
من لم يقرأ رواية شارلوت برونتي “جين أير”؟ لعلهم كثيرون.
أذكر اليوم الذي إقتنيت فيه الكتاب في بيتنا الأول بتونس. قراءتي له حملتني إلي عالم منتهي و لا سبيل لإحياءه اليوم في ربوع الغرب المادي.
حكاية الفتاة اليتيمة التي تكبر و تبحث عن لقمة عيشها في قصر الفارس الغني السيد روشيستر. لست هنا في معرض الحديث عن حبكة الرواية و مغامرات أبطالها. إنما في نهاية الرواية، كانت هناك ظاهرة جذبت إنتباهي و هي :
بعد الإفتراق و مرور سنين و إحتراق جزء من القصر و في لحظة يأس صرخ النبيل روشيتر و نادي علي جين، فإذا بنداءه يصل إليها و قد كانت خارج البيت الذي لجأت إليه بإتجاه الريح.
فكرت مليا في قدرة الرياح في نقل أصوات البشر، العلي القدير قادر علي كل شيء و خيال الروائية شارلوت برونتي لم يكن بعيدا عن الواقع، فقد لامست حقيقة علمية فمثل الأمواج تأخذ الرياح النداءات من مكان إلي آخر. يكفي أن نحترم الإتجاه الذي تهب منه و إلي أين تتجه.
أحيانا و في روايات محددة، يلامس الكتاب كبد الحقيقة و يأخذون بالقراء إلي آفاق مجهولة سرعان ما تتكشف للعلماء بعد حين. لهذا بقيت أستذكر مطولا ظاهرة النداء الذي جاء في وقته المناسب و الذي جمع مرة أخري بين البطلين و حدد مصيرهما النهائي. روائيات مثل الأخوات برونتي أو جين أوستن ملكوا ناصية السرد القصصي بشكل مشوق و مهذب و لازلنا نقرأ لهن بشغف و لا نمل من تكرار المطالعة، فنحن نفتقد في عصر السرعة إلي نوعية أقلامهن.