الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و على آله و صحبه و بعد:
المقام مقام إصلاح بينك و بين الله عزّ و جل في حال السعة و الشدّة، بل كلما لجأت إلى الله و أظهرت فقرك إلى الله و توكلت على الله تعلقت بالسبب الأعظم و هو رحمة، و فضل الله.
من أسماء الله تعالى الودود يحب عباده المؤمنين الذين داوموا على طاعتهّ.
قال تعالى:{ إنّ ربي رحيم ودود} 90 هود، المعنى اللغوي: الودود من صيغ المبالغة؛ أي كثير الود، الودُّ أي المحبة؛ تقول وددته إذا أحببته، و هذا أصفى الحب و ألطفه.
و يأتي على معنيين: الأول: فعول بمعنى فاعل؛ أي الذي يحب أنبياءه و رسله، و أولياءه، و عباده الصالحين، و من آثار ذلك أنه يرضى عنهم بأفعالهم، و يحسن إليهم و يمدحهم بها.
الثاني: فعول بمعنى مفعول: أي مودود، يعني المحبوب الذي يحبه أولياءه، و رسله، و عباده المؤمنون، المحبة العظمى، فلا شيء أحب إليهم منه سبحانه، فهي نسيمهم، و روح أبدانهم، فهو سبحانه يود أولياءه و يودونه.
المعنى الشرعي: الله سبحانه هو الودود المحبوب لكل معبود:
- 1.المتودد إلى أولياءه بمعرفته و نعوته الجميلة.
- 2.المتودد إلى المذنبين بعفوه و ستره، و رحمته.
- 3.المتودد إلى جميع خلقه برزقه، و آلائه الواسعة، و ألطافه، و نعمه الخفية و الجلية.
- 4.و هو المحبوب المستحق أن يحب لذاته، و صفاته، و أفعاله.
ما ألطف اقتران اسم الودود بالرحيم و الغفور قال تعالى:{ إنّ ربي رحيم ودود} و قال سبحانه:{ و هو الغفور الودود} البروج 14، فإن الرجل قد يغفر لمن أساء إليه و لا يحبه، و الرب تعالى يغفر لعبده إذا تاب إليه و يرحمه، و يحبه مع ذلك، قال تعالى:{ إنّ الله يحب التوابين} البقرة222، و إذا تاب الله على عبده أحبه، و لو كان منه ما كان، فارتباط هذا الاسم الكريم بالمغفرة، يدل دلالة جليّة على محبة الله للاستغفار من الذنوب، و محبته للأوبة و الرجوع، و أن ذلك من أعظم مقتضيات، و موجبات المودّة، التي تقتضي المغفرة و الرحمة في الدنيا و الآخرة.
من جلال الودود أن يرزق أولياءه محبة الناس، فيحببهم إلى خلقه، فيجعل لعباده الصالحين ودًّا أي حبا عظيما، و ودادًا في قلوب العباد، و أهل السماء، و أهل الأرض، من غير تعرض منهم للأسباب التي تكسب بها الناس، قال تعالى:{ إنّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا}96 مريم.
جعل تعالى المودة و الرحمة آية على وحدانيته في الألوهية، و كمال رحمته في أسمى علاقة بين الزوجين قال الله العظيم:{ و جعل بينكم مودّة و رحمة}21 الروم. و ارتضاها لتكون بين المتخاصمين مع الآخرين قال تعالى:{ عسى أن يجعل بينكم و بين الذين عاديتم منهم مودة} الممتحنة 7، "أي محبة بعد البغضة، و مودة بعد النفرة، و ألفة بعد الفرقة" كما فسرها ابن كثير رحمه الله.
{ لو أنّ أهل القرى آمنوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كسبوا} الأعراف 96، ربنا يكلم الأمم........الرخاء العام، الرخاء الدولي، الفتح الاقتصادي، التنمية، النهضة، إذا أردنا كل هذا فعلينا أن نعمل بهذه الآية العظيمة، الله عزّ و جل ودود.
{ لفتحنا} أي بينكم و بين ما تريدون، أبواب مغلقة و هي موجودة، { لفتحنا عليهم} و في قراءة فتّحنا بالشدّة اي مبالغة في الفتح.
الناس مقفولة عليهم و مسدودة وأنت إذا آمنت و اتقيت فتحها عليك، أي خصوصية هذه في المعاملة؟ هذا لأنك تعامل الرب الودود.
{بركات من السماء و الأرض} البركة هي الخير الذي يبرك كبركة الماء، نقول برك البعير أي لزم مكانه، الخير الذي لا ينقطع و لا ينقص. من السماء و الأرض من حيث لا تحتسب، من حيث لا تدري و من حيث تدري. الله ودود منعم و شكور، لنضرب مثلا و لله المثل الأعلى: إنسان ثري يعطي ألف دينار لرجل و يقول له:" إن شكرتني زدتك" فقام بشكره فزاده عشرة آلاف دينار، يتودد إليه بالكرم. فما بالك الله الودود الكريم الواسع سبحانه وتعالى { و لو أن أهل القرى آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض}
اللهم يا خير الفاتحين افتح قلوبنا على حبك و معرفتك و الإنابة إليك.
هذا و الله أعلم و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه.