مع قلم الأستاذة كريمة عمراوي

أثر الهمّة في الاستقامة

بقلم الأستاذة كريمة عمراوي

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين محمد و على آله و صحبه و سلم، و بعد:

الهمّ هو أول الإرادة، هناك مراتب للعمل قبل أن يخرج، الإنسان لا بدّ له من إرادة، و لا بدّ له من مقصد، إن لم يجعل ربه هو المقصود شغل بغيره، يصعب على الإنسان أن يبقى بغير شغل، العاقل هو من شغل هذه الجوارح بما يرضي الله تعالى، كلّما ازداد اشتغالا بالله، ازداد توفيقا.

للناس همم، فمنهم من همّتهم الدنيا، و منهم من همتهم الآخرة، الهمّة لها أثر عظيم في استقامة الناس، ينبغي للمسلم أن تكون له همّة عالية، إن أدركها فهو على خير، و إن لم يدركها فهو قد حصّل بنيته الخير و الأجر، من الناس يرضى من نفسه أن يكون مستقيما في نفسه فقط، و منهم من يتجاوز هذه الهمّة، إلى أن يكون له أثر في نفع الناس، هذا من علو الهمّة، و حسن المقصد.

المجاهد في طلب شيء ليس كالغافل فيه، و لهذا على المسلم أن يتعوّد أن تكون له مقاصد عظيمة، فقد يبلغ بنيته ما لا يبلغه بعمله، و يحصل على أجر ذلك العمل بنيته، و الدليل الحديث الذي رواه أبو داوود  عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:( لقد تركتم بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا و لا أنفقتم من نفقة و لا قطعتم من واد إلاّ و هم معكم فيه، قالوا: يا رسول الله، و كيف يكونون معنا و هم بالمدينة؟ قال: حبسهم العذر).

فمحبة الله يجب أن تسبق كل محبة، ثم تأتي محبة رسوله صلى الله عليه و سلم، أعظم دليل على وجوب محبة الله و رسوله، و على تقديمها على محبة كل شيء، قوله تعالى:( قل إن كان ءاباؤكم و أبناؤكم و إخوانكم و أزواجكم و عشيرتكم و أموال اقترفتموها و تجارة تخشون كسادها و مساكن ترضونها أحب إليكم من الله و رسوله و جهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره و الله لا يهدي القوم الفاسدين) 24 التوبة، و مخالفة ذلك يترتب عليها الوعيد الشديد، و المقت الأكيد، على من كان شيء من المذكورات أحب إليه من الله و رسوله، و جهاد في سبيله، و علامة ذلك أنه إذا عرض عليه أمران، أحدهما: يحبهما الله و رسوله، و ليس لنفسه فيه هوى، و الآخر تحبه نفسه و تشتهيه، و لكنّه يفوت عليه محبوبا لله و رسوله، أو ينقصه، فإنه إن قدّم ما تهواه نفسه، على ما يحبه الله دلّ على أنّه ظالم، تارك لما يجب عليه.

محبة الله تعالى هي محبته و محبة ما يحب، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:( ثلاثة من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله و رسوله أحب إليه من سواهما، و أن يحب الرجل لا يحبه إلاّ لله، و أن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار) و هذه الثلاثة واجبة، و لا بدّ منها، فإن قصّر فيها فهذا مؤثر في الإيمان. المحبة لله مستلزمة لعبادة الله، و إذا أحب الله عبدا وفقه للاستقامة، هذه الأمور متلازمة.

إذا تحقق الإيمان تحدث اللذة بعده، إذا كانت محبة الرسول صلى الله عليه و سلم و المؤمنين من محبة الله، إذا لا توجد كراهية المؤمنين مع محبة الله و رسوله، إذا وجد الإيمان الصحيح في القلب، و المعرفة الصحيحة للمؤمن أحب في الله تعالى، و أن يحب له ما يحب لنفسه، النبي يحب أكثر من نفس الإنسان لإن حقه عظيم هو الذي أنقذ هذه الأمة من أهوال الآخرة و شرور الدنيا و كل سعادة نحن فيها بسببه. هذا و الله أعلم و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.

كتبته كريمة عمراوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى