(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Saturday, 13 April 2024 11:19

هجر القرآن بعد رمضان

Written by  الأستاذ محمود إسماعيل الشل
Rate this item
(0 votes)
يلاحظ على كثير من المسلمين قلة اكتراثهم بالقرآن قراءة و حفظًا و تدبرًا و عملاً، و قد يمرُّ على بعضهم أحد عشر شهرًا لا يفتحون فيها المصحف و لا يطالعون فيها آية، فإذا دخل شهر رمضان قرءوا القرآن كلّه هذرمة (أي مسرعين) غير متدبرين لآياته و لا عاملين بما فيها من أوامر و نواهٍ ثم يعودون إلى هجر القرآن بعد رمضان.
و فضل القرآن عظيم.. فهو كتاب حياة و منهج وجود للإنسان، و هو يقدم للمسلم كل ما يحتاج في الدنيا و الآخرة، و يجيب عن كل ما يخطر بباله من تساؤلات.. إنه أب حنون، و أم رؤوم ينزل على القلوب المؤمنة بردًا و سلامًا، و يمسح بيده الحانية عليها، فيزيل كل ما يعلق بها من أمراض و آلام، فهل يُعقل أن يغفل المسلم عن هذا الخير و لا يجعل لنفسه وِرْدًا – و لو صغيرًا – 
من القرآن، و قد صدق الحق جل و علا؛ إذ يقول: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقَى * وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَ كَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} – طـه : 123 – 126.
إن كثيرًا من المسلمين يضعون المصاحف في علب جميلة مزخرفة و مزركشة.. و كأن القرآن جزء من الديكور و الزينة!! و القرآن لم يُجعل لهذا، بل أنزله الله تعالى للتدبر و التأمل و الفهم و التطبيق.
و قد روى البيهقي في شعبه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، قيل يا رسول الله و ما جلاؤها ؟ قال: تلاوة القرآن و ذكر الموت."
و لقد شهد الأعداء قبل الأصدقاء – و الكافرون – قبل المؤمنين – بعظمة القرآن و سمو معانيه – فقد أتى الوليد بن المغيرة مرة إلى الرسول صلى الله عليه و سلم، و هو أحد خصومه الألداء – يقول: يا محمد اقرأ عليَّ القرآن، فيقرأ عليه الصلاة و السلام: “إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الإِحْسَانِ وَ إِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَ يَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْي يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون”، و لم يَكَد يفرغ الرسول صلى الله عليه و سلم من تلاوتها حتى يطالب الخصم الألد بإعادتها بجلال لفظها و قدسية معانيها مأخوذًا برصانة بنيانها مجذوبًا بقوة تأثيرها، و لم يلبث أن يسجل اعترافه بعظمة القرآن قائلاً: “و اللهِ إن له لحلاوة و إن عليه لطلاوة، و إن أسفله لمُورق، و إن أعلاه لمثمر، و ما يقول هذا بشر."
و قد روي أنه جاء في التوراة أن الله تعالى يقول: “عبدي أما تستحي مني، يأتيك كتاب من بعض إخوانك، و أنت في الطريق تمشي، فتعدل عن الطريق، و تقعد لأجله، و تقرأه و تتدبره حرفًا حرفًا حتى لا يفوتك منه شيء، و هذا كتابي أنزلته إليك، انظر كيف فصلت له فيه من القول، و كم كررت عليك فيه، لتتأمل طوله و عرضه، ثم أنت معرض عنه، فكنت أهون عليك من بعض إخوانك ! يا عبدي يقعد إليك بعض إخوانك، فتقبل إليه بكل وجهك، و تُصغي إلى حديثه بكل قلبك، فإن تكلم تتلكم أو شغلك شاغل عن حديثه أومأت إليه (أي أشرت إليه) أن كف.. و هأنذا مقبل عليك و محدث و أنت معرض بقلبك عني، أفجعلتني أهون عليك من بعض إخوانك؟! و مثل هذا ينطبق على هجر كثير من المسلمين لكتاب الله و عدم عنايتهم به، كما يعتنون بإخوانهم و أصدقائهم ! و قال محمد بن كعب: كنا نعرف قارئ القرآن بصفرة لونه، يشير إلى سهره و طول تهجده.
و قال وهيب بن الورد: قيل لرجل ألا تنام ؟ فقال: إن عجائب القرآن أَطَرْن نومي.
و قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ينبغي لقارئ القرآن أن يُعرف بِلَيْله إذ الناس نائمون، و بنهاره إذ الناس مفطرون، و ببكائه إذ الناس يضحكون، و بورعه إذ الناس يخلطون، و بصمته إذ الناس يخوضون، و بخشوعه إذ الناس يختالون، و بحزنه إذ الناس يفرحون..
ومما يؤكد أهمية القرآن في حياة كل مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بيَّن أن من الدعاء أن يقول العبد: اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، و نور بصري، و جلاء حزني، و ذهاب همِّي و غمي..
و قد أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله بن عمر في الحديث المتفق عليه أن يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، كما كان ابن مسعود، و عثمان، و زيد رضي الله عنهم يختمون في كل أسبوع مرة.
و القرآن الكريم.. فيه نبأ من قبلنا، و خبر من بعدنا، و حكم ما بيننا، و هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبَّار قصمه الله، و من ابتغى الهدى في غيره أضله الله، و هو حبل الله المتين، و نوره المبين، و الذكر الحكيم، و الصراط المستقيم، من قال به صدق، و من حكم به عدل، و من عمل به أُجر، و من دعا إليه هُدِي إلى صراط مستقيم. لا تزيغ به الأهواء و لا تلتبس به الألسنة، و لا يشبع منه العلماء و لا يملُّه الأتقياء، و لا يبلى على كثرة الرد و التكرار، و أهل القرآن هم أهل الله و خاصته، المتمسكون به ناجون فائزون، و المعرضون عنه هلكى خاسرون، و لم تملك الجن حين سمعته إلا أن قالت: “إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَ لَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا” سورة الجن. و قال الله تعالى: “وَ إِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِين…”، الآيات من سورة الأحقاف.
أنواع هجر القرآن
و بعض الناس يظنون أن هجر القرآن محصور في هجر القراءة فحسب، و لكن الصواب أن أنواع الهجر كثيرة، فهناك هجر سماعه و الإيمان به و الإصغاء إليه، و هناك هجر العمل به و الوقوف عند حلاله و حرامه، و إن قرأه و آمن به، و الثالث هجر تحكيمه و التحاكم إليه، في أصول الدين و فروعه، و اعتقاد أنه لا يفيد اليقين، و أن أدلته اللفظية، أو أنه يحكي ماضيًا أو أشياء صعبة التحقق، و العدول عنه إلى غيره من شر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة عن الآخرين.
و هناك هجر تدبر القرآن و تفهمه و معرفة ما أراد الله منه، و كل هذا داخل في قول الله تعالى: “وَ قَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا” الفرقان.
و من هجر القرآن كذلك وجود حرج في الصدر منه، و هجر القرآن داء وبيل و مرض خطير؛ لأنه هجر لمصدر النور و الهداية و السداد و الرشاد، و إن في القرآن خيرًا لا يحصى و من ذلك أنه:
كتاب هدى: “الـم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِين” البقرة
كتاب رحمة: “الـم * تِلْكَ آياتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِين” لقمان
كتاب شفاء: “وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِين” الإسراء
كتاب طمأنينة: “أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب” الرعد.
كتاب الحياة الحقيقة: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُم” الأنفال.
كتاب السرور والفرح: “قُلْ بِفْضْلِ اللهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون” يونس.
كتاب خير عام: “وَ قِيلَ لِلَّذِينَ آمَنُوا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا” النحل.
كتاب حق: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ” النساء.
آداب قراءة القرآن
1- التأدب بآدابه و التخلق بأخلاقه، سُئلت السيدة عائشة عن أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم، فقالت: (كان خلقه القرآن).
2- أن يحل حلاله و يحرم حرامه.
3- قراءته على أكمل الحالات من طهارة، و استقبال قبلة، و الجلوس في أدب و وقار.
4- ترتيله و عدم الإسراع في القراءة؛ لقول الله تعالى: (وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِه)
5- التزام الخشوع و البكاء أو التباكي عند قراءته كما أمر الرسول صلى الله عليه و سلم فيما رواه ابن ماجه (ابْكُوا فإن لم تبكوا فتباكوا)، و قوله صلى الله عليه و سلم (زَيِّنوا القرآن بأصواتكم) رواه النسائي.
6- تحسين الصوت بالقرآن لقول النبي صلى الله عليه و سلم (زينوا القرآن بأصواتكم) رواه النسائي.
7- الإسرار بالتلاوة إن خشي الرياء، أو كان يشوِّش على مُصَلٍّ، و الجهر بالقراءة إن كان في ذلك فائدة مقصودة تحمِل الناس على قراءته و التفكر في معانيه، و تعظيمه، و استحضار القلب عن تلاوته.
إن تلاوة القرآن قيمة عظيمة فحافظ عليها، لكن القيمة الحقيقة أن تشهد و تتغير الجوارح بما قرأت.
تذكر دائمًا أنك في مرحلة اختبار قاسٍ تحتاج لجهد و إرادة، و هذا الاختبار يتكون من سؤال واحد: هل يصبح القرآن حجة لك أم عليك؟ فكِّر جيدًا في السؤال، ثم أجب عليه في حدود الواقع العملي و في زمن مدته عمرك الذي قدَّره الله لك.
Read 165 times Last modified on Wednesday, 17 April 2024 08:09