سياسةيهمكم

الاعتراف بالدولة الفلسطينية: الغرب يلعب لعبة مزدوجة*

بقلم : الأستاذة غادة عجيل

بينما تشنّ إسرائيل مجازرها المدمّرة في أنحاء فلسطين، يواصل الغرب تزويدها بالسلاح، في الوقت الذي يتظاهر فيه بالاعتراف بدولة فلسطينية.

خمسة و عشرون فرداً من عائلة الحسري كانوا يعيشون في منزل مكوّن من خمسة طوابق في مخيم الشاطئ، المطل على الميناء المدمر على الطرف الغربي من مدينة غزة.

اليوم، أصبح ذلك المنزل قبراً. لم ينجُ سوى ثلاثة أفراد من العائلة بعد هجوم إسرائيلي ضخم الأسبوع الماضي، حيث حلّقت الطائرات المسيّرة و الـ”كوادكوبتر” في المنطقة، و أطلقت النار على كل من حاول إنقاذ الجرحى أو انتشال الجثث. و من بين القتلى كانت يارا، طالبة في السنة السادسة بكلية الطب، كانت تمارس عملها كطبيبة.

حاول الجيران الحفر بأيديهم وسط الركام و الحديد لإخراج جثتي طفلين. و روى أحد الأقارب أنه سمع أصوات بكاء خافتة من تحت الأنقاض، قبل أن تخفت فجأة – “و كأن الأرض ابتلعتهم بالكامل”.

بعد أيام، تم القضاء على 20 فرداً من عائلة السلطان في حي التوام شمالاً، في ضربة واحدة محَت شجرة العائلة بأكملها في فعل وحشي واحد.

و في هذا الأسبوع، قُتل 23 شخصاً آخرين عندما دُفنت عائلة زقوت تحت أنقاض منزلها.

الحاج إبراهيم عبده، رجل فلسطيني مسن و نازح، انهار عند دوار النابلسي في قلب مدينة غزة أثناء محاولته التوجه جنوباً. تحمّل مشقة الطريق، لكن قلبه لم يحتمل ألم التهجير القسري. توقف عن الخفقان، مثقلاً بالحزن و الأسى على فراق مدينته الحبيبة غزة. و نظراً لعدم توفر وسيلة نقل لنقله إلى أقرب مقبرة في الشيخ رضوان، دفنته عائلته في مستشفى الشفاء.

هذا مجرد لمحة عن العنف الإبادي الذي يحدث في هذه اللحظة – حتى و أنت تقرأ هذه الكلمات.

الاستراتيجية العسكرية الأساسية

كل هذا جزء جوهري من الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية. ففي 8 سبتمبر، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس:

“إعصار قوي سيضرب سماء مدينة غزة اليوم، و سترتجف أسطح أبراج الإرهاب.”

بالنسبة لعائلات الحسري و السلطان و زقوت، لم تكن هذه الكلمات مجازية، بل كانت حكماً بالإعدام. و الحكم نفسه يخيّم على مدينة غزة بأكملها – المدينة التي يزيد عمرها عن 5000 عام، مهد الحضارة و التاريخ و الثقافة.

بدأت الهجمات الإسرائيلية في أحياء الزيتون و التفاح و الدرج و الشجاعية، و هي أقدم مناطق غزة، حيث تراكمت طبقات من الذكريات و التاريخ في حجارتها و شوارعها، فحوّلها الاحتلال إلى غبار.

كانت هذه الأحياء الفقيرة تحتضن أقدم معالم غزة، مثل:

الجامع العمري، الذي يعود إلى عام 634م،
حمام السمرة التقليدي من عام 1320م،
قصر السقا، الذي بني عام 1661م.

أما اليوم، فلم تعد هناك زيتون.
ففي الأسابيع الأخيرة، تم قصف أكثر من 1500 منزل فيها و تدميرها بالكامل.

من هناك، تقدمت القوات الإسرائيلية عبر حي الرمال، القلب النابض للحياة الاقتصادية و الإدارية و الثقافية و الاجتماعية في غزة.
دمّروا ما تبقى من جامعتي الأم، الجامعة الإسلامية، زاعمين أنها هدف عسكري، رغم أنها كانت تؤوي مئات العائلات النازحة.

الآن، يشمل القصف كل حي في مدينة غزة – شرقاً و غرباً و شمالاً و جنوباً – بعنفٍ شديد يمكن سماعه حتى في تل أبيب.

تحولت الشوارع بسرعة إلى مقابر لأولئك الذين لم يتمكنوا من النجاة في الوقت المناسب.
قبل أيام، نشرت نور أبو ركبة، صحفية في قناة الجزيرة حلت محل زميلها الشهيد أنس الشريف، منشوراً على فيسبوك حذرت فيه العالم بكلمات يجب أن تطارد ضمير الإنسانية:

“غزة تحولت الآن إلى مسلخ بشري – لمن لا يزال يهتم.
> الشوارع و الطرق ممتلئة بالشهداء.”

“مدينة تلفظ أنفاسها الأخيرة”

السماء التي تغطيها الطائرات المسيّرة فوق غزة يخترقها صراخ الأطفال الذين لا يجدون مسكنات للألم وسط عمليات البتر.

رداً على أوامر الإخلاء الإسرائيلية، التي تهدف إلى إجبار العائلات على النزوح، كتبت الصحفية سماهر الخزندار من غزة:

“شكراً على تحذيركم… لكنني لا أريد أن أموت أنا ألهث!
أقف في مكاني حيث سأكون، آخذ نفساً عميقاً، و أتخيل كل الخسارات الممكنة، بأقصى درجات الألم.
أدرب نفسي حتى لا أرتعب و أنا أنزف آخر قطرات دمي بعد أن أرى كل من أحب يُقتَلون بأبشع الطرق.

من هذا المكان الذي أقف فيه، في مدينة تلفظ أنفاسها الأخيرة، أرى أن أقسى الاحتمالات أرحم من أن أركض نحو الموت عبر طرق اختارها أولئك الذين أحرقوا أرواحنا…
هذه ليست صموداً لا مقاومة؛ إنها استسلام كامل للمصير.”

و قد أثبتت الأحداث صحة هذا التوقع؛ فقد قُصفت عائلة كانت تحاول الفرار هذا الأسبوع أثناء ركوبها سيارة محملة بأمتعتها قرب ميدان الكتيبة غرب غزة، ما أسفر عن استشهاد خمسة أشخاص.

قائمة الأبراج و المباني التي تم قصفها، و العدد المتزايد من الشهداء الفلسطينيين، يثقل قلبي حزناً.
لكن حتى هذه القوائم الطويلة تعطي صورة ضئيلة عن حجم الدمار، بينما تواصل إسرائيل تسوية المدارس، و عمارات مكتظة بالعائلات، و البنى التحتية الاجتماعية و التاريخية و الثقافية و التعليمية بالأرض.

من قلب حي تل الهوا، كتبت قريبتنا نور خليل، و هي لاجئة من بيت داراس – القرية التي دمرتها إسرائيل و هجّرت سكانها عام 1948 – منشوراً مؤثراً على فيسبوك قالت فيه:

“يا غزتي الحبيبة… ليتهم يعلموننا كيف نخبئك داخلنا،
و كيف نضعك في حقيبة النزوح،
و كيف نحملك على ظهورنا و نحن نرحل.

ليتهم يعلموننا كيف نحميك من الصواريخ، و من الألم، و من الدماء.

و الله إن رؤيتك مغطاة بالغبار و السواد لا تُحتمل…
كيف لإنسان أن يعيش و هو يشعر أنه بلا مكان؟”

صراع من أجل البقاء

إلى جانب استهداف عائلات غزة، تستهدف إسرائيل أيضاً مباني منظمات مرموقة، مثل برج الرؤيا الذي كان يضم مكاتب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان – و هو مركز تمت معاقبته مؤخراً من قبل الولايات المتحدة بسبب عمله على محاكمة قادة إسرائيل في محكمة لاهاي.

كل هذا يحدث بموافقة الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة و بريطانيا، حتى بعد أن خلصت الأمم المتحدة هذا الأسبوع إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة، مشيرة إلى دعوات علنية للإبادة أطلقها قادة مدنيون و عسكريون إسرائيليون.

هذه النتائج محرجة سياسياً للحكومات الغربية، التي تفضل تصوير هذه الفظائع على أنها نتيجة لوزراء من اليمين المتطرف، بدلاً من الاعتراف بأنها رؤية متجذرة و واسعة الانتشار تجاه الفلسطينيين.

إن “بوابات الجحيم” التي تحدث عنها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش لم تُفتح فجأة؛
بل كانت مواربة منذ النكبة عام 1948، تصدر منها أصوات الصرير و النيران.

ما يميز الإبادة الجماعية الحالية هو سرعتها و حجمها و وحشيتها، حيث تُعاش هذه الفظائع و تُبث مباشرة في الوقت الفعلي.

و نتيجة لذلك، أصبح القانون الدولي الإنساني نفسه في غزة اليوم يكافح من أجل البقاء.
فلدى الدول الغربية واجب قانوني يتمثل في منع الإبادة الجماعية من خلال استهداف مرتكبيها.

لكن بدلاً من ذلك، يواصل الغرب لعب لعبة مزدوجة:

من جهة، يتظاهر بالاعتراف بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة،
و من جهة أخرى، يواصل تزويد إسرائيل بالسلاح، و بذلك يقضي على أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية لأجيال قادمة.

*ترجمة من الإنجليزية إلي العربية الذكاء الإصطناعي عن مجلة عيون الشرق الأوسط البريطانية

الرابط :

 : https://www.middleeasteye.net/opinion/palestinian-state-recognition-west-playing-double-game

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى