(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الأربعاء, 10 أيلول/سبتمبر 2014 12:20

عودة نابليون!

كتبه  الدكتور محمد سليم العوا
قيم الموضوع
(0 أصوات)
 

يروي الجبرتي في تاريخه أن الفرنسيس حين حلولهم بالإسكندرية كتبوا مرسوماً ، و طبعوه ، و أرسلوا منه نسخاً إلى البلاد التي يقدمون عليها تطميناً لهم . و ذكر الجبرتي نص ذلك المرسوم ، فجاء مفتتحاً بالبسملة و شهادة أن لا إله إلا الله . و تحدث عن الظلم الذي يوقعه المماليك على أهل مصر و أنهم يتعاملون بالذل و الاحتقار مع الملة الفرنساوية ،  و قد حضر الآن ساعة عقوبتهم ، و أن رب العالمين القادر على كل شيء قد حكم على انقضاء دولتهم . ثم خاطب نابليون المصريين بقوله : " قد قيل لكم إنني ما نزلت بهذا الطرف (أي أرض مصر) إلا بقصد إزالة دينكم ، فذلك كذب صريح . . . فلا تصدقوه ، و قولوا للمفترين إنني ما قدمت إليكم إلا لأخلص حقكم من يد الظالمين و إنني ـ أكثر من المماليك ـ أعبد الله سبحانه و تعالى ، و أحترم نبيه و القرآن العظيم . و قولوا لهم أيضا إن الناس متساوون عند الله و إن الشيء الذي يفرقهم عن بعض هو العقل و الفضائل و العلوم فقط . . . فإن كانت الأرض المصرية التزاماً للمماليك فليرونا الحجة التي كتبها الله لهم ! و لكن رب العالمين رؤوف و عادل و حليم . و بعونه تعالى ، من الآن فصاعداً ، لا ييأس أحد من أهالي مصر عن الدخول في المناصب السامية ، و عن اكتساب المراتب العالية . فالعلماء و الفضلاء و العقلاء بينهم سيدبرون الأمور و بذلك يصلح حال الأمة كلها . أيها المشايخ و القضاة و الأئمة و أعيان البلد : قولوا لأمتكم إن الفرنساوية هم أيضاً مسلمون مخلصون . . . صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني ، و أعداء أعدائه . . . طوبى ثم طوبى لأهالي مصر الذين يقفون معنا بلا تأخير ، فيصلح حالهم و تعلو مراتبهم . . لكن الويل كل الويل للذين يعتمدون على المماليك في محاربتنا فلا يجدون بعد ذلك طريقاً للخلاص و لا يبقى منهم أثر ! " تذكرت هذا المنشور العجيب ، المستخف بعقول المصريين ، الذي كتبه نابليون بونابرت ، أو كتب له ، ليستميل به قلوب المصريين حين تنزل قواته الغازية المعتدية إلى بلادهم ، تذكرته و أنا أستمع مساء أمس (السبت 3/11) إلى السيد كريستوفر روس ، المستشار في وزارة الخارجية الأمريكية ، و هو يقرأ بياناً كتب له بالغةالعربية أذيع تسجيله في محطة تليفزيون الجزيرة . كان السيد روس ، أو بونابرت العائد من جزيرة كورسيكا ، يقول : إن الزعم بأن الحرب التي تشنها أمريكا هي ضد المسلمين الأفغان ، أو ضد الإسلام ، أو الشعب الأفغاني ، هو خطأ . و الصحيح أن هذه الحرب ضد طالبان الظالمة التي قتلت آلافاً من خصومها الأفغان المسلمين (كما كان نابليون يحارب المماليك الظالمين) ! و إن الولايات المتحدة تقدر الإسلامي الحنيف (كما كان نابليون يعبد الله و يحترم نبيه و القرآن الكريم) . و قال السيد روس إن المسلمين في أمريكا ، و هم بضعة ملايين يؤدون شعائر الصلاة في عديد من المساجد آمنين (و لكنه لم يذكر أن مساجد قد أحرقت و مقابر إسلامية نبشت ، في تكساس على الأقل ، و أن الذين فعلوا ذلك كانوا من الأمريكيين الخاص و لم يكن من بينهم شخص واحد من طالبان !) . و قال السيد روس إن هدف أمريكا من الحرب هو القضاء على الإرهابيين المختبئين عند طالبان لأنهم ارتكبوا الهجمات الإرهابية على واشنطن و نيويورك (و هذه شنشنة نعرفها من أخزم ، لم يعد يصدقها أحد بعد أن عجزت الحكومة التي يخدمها السيد روس و أمثاله عن تقديم دليل واحد مقنع ، أو نصف مقنع ، على هذا الزعم المحض) . و قال أيضاً إن الهدف من الحرب هو تخليص الأفغان من طالبان ( و المقصود طبعاً هم أولئك المتحالفون مع أمريكا ، الذين كانوا يستعرضون في البرنامج نفسه بعض قواتهم و قد ارتدى أفرادها ملابس جديدة نظيفة و أنيقة قال المعلق إن الولايات المتحدة ،أهدتهم إياها ! و هؤلاء هم نظراء الذين قال لهم نابليون : طوبى ثم طوبى للذين يقفون معنا بلا تأخير ، فيصلح حالهم و تعلو مراتبهم ! ) . و قال السيد روس إن هزيمة طالبان و الإرهاب باتت أمراً مؤكداً ، قريباً ، و عندئذ ستتحرر أفغانستان من طغيانهم الذي يبرأ منه الإسلام الحنيف ، ( و هذا الكلام هو نفسه الذي قاله نابليون : الويل كا الويل للذين يعتمدون على المماليك [ = اليوم : طالبان ] في محاربتنا ، فلا يجدون بعد ذلك طريقاً للخلاص و لا يبقى منهم أثر ! ) . لقد كان حديث السيد كريستوفر روس ناطقاً ـ و هو يتكلم بعربية قليلة اللكنة ، و إن فضح عجمته حرفا الضاد و الدال المتواليان في كلمة ضد! ـ كان حديثه ناطقاً بأن أمريكا هي حامية حمى الإسلام ، حتى بلغت به الجرأة أن يقول إن المسلمين في الولايات المتحدة يمارسون شعائرهم في حرية لا يستطيعون ممارستها بها في بلاد الإسلام نفسها . و أثارت روح الحديث الجريئة ، و لغته العربية المتقنة الصنعة ، و نظرت المتكلم المتحدية في غطرسة بادية لا يخفيها ، أثارت كلها عندي أمنية و سؤالا : فأما الأمنية فهي أن يقرأ السيد روس ما كتبه نقولا ترك في مذكراته (ص24) حيث قال عن الحملة الفرنسية التي كان معاصراً لها : " و لكن المصريين لم يقبلوا هذا الجنس الفرنسي بالكلية . لأنه أولا ضد ديانتهم، ثانيا ضد لغتهم ، ثالثا ضد كَسْمِهم ، رابعاً لوجود عداوة قديمة بين أهل مصر و الفرنساوية من عهد السلطان بيبرس و السلطان لويس الفرنساوي حين وصل المنصورة ، و هناك عساكره انكسرت و عساكر الإسلام انتصرت . . . " . تمنيت أن يقرأ هذا السيد روس ، و من كتب له بيانه ، ليتذكرا أنه في أفغانستان عساكر التتار و الإنجليز و الروس الشيوعيين انكسرت ، و عساكر الأفغان البؤساء ، على مر التاريخ ، انتصرت ! و أما السؤال الذي أثاره عندي كلام السيد روس فهو : كيف استطاع الأمريكيون استبقاء كاتب بيان نابليون بونابرت حياً ، لأكثر من قرنين من الزمان ، حتى يكتب لهم بيان السيد روس ؟

الرابط:

http://el-awa.com/new2/main.php?pg=library&act=show_article&art=88&cat=11&type=1

 

قراءة 2350 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 08 تموز/يوليو 2015 19:25