قضايا حضارية

توهم الانسان بالأبدية

بقلم الأستاذ ماهر باكير دلاش من الأردن الشقيق

 

توهم الانسان بالأبدية، يزيد الإحباط بقدر ما يخفضه، و شعور المرء بأنه مخلد أبدي يجعل منه انسانا سقيما في عقله؛ ففرعون قال أنا ربكم الأعلى فأين هو الآن؟ ابتلعه البحر و لم يستطع مدعي الألوهية أن يمنع جندي من جنود الله، و ابن أبا لهب أكله السبع و لم يستطع أن يحرك ساكنا لأنه أمر من الله و كذلك النمرود قضت عليه حشرة صغيرة.

لا شك أن المسلمين اليوم محاطون بالظلام، و الحقيقة القائمة أن الذين يخافون محيطهم لا يفكرون في التغيير مهما كان وضعهم بائساً، و هذا الخوف يجعل نمط حياتنا مضطرباً واهياً الى درجة تمنعنا من التحكم في ظروف معيشتنا، فسبيلنا الاحتماء بما هو مألوف، إننا نقاوم شعورنا بالخوف بإخضاع وجودنا لروتين ثابت يقوم على ما يمليه علينا الآخرون، و نوهم أنفسنا أننا نستطيع بهذه الوسيلة مواكبة ما يسمى بالحضارة و التطور و تجنب اي مفاجآت.

إن توافر حرية الاختيار تضع اللوم كله على عاتق الفرد؛ فماذا إن كان الفرد خاويا من قيمه و مبادئه؟ و لا أشكك أبدا في أن الحرية تساعد على تكرار المحاولة، و لكنها أيضا تساعد على تكرار الفشل و ما يتبعه من احباط.

الإحباط يبدو جليا عندما نملك الكثير، و نريد المزيد، و هذ يفوق إحباطنا عندما لا نملك شيئاً و نريد القليل، و نحن أقل تذمراً حين نفقد اشياء كثيرة منا، حين لا نفقد إلا شيئاً واحداً مثل الكرامة!!

إن الكثير ممن كانوا دعاة للحرية المطلقة، و كانوا أكثر الناس صراخاً في سبيلها، كانوا أقل الناس سعادة في مجتمع حر كما يقولون. كانوا محبطين تحاصرهم عيوبهم، فمنهم من مات منتحرا، و منهم من قضى منعزلا يعزون فشلهم الى القيود و المعوقات الخارجية، إلا أنهم في حقيقة الأمر، يتمنون أن يزول مناخ الحرية المطلقة غير المقننة، و يودون إلغاء الحوار الحر و ما ينتج عنه من امتحان دائم للفرد في المجتمع المفتوح!

إن الإيمان بقضية مقدسة هو إلى درجة كبيرة محاولة للتعويض عن الايمان الذي فقدوه بأنفسهم؛ فإحساس أي مجتمع مفتوح بعيوبه و نواقصه يجعله يرى سوء النية و اللؤم و التخلف عند كل المجتمعات.

يريدوننا منبوذين و مهمشين لنكون المادة الخام التي يصنع منها مستقبل حضارتهم؛ فبوسع الكراهية المتقدة أن تمنح الحياة الفارغة معنى و هدفاً، و هم بلا شك يعانون تفاهة حياتهم فيعمدون الى البحث عن معنى جديد، لا عن طريق اعتناق قضية مقدسة فحسب كما يدعون، بل باحتضان فكر متطرف ليعم الظلام!!

المشكلة أنهم ينظرون إلى العقل الاسلامي من زاوية ضيقة داخل نطاق العقيدة و هذا بغيض على مدى تاريخ الإسلام؛ فالإسلام دين صالح لكل العصور و الأزمان، لذلك فان المواقف العقلانية التي ظلت هامشية على مدى هذا التاريخ يتعين اكتشافها من جديد أو على الاقل تنشيطها ثانية لاستخدامها الآن كشواهد و بينات تاريخية على وجود تأويلات بديلة، و ينبغي على المفكر المسلم الحديث أن يحتاط لنفسه جيداً، و يجهز نفسه علمياً بشكل لا غبار عليه فيطلع على كل ما يخص معرفة النصوص القديمة و الشروط التقنية للاجتهاد الكلاسيكي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى