نظرات مشرقةيهمكم

زيارة…1

بقلم عفاف عنيبة

في التسعينيات من القرن الماضي، قمت بزيارة لصديقة الطفولة.

الجو كان ماطرًا، فجلسنا في غرفتها، فوجدت على مكتبها كتابًا، نظرتُ إلى عنوانه: “زيارة”.

قلت لها:
– جميل عنوان هذا الكتاب.

نظرت إليّ للحظات ثم قالت باستهزاء:
– إنه لكاتب أمريكي مجنون.

سألتها:
– كيف ذلك؟

أجابت:
– عفاف، من الأفضل أن تقرئي الكتاب بنفسك، فهو رواية يزعم كاتبها أنها قصة حقيقية. أعطيني رأيك بعدها.

أخذت الكتاب و عدت إلى البيت، و خلال يومين قرأته كاملاً في 300 صفحة. اتضح أن الكاتب لم يكن مجنونًا كما وصفته صديقتي، بل كان رجلًا من الجنوب الأمريكي، و عادات الجنوب تختلف جذريًا عن بقية الولايات الأمريكية ؛ فهم محافظون.

أما الرواية، فأختصرها في بضع سطور:

توجهت شابة تبلغ من العمر 29 عامًا إلى ولاية تكساس بسيارتها آتية من ولاية كاليفورنيا، و كان السفر طويلًا و متعبًا. عند وصولها إلى التكساس، تعطلت سيارتها في طريق معزول، لا وجود فيه لأي مساكن أو بشر.

شعرت بالخوف ؛ فليل المدينة كان سينزل بعد ساعتين، و الطريق السريع لم يكن يمر به الكثير من السيارات، بل كانت حركة السيارات خافتة جدًا.

فجأة، رأت في الأفق حصانًا و على ظهره فارسًا يتقدّم نحوها، و ألقى نظره عليها و على السيارة.

سألها:
– آنسة، أظن، ماذا تفعلين هنا؟

ردّت:
– سيارتي تعطلت، هل بإمكانك النظر في المحرك؟ فأنا لا أفهم شيئًا في الميكانيك.

نزل من الحصان و توجه مباشرةً إلى المحرك، و استغرق نصف ساعة يصلحه، و لله الحمد عاد المحرك يعمل. شكرته الشابة بحرارة و سألته:
– هل المدينة لا تزال بعيدة؟

أجابها:
– لا، عند المنعرج هناك ستتراءى لك أولى بيوتها.

فرحت و أرادت معرفة هوية المحسن، فابتسم لها:
– إنني عمدة المدينة.

قالت بدهشة:
– عجيب.

سألها:
– ما هو العجيب؟

ردّت محرجة:
– تبدو شابًا جدًا.

ضحك و قال:
– صحيح، فعمدة في 33 من العمر يبدو فعلاً عجيبًا، لكنني عمدة. لا تتأخري و انصرفي الآن.

شكرته مرة أخرى، و عادت إلى سيارتها و انطلقت.

عند وصولها إلى المدينة، بحثت عن فندق، فلم تجد. كانت متعبة و مزاجها متكدر ؛ كيف لا يوجد فنادق في مدينة بهذا الحجم؟

بقيت عالقة في سيارتها، و فجأة سمعت صوت العمدة:
– ما بك؟

أنزلت زجاج السيارة و ردّت عليه:
– كنت أعتقد أن هناك فندقًا في المدينة، و لا أعرف أين سأبيت الليلة.

ابتسم لها و أجاب:
– آنسة، من أين أنت؟

– من سان فرانسيسكو.

– آه فهمت، آنسة، نحن في التكساس محافظون، هناك فندق واحد في المدينة و لا يستقبل العازبات.

صُعقت الشابة و قالت:
– ماذا سأفعل؟

قال لها:
– اتبعي حصاني، سأخذك إلى بيت تستأجر فيه صاحبته غرفًا للطالبات، حتماً ستجدين غرفة.

سعدت الشابة و أتبعت العمدة على حصانه.

و هكذا، كانت الرواية عبارة عن تصادم بين ثقافتين و تربيتين: تربية التحرر و تربية المحافظة. سأروي المزيد عن محتوى الرواية “زيارة” لاحقًا إن شاء الله.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى