قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الإثنين, 20 حزيران/يونيو 2022 09:04

حتى لا تصير البيتوتية مقبرة المرأة المتميزة!

كتبه  الأستاذة هدي عبد الرحمن النمر
قيم الموضوع
(0 أصوات)

العبرة ليست ببيتوتية المرأة أو خروجها و عملها، بل الشأن في المرأة نفسها، ذلك أن صور الأنشطة كلها التي نقوم بها إنما هي في حقيقتها وسائل لا غايات، فما لم تكن للمرء في حياته غاية محددة المعالم و الرؤى و المراحل، و على أساسها يحدد أقدار الوسائل و أنواعها، أيا ما يفعل سيكون خبط عشواء، السكين مثلًا آلة يختلف أثرها باختلاف مستعملها، فأثرها في يد قاتل غير الطبيب غير الطاهي، و هي هي نفس السكين. دليل ذلك ما وصلني من ردود القارئات على المقال السابق، على تنوعها انقسمت صفين، صف يستغرب كيف يمكن للبيتوتية ألا تكون مقبرة، و يستشعر الحاجة للخروج و الانطلاق، و صف اشتدت حسرته على ما يشغله من الخروج و الانطلاق و يتمنى لو يتاح له أن يكون بيتوتيًا متخففًا من شواغل تستنزف طاقاته، تذكرت عندها فورًا أبيات عباس العقاد:

صغيرٌ يشتهي الكبرا ** و شيخٌ ودَّ لو صَغُرا و خالٍ يبتغي عملاً

** و ذو عملٍ به ضَجِرا وَ رَبُّ المالِ في تعبٍ ** و في تعبٍ من افتقرا و يشقى المرءُ مهزوماً **

و لا يرتاحُ منتصرا و ذو الأولادِ مهمومٌ ** و طالبهم قد انفطرا و مَنْ فَقَدَ الجمالَ شكى **

و قد يشكو الذي بُهرا فهل حَاروا مع الأقدارِ ** أم هل هم حَيَّروا القدرا؟

هذا الانقسام أكّد لي أن منشأ الخلل يكمن في أننا نترك الظروف و الحياة تسيّرنا، و نرتاح إلى ما يهديه لنا هذا الطبع من رفع للشعور بالمسؤولية أو إحساس بالذنب أو التقصير، فضحية الظروف لا يمكن بحال لَوْمه عليها و لو بقدر صغير! و لأن هذا الوضع في نفس الوقت غير مرضٍ و لا مجزٍ نفسيًا أو روحيًا أو عقليًا، تكون ردة الفعل الوحيدة الباقية كثرة التذمر و الشكوى و الاكتئاب و كافة أشكال التفريغ العاطفي السلبي بين الحين و الآخر. و لأننا استوفينا الحديث فيما سبق عن فقه الحياة و منهاج عبورها، و هو منهج صالح لكل الفئات عامة، أخص بالحديث هنا منهجية للمرأة البيتوتية خاصة الزوجات و الأمهات.

أولًا: هواجس تطوف بالخاطر.

- هاجس الوقت لا يكفي: الخطة تعني تنظيم الوقت المتاح بالفعل، لا خلق مزيد منه من عَدَم، فمهمته أن ينبهك إلى تلك الساعات الثمينة المهدرة أثناء اليوم، و يعينك على حسن استثمار الساعة أو الساعتين اللتين يمكن أن تتخففي فيهما من المشاغل بدل مواجهتها ارتجالا فتكون كعدمها. كما سيتضح معنا، هذه الأوقات، و لو بلغت ساعتين في اليوم مجملًا، تكفي لتحقيق أكثر بكثير مما تظنين. أزمة التخطيط لا تكمن أبدًا في ضيق الوقت، بل غالبًا في الهمة و العزم لاستثمار ما هو متوافر منه بالفعل.

- هاجس التفرغ: من قال إن (استثمار) الوقت يعني الإلقاء بكل التزاماتك من النافذة؟ هذا مطلب غير واقعي البتة، لأن المرء في عالم اليوم قلّما يكون فارغاً بالكلية، حتى و إن لم يكن موظفًا، فهناك التزامات من أنواع أخرى. ببساطة، التفرغ المحمود هو (الانقطاع لكل عمل)، تصرفين فيه الوقت المخصص له بغير أي مشتتات و لا مؤثرات، جربي أن تقرأ صفحة و التلفاز مفتوح أمامك أو إشعارات الفيسبوك تلاحقك و انظري كمّ الوقت الذي يستغرقه التشتت لا القراءة! نفس الصفحة يمكنك أن تتميها بقراءة واعية في نصف الوقت أو أقل، فقط (استثمري) ما هو بالفعل فارغ في يومك على وجهه، و أعطي كل ذي قدر قدره وكل ذي حق حقه.

- هاجس الذنب: ماذا لو وضعت خطة و لم يمكنني الالتزام بها تمامًا؟ سأشعر بالذنب و الإحباط، فما جدوى تخطيط لا يتحقق؟ الجواب قول الله تعالى: {أفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك:22]، و حديث المصطفى: «استَقيموا و لَن تُحصوا». فقد نبهنا المصطفى  لمكانة الإعداد و التخطيط الحقة بغير إفراط و لا تفريط: «استقيموا و لن تحصوا»، أي لن تستطيعوا بحولكم و قوتكم إلا بعون الله تعالى، ولن تبلغوا أداء حقه تعالى على كل حال؛ و إنما «سدّدوا» أي الزموا هديه و سنته، «و قاربوا»، أي لا تشددوا و لا تفرّطوا، «و أبشروا» برحمة الله تعالى و فضله، «فإنَّهُ لن يُدْخِلَ الجنَّةَ أحدًا عَملُهُ»، قالوا: "و لا أنتَ يا رسولَ اللَّهِ"، قالَ: «و لا أَنا إلَّا أن يتغمَّدَنيَ اللَّهُ منهُ برحمةٍ»، و ليس العبرة بمن استكثر و السلام، و إنما بمن صدق و أخلص. و إن من يجتهد أن يستقيم على منهج واضح، لا ينفي إخفاقُه بين الحين و الآخر كونه على منهاج واضح، و كونه سينهض من عثرته و يتدارك نفسه، حتى يصير الانضباط له دأبًا و عادة و طبعًا لا تكلفًا. و هذا بديهة خير ممن يخبط على غير هدى، و يجهد نفسه في غير رؤية واضحة، و أولئك هم الذين ورد وصفهم في الأثر أنهم يركضون في الدنيا ركض الوحوش و يلهثون لهاث الظمآن، ثم لا يحصّلون من الفانية ما عسى أن يكون لهم رصيدًا في الباقية.

و صحيح أن مجريات الحياة لا تسير بالقلم و المسطرة، لكنها كذلك ليست تيارًا جارفًا لا حول لك فيه و لا قوة، فشتان بين من يحلم بتغيير العالم و هو لا يستطيع حتى تنظيم يومه أو ضبط ساعات نومه، و بين من الوقت عنده رصيد يسحب منه، كما قال الحسَن البَصْرِيّ: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذَهبَ يوم ذهبَ بَعضُك"، و شتـــان بين من يصحو كل يوم مبعثرًا، و يعيش حياة شبحية بين التلفاز و الفيسبوك، أو العمل و الخروج و اللقاءات و الأنشطة، دون أن يكون له وقفة مع النفس لمحاسبتها و تقييمها و ظل طويل من عبادة الخلوة؛ و من وضع لكل سؤال (1) منهج إجابة، سدَّد و قارَب و اجتهد ما استطاع، و استعان بربه على صحتها، فذلك يُرجى له أنه الكَيِّس الذي دان نفسه و عمل لما بعد الموت.

- هاجس فات الأوان: يكفي أن تعلمي أن العز بن عبد السلام الملقب بسلطان العلماء و عز الدين، لم يبدأ طلب العلم إلا في سن الأربعين، و توفّاه الله تعالى في سن الثمانين، أي أربعون سنة فقط -و كان خلالها أشغال أخرى- فتح الله له فيها بتلك المكانة التي لم يبلغها أحد من بعده، و كم من عالم يطلب العلم من نعومة أظفاره و ما بلغ معشاره!

إذًا ما من شك في فضل الله تعالى، و العبرة بمن صدق لا بمن سبق، و لا بد مع الصدق من منهجية بلوغ.

ثانيًا: المنهجية المقترحة:

- ترتيب الأولويات بحسب دوائر الحقوق: للمرأة عامة ثلاثة أدوار رئيسية، تحديدها و ترتيبها مما يقره الشرع و العقل، و نكتفي في هذا السياق بحديث كل ذي حق حقه: «إن لربِّكَ عليك حقًّا، ولنفسِك عليك حقًّا، ولأهلِك عليك حقًّا، فأَعْطِ كلَّ ذِي حقٍّ حقَّه» (البخاري)، بناء على ذلك، أولوياتك ترتب كالتالي:

1- أمة لله: فهذه هي الوظيفة التي لأصلها خلق الخلق أجمعون، و ليس من ديننا أن يكون المرء كالفتيلة أو الشمعة التي تحرق نفسها لتنير للناس، بل دين السراج الوهّاج الذي ينير في نفسه فينير لمن حوله تلقائيًا. صحيح أنه بالنسبة للزوجة و الأم فحق أهلها من حق ربها، لكن يظل هنالك قدر لا بد أن تقومي به لنفسك لأنها أول من ينبغي أن تبتغي نجاتها، و يظل هنالك ثوابت بتضييعها يضيع عليك صفاء قلبك و تتكدر روحك فتجوري على نفسك و على الحقوق الأخرى التي حرمت نفسك لأجلها.

لا بد من التوازن قدر الإمكان، و العزيمة طوال الإمكان، فكم أعلم من شابات إذا دخلت بيت الزوجية أوقفت القيام و النوافل و التعلم و كل شيء باعتبارها زوجة، و لديها من الوقت ما تحسده عليه الكثيرات، تهدره أمام التلفاز و على الهاتف و في التسوق، و الإطالة في أعمال المنزل لأنها تؤديها بتراخٍ كأنها في تصوير بطيء، فالوقت مفتوح و الزوج حاجاته معلومة و انتهت الحياة و الحساب عند هذه النقطة، هل يمكن لهذه أن تتساوى في الحساب مع من لديها رضّع أو أطفال هي في خدمتهم طوال اليوم و شطر الليل، و مع ذلك تجتهد في الصلاة على وقتها، و لا تنسى نفسها من ركعة وتر و ورد قرآن مهما قل؟ إن الزواج و الأمومة ليسا تذكرة عبور للجنة بذاتهما، بل بحسن الأداء فيهما، تمامًا كأي موقف يوقفه الإنسان في الحياة، فكما أن هناك أئمة يهدون الناس إلى الجنة، هناك أئمة و لكن إلى النار، لم تنفعهم إمامتهم شيئًا لأنهم ما قاموا فيها بحق الله، و الشابات اللواتي يبدأن هذه المؤسسة الوقفية لله تعالى -مؤسسة الزواج- بهذا التصور و هذا التعامل، هن تمامًا الصنف الذي حضوره حضور بيولوجي لتلبية الحاجات الغريزية، و هذا دور خدمة مشكور، و ليس دور الحضور المرجو، ليس دور الأم المربية و المهذبة و صانعة الأجيال، و لا دور الزوجة الصديقة الوزيرة الناصحة لزوجها، و هذا الصنف من أكثر من يشتكي أنه أفنى حياته في خدمة غيره، فلا هو سَعِد! و لا غيره استشعر أثره، و حقيقة الأمر أنه أفنى حياته في إهدار نفسه، لأن خدمة الغير على الحقيقة لا تتطلب الفناء إطلاقًا، مهما كان ذلك صحيحًا في أوقات معينة، فمن بلغ أولادها سن الرشد ليست كمن لها توأم رضيع مثلًا، و كل إنسان على نفسه بصيرة. و لهذا الدور، بالنسبة للزوجة البيتوتية (المتفرّغة لأسرتها)، نقتصر على أهم الثوابت التي لا ينبغي أن تغفل عنها إلى جانب قيامها بالفرائض المعلومة.

2- الصلاة على وقتها: مجرد الاهتمام بمواقيت الصلاة، و الاجتهاد نفسه في قطع الشواغل للقيام لها، من أعظم ما يمكن أن يجعل لها في قلبك مكانة و في أدائها حلاوة، و يكفيك حرصًا على هذا أن تعلمي أنها أحب الأعمال إلى ربك، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم: "أيُّ العملِ أحبُّ إلى الله؟" قال: «الصلاةُ على وقتها»، قال: "ثم أيٌّ؟" قال: «ثم برُّ الوالدَين»، قال: "ثم أيٌّ؟"، قال: «الجهادُ في سبيل اللهِ» (البخاري)، و يكفي أن ينشأ أطفالك حريصين على ذلك بمجرد كونك قدوة حية، بخلاف من أوامرها في وادٍ و أفعالها في وِديان أخرى.

3- القرآن: يحكى أن رجلًا كان يداوم على  قراءة القرآن، و لكنه لا يحفظ منه شيئًا، فسأله ابنه الصغير يومًا: "ما الفائدة من دوام قراءتك إذا كنت لا تحفظ منه شيئًا؟! فأجاب: سأخبرك إذا ملأت سلة القش هذه من ماء البحر! فقال الولد: مستحيل أن أملأها! سيتسرب الماء منها!  فقال له: جرّب! فأخذ الصبي السلة -و كانت تستخدم لنقل الفحم- و اتجه إلى البحر، و حاول ملأها، ثم جرى بسرعة إلى أبيه و لكن الماء كان قد تسرب منها بالفعل! فقال لأبيه متذمرًا: لا فائدة! رد الأب بثقة: جرب ثانية! ففعل و جرب ثانية و ثالثة و رابعة و خامسة دون جدوى! حتى اعتراه التعب و قال لأبيه: "يستحيل أن نملأها بالماء!" فقال الأب لابنه: "ألم تلحظ شيئًا على السلة؟!" هنا تنبه الصبي، لقد كانت السلة متسخة من بقايا الفحم حين أخذها، و الآن هي نظيفة تمامًا! عندها قال الأب لابنه: هذا تمامًا ما يفعله القرآن بقلبك! فالدنيا و شواغلها قد تلوث قلبك بعلائقها، و القرآن كماء البحر؛ يجلي صدرك و ينقي قلبك بدوام تلاوته، و لو لم تحفظ منه شيئًا. هذه الحكاية القصيرة كفيلة ببيان المراد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ وَ أَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24]، و في الحديث «التُّؤدةُ في كلِّ شيءٍ خيرٌ إلَّا في عملِ الآخرةِ» (الألباني) أي التأني يكون محمودًا إلا حين يتعلق الأمر بالاستزادة للآخرة، لقوله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ}، فكثيرون قد يؤجلون النظر في كتاب الله، و يستصغرون البدء و لو بورد صغير من عشر آيات أو ربع حزب، حتى يتفرغوا أو يبدؤوا في الحفظ أو يجمعوه مع التفسير، لكن الحل الأمثل كما رأينا في القصة، أن يلتزم المرء بورد تلاوة بهدف تنقية قلبه و صفاء نفسه، فهذا الذي يؤدي لتلك و ليس العكس.

4- الأوراد: أذكار الصباح و المساء، أذكار الأحوال (عند الأكل، دخول الخلاء، الخروج من المنزل، الثوب الجديد، الإعجاب بشيء ..)، التسبيحات المختلفة (سبحان الله و بحمده، سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر، لا حول و لا و قوة إلا بالله)، يرتب المرء لنفسه وردًا مهما قل يداوم عليه ، و يزيد فيه تدريجيا (2).

5- الرقائق و التذكرة: أن يكون لك منها ورد صغير تداومين عليه، بضع صفحات أو دقائق مسموعة، خير من المباعدة بينها بفترات طويلة ثم الانكباب على كتاب أو سلسلة مسموعة جملة واحدة، الطريقة الأولى هي تمامًا كفعل ماء البحر في سلة القش، استلزم الأمر عدة مرات متتالية لإحداث الأثر المطلوب.

6- زوجة: و هذا الدور و معالمه أبين من أن نتكلم فيه، و إنما نورد مراجع و كتبًا في هذا الشأن في الملحق في آخر المقال، و كل زوجة أدرى بما تحتاجه لتكون لزوجها متاعًا صالحًا و رفيقًا مؤنسًا و وزيرًا يشد عضده و يسدد نصحه.

7- أم: و هذا الدور يتطلب البدء في تصور منهجية تربوية و خطة تأسيس معرفي، ينبغي أن تبدأ من وقت الخطبة أو أوائل الزواج، لا تأخيرها حين يكبر الطفل و يشب عن الطوق ثم نبدأ في أخذ الدورات عن كيفية فهمه و التحاور معه، و لو أحسنت تشكيله حين كان لينا قابلًا للتشكيل لما احتاجت لفهمه حين تشكل في غيبوبة منها! و لكن لأن الأوان لا يفوت كما اتفقنا، ففي الملحقات قائمة كتب و مواد نافعة في هذا الشأن، يبقى لكل أم أن تولّف منها خطة تناسب مستواها و مبتغاها و مستوى طفلها و عمره.

8- أدومها و إن قل: لتكون أولوياتك غنية في غير تُخَمة، و كافية في غير تقشف، استعيني بقاعدة (أدومها و إن قل)، و ثقي بأن الخلل إنما ينشأ من عدم الدوام لا من القلة، التقدم ببطء و ثبات خير الجمود في مكانك، أو اللجوء للحلول الهروبية الجاهزة التي تريحك من التفكير في أخذ زمام حياتك بجدية و قوة. فإذا كنا نتحدث عن عمر يُنفَق و حياة تمضي فلا خير مهما صغر صغير، و لا استهتار مهما قلّ قليل، و كما يقول مصطفى صادق الرافعي، في كتابه (تحت راية القرآن): "البطء و القوة إلى زيادة خير من السرعة و القوة إلى نقص". و لنضرب مثالين يختصران الكلام: الاستيقاظ ساعة مبكرًا عن موعدك العادي: مجرد الطموح إلى تحصيل ذلك بضبط المنبه ليلة اتخاذ القرار هو أولى خطوات الإحباط و الفشل الذريع مقدمًا، خاصة إذا كنا نتكلم عن (التعود) على ذلك، لا تحقيقه ذات مرة و السلام، و من الناس من يتوقع هذا الفشل فيكف عن المحاولة من البداية، و يقنع بالعيش بين الحفر أبدًا، في مقابل الصنف الذي يبغي صعود الجبال في ليلة. الوسط بين هذين بكل بساطة  يعني أن تقسّم الهدف إلى خطوات مرحلية، تمامًا كرحلة تسلق الجبل، فلو ضبطت المنبه خمسة دقائق فقط مبكرًا كل ليلة، في خلال اثنتا عشرة ليلة -نموذجيًا- يمكنك الاستيقاظ ساعة مبكرًا، بغير أن تستحيل عملية النوم و الاستيقاظ عذابًا مقيمًا!  و حتى لو افترضنا وجود صعوبات أو عدم انتظام، لنقل إن شهرًا كاملًا من التدريب كفيل بعون الله تعالى و توفيقه على تحصيلها. و المثال الثاني الشهير: حفظ القرآن الكريم. و أصحاب هذا الهدف ممن لم يتمكنوا من تحقيقه بعد، تجدهم إما أن يحفظوا صفحات في اليوم أو لا شيء إطلاقًا، و الوسط بين هذين هو تحديد المدة التي تبتغي فيها ختم الحفظ، و لنقل مثلًا سنة، بقسمة حسابية يتضح أن المقدار المطلوب يوميًا سبع عشرة آية، أو عشر آيات على الأقل، و بترك وقت للمراجعات الدورية، يمكن أن تختمه بعون الرحمن حفظًا في سنة و نصف أو سنتين. كثيرون قد يستقلون هذا الرقم الصغير للوهلة الأولى: (عشر آيات فقط؟!)، و الرد يكون بتأكيد قاعدة: لا قليل مع المداومة، و لا كثير مع الانقطاع، و كم من السنوات أهدرت بغير الالتزام لا بالصفحات و لا بالعشر آيات! فأي الفريقين أهدى يا أولي الألباب؟ - كيف السبيل لذلك؟ اسردي على ورقة بيضاء أو عدة ورقات كل ما يجول في خاطرك من أهداف و طموحات ترين أنها سبيلك لبناء ذاتك و تزكيتها و تهذيبها في إطار الأولويات و دوائر الحقوق التي وضحناها سابقًا. يمكنك بعد هذا السرد، إعادة ترتيبها و تصنيفها بحسب تلك الدوائر، في كشكول بعنوان (بناء الذات) أو (استثمار العمر) أو أي عنوان آخر، بحيث يكون بمثابة المرجع أو المحفظة لكل ما يخطر في بالك حتى لا تشغلك أو تزحم رأسك أثناء السير، فكأنك تحفظها في مكان أمين لحين يأتي دورها واحدة تلو الأخرى، بغير أن تخشى ضياعها أو نسيانها. لكل أولوية اختاري هدفًا واحدًا أو اثنين، بناء على ما ترين أنك أحوج له، المهم أن تعتبري الهدف مشروعًا تستمرين معه حتى انتهائه، و لا تستقلي أبدًا العدد أو تستطيلي مدة الإنجاز، يكفي مثلًا مشروعان كمهارة تعلم القيادة مع خطة القراءة التربوية، لا تزيدي عليهما حتى تتميهما؛ أو مشروع حفظ القرآن مع مشروع تطوع مثلًا. الآن لديك مشروعان أو ثلاثة تريدين بعون الله تعالى البدء في إنجازها، كل مشروع له ثلاث مراحل ليصير قابلًا للتطبيق: 

1/ تجزئة الهدف لخطوات أو مهام متتالية (تفكيك الهرم لمكعبات).

2/ تزمين كل مرحلة (تحديد مدة زمنية لها، أو وِرد دوري لإتمامها).

 3/ كيفية تجزئة أي هدف لمهام مرحلية؟ مهما بدا أي عمل صغيرًا أو (كتلة واحدة)، احرصي أن تجزئيه حيثما أمكن، بحيث كلما أنجزت فيه خطوة مهما صغرت، يظل هناك (إنجاز ملموس)، و إن لم تتم الصورة النهائية في جلسة واحدة. مثال 1: (إعداد السيرة الذاتية). إذا وضعت هذه المهمة هكذا في قائمة مهام اليوم، في الغالب ما سيحصل أن يذهب الوقت المخصص للإعداد في التعرف على كيفية الإعداد، أو الحيرة في الخطوة الأولى، لو أخذت دقيقة تفكر لتجزئة هذا الهدف، يتبين لك أن خطواته كالتالي: مطالعة مقال أو اثنين عن أسس كتابة السيرة الذاتية المتميزة. تصفح الانترنت بحثًا عن (قوالب) أو تصميمات جاهزة للسيرة الذاتية. إعداد قائمة بمهارات العمل المتوفرة لديك، و كذا وظائفك السابقة إن وجدت.

- إعداد المسوَّدة الأولى: إطلاع أحد سابقي الخبرة في هذا المجال على مُسوَّدتك. تنقيح المسودة، و إعداد السيرة للطباعة. لو وضعت لكل خطوة من هذه الست مدة زمنية حوالي عشرة دقائق مثلًا، فذلك يعني الانتهاء في ساعة واحدة، بدل أن تظل المهمة أسبوعًا كاملًا تؤرقك لأنك لم تمنهج المسير من البداية فتخبطت في الاتجاهات.

مثال 2 : حفظ القرآن الكريم، يمكن تجزئة الهدف للمراحل التالية: تعلم قواعد التجويد: إما على يد مقرئ/ـة أو دروس صوتية على الانترنت: بمعدّل عشرون إلى ثلاثون دقيقة يوميًا. تلاوة جزء (عمّ) على مقرئ/ة لضبط القواعد إذا تيسّر. البدء في الحفظ: بمعدل عشر آيات يوميًا، و الحفظ نفسه له مراحل. سماع تلاوة الآيات (يراعى اختيار شيخ مجوّد و ليس قارئ ملحّن، كالشيخ عبد الباسط و المنشاوي). الترديد خلف القارئ آية آية. تلاوة الآيات كلها مرة واحدة. التسميع آية آية. تلاوة المحفوظ في صلوات الفرض. هذه المراحل كلها، باختيار وقت هادئ يمكن التركيز فيه بغير شواغل (و لو أن تقتطعي من وقت نومك الخاص) ساعة؛ و إذا تعذر إتمامها جملة، يمكنك بكل بساطة إتمام كل مرحلة على حِدة، فالسماع و الترديد يمكنك إتمامه أثناء وقت المطبخ و الأعمال المنزلية، و كذا الحفظ، يكفيك أن تنظري الآية مرة في مصحف مفتوح أمامك، ثم تكرريها حتى تحفظيها، أثناء جلي الصحون مثلًا. و قيسي على هذين المثالين طريقة تقسيم و تزمين و تنفيذ أي هدف آخر، كصفحتين يوميًا من كتاب، أو درس صورتي من سلسلة،.. إلخ. و بالاستعانة بالله تعالى، و الحرص على التجزئة و المداومة، و الهمة المتفائلة، سيمكنك إتمام الكثير بغير أن تنتظري حلم التفرغ الوهمي. هذا ما تيسر، و من يصدق الله يهديه سبله.

و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. -------------------------------------------------

(1) «لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسأَلَ عن شبابِه فيما أبلاه، و عن عُمُرِه فيما أفناه، و عن مالِه من أين اكتسبَه و فيما أنفقَه، و عن عِلمِه ماذا عمل فيه».

(2) من الكتيبات الجامعة في هذا الشأن: - جبال الحسنات بدقائق معدودات، لمحمد يونس بن عبد الستار.

- حصن المسلم، لسعيد بن وهف القحطاني.

الرابط : https://ar.islamway.net/article/46674/%D8%AD%D8%AA%D9%89-%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D8%B5%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%AA%D9%88%D8%AA%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%82%D8%A8%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%85%D9%8A%D8%B2%D8%A9

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قراءة 626 مرات آخر تعديل على الخميس, 23 حزيران/يونيو 2022 12:10

أضف تعليق


كود امني
تحديث