قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الجمعة, 29 تموز/يوليو 2022 14:30

عسكرة الثورة السورية و الأخطاء القاتلة

كتبه  الأستاذ أنور بدر
قيم الموضوع
(0 أصوات)

يسير التاريخ إلى الأمام بشكل مستمر، إلا أنه يسير وفق خط متعرج كثيرا، و هذا ما سمح “لآل البوربون” بالعودة إلى حكم فرنسا، لكن الثورة الفرنسية انتصرت في النهاية، و ربما نحتاج إلى أجيال كي نرى مآلات ما يحدث في سورية الآن، فالانتصارات العسكرية الآنية هنا أو هناك قد تشوش الرؤية، أكثر مما تصنع الحقائق، مع ذلك نحن مطالبون بدراسة الحدث في تعرجاته المستمرة، التي تصنع تاريخ السوريين اليومي و الكارثي بآن معا.

فتعقيدات الحالة السورية لم تمكّن من وضع نهاية سريعة للنظام، على غرار ما حدث في تونس أو مصر، إذ كان هذا النظام مستعدا منذ البداية للحل الأمني، الذي لا يمكن أن يقوم إلا عبر استدراج العسكرة و التطرف الإسلامي، و لذلك بدأ منذ اليوم الأول يردد منولوج المؤامرة الإرهابية الهادفة إلى النيل من نظام تقدمي و علماني و ممانع للإمبريالية و الصهيونية.

و استمر النظام في طرح هذه الديماغوجيا حتى نجح في تخليقها حقيقة واقعة، مستفيدا من كل المعطيات التي اشتغل عليها خلال عقود من الاستبداد، بِدءاً من الانقسامات العمودية في سورية، و مرورا بالتحالفات الإقليمية و الدولية، وصولا إلى الاستفادة من العناصر الجهادية التي وظفها سابقا في العراق، حين أطلق سراح أكثر من ٦٠ معتقلًا من قياداتهم بتهمة التطرف و الإرهاب، من سجن صيدنايا العسكري الأول، وصولا للكذب في تقديم المعلومات على طريقة “غوبلز”، و ليست رواية “أحمد أبو عدس” المرتبط بكتائب “عبد الله عزام”، و من ورائها “تنظيم القاعدة” بخصوص تفجيرات دمشق، و تهريب الفيديو المسجل لدى أجهزة الأمن السورية إلى مكتب الجزيرة في لبنان، و من ثم إلى مركز الجزيرة الرئيسي في الدوحة ليبث من هناك، إلا واحدة من تطبيقات “اكذب .. اكذب حتى يصدقك الناس.”

غير أن أهم أدواته التي لعبت دورا في تخليق تلك الديماغوجيا واقعا عيانيا، تكمن في طبيعة العلاقة بين السلطة السياسية من جهة و بين المؤسستين العسكرية و الأمنية، اللتين استشرى فيهما فساد النظام و ديكتاتوريته، و هو ما يَسّر له و ساعده على التقدم باتجاه الحل الأمني، الذي سبق و أن اختبره في بداية ثمانينات القرن الماضي في أكثر من منطقة سورية، فكانت الأوامر جاهزة للوحدات العسكرية بإطلاق الرصاص الحي على أهالي درعا المطالبين بعودة أطفالهم الذين كتبوا بأصابعهم الصغيرة على أسوار مدارسهم عبارة “الشعب يريد اسقاط النظام”، مرورا بمشاهد انتهاك كرامة المدنيين العزل في قرية “البيضا” التابعة لمدينة بانياس الساحلية، وصولا إلى إطلاق النار على المعزين في “ساحة الساعة” بمدينة حمص، وليست هذه إلا بعض الشواهد التي تؤكد استعداد هذا النظام لارتكاب أفظع جرائم القتل 

و العنف، و تؤكد في الوقت ذاته طواعية المؤسستين العسكرية و الأمنية لتنفيذ هذه المهام، و إطلاق النار على الشعب.

كمية العنف التي مارستها المؤسسة العسكرية، التي يطلق عليها في النشيد الوطني لقب “حماة الديار”، استفزت مشاعر البعض من العسكريين في البداية، الذين رفضوا إطلاق النار على أهاليهم من المتظاهرين السلميين، و تمّ فعلا توثيق الكثير من الحالات التي جرى فيها تصفية هؤلاء المجندين من قبل رفاقهم، بحجة عدم تنفيذ الأوامر العسكرية!  

و هنا بدأت ظاهرة الانشقاق عن مؤسسات الدولة ككل، و بشكل خاص المؤسسة العسكرية، و أخذت تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات الانشقاق المتتالية، التي يعلن فيها العسكريون أسماءهم و سبب انشقاقهم، و هم يرفعون بطاقاتهم العسكرية من أجل المصداقية، قائلين: و هذه هويتي!

الجيش الحر و ظاهرة الانشقاقات

كانت ظاهرة الانشقاقات محكومة في بداياتها بطبيعة عفوية و فردية غالبا، كرد فعل على العنف المنظم ضد الناس المدنيين، حيث ترك أغلب المنشقين في البداية أسلحتهم وراءهم و كل ما يربطهم بالجيش، لكن تزايد عنف النظام قاد البعض منهم للتفكير بضرورة حمل السلاح لحماية أنفسهم أولاً، و لحماية المتظاهرين من أهاليهم و أصدقائهم و جيرانهم في الحي أو القرية، ممن خرجوا يطالبون بالتغيير و الحرية و الكرامة، إذ عاد أغلب المنشقين إلى حواضنهم الاجتماعية، يحمونها و يحتمون بها. خاصة في غياب أي مؤسسة بديلة يمكن للمنشقين أن يذهبوا إليها.

فهل من حقنا إدانة أولئك الأحرار الذين انشقوا عن جيش النظام كي لا يطلقوا النار على المتظاهرين السلميين؟ و إذا كان الجواب بالنفي وفق اعتقادي، فهل يعفينا ذلك من تقييم هذه الظاهرة و مآلاتها التي ذهبت بعيدا عن الأماني الطيبة لهؤلاء الأفراد؟

و لماذا عجزت كل الفصائل و الكتائب العسكرية التي تشكلت في رحم الثورة، عن توحيد جهودها و مأسسة ذاتها بالمعنى العسكري و التنظيمي، كبنية موحدة في مواجهة النظام التي اتفقت جميعها على ضرورة إسقاطه؟

إشكالية الحالة السورية مقارنة بأغلب الثورات الكلاسيكية التي عرفناها سابقا، أن الثورة فعل إرادي و منظم مسبقا، و ليست عملاً عفوياً يحدث بالصدفة، حتى لو حكمت العفوية بعض مراحل تطور هذا الفعل، فهذه القصديّة أو الإرادويّة كانت موجودة في الثورة الفرنسية و في الثورة الروسية أيضا، و حتى ما عرف لاحقا بثورات التحرر في فيتنام و الجزائر و أنغولا و بعض دول أمريكا اللاتينية وصولاً إلى الثورة الفلسطينية، كان يوجد دائما مركز قرار سياسي منظم، يشرف على تشكيل جناح عسكري، حتى في تجربة الجيش الإيرلندي أو نماذج حرب المدن و تجربة “التوباماروس”، كلها تندرج في إطار “حرب التحرير الشعبية” أو ما يعرف بحرب العصابات، غير أن الحالة السورية كانت على النقيض من ذلك، إذ افتقدت منذ البداية إلى قيادة يمكن أن ترسم خططا و تضع برامجَ و تقود الثورة.

بلغ عدد حالات الانشقاق عن الجيش السوري حتى نهاية العام 2011م حوالي  22 ألف حالة انشقاق، إلا أنها كما أشرنا كانت محكومة بالعفوية و المبادرة الشخصية، كرد فعل ملتبس بالكثير من المشاعر الإنسانية و الوطنية، و ربما مشوبة بظلال من الأيديولوجيا و التمذهب أحيانا، لكنها بالتأكيد غير منظمة، حتى أن بعضهم بكى عندما تخلى عن بندقيته، و آخرون رفضوا تدمير السلاح، و ربما لم يملك أغلبهم الوعي بأن انشقاقهم يشكل خطوة باتجاه تدمير إحدى أهم مؤسسات الدولة السورية/الجيش، و هذا جزء من سجال لاحق حول استقلالية الدولة عن النظام، فعملية الانشقاق عن الجيش، لم تتم لصالح مؤسسة بديلة، و إن سعت لاحقا بعض التنظيمات أو الجهات للاستفادة منها.

أولى حالات المأسسة ظهرت في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، بالإعلان عن تشكيل “المجلس المؤقّت العسكري”، برئاسة رياض الأسعد، للعمل على إسقاط النظام، و حماية السوريين من القمع الذي يُمارس ضدّهم، ليظهر لاحقا “المجلس العسكري الثوري الأعلى” كنقيض للتشكيل الأول، قبل أن تتشكل “القيادة المشتركة للجيش الحر” في محافظات دمشق و حمص و حماه و إدلب و دير الزور، ثم تشكلت “القيادة المشتركة للمجالس العسكرية الثورية”، كإطار أوسع للجيش الحر،  لنفاجأ في كانون أول/ ديسمبر من العام 2012 بتشكل “هيئة القوى الثورية” من 261 ممثلاً عن الكتائب و الفصائل و قادة الألوية انتخبوا “مجلس القيادة العسكرية العليا”.

خمسة تشكيلات عسكرية ظهرت و تلاشت خلال عام واحد تقريبا، مما يؤشر على أزمة هذه البنية غير المستقرة، و عجزها عن التوحد، فإضافة لما أشرنا إليه من غياب مركز قيادي موحد بالمعنى السياسي أو الوطني، تكشّف الدور الإقليمي و الدولي لاستجرار ولاءات شخصية خارج أي مشروع وطني، عبر التمويل الذي يذهب مباشرة إلى قادة الفصائل و التشكيلات الميدانية، و ليس إلى جهة مركزية يمكن أن تسعى لمأسسة هذه الظاهرة، و التي تراجعت كثيرا عندما بدأ المال الخليجي يركز على تمويل الفصائل و الكتائب المتشددة إسلاميا، و التي لم تعترف بالمجالس العسكرية التي تشكلت فيما سبق، مثال الدور الذي لعبه “المحيسني” في تمويل لواء الفتح و”جبهة النصرة”، قبل أن يخرج من صيغتها الأحدث “هيئة تحرير الشام”، و أمثال “المحيسني” كثر بين ممولي الفصائل و شرعييها المتحكمين بها، و الذين ساهموا بانزلاق هذه التشكيلات إلى الأسلمة و التطرف، و إن بدرجات مختلفة.

كما أن الانفصال بين القيادات العسكرية التي استقرت في تركيا بشكل عام، و بين الفصائل الميدانية التي تقاتل داخل سورية، غذّى الميل باتجاه الفصائلية، إضافة لتشرذم تلك القيادات و الخلافات فيما بينها، حتى أنها انقسمت في إحدى المخيمات التركية إلى مجموعة العمداء و مجموعة العقداء، على سبيل المثال.

بالمقابل تبخرت كل وعود الغرب و الإدارة الأمريكية بخصوص دعم الثورة، حتى أن اجتماع “أصدقاء الشعب السوري”، المنعقد في تونس بتاريخ 24/ 2/ 2012، للمساهمة بدعم الثورة السورية عسكريا، و الذي قرر إنشاء غرفتي “الموم” في الشمال بإشراف تركيا، و”الموك” في الجنوب بإشراف الأردن، تكشف لاحقا أنه يهدف للرقابة، بشكل أساسي، على عدم وصول أي سلاح نوعي للفصائل خشية أن ينتهي بأيدي الفصائل المتشددة إسلاميا، حتى مشاريع تدريب بضع عشرات من المقاتلين التابعين لفصائل حصلت على حسن سلوك غير إسلامي، لم تشكل أي فارق ملموس طيلة حقبة الرئيس أوباما، لكنها حكمت بشلل المواقف الأوروبية و غيرها الداعمة لتغيير نظام الأسد.

تجارب الائتلاف الوطني للمساهمة في مأسسة الجيش الحر، لم تكن أفضل حالا من عجزه عن مأسسة ذاته، أو عجزه عن تبني مشروع وطني موحد للسوريين، لأن تركيا التي منحت للائتلاف و بعض قيادات المعارضة العسكرية مكانا آمنا، كانت حريصة “حتى أشهر مضت” على عرقلة كل استقلال لبنى و مؤسسات الثورة، من خلال رفضها إشراف أي من تلك المؤسسات شبه الرسمية كالائتلاف أو الحكومة المؤقتة أو الجيش الحر، على المعابر مع سورية، لأن ذلك يمكن أن يؤمّن لتلك المؤسسات دخلا و تمويلا يعفيها من تسول المساعدات، و يخرجها من الارتهان لرغبة و إرادة الممولين و مصالحهم الإقليمية.

في مداخلة للواء سليم إدريس قائد أركان الجيش الحر عام 2014، أمام “الهيئة العامة لائتلاف قوى الثورة و المعارضة”، تتطرق فيها بإسهاب و أرقام حسابية تفصيلية، للكثير من الإشكاليات التي تتعلق بغياب جيش وطني، موضحا أن الخطط و التصورات و القوى البشرية كلها جاهزة، لكن لا يوجد أي تمويل يساعد على تحقيق هذا الهدف، مضيفا أن ما توفر من تمويل كان يذهب إلى الفصائل و الكتائب التي تبيع الولاءات لمن يدفع فقط.

من درع الفرات إلى عفرين

انسحاب الإدارة الأمريكية من الملف السوري طيلة سنوات أوباما العجاف، انعكس سلبا على كامل المشهد السوري، فروسيا التي أعلنت البدء بسحب قواتها من قاعدة طرطوس، إثر تهديد أوباما بعيد ضربة الكيماوية في غوطة دمشق ديسمبر 2013، و التي راح ضحيتها أكثر من 1400 شخص، جلهم من الأطفال و النساء، استعادت مواقعها بسرعة إثر صفقة تسليم مخزون النظام من السلاح الكيماوي، و اكتسب بوتين شرعيةً و نفوذاً لم يكن يحلم بتحقيقهما في يوم من الأيام، حتى غدا اللاعب الأول في الملف السوري.

كما انتقل تنظيم P.Y.D من المسار الروسي إلى المسار الأمريكي، كوّن مليشيا “وحدات حماية الشعب/ “P.Y.G التابعة له، هي الفصيل الوحيد غير الإسلامي الذي يمكن أن يحمل مشروع إعادة ترتيب المنطقة، وفق ما بدأه باسم “الإدارة الذاتية”، لكن هذا التنظيم الذي بدأ مسيرة غير ديمقراطية، لم يُحسن التعامل لا مع الكرد و لا مع محيطهم المتنوع، و لم يستطع أن يكون حاملا لمشروع وطني يجمع حوله الكرد و من ثم باقي المكونات السورية، فبقي رغم الديماغوجيا الكثيرة التي تقال بهذا الصدد،  فصيلاً منافسا للفصائل الإسلامية، و لم يكن رهانه على الكرد أو السوريين أو على الديمقراطية و المواطنة، بقدر ما كان على التحالفات البراغماتية و الدعم الخارجي، هذا الدعم الذي تخلى عنهم بسهولة في معارك “درع الفرات” فهزموا في أعزاز و في عفرين، و تل رفعت، حتى أنهم اضطروا للاستنجاد بجيش النظام دون جدوى، و ما زال وضعهم في منبج رهن التفاهمات التي يمكن أن تحصل بين الإدارة الأمريكية وتركيا.

بالمقابل حملت تركيا عضو “حلف الناتو” العسكري مخاوفها بخصوص مشروع P.Y.D، و ذهبت باتجاه الكرملين الذي رحب بالحليف الجديد، و اعتبره مع إيران جزءا من أوركسترا “أستانا” التي سيضبط بوتين لاحقا إيقاعها في رسم مسارات التفاوض و رسم الخرائط في سورية، خاصة بعد معركة حلب التي شكلت هزيمة لخيارات العسكرة و الفصائلية المرتبطتين بالتطرف الإسلامي، هذا التطرف الذي اشتغلت عليه قوى إقليمية عدة بمعنى التمويل و الأيديولوجيا و التسهيلات اللوجستية، دون أن نغفل دور النظام في دعم هذا التطرف الإسلامي عبر استدعاء نقيضه من المليشيات الطائفية و من كل الجنسيات، المرتبطة بالمشروع الإيراني في المنطقة.

إثر هزيمة حلب تقلصت بنى ما يُسمى “جيش حر”، بالعدد و بالمعنى النسبي و الضيق لهذه التسمية، و تحديداً بعد التزام تركيا إلى جانب إيران و روسيا في مسار “أستانا”، الذي أعلنت تلك الفصائل رفضه بداية، لكنها عادت صاغرة للالتزام بالقرار التركي للمشاركة، و جرى في هذا السياق تظهير أسامة أبو زيد فجأة كناطق رسمي لتلك الفصائل و عراب لهذا المسار الجديد، الذي يجبّْ مسار جنيف التفاوضي من جهة، و يُبعد المستوى السياسي عن صنع القرار ليحل محله المستوى العسكري، لكن أبو زيد حين تلكأ بعض الشيء، و بشكل خاص فيما يخص التحضيرات لمؤتمر سوتشي، جرى استبداله في الجولة السابعة من ماراتون “أستانا” المتسارع بالسيد أيمن العاسمي ناطقا باسم الوفد و الدكتور أحمد طعمة رئيسا له، و حين أرسل د. طعمة إلى مؤتمر “سوتشي” لم يتمكن من إكمال مشواره، و جاءت عبارته الأخيرة في مطار سوتشي معبرة عن واقع الحال، حين طلب أن تمثلنا تركيا في هذه المفاوضات!

قبضت تركيا سلفا من الروس و الإيرانيين، ثمن مشاركة الجيش الحر في أستانا و لاحقا في سوتشي، حيث حصلت على تفويض في جزء كبير من شمال سورية، يمتد من إدلب إلى عفرين، و ربما يصل قريبا إلى أعزاز، فيما رفضت الإدارة الأمريكية عقد هذه الصفقة لصالحها، و تعززت في الوقت ذاته عن الوقوف في مواجهتها حين عُقدت لصالح الروس، و أصبحت تركيا بذلك هي اللاعب الضامن في مؤسسات المعارضة السورية، الائتلاف و الحكومة المؤقتة و إلى حد بعيد الهيئة العليا للتفاوض، و بقي عليها تطوير أداء ما بقي من الجيش الحر في رعايتها، و هي فصائل “درع الفرات”، التي فقدت الكثير من هيبتها في أستانا و سوتشي لاحقا، مما اضطر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإعادة الحيوية و الاعتبار لهذه الفصائل، حين منحها في شهر شباط/ فبراير 2017 لأول مرة صفة “الجيش الوطني لسورية”.

و قد استجاب رئيس الحكومة المؤقتة د. جواد أبو حطب لهذه الإشارة، و بادر للإعلان عن تشكيل “الجيش الوطني السوري” إثر اجتماع بمقر القوات الخاصة التركية بتاريخ 24/10 /2017، بحضور كلاً من والي غازي عينتاب و والي كلّيس، و قائد القوات الخاصة التركية و ممثلي الاستخبارات التركية، و أعضاء الحكومة السورية المؤقتة، و نائب رئيس الائتلاف السوري المعارض، و قادة فصائل الجيش الحر المتواجدين في منطقة “درع الفرات”.

هذا الاجتماع الذي أعلن تشكيل “الجيش الوطني السوري” على مرحلتين، و وفق ترتيبات محددة من فيالق و فرق و ألوية وكتائب، أعلن فيه أيضا، و لأول مرة، عن توحيد كل المعابر في منطقة “درع الفرات” و جمع كل وارداتها في خزينة موحدة تحت إشراف الحكومة السورية المؤقتة، لتوزع بشكل عادل على كل من الحكومة المؤقتة و المجالس المحلية و الجيش الحر، بعد أن انضبطت بشكل كامل بالإيقاع التركي.

و قد هدف هذا الاجتماع و كل مقرراته بالدرجة الأولى إلى منح الفصائل المشاركة في “درع الفرات” اليافطة الوطنية، لتبرير دخول تركيا إلى شمال سورية و”عفرين” تحديدا، لتصفية الحسابات التركية مع الكرد عبر البوابة السورية!

الأخطاء القاتلة

إن مجرد التفكير بعسكرة الثورة، في مواجهة نظام يملك ميزان قوى أفضل بالمعنى التنظيمي و مركزية القرار، إضافة للتفوق في نوعية التسليح و العتاد الحربي، ناهيك عن سلاح الطيران الذي يمكنه تغيير المعادلات القتالية، و خاصة بغياب توازن في التحالفات الإقليمية و الدولية تدفع لتحييد هذا السلاح، إن مجرد التفكير بعسكرة الثورة وفق هذه المعطيات يشكل خطأ قاتلاً، و يمنح النظام تفوقا قتاليا بالضرورة.

فكيف إذا كان الأمر مع عسكرة فصائلية، عجزت كما رأينا عن توحيد نفسها أو حتى تنسيق جهودها، و لم تستطع أن تكوّن أي رؤية استراتيجية للصراع مع نظام مدعوم إقليميا و دوليا بشكل كبير، بل زادت من فصائليتها حين ربطتها بالمناطقية، فلم تتحرك الفصائل العسكرية في “الموحسن” لنجدة مثيلاتها في “دير الزور” مثلا! و لم يحصل العكس أيضا، و لم يتحرك جيش الإسلام في “دوما” لدعم أنبل فصائل الجيش الحر التي قاتلت و صدّت جيش النظام لسنوات، قبل أن يتمكن هذا الأخير من اقتحام “داريا” و احتلالها، بمساعدة المليشيات الطائفية.

يمكن التأكيد أنه باستثناء فصيل “وحدات حماية الشعب” الكردية، كانت كل فصائل الجيش الحر إسلامية إلى هذه الدرجة أو تلك، كما اتبعت أغلب الفصائل التكتيكات القتالية وأساليب الإدارة للمناطق التي دعيت محررة عبر المحاكم الشرعية ذاتها التي اتبعتها الفصائل الإسلامية المتشددة، و تعززت هذه الميول أكثر في ضوء تقاعس المجتمع الدولي و تخلي الليبراليات الغربية عن مسؤوليتها في حماية السوريين، و مساعدتهم على تأسيس بنى وطنية و ديمقراطية للمعارضة السورية السياسية و العسكرية، مما شجع على ارتهان تلك الفصائل بسهولة أكثر إلى مصادر التمويل الخليجية، كما أدت سياسة الإدارة الأمريكية و الغرب لتجفيف منابع دعم الجيش الحر و تسليحه، إلى هروب الكثير من مقاتليه و أحيانا فصائل كاملة باتجاه المنظمات الأكثر تطرفا و أسلمة كالنصرة و داعش اللتين تمتلكان مصادر تمويل و تسليح مستقرة.

غياب أي رؤية للاستراتيجية العسكرية عند فصائل الجيش الحر، بالتوازي مع غياب أي رؤية وطنية لديها، ساهم بانزلاق أغلبها في اتجاه الأسلمة و التطرف، مما أبعد كل الحلفاء المحتملين لثورة الشعب السوري، و نجح النظام و معه روسيا بجر العالم كله، إلى فخ محاربة الإرهاب، التي غيرت بالضرورة من طبيعة الصراع كثورة شعب ضد الديكتاتورية، إلى حرب أهلية بين النظام و قوى الإرهاب، المصنفة الأخطر على العالم أجمع، بعدما ضربت في باريس و بروكسل و برلين و في باقي عواصم العالم.

غياب الرؤية الاستراتيجية لتلك الفصائل، شجعها أيضا على خيار تحرير البلدات و المدن عسكريا، إن لم يكن النظام قد استجرها لذلك، و أصبحنا نسمع عن مناطق محررة، لكنّ هذه الفصائل التي قادت عملية التحرير، عجزت عن تقديم بديل ديمقراطي لإدارة شؤون السكان، الذين ارتهنوا لعسف المحاكم الشرعية، و بطش و جور أمراء الحرب، مما ساهم بتدمير الحاضنة الشعبية للثورة، بالتوازي مع تحويل هذه المناطق المحررة إلى أهداف لقصف النظام و حلفائه، و تدمير هذه القرى و المدن و تهجير سكانها المدنيين، دون الاهتمام بالخيار التاريخي لحرب التحرير الشعبية، التي تضرب وتختفي كي لا يتم ضربها في ظل توازن قوى لا يمكن أن يكون في صالحها.

و قد اعترف جيش الإسلام قبل نحو عام من هذا التاريخ بخطأ احتلال المدن، لكنه لم يسع إلى تجاوز أخطائه قبل معركة الغوطة الأخيرة، التي دفعت ثمنها كل الفصائل المقاتلة، و يبقى الثمن الأكبر ما تكبده المدنيون في هذه المناطق، قتلا و تدميرا و تهجيرا.

لم يكن وضع “وحدات حماية الشعب P.Y.D” التي تنفرد بعقيدة أيديولوجية و قتالية غير إسلامية، إلا نسخة رديئة من الفصائلية التي افتقدت المشروع الوطني و الرؤية الاستراتيجية، فالفصائلية لا يمكن أن تحمل مشروعاً وطنياً، و هذا المشروع لن تنتجه الأجهزة التركية مهما رفعت يافطة الوطنية، و سيبقى كرد سورية جزءاً من النسيج الوطني السوري، شاءت تركيا أم أبت، فالمشروع الوطني السوري هو الذي يمثل كل السوريين و يعبر عن طموحاتهم، باتجاه رؤية لمستقبل سورية تقوم على أساس دولة المواطنة و الديمقراطية المتساوية.

و حركة التاريخ لن تعود 1400 سنة إلى الخلف، مهما ارتكست اليوم أو غداً.

الرابط : https://www.salonsyria.com/%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%AA%D9%84/

قراءة 716 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 03 آب/أغسطس 2022 08:01

أضف تعليق


كود امني
تحديث