عادت الصديقة من عطلة دامت شهرا كاملا في كندا. أسهبت في الحديث عن جنة “مونريال” و كيف أن هناك في بلاد الهنود الحمر أسس البيض حضارة عظيمة جعلت من حياة المواطن الكندي ساعة مضبوطة.
” النظافة في مونريال خرافية، كل شيء ييسر علي المواطن نمط المعيشة، فلا ترين فوضي أو مشاهد النفايات المنتشرة بكثافة في بلادنا، حياتهم عبارة علي رحلة جميلة في جنة أرضية. هذا و سلوكات المواطنين غاية في التحضر، يحترمون الأدوار في الطوابير، يقودون سيارتهم بإنضباط و إحترام شديد لإشارات المرور، يلتزمون آداب التعايش، فلا أصوات عالية و لا صخب و لا ضجيج و لا أطفال في الشوارع كالذين يهيمون علي وجوههم في شوارع و زقاق الجزائر. الخلاصة، شعرت بغضب و إمتعاض شديد من تقدم و تطور و تحضر الكنديين و تخلفنا و جهلنا و همجيتنا نحن في بلادنا، هناك كل شيء جميل، هنا كل شيء رديء…”
مكان الصديقة لم أتعجب من محتوي سردها، يغيب دوما عنا أن سياقنا التاريخي يختلف من بلد إلي آخر و من قارة إلي أخري، هذا و فعل الحضارة فعل تراكمي قائم علي تجارب و أفكار و خبرات مجموعة إنسانية تخطت بإقتدار مجاهل الظلم و الإنتهازية و الفساد و الإستبداد و أدركت أن مفاتيح أي نجاح أو تفوق مشروط بمدي قابليتها للإبتكار في أجواء توفر حد أدني من العدل و حسن التدبير و التسيير. و هذا ما نفتقده في عالمنا المتخلف و الجزائر تحديدا، نحن عشنا فترة الإنحطاط الحضاري بضعف الإمبراطورية العثمانية و فرنسا التي تشجمت عناء غزو الجزائر من أجل تبليغ سكانها رسالة التحضر، قادت حركة إستعمار أفضت إلي إستئصال معالم الهوية لأهالي جزائريين لم ينجحوا بعد الإستقلال أي بعد خروج عساكر فرنسا من الجزائر، أقول لم ينجحوا في إسترجاع تلك المعالم و التي طمستها أنظمة وضعية من إشتراكية و رأسمالية وحشية و وطنية لا تعترف بشرع الله. النتيجة متوقعة : في 1446 هجرية، لم تنجح المدرسة الجزائرية في تخريج أجيال قادرة علي رفع تحدي النهوض الحضاري و هذا ينطبق علي كل الدول العربية اليوم.
هم هناك في كندا، شعب من المهاجرين بنوا دولتهم علي أشلاء القبائل الهندية عملا بمنطق البقاء للأقوي، ما عايشته الصديقة علي مدي شهر في ربوع مونريال، شكل من أشكال الصدمة التي يعاني منها كل إنسان آت من عالم متخلف و تقدم كندا أكثر منه تطور مادي تغلفه مسحة من الأخلاق المتمدنة لا غير و هكذا هي في العموم حضارة البيض الغربية علي كل حال…