قضايا حضارية

الإصلاح الديني المنشود

بقلم الأستاذ عبد العزيز كحيل

حلقاتُنا و محاضنُنا إذا لم يدخلها التجديد و التفعيل فإنها تبقى تستصحب العجز و تخرّج المتشدّدين و أصحاب الرداءة و رموز التخلّف.
آن أوان الابتعاد عن طرق التلقين و ترديد الأقوال و الآراء كأنها غاية في ذاتها.
بل حتى تعليم كتاب الله تعالى يجب أن يكون تعليما لا مجرّد تحفيظ بلا فهم و لا وعي، و الحديث يقول ” خيركم من تعلّم القرآن و علّمه ” فنصّ  على العلم لا الحفظ.
الحلّ في بثّ المعرفة و الثقافة و الرغبة في التفكير و التعلّم الواسع و حسن تسيير الحياة savoir-vivre.
الحلّ في الاستماع إلى الطلبة و إعطائهم الكلمة و حثّهم على إبداء الرأي و الاعتراض و قول ” لا ” و طلب الدليل المقنع، أي تسليحهم بالشجاعة الأدبية و تنشئة صفات الشخصية القوية فيهم.
الحلّ في خلق أجواء الحوار و النقاش و الاحتكام إلى الحجج و البراهين و احترام الرأي المخالف و ردّه بالدليل لا بالإقصاء أو الشتم، الحلّ في النظر إلى الاحترام المتبادل على أنه قيمة إسلامية و إنسانية محورية لا يمكن تجاوزها إذا أردنا العيش المشترك و انتشار الدعوة إلى الله في أرجاء الأرض.
من هنا يبدأ الانعتاق من مشكلة العنف الذي يبدأ لفظيا و ينتهي بحمل السلاح في وجه المخالفين.
مللْنا العبودية للرجال و أقوالهم وطأطأة الرؤوس و التسليم بلا تفكير و التهيّب و الذوبان في المجموعة، نريد تنمية إثبات الذات في الجيل الناشئ مع الاقدام و الفضول و الشكّ المنهجي.
يجب على المربّين و ” الشيوخ ” أن يقولوا لهم إن لكلّ زمان تحدياته و وسائله و أساليبه، و استنساخ التجارب التاريخية لتطبيقها على الواقع الجديد حماقة يتنزّه عنها الوحي الإلهي، و إنما تظهر براعة طالب العلم و العالم و الداعية حين يفقه تنزيل قيم الوحي و أحكام القرآن و السنة على الواقع المتجدد لإصلاحه و ترشيده باعتماد الوسائل المتاحة و الطرق الجديدة، و هذا يحتاج إلى إعمال العقل بجدّ و همّة.
نريد أن تكون نصوص القرآن و السنة و مقاصد الاسلام و قيمه حاضرة في تربية و توجيه المتعلمين على جميع المستويات لكن مع الحرص الشديد على بقائهم متحرّرين من ربقة الأقوال البشرية، أحرارا  في التفكير و النظر و إبداء الرأي – كما يحثّ الدين نفسه –  حتى لا يتحوّلوا إلى مشروع مناضلين في حزب منغلق أو مريدين في زاوية تدور حول الشيخ و تعظيمه و نثر البخور حوله و التسليم له بلا نقاش، حيث لا يعدو الاسلام و القرآن و السنة هنا أن يكون مجرد ذريعة لإبقائهم عبيدا للحزب و الزاوية و الزعيم و الشيخ.
الحرية حين تدخل المدارس و الحلقات والمحاضن التربوية لا تأتي إلا بخير، أعلمُ أن العبيد لا يطيقونها، نقول الحرية فيفهمون التمرّد على الله و المجون و التسيّب لأن تربيتهم المنغلقة أورثتهم أمراضا نفسية خطيرة و جعلتهم لا يبصرون من الكأس إلا نصفها الفارغ، لذلك نرى كيف يتناولون آيات القرآن الكريم و الأحاديث النبوية تناولا سلبيا حين ينزعون منه بُعده الإنساني الواضح الجليّ الجميل الذي يجعل أفئدة الناس تهوي إلى دين الله.
و غني عن البيان أن كل ما سبق محكوم بالضوابط الشرعية و الأخلاق الإيمانية في إطار المرجعية الإسلامية الثابتة المحتكمة إلى كتاب الله و سنة رسوله بعيدا عن خرق الإجماع المتيقن بمزاعم الاجتهاد و التجديد و تأليه العقل البشري و الاحتكام إلى الفكر الغربي.
لا نقدم بين الله و رسوله، كلّ ما في القرآن و السنة هو الحق المبين الذي ليس بعده إلا الضلال، لا تلغي تراثنا و لا نتجاوزه و إنما نمحّص ما يحتاج إلى تمحيص و نراجع و نأخذ و نترك، و هذه مهمة المختصين من مفسرين و محدّثين و فقهاء و مفكرين مسلحين بمعارف و وسائل العصر بالإضافة إلى البضاعة العلمية الأصيلة الراسخة، و ليست مهمة من يزعمون أنهم ” عقلانيون ” و ” تنويريون ”  و هم يتحركون خارج الإسلام بل يعادونه في كثير من الأحيان و لا يهدف سعيُهم إلا إلى عرقلة مسيرته و إفراغه من محتواه الرباني و فاعليته الاجتماعية، أمّا ما يأتي بالخير كله فهو التجديد و الاجتهاد من داخل البناء المعرفي الإسلامي ذاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى