوان الله عليهم – عُرْض الحائط، و نأخذ ديننا منهم، بل الأدهى من ذلك أن يخرج علينا سفهاؤهم ليسبُّوا علماء عظامًا أجلاء مثل البخاري – رحمه الله تعالى – و ذلك لأنه يقف في وجههم حتى بعد موته بمئات السنين، نعم يقف في وجههم بمصنَّفه الرائع و صحيحه العظيم، الذي وصلت بهم الجرأة إلى الطعن فيه، من أجل نقض ثوابت الدين، و ينكرون سنة الحبيب المصطفى – صلوات الله عليه – و يشككون في أحاديث صحيحي البخاري و مسلم، فيقولون: نحن رجال و هم رجال.
هذه الكلمة التي يستخدمونها كثيرًا لنقض ثوابت الدين الإسلامي، لا نجدهم يستخدمونها إطلاقًا لنقض خرافات النصرانية؛ من تأليهِ البشر و تثليث الإله، أو نجدهم يستخدمونها لنقض كتاب النصارى و هو مليء بالتناقضات و الأعاجيب التي لا يقبلها عقل و لا منطق، هل يجرؤ أحد من هؤلاء أن ينتقد الكتاب الذي يسمونه مقدسًا، أو ينتقد أخطاءه الكثيرة الظاهرة للأعمى؟! هل يجرؤ أحد من هؤلاء أن يتحدث عن خرافات كتاب النصارى، كما يتحدثون عن سنة نبينا العظيم – صلى الله عليه و سلم؟! الكثير منا و هو صغير سمع عن “شمشون الجبار”، و لكننا كنا – و لا زلنا – نعدُّ هذا من الخيال، و من الأشياء التي من المحال حدوثها، و لكن العجب أنها موجودة في الكتاب المقدس، فهل يجرؤ أحد على نقدها و إنكارها؟! كلاَّ، فما هم إلا مرتزقة، جعلوا من الطعن في الإسلام طعامهم و شرابهم، و به يأخذون راتبهم، و به يسمع الناس عنهم، و به يظهرون على الفضائيات و تفتح لهم الصحف.
لماذا إذن الإسلام دون غيره؟! سؤال قد يحير البعض، و لكن من يعلم حقيقة القوم لا يجد أية حيرة على الإطلاق، فالقوم إنما يريدون إبعادنا عن الإسلام، بأي حجة كانت، و بأي طريقة كانت؛ لذلك هم يعمدون إلى نقض ثوابت الدين، و الطعن في علماء الأمة و فقهائها، و اعتبارهم ظلاميين و رجعيين، و المقارنة بينهم و بين من عاصرهم من الفلاسفة أو غيرهم من الملحدين، كمن يقارن بين الإمام “ابن تيمية” – رحمه الله تعالى – و بين ابن رشد، يقول مراد وهبه: “ابن رشد” رجل مستنير، و”ابن تيمية” رجل ظلامي رجعي، في السابق انتصر الظلاميون، أما اليوم فنريد أن ينتصـر المسـتنيرون[1]، فهم يقارنون بين العلماء و من عاصرهم، لأجل إقناع الناس بأن العلماء كانوا ضد العلم، و هذا غير صحيح، فلم يكن الإسلام يومًا ضد العلم، بل الإسلام دعوة للعلم و التفكر، و لكن أكثر الناس لا يعلمون.
هؤلاء الذين يناطحون قمم علماء المسلمين بحجة أنهم أيضًا رجال كالعلماء، إنما هم أراذل القوم، فكيف لأحد من هؤلاء ربما لم يقرأ كتابًا واحدًا في التفسير، و لو حتى مختصرًا بسيطًا، أو ربما لم يقرأ الآية الكريمة إلا مرة واحدة، يتحدث فيها و يقول: إنما المقصود كذا و كذا؟! و كيف لواحد من هؤلاء لا يعرف عن أصول الفقه شيئًا، يقول: هذا حلال و هذا حرام؟! و كيف لواحد لا يعرف شيئًا عن السند و الإسناد و لا عن الجرح و التعديل، ثم يقول: هذا حديث صحيح، و هذا مردود، و هذا موضوع؟! أهذا معقول؟! من يقبل بهذا الخبل و الجنون إلا من لا عقل عندهم و لا منطق و لا فكر، أين هو التخصص الذي ينادون به؟! هل التخصص مطلوب في كل شيء إلا الدين الاسلامي؟! علماء السلف – رضوان الله عليهم – رجال حقًّا؛ لأن الواحد منهم كان يشكِّل موسوعة بمفرده في كافة فروع العلم الشرعي، و ما كان يعلمه واحد فقط من علماء السلف – رضوان الله عليهم – ربما لا يعلمه عشرة من أكبر علماء المسلمين اليوم، أفبعد هذا يأتي أحد العلمانيين ليردَّ على هؤلاء العظام بما لا علم له به، و يقول: نحن رجال وهم رجال؟!
من قال: إن هؤلاء رجال؟ هؤلاء الذين يدَّعون العلم و الفكر و التقدم ليسوا سوى مجموعة من المقلدين و المترجمين لأفكار فلاسفة أوروبا و ملاحدتها، فلا أحد من هؤلاء الناعقين بالليبرالية أو العلمانية، أو شقيقاتهما و مشتقاتهما – لديه جديد ليقدمه، الشيء الوحيد الذي يقدمونه هو الطعن في هذا الدين العظيم، و نقض ثوابته؛ من أجل إرضاء أسيادهم، و قد قال الإمام “ابن تيمية” – رحمه الله تعالى – في شأن هؤلاء و أمثالهم، ممن دأبوا على التأويل الفاسد للنصوص: أما الجملة، فإنه من آمن بالله و رسوله إيمانًا تامًّا، و علم مراد الرسول قطعًا، تيقَّن ثبوت ما أخبر به، و علم أن ما عارض ذلك من الحجج، فهي حجج داحضة من جنس شبه السوفسطائية؛ كما قال تعالى: {وَ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ عَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [الشورى: 16][2] فشتان شتان بين علماء الإسلام العظيم و أذناب الليبرالية القبيحة! فهؤلاء رجال و هم أذيال.
[1] برنامج “اتكلم” على التليفزيون المصري. [2] درء تعارض العقل والنقل، (1/ 21).الرابط : https://ar.islamway.net/article/84477/%D9%87%D9%85-%D8%B1%D8%AC%D8%A7%D9%84-%D9%88%D8%A3%D9%86%D8%AA%D9%85-%D8%A3%D8%B0%D9%8A%D8%A7%D9%84